1- مفهوم الثواب

الثواب هو النتيجة النهائية لعمل الإنسان وما تجنيه عليه نفسه، فإن أساء في عمله سيكون ثوابه وجزاؤه شرًّا، وإن أحسن في عمله سيكون ثوابه وجزاؤه خيرًا.

2- كلمة الثّواب

     في

القرآن الكريم

وردت كلمة  ثّواب وصيغها في القرآن الكريم ١٩ مرة. والصيغ التي وردت هي:

– الفعل الماضي

وردت 4مرات

قال الله تعالى:

﴿ فَأَثَابَهُمُ اللَّهُ بِمَا قَالُوا جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ﴾

المائدة :٨٥

– المصدر

وردت ١٥مرة

قال الله تعالى:

﴿ فَعِنْدَ اللَّهِ ثَوَابُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ﴾

النساء 134

ولفظ (الثواب) ورد في القرآن على خمسة معان:

1- بمعنى جزاء الطاعة

قال الله تعالى:

 ( نِعْمَ الثَّوَابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقًا )

الكهف:31

أي: نعم الأجر والثواب.

2- بمعنى الفتح والظفر والغنيمة

قال الله تعالى:

( فَآتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الْآخِرَةِ )

آل عمران:148

فثواب الدنيا: هو الفتح والنصر والغنيمة.

3- بمعنى وعد

قال الله تعالى:

( فَأَثَابَهُمُ اللَّهُ بِمَا قَالُوا جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ )

المائدة :85

أي: وعدهم.

4- بمعنى الزيادة

قال الله تعالى:

( فَأَثَابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ لِكَيْلَا تَحْزَنُوا عَلَىٰ مَا فَاتَكُمْ وَلَا مَا أَصَابَكُمْ )

آل عمران :153

أي: زادكم غمًا على غم.

5- بمعنى الخير

قال الله تعالى:

( مَنْ كَانَ يُرِيدُ ثَوَابَ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ ثَوَابُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ  )

النساء :134

أي: عند الله الخير.

3- الألفاظ ذات الصلة

– الأجر

ما يعود من جزاء على العمل دنيويًّا كان أو أخرويًّا .

قال الله تعالى:

﴿ وَآتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ ﴾

العنكبوت: ٢٧

الصلة بين الأجر والثواب:

الثواب والأجر هما جزاء للعمل الذي يعمله الإنسان، غير أن الأجر أخص من الثواب؛ لأن الأجر لا يكون إلا في مقابل العمل الذي فيه النفع والخير، والثواب يكون في مقابل العمل الذي فيه النفع والخير، وكذلك العمل الذي فيه ضرر وشر. إلا أنّ إطلاق الثواب -في مقابل العمل الذي فيه النفع والخير- أكثر .

– العقاب

هو ما يلحق الإنسان بعد الذّنب من المحنة في الدنيا أو في الآخرة أو فيهما معًا.

قال الله تعالى:

﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴾

المائدة 2

الصلة بين العقاب والثواب:

إنّ العقاب يكون على فعل الشر، أما الثواب فيكون على فعل الشر والخير إلا أنه في الخير أكثر.

– الجزاء

المكافأة على الشيء إن خيرًا فخير وإن شرًّا فشر.

قال الله تعالى:

﴿ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى ﴾

النجم 31

الصلة بين الثواب والجزاء :

كلا اللفظين يكونان في الخير والشر، فالثواب يكون على عمل الخير والشر، وكذك الجزاء، إلا أن الغالب استعمال الثواب في مقابلة الخير، واستعمال الجزاء في مقابلة الشر.

4- الثواب من الله

عند الله ثواب الدارين: الدنيا والآخرة

قال الله تعالى:

﴿ فَعِنْدَ اللَّهِ ثَوَابُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ﴾

النساء 134

فمن قصد الدنيا بعمله أعطاه الله من الدنيا ما قدّر له ، و من قصد الآخرة بعمله أعطاه الله من ثواب الآخرة ونعيمها الخالد في الجنة .

قال الله تعالى:

﴿ وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الْآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا  ﴾

آل عمران: ١٤٥

فمن قصد بعمله الدنيا فقط، أعطاه الله من الدنيا ما قدّر له، و ليس له في الآخرة من نصيب .

قال الله تعالى:

﴿ فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ ﴾

البقرة: ٢٠٠

﴿ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ ﴾

الشورى: ٢٠

ويدعو الإسلام أتباعه للعمل لخيري الدنيا والآخرة ، وهذا المنهاج المتوازن والخط المعتدل هو قوام الحياة الإسلامية القرآنية التي تعتمد الدنيا وسيلة ومزرعة، والآخرة مقصدًا وغاية .

قال الله تعالى:

﴿ وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ . أُولَٰئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا  وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ ﴾

البقرة: ٢٠1-٢٠٢

فالحق جل جلاله يرزق العبد على قدر نيته، ويمدّه على قدر همته، فمن كانت همته في الحظوظ العاجلة والشهوات الفانية، أمده الله فيها، ومتّعه بها ما شاء، على حسب القسمة، ثم أعقبه الندم والحسرة، ومن كانت همته الآخرة، أمدّه سبحانه في الأعمال التي توصله إلى نعيمها، كصلاة وصيام وصدقة وتدريس علم، وأذاقه من حلاوتها ما يهون عليه مرارتها، ثم أعقبه النعيم الدائم .

5- أنواع الثواب

الثّواب يكون في الخير والشّرّ، إلّا أنّه يستعمل في الخير أكثر من استعماله في الشر، والثواب دالًّا على الخير والشر قد ورد في القرآن الكريم، وهذا ما سنتاوله في ما يأتي :

1- ثواب الخير

قال الله تعالى:

﴿ وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ مَرَدًّا ﴾

مريم: ٧٦

والأعمالُ الباقيات الصالحات خير ثوابًا عند الله في الآخرة، وخير مرجعًا وعاقبة.

قال الله تعالى:

﴿ الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا ﴾

الكهف: ٤٦

الأموال والأولاد جَمال وقوة في هذه الدنيا الفانية، والأعمال الصالحة  أفضل أجرًا عند ربك من المال والبنين، وهذه الأعمال الصالحة أفضل ما يرجو الإنسان من الثواب عند ربه، فينال بها في الآخرة ما كان يأمُله في الدنيا.

قال الله تعالى:

﴿ إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ  ﴾

التغابن: ١٥

فالمال والبنون، هما أشدّ مظاهر الحياة فتنة للناس، وأكثرها داعية لهم، وأقواها سلطانًا عليهم .

2- ثواب الشر

قال الله تعالى:

﴿ هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ ﴾

المطففين  36

هل جوزي الكفار – إذ فُعل بهم ذلك- جزاءً وفاق ما كانوا يفعلونه في الدنيا من الشرور والآثام؟

قال الله تعالى:

﴿ قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَٰلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ  مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ ﴾

المائدة 60

قل – أيها النبي- للمؤمنين: هل أخبركم بمن يُجازَى يوم القيامة جزاءً أشدَّ مِن جزاء هؤلاء الفاسقين؟ هو من أبعده الله عن رحمته وغضب عليه .

6- المستحقون للثواب

تحدث القرآن عن المستحقين للثواب في الدنيا والآخرة، وسوف نبين ذلك فيما يأتي:

أولًا: المستحقون لثواب الدنيا

أ- ثواب الخير

1- المؤمنون الصادقون

قال الله تعالى:

﴿ لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا ﴾

الفتح: ١٨

فعلم ربك يا محمد ما في قلوب المؤمنين من أصحابك إذ يبايعونك تحت الشجرة، من صدق النية، والوفاء بما يبايعونك عليه، والصبر معك فأنزل الطمأنينة، والثبات على ما هم عليه من دينهم وحسن بصيرتهم بالحقّ الذي هداهم الله له، حتى بايعوا على أن يقاتلوا ولا يفرّوا. وعوّضهم ومنحهم –على الرّضى بقضائه- في العاجل مما رجوا الظفر به من غنائم أهل مكة بقتالهم أهلها فتحًا قريبًا، وذلك فيما قيل: فتح خيبر.

2- المجاهدون في سبيل الله

قال الله تعالى:

﴿ وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ . وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ . فَآتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الْآخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴾

آل عمران: ١٤6 – 148

يحكي لنا القرآن أنّ كثيرًا من الأنبياء كانوا يقاتون من أجل إعلاء كلمة الله، وأنّ هؤلاء الأنبياء قاتل معهم علماء ربانيون لم يضعفوا لما أصابهم من القتل والجراح في سبيل الله، ولم يذلوا ويخضعوا لعدوهم أثناء القتال، إلأ أنهم طلبوا المغفرة من الله لخطايهم، وتثبيتهم في مواطن الحرب، ونصرهم على أعدائهم . فأعطى الله أولئك الصابرين جزاءهم في الدنيا بالنصر على أعدائهم، وبالتمكين لهم في الأرض، وبالجزاء الحسن العظيم في الآخرة، وهو جنات النعيم. والله يحب كلَّ مَن أحسن عبادته لربه ومعاملته لخلقه.

ب – ثواب الشر

قال الله تعالى:

﴿ قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَٰلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ أُولَٰئِكَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضَلُّ عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ ﴾

المائدة: ٦٠

قل -أيها النبي- للمؤمنين: هل أخبركم بمن يُجازَى يوم القيامة جزاءً أشدَّ مِن جزاء هؤلاء الفاسقين؟ إنهم أسلافهم الذين طردهم الله من رحمته وغَضِب عليهم، ومَسَخَ خَلْقهم، فجعل منهم القردة والخنازير، بعصيانهم وافترائهم وتكبرهم، كما كان منهم عُبَّاد الطاغوت (وهو كل ما عُبِد من دون الله وهو راضٍ)، لقد ساء مكانهم في الآخرة، وضلَّ سَعْيُهم في الدنيا عن الطريق الصحيح.

ثانيا – المستحقون لثواب الآخرة

أ- الخير

1- المجاهدون والمهاجرون

قال الله تعالى:

﴿ فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ثَوَابًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ ﴾

آل عمران: ١٩٥

فالذين هاجروا رغبةً في رضا الله تعالى، وأُخرجوا من ديارهم، وأوذوا في طاعة ربهم وعبادتهم إيّاه، وقاتلوا وقُتِلوا في سبيل الله لإعلاء كلمته، ليسترنَّ الله عليهم ما ارتكبوه من المعاصي، كما سترها عليهم في الدنيا، فلا يحاسبهم عليها، وليدخلنَّهم جنات تجري من تحت قصورها وأشجارها الأنهار جزاء من عند الله، والله عنده حسن الثواب.

2- الذين آمنوا وعملوا الصالحات

قال الله تعالى:

﴿ وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَىٰ أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ . وَمَا لَنَا لَا نُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا جَاءَنَا مِنَ الْحَقِّ وَنَطْمَعُ أَنْ يُدْخِلَنَا رَبُّنَا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ . فَأَثَابَهُمُ اللَّهُ بِمَا قَالُوا جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَٰلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ ﴾

المائدة: ٨3-٨٥

وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول فاضت أعينهم من الدمع فأيقنوا أنه حقٌّ منزل من عند الله تعالى، يقولون ربَّنا صدقنا بنبيك وكتابك فاكتبنا مع المقرين بتصديقهما. وقالوا: وأيُّ لوم علينا في إيماننا بالله، وتصديقنا بالحق الذي جاءنا من عنده ، واتباعنا له، ونرجو أن يدخلنا ربنا مع أهل طاعته في جنته يوم القيامة؟ . فجزاهم الله بما قالوا من الاعتزاز بإيمانهم بالإسلام، وطلبهم أن يكونوا مع القوم الصالحين، جنات تجري من تحت أشجارها الأنهار، ماكثين فيها لا يخرجون منها، ولا يُحوَّلون عنها، وذلك جزاء إحسانهم في القول والعمل.

ب – ثواب الشر

1- الكفار

قال الله تعالى:

﴿ فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ. عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ . هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ ﴾

المطففين: ٣٤ – ٣٦

إن الذين أجرموا كانوا في الدنيا يستهزئون بالمؤمنين، وإذا مروا بهم يتغامزون سخرية بهم، فيوم القيامة يسخر المؤمنون من الكفار، كما سخر الكافرون منهم في الدنيا. على المجالس الفاخرة ينظر المؤمنون إلى ما أعطاهم الله من الكرامة والنعيم في الجنة. هل جوزي الكفار – إذ فُعل بهم ذلك- جزاءً وفاق ما كانوا يفعلونه في الدنيا من الشرور والآثام؟

6 – مقاصد الثواب

للثواب في القرآن مقاصد عديدة، يمكن إجمالها فيما يلي:

1- تحفيز العباد على الأعمال الصالحة

جعل القرآن من وسائل وأساليب التحفيز الترغيب في فعل الخير والعمل الصالح؛ ابتغاء الثواب من الله وأجره في الآخرة، والفوز بالحياة الكريمة الطيبة في الدنيا، وأنّ عمل العبد لن يضيعه الله، وسيثيب العبد عليه، ويجازيه على عمله .

قال الله تعالى:

﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا ﴾

الكهف: ٣٠

وجعل القرآن من وسائل وأساليب التحفيز الترغيب في فعل الخير والعمل الصالح؛ ابتغاء الثواب من الله وأجره في الآخرة، والفوز بالحياة الكريمة الطيبة في الدنيا .

قال الله تعالى:

﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً  وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾

النحل: ٩٧

﴿ إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ ﴾

الحج: ١٤

كذلك من أساليب التحفيز في القرآن البشارة أو التبشير بالثواب، من خلال تبشير المؤمنين الذين عملوا الصالحات بحسن العاقبة يوم القيامة

قال الله تعالى:

﴿ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ ﴾

فصلت: ٣٠

2- تحفيز العباد لتجنب ما لايرضي الله

الترهيب ضد الترغيب، وهو تخويف الإنسان، وتهديده بالعقوبة والعذاب والسخط من عند الله، إذا لم ينته عما نهاه الله عنه، أو لم يلتزم بما فرضه الله عليه وكلّفه به من الواجبات.

قال الله تعالى:

﴿ وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَىٰ  .قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَىٰ وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا . قَالَ كَذَٰلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا  وَكَذَٰلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَىٰ . وَكَذَٰلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآيَاتِ رَبِّهِ  وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَىٰ ﴾

طه: ١٢٤- ١٢٧

قال الله تعالى:

﴿ وَكَذَٰلِكَ أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْرًا ﴾

طه: ١١٣

﴿ مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا ﴾

الإسراء: ١٨

﴿ وَأَنْذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذَابُ فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَىٰ أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ مَا لَكُمْ مِنْ زَوَالٍ ﴾

إبراهيم: ٤٤

﴿ وَكَذَٰلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَىٰ وَمَنْ حَوْلَهَا وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لَا رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ ﴾

الشورى: ٧

ولقد تنوعت أساليب التحفيز في القرآن ما بين ترغيب وترهيب، ووعد ووعيد، وتبشير وإنذار وغيرها، وفي ذلك التنويع ما يدل على ثراء القرآن وإعجازه في إقناع المتلقين، ومن ثمّ استمالتهم وتحفيزهم على تحصيل الثواب.

3- المبادرة إلى أحب الأعمال وأكثرها ثوابًا

إن الحق سبحانه وتعالى قد يرغّب في فعل بعض الأعمال وذلك بزيادة المثوبة التي تترتب على فعلها، وذلك يقع في النفوس والقلوب موضع الإقبال والمبادرة، فيبادر الإنسان لفعل تلك التكاليف والعبادات التي يكون في مقابلها من الحق مزيد الثواب والأجر.

قال الله تعالى:

﴿ مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ  ﴾

البقرة: ٢٦١

ومِن أعظم ما ينتفع به المؤمنون الإنفاقُ في سبيل الله. فهذا مثل ضربه الله تعالى لتضعيف الثواب لمن أنفق في سبيله وابتغاء مرضاته، وأن الحسنة تضاعف بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف. والله يضاعف الأجر لمن يشاء، بحسب ما يقوم بقلب المنفق من الإيمان والإخلاص التام. وفضل الله واسع، وهو سبحانه عليم بمن يستحقه، مطلع على نيات عباده.

7 – خصائص الثواب

       في

  القرآن الكريم

كل من أمعن النظر في الجزاء الذي أعده الله تعالى لكل ما يصدر من الإنسان المكلف المسؤول وما يترتب على عمله من ثواب أو عقاب يتضح له بأنه يمتاز بعدة خصائص تمييز عن كل الجزاءات التي كانت من نتاج العقول البشرية على وجه الأرض، ومن أبرزها:

أ- العدل

أقام الله تعالى نظام الكون على العدل

قال الله تعالى:

﴿ وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ ﴾

الرحمن 7

الله تعالى لا يظلم أحداً من عباده يوم القيامة مثقال ذرة بل يوفيها له ويضاعفها أن كانت حسنة اضعافاً كثيرة.

قال الله تعالى:

﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا ﴾

النساء 40

ب- الرحمة

وصف الله نفسه بالرحمن الرحيم وجمع بينهما في آية البسملة التي جعلها سبحانها مفتتح كل سورة من سور القرآن الكريم.

وذكر القرآن الكريم في أماكن كثيرة بأن الله أرحم الراحمين .

قال الله تعالى:

﴿ قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِأَخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ﴾

الأعراف 151

يخبر الله تعالى أنه قد كتب على نفسه المقدسة الرحمة بعباده تفضلا

قال الله تعالى:

﴿ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَىٰ نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ ﴾

الأنعام 54

من رحمة الله تعالى في الجزاء أن جعل التوبة سبباً يمحو الله به الذنوب ويغفرها

قال الله تعالى:

﴿ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾

الأنعام 54

الذين تمادَوا في المعاصي، وأسرفوا على أنفسهم بإتيان ما تدعوهم إليه نفوسهم من الذنوب: لا تَيْئسوا من رحمة الله؛ لكثرة ذنوبكم، إن الله يغفر الذنوب جميعًا لمن تاب منها ورجع عنها مهما كانت، إنه هو الغفور لذنوب التائبين من عباده، الرحيم بهم.

قال الله تعالى:

﴿ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴾

الزمر 53

وكثيرا ما يقرن الله تعالى في القرآن بين كونه شديد العقاب وبين كونه غفور الرحيم .

قال الله تعالى:

﴿ وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلَى ظُلْمِهِمْ وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ الْعِقَابِ ﴾

الرعد 6

وإذا تدبرنا في الجزاء الإلهي نجد أن رحمة الله تعالى تحيطه وتطبعه في كل جانب من جوانبه .

3- الجزاء من جنس العمل

قال الله تعالى:

﴿ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾

النحل 32

أي بسبب الذي كنتم تعلمونه،

قال الله تعالى:

 ﴿ وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ﴾

البقرة 281.

﴿ وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى . وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى . ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَى ﴾

النجم 39 – 41

﴿ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلَا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا ﴾

النساء 123

4- الجزاء دنيوي وأخروي

فقد بين القرآن جزاء الله تعالى في الدنيا إجمالاً وجزاءه في الآخرة تفصيلاً، فقال تعالى واعداً من عمل صالحاً بالحياة الطيبة.

قال الله تعالى:

 ﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾

النحل 97

وقال تعالى متوعداً الذين يحاربون الله، ويبارزونه بالعداوة، ويعتدون على أحكامه، ويفسدون في الأرض بقتل الأنفس، وسلب الأموال، بعقوبة زاجرة في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب شديد إن لم يتوبوا..

قال الله تعالى:

﴿ إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾

المائدة 33

5-  كل انسان مسؤول عن اعماله

هنالك آيات كثيرة تتحدث عن هذا المعنى وتؤكد بأن كل انسان هو وحده المسؤول عن اعماله وعن نتائجها امام الله. نذكر منها:

قال الله تعالى:

﴿ كل نفس بما كَسبت رهينةٌ ﴾

المدثر:38

﴿ كل أمِرءٍ بما كسبَ رهينٌ ﴾

الطور:21

﴿ ولا تزِرُ وازرةٌ وِزرَ أخرى ﴾

فاطر:18

﴿ وكلَّ إنسانٍ ألزمناهُ طائرهُ في عنقهِ ﴾

الاسراء:13

﴿ مَن عملَ صالحاً فلنفسهِ ومن أساءَ فعليها ﴾

الجاثية:15

Share This