1- مقدمة

الحب من طبيعة الإنسان، فالحب عمل قلبي، ولذا كان الحب موجود منذ وجد الإنسان على ظهر هذه الأرض، وتظل المحبة على وجه الأرض ما بقي إنسان. والحب في القرآن الكريم هى علاقة بين الخالق وخلقه وبين الوالد وولده وبين بني الإنسان بعٍضهم بعٍضا .

2- الحب معيار الإيمان

والإيمان في الإسلام قائم على المحبة ، ومؤسس على المودة ..

قال الله تعالى:

( إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ )

هود : 90

جعل الله جل جلاله الحب معيارًا للإيمان، ومعيارًا للكفر؛ فمعيار الإيمان أن يحب المرءُ الإيمانَ، والطهارة، والمغفرة ، فمن أحبها فهو مؤمن،

قال الله تعالى:

( وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبّاً لِلَّهِ )

البقرة: 165

وأما معيار الكفر فإن المرءَ يحب الكفر والعمَى والأنداد من دون الله جل جلاله،

قال الله تعالى:

( وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ )

البقرة: 165

وأن يُحِبَّ أن يُحمَد بما لم يفعل،

قال الله تعالى :

﴿ لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنَ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾

آل عمران: 188

ويحب أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا.

قال الله تعالى :

﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ﴾

النور: 19

 ( لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ  )

آل عمران: 92

3- إثبات المحبة

  صفة لله تعالى

أثبتَ القرآن الكريم صفةَ الحب لله جل جلاله

قال الله تعالى:

( إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ )

هود : 90

( وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ )

البروج : 14

و قد ذكر من يحبه الله سبحانه من عباده المؤمنين وذكر ما يحبه من أعمالهم وأقوالهم وأخلاقهم ، وهي .

أ – أمور يحبها الله

1- المحسنين

إن الإحسان في القرآن الكريم له معنى أوسع من كونه مجرد إحسان العبادة لله تعالى, فهو يتجاوز هذا المعنى إلى آفاق ومعان أخرى تشمل الأخلاقيات والسلوكيات الحياتية كافة. و لقد أخبر الله سبحانه و تعالى عن محبته للمحسنين  من عباده .

قال الله تعالى:

( وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ )

البقرة : 195

2- الصابرين

فالصابرون هم الذين يصبرون على الطاعة، ويصبرون عن المعصية، ويصبرون على قدر الله، و لقد أخبر الله سبحانه و تعالى عن محبته للصابرين من عباده .

قال الله تعالى:

( وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ )

آل عمران: 146

3- المقاتلين في سبيله

و لقد أخبر الله سبحانه و تعالى عن محبته للمقاتلين في سبيله من عباده .

قال الله تعالى:

( إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنيَانٌ مَرْصُوصٌ )

الصف: 4

4- المتقين

تقوى الله بمعنى أن يجتنب ما نهى الله عنه وحرمه عليه، ولا يفعل إلا ما أحله الله وأذن له فيه ، و لقد أخبر الله سبحانه و تعالى عن محبته للمتقين من عباده .

قال الله تعالى:

( إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ )

التوبة: 4

5- المقسطين

والمقسطون هم المنصفون العادلون في أحكامهم وأقوالهم بين الناس ، فلا يظلمون أحدًاً فهم ينصفون الناس، ويعطونهم الحق والعدل  ، و لقد أخبر الله سبحانه و تعالى عن محبته للمقسطين من عباده .

قال الله تعالى:

( إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ )

الممتحنة : 8

6- المتوكلين

إن المتوكلين هم الذين يقدمون علي فعل ما أمر الله تعالى به مع الأخذ بالأسباب الضرورية له، مع تفويض النتائج إلى الله ، و لقد أخبر الله سبحانه و تعالى عن محبته للمتوكلين من عباده .

قال الله تعالى:

( إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ )

آل عمران: 159

7- المطَّهَّرين

والله يحب المتطهرين بالتورع والاستغفار من الذنوب والمعاصي والآثام والحماقات التي تبعدهم عن الله عز وجل و لقد أخبر الله سبحانه و تعالى عن محبته للمطَّهَّرين من عباده .

قال الله تعالى:

( والله يحب المطَّهَّرين )

التوبة 108

8- التوابين

التوابون هم الذين عادوا من معصية الله إلى طاعته، ومما لا يحبه الله جل وعلا إلى ما  يحبه، و لقد أخبر الله سبحانه و تعالى عن محبته للتوابين من عباده .

قال الله تعالى:

( إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ )

البقرة 222

وبالجملة فإن طريق محبة الله طاعة أوامره واجتناب نواهيه بصدق وإخلاص.

ب –  أمور لا يحبها الله

أن الله جل جلاله لا يحب الأعمال السيئة على مختلف أنواعها، وأنه جل جلاله يكره بعض الاعمال، ولكنه لم يذكر أنه يكره أشخاصا بعينهم. وهي

1- المعتدين

تعددت وجوه الاعتداء في القرآن الكريم ،منها الاعتداء في الدعاء كأن يدعو بإثم أو قطيعة رحم، والاعتداء في القتال كأن يقاتل المسلمون من لم يقاتلوهم، أو يعتدوا على النساء والشيوخ والصبيان في الحرب، أو يمثلوا بالأعداء في الحرب، أو يقاتلوا من أجل حمية أو سمعة، أوالاعتداء على حق الله سبحانه وتعالى في التحليل والتحريم، فالاعتداء بشتى صوره لا يحبه الله .

قال الله تعالى:

( إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ )

البقرة: 190

2- المفسدين

والفساد  يكون  على  النفس بالإصرار  على الكفر  وارتكاب  المعاصي، و ترك  امتثال الأوامر، واجتناب النواهي، وعلى الناس ببث الصفات السيئة والدعوة إليها، وهذا يترتب عليه فساد المجتمع . فالمفسدون الذين ابتعدوا عن منهج الله القويم، فقدوا محبة الله ورضوانه، وقد توعدهم الله بإلقاء العداوة والبغضاء بينهم إلى يوم القيامة

قال الله تعالى:

( وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ )

المائدة: 64

3- الكافرين

لقد أخبر الله سبحانه و تعالى إنه لا يحب الكافرون ولا يرضى عنهم ، و إ ن الكافر ليس أهلا لمحبة الله .

قال الله تعالى:

( فَإِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ )

عمران: 32

4- الظالمين

فالظلم قد يكون ظلمًا للنفس ، وقد يكون ظلمًا للآخرين ، ولكن من أظلم  الظلم على الإطلاق الشرك بالله . والله لا يحب الظالمين سواء كانوا من الحكام أو المحكومين، سواء كان من المسلمين، أو من الكافرين، فالظالمون لا يحبهم الله، وقد أخبر عن عدم محبته لهم .

قال الله تعالى:

( وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ )

آل عمران: 57

5- المسرفين

الإنفاق في طاعة الله عز وجل، لا يعد ، إسرافا ولو أنفق الإنسان كل ماله، ولكن الإسراف أن ينفق في معصية الله عز وجل، وسواء كانت هذه النفقة قليلة أو كثيرة فهي تدخل في باب الإسراف، وفاعلها من الذين لا يحبهم الله عز وجل .

قال الله تعالى:

( إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ )

الأنعام: 141

6- المستكبرين

أنَّ المتكبر لا يحترم إمراً بمعروف، ولا نهياً عن منكر، ولا يلتزم ذلك، لأنَّه يرى نفسه فوق الحق وفوق الناس، فالمستكبرين لا يحبهم الله، وقد أخبر عن عدم محبته لهم .

قال الله تعالى:

( إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ )

النحل: 23

7- الخائنين

الخائن لا يؤتمن على مال ولا على عرض ولا على عمل، ولا على دين، فهو منبوذ من الناس، ملعون من الله تعالى ، وذلك لأن الخيانة صفة تنكرها الفطرة النقية، وتأباها النفوس التقية ، فالخائنين لا يحبهم الله، وقد أخبر عن عدم محبته لهم .

قال الله تعالى:

( إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ )

الأنفال: 58

8- الفرحين

إن للفرح قيمة كبيرة لدى الإنسان ، فهو شعور و احساس رائع ، وهذا الفرح غير مذموم إذا لم يبعد الإنسان عن الآخرة، و لكن الله لا يحب الفرحين الذين يفرحون بالدنيا فرحا  يلهيهم عن حقوق الله في أبدانهم وأموالهم. الفرحون لا يحبهم الله، لا سيما إذا طغوا أو عتوا وعبروا عن فرحهم  بأسلوب طاغي، ولم يعبروا عن ذلك بشكر الله وتسبيحه، واستغفاره والعودة إليه والإقبال عليه.

قال الله تعالى:

( إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ )

القصص: 76

9- المختال الفخور

إن الله سبحانه وتعالى لا يحب كل مختال فخور بعمله مراء به ، فالمؤمن يفعل  الأعمال لله، ولايفخربها ،ويعددها ،ولكن يعلم أن الله مطلع عليها ، فهو يخفيها لله.

قال الله تعالى:

( إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ )

لقمان: 18

10- المتمادٍ في الإثم والحرام والمعاصي

فالمتمادٍ في الإثم والحرام والمعاصي لا يحبهم الله، وقد أخبر عن عدم محبته لهم ..

قال الله تعالى:

 ( وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ )

البقرة: 276

4– الحب في

    حق الإنسان

وحب العبد يختلف تمامًا عن صفة الحب التي يتصف بها الله جل جلاله؛ فحب العبد حب حاجة مادية أو روحية يحتاجها ليكمل بها نقصًا في شخصيته، وهو على أنواع

أ – الحب الفطري

تتعلق قلوب عامة الناس بحب أشياءَ ذكرها القرآن، وهي من المسائل الفطرية؛ لأنها تتعلق بالفطرة البشرية . وانواع الحب الفطري موجوده داخل النفس البشريه ولا تحتاج الي تحصيل .

1- حب الدنيا وزينتها

قال الله تعالى:

﴿ كَلَّا بَلْ تُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ ﴾

القيامة: 20

أنتم قوم تحبون الدنيا وزينتها، وتتركون الآخرة ونعيمها.

قال الله تعالى:

﴿ زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ ﴾

آل عمران: 14

أما هذه الآية الكريمة فقد جمعت كل ما يحبه بنو آدم مع اختلاف البيئات والأفكار والصفات التي يتفرد بها أي إنسان، ويسعى إليها ويحرص على الحصول عليها.

2- حب المال

قال الله تعالى:

﴿ وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبّاً جَمّاً ﴾

الفجر : 20

وتحبون المال حبًا مفرطًا.

قال الله تعالى:

﴿ وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ ﴾

العاديات : 8

وإنه لحب المال لشديد.

3- حب الوالد لولده

عن حب النبي يعقوب عليه السلام لولده النبي يوسف عليه السلام

قال الله تعالى:

﴿ إِذْ قَالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ﴾

يوسف: 8

ما يدل على أن أبا يوسف – نبيَّ الله يعقوب – عليهما السلام كان يحب أبناءه جميعًا، ولكنه كان يحب يوسفَ وأخاه أكثرَ من الآخرين، ويحب يوسف عليه السلام محبة خاصة.

4- حب المرأة للرجل

و حب الرجل للمرأة

قال الله تعالى:

﴿ وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَنْ نَفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبّاً إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلالٍ مُبِينٍ ﴾

يوسف: 30

ووصل الخبر إلى نسوة في المدينة فتحدثن به، وقلن منكرات على امرأة العزيز: امرأة العزيز تحاول غلامها عن نفسه، وتدعوه إلى نفسها، وقد بلغ حبها له شَغَاف قلبها (وهو غلافه)، إنا لَنراها في هذا الفعل لفي ضلال واضح.

قال الله تعالى:

﴿ قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ ﴾

يوسف: 33

قال يوسف مستعيذًا مِن شرهن ومكرهن: يا ربِّ السجنُ أحب إليَّ مما يدعونني إليه من عمل الفاحشة، وإن لم تدفع عني مكرهن أَمِلْ إليهن، وأكن من السفهاء الذين يرتكبون الإثم لجهلهم.

5- حب الأهل

قال الله تعالى:

﴿ قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ﴾

التوبة: 24

قل – يا أيها الرسول – للمؤمنين: إن فَضَّلتم الآباء والأبناء والإخوان والزوجات والقرابات والأموال التي جمعتموها والتجارة التي تخافون عدم رواجها والبيوت الفارهة التي أقمتم فيها، إن فَضَّلتم ذلك على حب الله ورسوله والجهاد في سبيله فانتظروا عقاب الله ونكاله بكم. والله لا يوفق الخارجين عن طاعته.

6- حب الطعام

قال الله تعالى:

﴿ وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً ﴾

الإنسان: 8

ويطعمون الطعام على حبه – أي الطعام وشهوتهم له – مسكينا ويتيما وأسيرا .

ب – الحب المكتسب

كذلك هناك الحب المكتسب ، فهو صفة مكتسبة ، وتكتسب من خلال الوعي والمعرفة والإدراك لمفهوم ما هو أمامنا . فهو مايميزنا عن باقي المخلوقات ويترك فيه الاختيار للشخص نفسه وعليه فهو قابل للخطاْ والتغير والتعديل فهو يحتاج في تحصيله الي جهد.

1- محبة العبد لربه

قال الله تعالى:

﴿ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ ﴾

آل عمران: 31

إن هذه الآية تدل على صدق محبة العبد لربه، إذ لا يتم له ذلك بمجرد دعوة لسانه فكم من أناس يدعون محبة الله بألسنتهم: وأحوالهم تكذب دعواهم، فعلامة حب العبد لربه وحب الله لعبده طاعة رسول الله فيما أتى به من عند الله .

2- الإ يمان

قال الله تعالى:

﴿ وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ ﴾

الحجرات: 7

 ( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدّاً )

مريم : 96

إن الذين آمنوا بالله واتَّبَعوا رسله وعملوا الصالحات وَفْق شرعه، سيجعل لهم الرحمن محبة ومودة في قلوب عباده.

6 – أنواع المحبة

      في

ضوء القرآن الكريم

ينقسم الحب فى القرآن الكريم إلي قسمين ، هما

أولا- المحبة المحمودة

إن المحبة المحمودة هي المحبة النافعة التي تجلب لصاحبها ما ينفعه في الدنيا والآخرة، وقد  تعددت  وجوه  المحبة  المحمودة  التي  وردت  في  القرءان  الكريم، وهي

1- محبة الله تعالى لعباده

إن من أسمى أنواع المحبة المحمودة أن يحب الله سبحانه وتعالى عبدا من عباده ويحبب الخلق فيه، وموسى عليه السلام كان من عباد الله المحبوبين، وقد حببه إلى عباده، فما من شخص قد ر أى موسى إلا أحبه، وقد أكد الله سبحانه وتعالى على محبته لموسى عليه السلام في القرءان الكريم .

قال الله تعالى :

﴿ أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَىٰ عَيْنِي ﴾

طه 39

2- محبة المؤمنين لربهم

إن من أعظم أنواع المحبة المحمودة محبة الله وحده  ، وهذه المحبة هي أصل السعادة ورأسها ، والشيء قد يحب من وجه دون وجه، وليس شيء يحب لذاته من كل وجه إلا الله وحده لا شريك له، ولا تصلح الألوهية إلا له .

قال الله تعالى :

﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ ﴾

البقرة 165

3- محبةالمؤمنين بعضهم بعضا

جاء في القرآن الكريم موقف المؤمنين بعضهم من بعض في توادهم ومحبة بعضهم، وهذا من فضل الله ونعمته أن جعل المحبة بين المؤمنين حتى بلغوا في محبتهم مبلغا عظيما مدحهم الله عليه وأثنى عليهم ورضي عنهم وكتب لهم الفلاح .

قال الله تعالى :

﴿ وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾

الحشر 9

4- محبة النساء والبنين

إن محبة النساء والبنين من أنواع المحبة المحمودة، و الإنسان بطبعه مجبول على حب الشهوات، ومن هذه الشهوات النساء والبنين .

قال الله تعالى :

﴿ زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ ﴾

آل عمران 14

5- محبة الخير

إن محبة الخير من أنواع المحبة المحمودة، و الخير هنا ليس الذي ضد الشر،فالخير يطلق ويراد به أمر آخر، وقد أطلق الخير في العديد من الآيات القرآنية وقد أريد به المال الكثير تارة،

قال الله تعالى :

﴿ وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ ﴾

العاديات 8

وتارة أخرى أريد به الخيل

قال الله تعالى :

﴿ فَقَالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي حَتَّىٰ تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ ﴾

ص 32

6- محبة المال

إن حب الإنسان للمال، نوعان: نوع يهتدي معه صاحبه إلى وجوه البر المحمودة فينفق من المال مع حبه له وهذا من المحبة المحمودة، ونوع يضل صاحبه به حين يبالغ في حبه للمال مع الإعراض عن إكرام اليتيم واطعا م المسكين .

قال الله تعالى :

﴿ كَلَّا بَلْ لَا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ . وَلَا تَحَاضُّونَ عَلَىٰ طَعَامِ الْمِسْكِينِ . وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلًا لَمًّا . وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا ﴾

الفجر 17- 20

ولكن الذي نحن بصدد الحديث عنه هنا هو نوع من أنواع المحبة المحمودة، وهو محبة الإنسان للمال وذلك لإنفاقه في وجوه الخير، فالإنسان مع شدة حبه للمال إلا أنه ينفقه في وجوه البر مرضاة لله سبحانه وتعالى ، ويأتي ذلك امتثالا للقاعدة الربانية المقررة في الإنفاق

قال الله تعالى :

﴿ لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّىٰ تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ ﴾

آل عمران:92

7- محبة الضرر عن المعصية

محبة يوسف للسجن من المحبة المحمودة على الرغم من كون السجن مكروهـا فـي ذاتـه، ولكنهـا محبــة محمــودة لأنهــا تبعــده عــن ضــرر أكبــر وهــو ارتكــاب الفاحشــة وهــذا فيــه غضــب الله ســبحانه وتعالى.

قال الله تعالى :

﴿ قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ ﴾
يوسف 33

ثانيا –  المحبة المذمومة

بعد الحديث في المبحث السابق عن المحبة المحمودة يأتي الحديث هنا عن المحبة المذمومة التي لا تجلب لصاحبها إلا المضرة، وقد تعددت وجوه المحبة المذمومة التي وردت في القرءان  الكريم .

1- محبة الأنداد من دون الله

قال الله تعالى :

﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ ﴾

البقرة 165

ومع البراهين القاطعة يتخذ فريق من الناس من دون الله أولياء يجعلونهم نظراء لله تعالى، ويعطونهم من المحبة والتعظيم والطاعة، ما لا يليق إلا بالله وحده. والمؤمنون أعظم حبا لله من حب هؤلاء الكفار لله ولآلهتهم؛ لأن المؤمنين أخلصوا المحبة كلها لله، وأولئك أشركوا في المحبة.

2- استحباب الكفر على الإيمان

إن استحبا ب الكفرعلى الإيمان من المحبة المذمومة التي لا يقبلها الله و لا يرضى بها ،ومن يتولى هؤلاء فقد نفى الله سبحانه وتعالى الإيمان عنه، وأخبر أنه من الفاسقين والظالمين.

قال الله تعالى :

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمَانِ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ﴾

التوبة: 23

3- حب المال حبا جما

فالمحبة المذمومة للمال تتمثل في محبة تكديسه،وعدم إنفاقه في وجوه الخير، وقد أكد سبحانه على محبة الإنسان للمال

قال الله تعالى :

﴿ وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا ﴾

الفجر 20

ومن صفاتكم أنكم تحبو المال حبا كثير ، مع حرص وشره ، و الحب المفرط للمال من الصفات الذميمة، لأنه يؤدى إلى جمعه من كل طريق، بدون تفرقة  بين ما يحل منه وما يحرم .

4- حب الشهوات المحرمة

إن الحب هو شعور بالانجذاب والإعجاب نحو شخص ما،أو شيء ما،وقد ينظر إليه على أنه كيمياء متبادلة بين اثنين،  فكان هذا الانجذاب من امرأة العزيز ليوسف عليه السلام، ومحبة امرأة العزيز ليوسف عليه السلام،صورة من صور المحبة المذمومة، وهذا الحب يرمي بصاحبه في مزالق الشهوات المحرمة.

قال الله تعالى :

﴿ وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَنْ نَفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ﴾

يوسف 30

5 – حب أن يثني عليهم الناس بما لم يفعلوا

قال الله تعالى :

﴿ لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنَ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾

آل عمران:  188

ولا تظنن الذين يفرحون بما أَتَوا من أفعال قبيحة كاليهود والمنافقين وغيرهم، ويحبون أن يثني عليهم الناس بما لم يفعلوا، فلا تظننهم ناجين من عذاب الله في الدنيا، ولهم في الآخرة عذاب موجع. وفي الآية وعيد شديد لكل آت لفعل السوء معجب به، ولكل مفتخر بما لم يعمل، ليُثنيَ عليه الناس ويحمدوه.

6 – تفَضَّيل ما في الدنيا على حب الله

قال الله تعالى :

﴿ قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ﴾

التوبة: 24

قل – يا أيها الرسول – للمؤمنين: إن فَضَّلتم الآباء والأبناء والإخوان والزوجات والقرابات والأموال التي جمعتموها والتجارة التي تخافون عدم رواجها والبيوت الفارهة التي أقمتم فيها، إن فَضَّلتم ذلك على حب الله ورسوله والجهاد في سبيله فانتظروا عقاب الله ونكاله بكم. والله لا يوفق الخارجين عن طاعته.

7 – تفَضَّيل الحياة الدنيا على الآخرة

قال الله تعالى :

﴿ الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجاً أُولَئِكَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ ﴾

إبراهيم: 3

وهؤلاء الذين أعرضوا ولم يؤمنوا بالله ويتبعوا رسله هم الذين يختارون الحياة الدنيا الفانية، ويتركون الآخرة الباقية، ويمنعون الناس عن اتباع دين الله، ويريدونه طريقًا معوجًا ليوافق أهواءهم، أولئك الموصوفون بهذه الصفات في ضلال عن الحق بعيد عن كل أسباب الهداية.

8 – حب شيوع الفاحشة في المسلمين

قال الله تعالى :

﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ ﴾

النور: 19

إن الذين يحبون شيوع الفاحشة في المسلمين من قَذْف بالزنى أو أي قول سيِّئ لهم عذاب أليم في الدنيا بإقامة الحد عليهم، وغيره من البلايا الدنيوية، ولهم في الآخرة عذاب النار إن لم يتوبوا .

9 – إستحباب الكفرعلى الهدى

قال الله تعالى :

 ( وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾

فصلت: 17

وأما ثمود قوم صالح فقد بينَّا لهم سبيل الحق وطريق الرشد، فاختاروا العمى على الهدى، فأهلكتهم صاعقة العذاب المهين؛ بسبب ما كانوا يقترفون من الآثام بكفرهم بالله وتكذيبهم رسله.

10 – حب الأشياء المكروهه

قال الله تعالى :

( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ ﴾

الحجرات: 12

يا أيها الذين صدَّقوا الله ورسوله وعملوا بشرعه اجتنبوا كثيرًا من ظن السوء بالمؤمنين؛ إن بعض ذلك الظن إثم، ولا تُفَتِّشوا عن عورات المسلمين، ولا يقل بعضكم في بعضٍ بظهر الغيب ما يكره. أيحب أحدكم أكل لحم أخيه وهو ميت؟ فأنتم تكرهون ذلك، فاكرهوا اغتيابه. وخافوا الله فيما أمركم به ونهاكم عنه. إن الله تواب على عباده المؤمنين، رحيم بهم.

11 –  الحب الذي هو مجرد كلمات

حب العبد لله عز وجل ليس مجرد شعور قلبي يلهج به اللسان، ولا مجرد كلمات يتفنن في نظمها، وقديما ادعى اليهود والنصارى أنهم أحباء الله فرد الله عليهم

قال الله تعالى :

(وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ)

المائدة: 20

 

Share This