1- مفهوم الجزاء

ما يكون من الله سبحانه وتعالى من أمر على ما يصدر من العبد من عمل. فإذا قبل الله سبحانه عمل الإنسان جازاه وأكرمه، أما لو لم يرتض ما صدر منه من عمل، فإنه يسخط عليه ويعاقبه.

قال الله تعالى:

﴿ مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى الَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾

القصص 84

من جاء يوم القيامة بإخلاص التوحيد لله وبالأعمال الصالحة وَفْق ما شرع الله، فله أجر عظيم خير من ذلك، وذلك الخير هو الجنة والنعيم الدائم، ومن جاء بالأعمال السيئة، فلا يُجْزى الذين عملوا السيئات على أعمالهم إلا بما كانوا يعملون.

2- كلمة الجزاء

       في

  القرآن الكريم

وردت كلمة الجزاء وصيغها في القرآن الكريم ١١٧ مرة . والصيغ التي وردت هي:

– الفعل الماضي

ورد ٤ مرات

قال الله تعالى:

﴿ وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا ﴾

الإنسان: ١٢

– الفعل المضارع

ورد ٧٠ مرة

قال الله تعالى:

﴿ كَذَٰلِكَ نَجْزِي مَنْ شَكَرَ ﴾

القمر: ٣٥

– المصدر

ورد ٤٢ مرة

قال الله تعالى:

﴿ هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ ﴾

الرحمن: ٦٠

– اسم الفاعل

ورد  مرة واحدة

قال الله تعالى:

﴿ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئًا ﴾

لقمان: ٣٣

ولفظ ( الجزاء ) ورد في القرآن على ستة معان:

1- بمعنى المکافأة والمقابلة

قال الله تعالى:

  ( وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَىٰ )

الليل:19

أي: تقابل وتکافأ .

2- بمعنى الأداء والقضاء

قال الله تعالى:

( وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا )

البقرة :48

أي: لا تقضي ولا تؤدي .

3- الغُنية والکفاية

قال الله تعالى:

( وَاخْشَوْا يَوْمًا لَا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ )

لقمان :33

أي: لا يغني ولا يکفي

4- بمعنى العوض والبدل

قال الله تعالى:

﴿ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ ﴾

المائدة: ٩٥

أي: فبدله أو العوض عنه

5- بمعنى الجزية

المبلغ الذي يدفعه أهل الذمة المقيمين في دار الإسلام .

قال الله تعالى:

( حَتَّىٰ يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ )

التوبة :29

أي: حتى يدفعوا ما يقدره الإمام على فرد منهم.

6- بمعنى ثواب الخير والشر

قال الله تعالى:

( الْيَوْمَ تُجْزَىٰ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ )

غافر:17

أي: إن خيرً فخير، وإن شرًا فشر .

3- الألفاظ ذات الصلة

– الثواب

هو مكافأة مقابل الطاعة والعبادة فقط.

قال الله تعالى:

( فَأَثَابَهُمُ اللَّهُ بِمَا قَالُوا جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ )

المائدة:85

– العقاب

هو ما يلحق الإنسان بعد الذّنب من المحنة في الدنيا أو في الآخرة أو فيهما معًا.

قال الله تعالى:

﴿ إِنْ كُلٌّ إِلَّا كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ عِقَابِ ﴾

ص 14

– الحساب

الحساب يعني إيقاع العذاب على الخاطئ

قال الله تعالى:

﴿ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ ﴾

البقرة 284

4 – خصائص الجزاء

         في

     القرآن الكريم

كل من أمعن النظر في الجزاء الذي أعده الله تعالى لكل ما يصدر من الإنسان وما يترتب على عمله من ثواب أو عقاب يتضح له بأنه يمتاز بعدة خصائص يتميز بها ، ومن أبرزها:

1- الجزاء من جنس العمل

ومن الآيات التي تحقق فيها معنى الجزاء من جنس العمل

قال الله تعالى:

﴿ إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا ﴾

الإسراء: ٧

إن أحسنتم أفعالكم وأقوالكم فقد أحسنتم لأنفسكم؛ لأن ثواب ذلك عائد إليكم، وإن أسأتم فعقاب ذلك عائد عليكم .

قال الله تعالى:

﴿  فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيم ﴾

البقرة: ١٠

في قلوبهم شكٌّ وفساد فابْتُلوا بالمعاصي الموجبة لعقوبتهم، فزادهم الله شكًا، ولهم عقوبة موجعة بسبب كذبهم ونفاقهم.

قال الله تعالى:

﴿  وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ ﴾

محمد: ١٧

والذين اهتدوا لاتِّباع الحق زادهم الله هدى، فقوي بذلك هداهم، ووفقهم للتقوى، ويسَّرها لهم.

قال الله تعالى:

﴿ فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾

السجدة: ١٧

فلا تعلم نفس ما ادَّخر الله لهؤلاء المؤمنين مما تَقَرُّ به العين، وينشرح له الصدر؛ جزاء لهم على أعمالهم الصالحة.

قال الله تعالى:

﴿ قَالَ كَذَٰلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَٰلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَىٰ ﴾

طه: ١٢٦

قال الله تعالى له: حشرتك أعمى؛ لأنك أتتك آياتي البينات، فأعرضت عنها، ولم تؤمن بها، وكما تركتَها في الدنيا فكذلك اليوم تُترك في النار.

في هذه الآيات نص على أن الثواب والعقاب متعلق بالأعمال، وأن ما عدا العمل يتلاشى، فكل سبب من حسب ونسب وشفاعة ومال وبنين مما لها تأثير في الحياة الدنيا ينقطع، ليبقى العمل وحده سبباً للجزاء .

2- الجزاء بمقدار العمل

العدل في الجزاء غاية من غايات الخلق والإعادة

قال الله تعالى:

﴿ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾

النحل : 32

ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون من الإيمان بالله والانقياد لأمره.

قال الله تعالى:

 ﴿ وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ﴾

البقرة : 281

واحذروا – أيها الناس- يومًا ترجعون فيه إلى الله، وهو يوم القيامة، حيث تعرضون على الله ليحاسبكم، فيجازي كل واحد منكم بما عمل من خير أو شر دون أن يناله ظلم.

قال الله تعالى:

﴿ وَتُوَفَّىٰ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ﴾

النحل: ١١١

ويوفي الله كل نفس جزاء ما عَمِلَتْه من غير ظلم لها، فلا يزيدهم في العقاب، ولا ينقصهم من الثواب.

قال الله تعالى:

﴿ الْيَوْمَ تُجْزَىٰ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ ﴾

غافر: ١٧

اليوم تثاب كل نفس بما كسبت في الدنيا من خير وشر، لا ظلم لأحد اليوم بزيادة في سيئاته أو نقص من حسناته.

قال الله تعالى:

﴿ فَالْيَوْمَ لَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَلَا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾

يس: ٥٤

في ذلك اليوم يتم الحساب بالعدل، فلا تُظْلم نفس شيئًا بنقص حسناتها أو زيادة سيئاتها، ولا تُجْزون إلا بما كنتم تعملونه في الدنيا.

قال الله تعالى:

﴿ هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ ﴾

الرحمن 60

هل جزاء مَن أحسن بعمله في الدنيا إلا الإحسان إليه بالجنة في الآخرة؟

قال الله تعالى:

﴿ وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا ﴾

الشورى: ٤٠

وجزاء سيئة المسيء عقوبته بسيئة مثلها من غير زيادة . فكل نفس تثاب بما كسبت في الدنيا من خير وشر، لا ظلم لأحد بزيادة في سيئاته أو نقص من حسناته.

3- لا تغني نفس عن نفس شيئًا

عدل الله يقتضي أن يحاسب الإنسان بعمله، وأن يسأل عن نفسه، فلا يرمي أحد ذنبه على أحد . فالتبعة فردية والحساب شخصي، وكل نفس مسؤولة عن نفسها، ولا تغني نفس عن نفس شيئًا.

قال الله تعالى:

﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لَا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئًا ﴾

لقمان: ٣٣

يا أيها الناس اتقوا ربكم، وأطيعوه بامتثال أوامره واجتناب نواهيه، واحذروا يوم القيامة الذي لا يغني فيه والد عن ولده ولا مولود عن أبيه شيئًا .

قال الله تعالى:

﴿ مَنِ اهْتَدَىٰ فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ ﴾

الإسراء: ١٥

من اهتدى فاتبع طريق الحق فإنما يعود ثواب ذلك عليه وحده، ومن حاد واتبع طريق الباطل فإنما يعود عقاب ذلك عليه وحده، ولا تحمل نفس مذنبة إثم نفس مذنبة أخرى.

قال الله تعالى:

﴿ وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ ﴾

البقرة: ٤٨

وخافوا يوم القيامة، يوم لا يغني أحد عن أحد شيئًا، ولا يقبل الله شفاعة في الكافرين، ولا يقبل منهم فدية، ولو كانت أموال الأرض جميعًا، ولا يملك أحد في هذا اليوم أن يتقدم لنصرتهم وإنقاذهم من العذاب.

قال الله تعالى:

﴿ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَىٰ حِمْلِهَا لَا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَىٰ ﴾

فاطر: ١٨

ولا تحمل نفس مذنبة ذنب نفس أخرى، وإن تَسْأل نفسٌ مثقَلَة بالخطايا مَن يحمل عنها من ذنوبها لم تجد من يَحمل عنها شيئًا، ولو كان الذي سألتْه ذا قرابة منها من أب أو أخ ونحوهما.

قال الله تعالى:

﴿ فَإِذَا جَاءَتِ الصَّاخَّةُ . يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ . وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ . وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ . لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ ﴾

عبس: ٣3-٣٧

فإذا جاءت صيحة يوم القيامة التي تصمُّ مِن هولها الأسماع، يوم يفرُّ المرء لهول ذلك اليوم من أخيه، وأمه وأبيه، وزوجه وبنيه. لكل واحد منهم يومئذٍ أمر يشغله ويمنعه من الانشغال بغيره.

4- الجزاء دنيوي وأخروي

أن الجزاء الذي يوقعه الله على عباده، سواء المطيع منهم، أم العاصي، ليس له مكان واحد، بمعنى أنه يمكن أن يكون في عالم الدنيا، كما يمكن أن يكون في عالم الآخرة .

قال الله تعالى:

﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾

النحل: 97

مَن عمل عملا صالحًا ذكرًا كان أم أنثى، وهو مؤمن بالله ورسوله، فلنحيينه في الدنيا حياة سعيدة مطمئنة، ولو كان قليل المال، ولنجزينَّهم في الآخرة ثوابهم بأحسن ما عملوا في الدنيا.

قال الله تعالى:

﴿ إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾

المائدة : 33

قال تعالى متوعداً من حارب رسول الله صلى الله عليه وسلم وسعى في الأرض فساداً بعقوبة زاجرة في الدنيا و في عالم الآخرة .

قال الله تعالى:

﴿ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَٰلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَىٰ أَشَدِّ الْعَذَابِ ﴾

البقرة 85

ما أقبح ما تفعلون حين تؤمنون ببعض أحكام التوراة وتكفرون ببعضها! فليس جزاء مَن يفعل ذلك منكم إلا ذُلا وفضيحة في الدنيا. ويوم القيامة يردُّهم الله إلى أفظع العذاب في النار.

5- الجزاء شامل لكل الأعمال

قد بين القرآن بأن الله تعالى أحاط بجميع أعمال خلقه، ما كان كبيراً منها أو صغيراً، وجهرياً أو سرياً، في كل لحظة وأوان، لا يغيب عن علمه منها شيء، ولا يغادر كتبه شيئا منها إلا أحصاه، وأنه أعقبها بملائكة كرام يحفظون خيرها وشرها .

قال الله تعالى:

﴿ وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآَنٍ وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَلَا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ ﴾

يونس :61

قال الله تعالى:

﴿ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ . وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ﴾

الزلزلة 7-8

فمن يعمل وزن ذَرَّةٍ خيرًا، ير ثوابه في الآخرة، ومن يعمل وزن ذَرَّةٍ شرًا، ير عقابه في الآخرة.

5- أقسام الجزاء

      فى

القرآن الكريم

الجزاء هو الأجر العادل للفعل البشرى، ولذلك ينقسم الجزاء إلى جزاء الإحسان وجزاء الإساءة، كما يتوزع الجزاء الإلهى بين جزاء فى الدنيا وجزاء فى الآخرة.

أولا – في الدنيا

أ – جزاء الإحسان

قال الله تعالى:

﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾

النحل:97

مَن عمل عملا صالحًا ذكرًا كان أم أنثى، وهو مؤمن بالله ورسوله، فلنحيينه في الدنيا حياة سعيدة مطمئنة، ولو كان قليل المال، ولنجزينَّهم في الآخرة ثوابهم بأحسن ما عملوا في الدنيا.

قال الله تعالى:

﴿ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾

العنكبوت: 7

والذين صدَّقوا الله ورسوله، وعملوا الصالحات لنمحونَّ عنهم خطيئاتهم، ولنثيبنَّهم على أعمالهم الصالحة أحسن ما كانوا يعملون.

قال الله تعالى:

﴿ لِيُكَفِّرَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾

الزمر: 35

ليكفِّر الله عنهم أسوأ الذي عملوا في الدنيا من الأعمال؛ بسبب ما كان منهم مِن توبة وإنابة مما اجترحوا من السيئات فيها، ويثيبهم الله على طاعتهم في الدنيا بأحسن ما كانوا يعملون، وهو الجنة.

وهذه الآيات تحثنا على ضرورة أن نعمل عملا صالحا ليجزينا الله أجرا عظيما ويحيينا حياة طيبة ويغفر لنا ويرزقنا بجنات الفردوس في الآخرة.

– عن يوسف عليه السلام

قال الله تعالى:

 ( وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ )

يوسف 22

ولما بلغ يوسف منتهى قوته في شبابه أعطيناه فهمًا وعلمًا، ومثل هذا الجزاء الذي جزينا به يوسف على إحسانه نجزي المحسنين على إحسانهم.

– عن موسى عليه السلام

قال الله تعالى:

 ( وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَىٰ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ )

القصص 14

ولما بلغ موسى أشد قوته وتكامل عقله، آتيناه حكمًا وعلمًا يعرف بهما الأحكام الشرعية، وكما جزينا موسى على طاعته وإحسانه نجزي مَن أحسن مِن عبادنا.

ب – جزاء الإساءة

قال الله تعالى:

( وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا )

الشورى 40

وجزاء سيئة المسيء عقوبته بسيئة مثلها من غير زيادة

قال الله تعالى:

( مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلَا يُجْزَىٰ إِلَّا مِثْلَهَا )

غافر 40

من عصى الله في حياته وانحرف عن طريق الهدى، فلا يُجْزى إلا عقابًا يساوي معصيته .

قال الله تعالى:

﴿ وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ ﴾

الشورى 30

وما أصابكم- أيها الناس- من مصيبة في دينكم ودنياكم فبما كسبتم من الذنوب والآثام،

قال الله تعالى:

﴿ فَلَنُذِيقَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا عَذَابًا شَدِيدًا وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾

فصلت 27

فلنذيقن الذين قالوا هذا القول عذابًا شديدًا في الدنيا والآخرة، ولنجزينهم أسوأ ما كانوا يعملون من السيئات.

ثانيا – في الآخرة

أ- جزاء الإحسان

قال اللّه تعالى:

﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَٰئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ . جَزَاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَٰلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ ﴾

البينة: 7-8

إن الذين صَدَّقوا الله واتبعوا رسوله وعملوا الصالحات، أولئك هم خير الخلق. جزاؤهم عند ربهم يوم القيامة جنات إقامة واستقرار في منتهى الحسن، تجري من تحت قصورها الأنهار، خالدين فيها أبدًا، رضي الله عنهم فقبل أعمالهم الصالحة، ورضوا عنه بما أعدَّ لهم من أنواع الكرامات، ذلك الجزاء الحسن لمن خاف الله واجتنب معاصيه.

قال اللّه تعالى:

﴿ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ أولَٰئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾

الأحقاف 13

إن الذين قالوا: ربنا الله، ثم استقاموا على الإيمان به، فلا خوف عليهم من فزع يوم القيامة وأهواله، ولا هم يحزنون على ما خلَّفوا وراءهم بعد مماتهم من حظوظ الدنيا.

قال اللّه تعالى:

﴿ وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ جَزَاءً الْحُسْنَىٰ وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا ﴾

الكهف: ٨٨

وأما مَن آمن منهم بربه فصدَّق به ووحَّده وعمل بطاعته فله الجنة ثوابًا من الله، وسنحسن إليه، ونلين له في القول ونيسِّر له المعاملة.

قال اللّه تعالى:

﴿ وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُولَٰئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَىٰ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا  وَذَٰلِكَ جَزَاءُ مَنْ تَزَكَّىٰ ﴾

طه 75- 76

ومن يأت ربه مؤمنًا به قد عمل الأعمال الصالحة فله المنازل العالية في جنات الإقامة الدائمة، تجري من تحت أشجارها الأنهار ماكثين فيها أبدًا، وذلك النعيم المقيم ثواب من الله لمن طهَّر نفسه من الدنس والخبث والشرك، وعبد الله وحده فأطاعه واجتنب معاصيه، ولقي ربه لا يشرك بعبادته أحدًا من خلقه.

ب – جزاء الإساءة

لا تنتظر أن يوفّ أهل الجزاء السيئ جزاء عملهم السّيّئ كلّه في هذه الدّار، لأنّ توفية الأجور إنّما تكون في الآخرة .

قال الله تعالى:

﴿ كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ ﴾

آل عمران: ١٨٥

كل نفس لا بدَّ أن تذوق الموت، وبهذا يرجع جميع الخلق إلى ربهم؛ ليحاسبهم. وإنما تُوفَّون أجوركم على أعمالكم وافية غير منقوصة يوم القيامة، فمن أكرمه ربه ونجَّاه من النار وأدخله الجنة فقد نال غاية ما يطلب. وما الحياة الدنيا إلا متعة زائلة، فلا تغترُّوا بها.

قال اللّه تعالى:

﴿ وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لَا يُقْضَىٰ عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا كَذَٰلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ ﴾

فاطر: ٣٦

والذين كفروا بالله ورسوله لهم نار جهنم الموقدة، لا يُقْضى عليهم بالموت، فيموتوا ويستريحوا، ولا يُخَفَّف عنهم مِن عذابها، ومثل ذلك الجزاء يجزي الله كلَّ متمادٍ في الكفر مُصِرٍّ عليه.

قال اللّه تعالى:

﴿ فَلَنُذِيقَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا عَذَابًا شَدِيدًا وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾

فصلت: ٢٧

فلنذيقن الذين كفروا عذابًا شديدًا في الدنيا والآخرة، ولنجزينهم أسوأ ما كانوا يعملون من السيئات.

قال اللّه تعالى:

﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّىٰ يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ وَكَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ ﴾

الأعراف: ٤٠

إن الكفار الذين لم يصدِّقوا بحججنا وآياتنا الدالة على وحدانيتنا، ولم يعملوا بشرعنا تكبرًا واستعلاءً، لا تُفتَّح لأعمالهم في الحياة ولا لأرواحهم عند الممات أبواب السماء، ولا يمكن أن يدخل هؤلاء الكفار الجنة إلا إذا دخل الجمل في ثقب الإبرة، وهذا مستحيل. ومثل ذلك الجزاء نجزي الذين كثر إجرامهم، واشتدَّ طغيانهم.

6 – أصحاب جزاء الإحسان

                و

  أصحاب جزاء الإساءة

القرآن الكريم عندما تحدث عن الجزاء، قسمه بحسب الحالة التي يكون عليها الإنسان ، وعليه سوف يكون الجزاء بناءً على ما يوصف به الفرد، فإن كان مؤمناً، كان جزاءه خيراً، ، بعكس ما لو كان فاسقاً، أو كافراً.

أولا – أصحاب الجزاء الحسن

نجد أنه سبحانه وتعالى تحدث عن مجازاته جملة غير قليلة منهم، فذكر سبحانه وتعالى، جزاء الصابرين، جزاء المحسنين، جزاء الشاكرين، جزاء المتقين، جزاء الصادقين، جزاء المتصدقين، جزاء الأبرار، ، جزاء المستغفرين.

1- الشاكرين

الشكر لله من الأشياء التى يحبها الله سبحانه وتعالى ، ويتقلّب المؤمنُ يوميّا فيما لا يُعدّ ولا يُحصى الكثير من النعم التي يُغدِقها عليه خالقه ، وأقلّ ما يمكن فعله للاعتراف بهذا الفضل العظيم هو شكرُه تعالى على نعمه .

قال الله تعالى:

﴿ وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ﴾

إبراهيم 7

واذكروا حين أعلم ربكم إعلامًا مؤكَّدًا: لئن شكرتموه على نعمه ليزيدنكم من فضله .

قال الله تعالى:

﴿ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ ﴾

النمل 40

ومن شكر لله على نعمه فإنَّ نَفْعَ ذلك يرجع إليه، ومن جحد النعمة وترك الشكر فإن ربي غني عن شكره

قال الله تعالى:

﴿ وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الْآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ  ﴾

آل عمران: ١٤٥

وجاء وصف اثنين من أولي العزم بهذا الشرف العظيم، وهما:

– نوح عليه السلام

قال الله تعالى:

﴿ ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا ﴾

الإسراء: ٣

– إبراهيم عليه السلام

﴿ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ . شَاكِرًا لِأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾

النحل: ١٢0- 121

٢- جزاء المتقين

غاية التقوى البراءة من كل شيء سوى الله، والتّقوى منتهى الطّاعات . لذلك جاء جزاؤهم مفخمًا بكل أنواع التعظيم والإكرام .

قال الله تعالى:

﴿ قُلْ أَذَٰلِكَ خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ كَانَتْ لَهُمْ جَزَاءً وَمَصِيرًا  . لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ خَالِدِينَ كَانَ عَلَىٰ رَبِّكَ وَعْدًا مَسْئُولًا ﴾

الفرقان: ١٥-١٦

أهذه النار التي وُصِفتْ لكم خيرٌ أم جنة النعيم الدائم التي وُعِد بها الخائفون من عذاب ربهم، كانت لهم ثوابًا على عملهم، ومآلا يرجعون إليه في الآخرة؟ لهؤلاء المطيعين في الجنة ما يشتهون من ملاذِّ النعيم، متاعهم فيه دائم، كان دخولهم إياها على ربك – أيها الرسول – وعدًا مسؤولا يسأله عباد الله المتقون، والله لا يخلف وعده.

قال الله تعالى:

﴿ جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ كَذَٰلِكَ يَجْزِي اللَّهُ الْمُتَّقِينَ ﴾

النحل: ٣١

جنات إقامة لهم، يستقرون فيها، لا يخرجون منها أبدًا، تجري من تحت أشجارها وقصورها الأنهار، لهم فيها كل ما تشتهيه أنفسهم، بمثل هذا الجزاء الطيب يجزي الله أهل خشيته وتقواه .

٣-  جزاء المحسنين

والإحسان مطلوبٌ في كلّ شيءٍ بهدي دين الفطرة، الدّاعي لحسنتي الدّنيا والآخرة ، وجزاء الإحسان في كلّ شيءٍ بحسبه .

قال الله تعالى:

﴿ هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ ﴾

الرحمن: ٦٠

أي: هل جزاء من أحسن في عبادة الخالق ونفع عبيده إلا أن يحسن إليه بالثواب الجزيل، والفوز الكبير، والنعيم المقيم، والعيش السليم.

قال الله تعالى:

﴿ وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى ﴾

النجم: ٣١

والله سبحانه وتعالى ملك ما في السموات وما في الأرض؛ ليجزي الذين أساءوا بعقابهم على ما عملوا من السوء، ويجزي الذي أحسنوا بالجنة .

قال الله تعالى:

﴿ كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ . إِنَّا كَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ﴾

المرسلات: ٤٣-٤٤

أي: من أحسن عمله في الدّنيا أحسن اللّه إليه في الدّنيا والآخرة.

٤ – جزاء المتصدقين

الصّدقة هي الإحسان إلى النّاس المحاويج الضّعفاء، الّذين لا كسب لهم ولا كاسب، يعطون من فضول الأموال طاعةً للّه، وإحسانًا إلى خلقه .

قال اللّه تعالى:

﴿ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ ﴾

يوسف 88

إن الله تعالى يثيب المتفضِّلين على أهل الحاجة بأموالهم.

قال اللّه تعالى:

﴿ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾

البقرة: ٢٧٤

الذين يُخْرجون أموالهم مرضاة لله ليلا ونهارًا مسرِّين ومعلنين، فلهم أجرهم عند ربهم، ولا خوف عليهم فيما يستقبلونه من أمر الآخرة، ولا هم يحزنون على ما فاتهم من حظوظ الدنيا.

ثانيا – أصحاب الجزاء السيئ

وكما استعرض سبحانه وتعالى مجموعة من جزاء الصالحين ، تضمنت الآيات الشريفة أيضاً الحديث حول جملة من جزاء الطالحين ، فقد ورد في الآيات المباركة جزاء المجرمين، جزاء الظالمين، جزاء المسرفين، جزاء المستكبرين، جزاء الفاسقين، جزاء المسيئين، ، جزاء الكافرين، جزاء الطاغين، جزاء الباغين.

١ – جزاء المجرمين

أخبر تعالى أنه أهلك الأمم الماضية بظلمهم وكفرهم، بعد ما جاءتهم البينات على أيدي الرسل، وتبين الحق فلم ينقادوا لها ولم يؤمنوا، فأحل بهم عقابه الذي لا يرد عن كل مجرم متجرئ على محارم الله، وهذه سنته في جميع الأمم.

قال الله تعالى :

﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّىٰ يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ وَكَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ ﴾

الأعراف: ٤٠

إن الكفار الذين لم يصدِّقوا بحججنا وآياتنا الدالة على وحدانيتنا، ولم يعملوا بشرعنا تكبرًا واستعلاءً، لا تُفتَّح لأعمالهم في الحياة ولا لأرواحهم عند الممات أبواب السماء، ولا يمكن أن يدخل هؤلاء الكفار الجنة إلا إذا دخل الجمل في ثقب الإبرة، وهذا مستحيل. ومثل ذلك الجزاء نجزي الذين كثر إجرامهم، واشتدَّ طغيانهم.

﴿ وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ وَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا كَذَٰلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ ﴾

يونس: ١٣

ولقد أهلكنا الأمم التي كذَّبت رسل الله من قبلكم -أيها المشركون بربهم- لـمَّا أشركوا، وجاءتهم رسلهم من عند الله بالمعجزات الواضحات والحجج التي تبين صدق مَن جاء بها، فلم تكن هذه الأمم التي أهلكناها لتصدق رسلها وتنقاد لها، فاستحقوا الهلاك، ومثل ذلك الإهلاك نجزي كل مجرم متجاوز حدود الله.

٢ – جزاء الظالمين

جزاء الظالمين تربية عاجلة للوقوف أمام الظلم ؛ لأن الحق لو تركها للآخرة لاستشرى الظلم، والذي لا يؤمن بالآخرة يصبح محترفًا للظلم.

قال الله تعالى :

﴿ لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ . إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ  وَذَٰلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ ﴾

المائدة: ٢8- 29

وقال هابيلُ واعظًا أخاه: لَئنْ مَدَدْتَ إليَّ يدكَ لتقتُلني لا تَجِدُ مني مثل فعْلك، وإني أخشى الله ربَّ الخلائق أجمعين. إني أريد أن ترجع حاملا إثم قَتْلي، وإثمك الذي عليك قبل ذلك، فتكون من أهل النار وملازميها، وذلك جزاء المعتدين.

قال الله تعالى :

﴿ كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنْسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ . فَكَانَ عَاقِبَتَهُمَا أَنَّهُمَا فِي النَّارِ خَالِدَيْنِ فِيهَا وَذَٰلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ ﴾

الحشر: ١6- 17

كمثل الشيطان حين زيَّن للإنسان الكفر ودعاه إليه، فلما كفر قال: إني بريء منك، إني أخاف الله رب الخلق أجمعين. فكان عاقبة أمر الشيطان والإنسان الذي أطاعه فكفر، أنهما في النار، ماكثَيْن فيها أبدًا، وذلك جزاء المعتدين المتجاوزين حدود الله.

٣-  جزاء المفترين

كل مفترٍ على الله، كاذب على شرعه، متقول عليه ما لم يقل، فإن له نصيبًا من الغضب من الله، والذل في الحياة الدنيا. ومن ألوان الافتراءات أنهم قد فعلوا أو جاءوا بأشياء من عندهم ونسبوها إلى الله ؛ ولذلك يجازيهم الله بما افتروا الجزاء الشّديد الأليم بسبب هذا الافتراء .

قال الله تعالى:

﴿ وَقَالُوا هَٰذِهِ أَنْعَامٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ لَا يَطْعَمُهَا إِلَّا مَنْ نَشَاءُ بِزَعْمِهِمْ وَأَنْعَامٌ حُرِّمَتْ ظُهُورُهَا وَأَنْعَامٌ لَا يَذْكُرُونَ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا افْتِرَاءً عَلَيْهِ سَيَجْزِيهِمْ بِمَا كَانُوا يَفْتَرُونَ ﴾

الأنعام: ١٣٨

وقال المشركون: هذه إبل وزرع حرام، لا يأكلها إلا مَن يأذنون له -حسب ادعائهم- مِن سدنة الأوثان وغيرهم. وهذه إبل حُرِّمت ظهورها، فلا يحل ركوبها والحملُ عليها بحال من الأحوال. وهذه إبل لا يَذكرون اسم الله تعالى عليها في أي شأن من شئونها. فعلوا ذلك كذبًا منهم على الله، سيجزيهم الله بسبب ما كانوا يفترون من كذبٍ عليه سبحانه.

قال الله تعالى:

﴿ إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَكَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ ﴾

الأعراف: ١٥٢

إن الذين اتخذوا العجل إلهًا سينالهم غضب شديد مِن ربهم وهوان في الحياة الدنيا؛ بسبب كفرهم بربهم، وكما فعلنا بهؤلاء نفعل بالمفترين المبتدعين في دين الله، فكل صاحب بدعة ذليل.

وما تقدم أمثلة لمواطن من كتاب الله مما جاء فيها الجزاء السيئ في الدنيا وأهله وهناك غيرها، ومنها: جزاء البغاة ، وجزاء المكذبين بآيات الله ، وجزاء الكافرين.

7 – العقوبات

      في

القرآن الكريم

ومن آثار ورحمة الله تعالى وسعة فضله في الجزاء أن جعل الله العقوبات كفارات ما دام يتلقاها المخطئ ويتقبلها برضى وتسليم واقتناع بحكم الله تعالى.

1- العقوبات

تتكفل بمجازاة عدد قليل من الجرائم، هي الحرابة والسرقة وشرب الخمر والزنا والقذف .

– السرقة

الشريعة الإسلامية تحتم قطع يد السارق

قال الله تعالى:

﴿ وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ ﴾

المائدة: ٣٨

– الحرابة

الحرابة عقوبتها إما الموت وإما تقطيع الأيدي والأرجل وإما النفي

قال الله تعالى:

﴿ إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَٰلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾

المائدة: ٣٣

– الزني

العقوبة المنصوص عليها في القرآن للزاني هي مائة جلدة

قال الله تعالى:

﴿ الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾

النور: ٢

– القذف

القاذف يستحق ثمانون جلدة ما دام قد افترى على الآخرين كذبًا، واستحل لحمهم .

قال الله تعالى:

﴿ وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ﴾

النور: ٤

– القتل الخطأ

قال الله تعالى:

﴿ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَىٰ أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَىٰ أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا ﴾

النساء: ٩٢

ولا يحق لمؤمن الاعتداء على أخيه المؤمن وقتله بغير حق، إلا أن يقع منه ذلك على وجه الخطأ الذي لا عمد فيه، ومن وقع منه ذلك الخطأ فعليه عتق رقبة مؤمنة، وتسليم دية مقدرة إلى أوليائه، إلا أن يتصدقوا بها عليه ويعفوا عنه. فإن كان المقتول من قوم كفار أعداء للمؤمنين، وهو مؤمن بالله تعالى، وبما أنزل من الحق على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم، فعلى قاتله عتق رقبة مؤمنة، وإن كان من قوم بينكم وبينهم عهد وميثاق، فعلى قاتله دية تسلم إلى أوليائه وعتق رقبة مؤمنة، فمن لم يجد القدرة على عتق رقبة مؤمنة، فعليه صيام شهرين متتابعين؛ ليتوب الله تعالى عليه. وكان الله تعالى عليما بحقيقة شأن عباده، حكيمًا فيما شرعه لهم.

قال الله تعالى:

﴿ وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا ﴾

النساء: ٩٣

ومن يَعْتَدِ على مؤمن فيقتله عن عمد بغير حق فعاقبته جهنم، خالدًا فيها مع سخط الله تعالى عليه وطَرْدِهِ من رحمته، إن جازاه على ذنبه وأعدَّ الله له أشد العذاب بسبب ما ارتكبه من هذه الجناية العظيمة.

– الصيد في الحرم

قال الله تعالى:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَٰلِكَ صِيَامًا لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ  وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ ﴾

المائدة: ٩٥

أي: ومن قتل شيئًا من الصّيد وهو محرمٌ قاصدٌ لقتله، فجزاؤه أو فعليه جزاءٌ من الأنعام مماثلٌ لما قتله في هيئته وصورته إن وجد، وإلّا ففي قيمته.

2- القصاص

هو عقوبة مقدرة شرعا، تقضي بمعاقبة الجاني بمثل ما فعل

قال اللّه تعالى:

﴿ وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾

البقرة: ١٧٩

لأن القاتل إذا علم أنه يُقتل ارتدع فأحيا نفسه ومن أراد قتله

قال الله تعالى:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَىٰ بِالْأُنْثَىٰ فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ﴾

البقرة: ١٧٨

يا أيها الذين آمنوا فرض الله عليكم أن تقتصوا من القاتل عمدا بقتله، بشرط المساواة والمماثلة: يُقتل الحر بمثله، والعبد بمثله، والأنثى بمثلها. فمن سامحه ولي المقتول بالعفو عن الاقتصاص منه والاكتفاء بأخذ الدية – وهي قدر مالي محدد يدفعه الجاني مقابل العفو عنه – فليلتزم الطرفان بحسن الخلق، فيطالب الولي بالدية من غير عنف، ويدفع القاتل إليه حقه بإحسان، مِن غير تأخير ولا نقص.

قال الله تعالى:

﴿ الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ ﴾

البقرة: ١٩٤

ذكر تعالى هذه القاعدة حجّةً لوجوب مقاصّة المشركين على انتهاك الشّهر الحرام بمقابلتهم بالمثل؛ ليكون شهرٌ بشهرٍ جزاءً وفاقًا.

قال الله تعالى:

﴿ وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ ﴾

الشورى: ٤٠

﴿ وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ ﴾

النحل: ١٢٦

﴿ وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا  فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ ﴾

الشورى: ٤٠

﴿ وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ ﴾

المائدة: ٤٥

فهذه النّصوص بأسرها تقتضي مقابلة الشيء بمثله، فشرع العدل وهو القصاص، وندب إلى الفضل وهو العفو.

 

Share This