1- مفهوم التفكر

التفكر هو إعمال العقل والنظر والخاطر في معاني الأشياء للتوصل إلى حقائق الأمور بالنظر فيها والاعتبار بنتائجها.

2- كلمة التفكر

      في

القرآن الكريم

وردت كلمة (فكر) وصيغها في القرآن الكريم 1٨ مر ة. والصيغ التي وردت هي:

– الفعل الماضي

ورد مرة واحدة

قال الله تعالى:

﴿ إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ ﴾

المدثر:١٨

– الفعل المضارع

ورد ١٧ مرة

قال الله تعالى:

﴿ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾

الجاثية :١٣

وجاء التفكر في القرآن الكريم بمعني إعمال الخاطر في الشيء.

3- نظائر كلمة التفكر

     في

 القرآن الكريم

ومن الكلمات التي ذكرت في القران الكريم ذات صلة بكلمة التفكر هي

1- التعقل

ويدل على إعمال العقل، وقد كثر ورود مادتها في القرآن الكريم، منها

قال الله تعالى:

﴿ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ ﴾

العنكبوت: 43

﴿ وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ ﴾

الملك: 10

2- التدبر

هو النظر في عواقب الأمور ، وورد في القرآن الكريم كثيرا ، منها.

قال الله تعالى:

﴿ كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ ﴾

ص: 29

﴿ أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَىٰ قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا ﴾

محمد: 24

3- التذكر

هو محاولة النفس استرجاع ما زال من المعلومات إلى الذهن

قال الله تعالى:

﴿ وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ ﴾

الأنعام: 80

﴿ مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا شَفِيعٍ أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ ﴾

السجدة: 4

4- التفقه

هو الفهم والعلم بالشيء وحسن إدراكه ، وورد في القرآن الكريم كثيرا ، منها

قال الله تعالى:

﴿ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ ﴾

الأنعام: 65

﴿ وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا ﴾

الأعراف: 179

5- الاعتبار

هو النظر في حقائق الأشياء المعلومة ودلالتها على أسبابها ونتائجها والاتعاظ بها.

قال الله تعالى:

﴿ وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاءُ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ﴾

آل عمران: 3

﴿ يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ ﴾

النور: 44

6- التبصّر

وهو التأمّل والتعرّف ، ومن الآيات التي وردت فيها هذه الكلمة

قال الله تعالى:

﴿ أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْمَاءَ إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعَامُهُمْ وَأَنْفُسُهُمْ أَفَلَا يُبْصِرُونَ ﴾

السجدة:  27

﴿ تَبْصِرَةً وَذِكْرَىٰ لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ ﴾

ق: 8

7- النظر

ويراد به التأمل والفحص ، ومن الآيات التي وردت فيها هذه الكلمة

قال الله تعالى:

﴿ قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الْآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ ﴾

يونس:  101

4- الحث على التفكر

تنوعت أساليب القرآن في الحث على التفكر، وسوف نتناول هذه الأساليب بالبيان فيما يأتي:

أ – أسلوب الأمر

فقد أمر اﷲ تعالى عباده بالتفكّر والنظر في آيات كثيرة، ومنها

قَال الله تعالى:

( قُلِ انْظُرُوا ماذا فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ﴾

يونس: 101

( قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ﴾

العنكبوت: 20

ب – أسلوب الاستفهام الإنكاري

ومن أساليب القرآن الكريم في الدعوة إلى التفكّر استخدام الاستفهام الإنكاري في عدة مواضع من آياته ، منها

قَال الله تعالى:

﴿ أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ ﴾

الغاشية: 17

( وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ ﴾

الذاريات: 21

﴿ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَىٰ وَالْبَصِيرُ أَفَلَا تَتَفَكَّرُونَ ﴾

الأنعام: 50

فكل استفهام في القرآن لا يقصد الله به انتظار الإجابة من الناس، بل هو تقرير لما وقر في أنفسهم وعلموه. وجاء أسلوب الاستفهام في القضايا التي فيها آيات وبراهين ظاهرة للعيان وبادية للعقل .

ج – أسلوب سرد القصص والتعقيب عليها

القصة القرآنية تعمل على إثارة الفكر البشري من خلال الدعوة للتفكر فيها ، بالاطلاع على قصص الأمم السابقة والشخصيات الماضية ، والخروج بالعبر والعظات والسنن التي تحكم حركة الإنسان ومصيره، لتساعده على مقاومة الإغراءات؛ تجنبًا للمصير السيئ، فتساعده على الفوز والسعادة في الدنيا والآخرة .

ومن القصص التي وردت في موضوع التفكر قصة تابع الهوى الذي آتاه الله الآيات، لكنه انزوى عنها، ورضي بسفاسف الأمور.

قَال الله تعالى:

﴿ وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ . وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَٰكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَٰلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ﴾

الأعراف 175 – 176

هذه هي القصة التي تتكرر في كل زمان ومكان، ومع كل عالم لم ينفعه علمه؛ إذ لم يقده إلى العمل .

د- أسلوب ضرب الأمثال والتعقيب عليها

اعتمد القرآن أسلوب ضرب المثل كلون من ألوان الهداية الربانية، وأسلوب من أساليب البيان الإلهي، يعرض فيها الحقائق؛ ليقربها من الأفهام، ويوضح خفاياها، بما يحفل به من حكم ومواعظ مجملة ومختصرة ذات طابع عقلي وجداني

قَال الله تعالى:

﴿ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ ﴾

العنكبوت: ٤٣

فكان واجبًا على تالي كتاب الله أن يتمعن في أمثاله، ويفهمها، ويعرف المراد الله منها باستخراجه للحكم المقصودة منها، وارتبطت الأمثال بموضوع التفكر ؛ وذلك لدقة معانيها الخفية التي تتطب جهدًا وتركيزًا؛ لاستبيانها.

قَال الله تعالى:

﴿ إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ حَتَّىٰ إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذَٰلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾

يونس: ٢٤

إنما مثل الحياة الدنيا وما تتفاخرون به فيها من زينة وأموال، كمثل مطر أنزلناه من السماء إلى الأرض، فنبتت به أنواع من النبات مختلط بعضها ببعض مما يقتات به الناس من الثمار، وما تأكله الحيوانات من النبات، حتى إذا ظهر حُسْنُ هذه الأرض وبهاؤها، وظن أهل هذه الأرض أنهم قادرون على حصادها والانتفاع بها، جاءها أمرنا وقضاؤنا بهلاك ما عليها من النبات، والزينة إما ليلا وإما نهارًا، فجعلنا هذه النباتات والأشجار محصودة مقطوعة لا شيء فيها، كأن لم تكن تلك الزروع والنباتات قائمة قبل ذلك على وجه الأرض، فكذلك يأتي الفناء على ما تتباهَون به من دنياكم وزخارفها فيفنيها الله ويهلكها. وكما بيَّنا لكم -أيها الناس- مَثَلَ هذه الدنيا وعرَّفناكم بحقيقتها، نبيِّن حججنا وأدلتنا لقوم يتفكرون في آيات الله، ويتدبرون ما ينفعهم في الدنيا والآخرة.

و – أسلوب الثناء على المتفكرين

ومن أساليب القرآن الكريم في الدعوة إلى التفكّر أيضا الثناء على المتفكرين والتنويه والإشادة بهم .

قَال الله تعالى:

﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ . الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَٰذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾

آل عمران: 190 – 191

جاء الثناء على المتفكرين من أولي الألباب، هذه الفئة التي استحقت الثناء بجدارة؛ لأنها عملت بوصايا ربها، فوصلت إلى أعلى منازل السالكين إليه، فكانت بحق قدوة وجب التأسي بها.

ن – أسلوب الحط من شأن من لا يستخدم عقله وتفكيره

كماّ حط القرآن الكريم من شأن من لا يستخدم عقله وتفكيره بأنه جعله أدنى درجة من الحيوان .

قَال الله تعالى:

﴿ إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ ﴾

الأنفال: 22

5- أدوات التفكير

تنقَسم الأدوات التى تستخدم في عملية التفكير ، إلى الأتى

أ – النظر

هو أن تري الشّيء وتّعرّفه وتتدبّره و تّفهّمه

قَال الله تعالى:

( أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ ﴾

الغاشية: 17

(أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ ﴾

الأعراف: 185

إذ يراد منه الحثّ على تأمّل حكمته في خلقها

قَال الله تعالى:

( يُرِيكُمْ آياتِهِ فَأَيَّ آياتِ اللَّهِ تُنْكِرُونَ ﴾

غافر:81

( أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَماواتٍ طِباقاً 0 وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِراجاً ﴾

نوح: 15

ب – العقل

هو أن تستخدم كل ملكات العقل في عمليه التفكر

قَال الله تعالى:

( وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَىٰ بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَىٰ بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ﴾

الرعد: 4

( وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ رِزْقٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ آيَاتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ﴾

الجاثْية: 5

6 – أهداف التفكر

عندما يأمر القرآن الكريم الإنسان بالتفكّر والتدبر، فإنه يطلب منه أن لا يكون تفكيره عشوائياً، بل يجب أن يكون تفكيرامنتجا يوصله إلى أهداف نبيلة، وقد بين أبرز ما يجب أن يصل إليه الإنسان من خلال عملية التفكّر وما منحه اﷲ تعالى من العقل واصطفاه به، ومن هذه الأهداف ما يلي

1- الاهتداء إلى وجود الخالق ووحدانيته

لقد كانت دعوة القرآن الكريم للتفكر والتدبر في آفاق الكون ذات أهمية بالغة، كونها تهدف إلى ترسيخ معنى حقيقة خلق هذا الوجود ومعرفة خالقه، وإدراك عظمة جلاله، وبديع قدرته، والتمعن في عجيب خلقه، ولطيف حكمته

قَال الله تعالى:

﴿ وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ ﴾

الزخرف 9

﴿ وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ ﴾

الزمر 38

بهذا يتبين أنه لا يوجد طريق يسير وآمن ومقنع مثل التفكر، للاهتداء إلى خالق الكون، والإيمان بوحدانيته، والعمل بمقتضى أوامره. وأنه لم يخلق شَيْءٍ عبثاً، بل كل شَيْءٍ خلق لمقصد هام.

قال اﷲ تعالى:

﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ . الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَٰذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾

آل عمران: 190 – 191

2- تزكية النفس

إن من أهداف التفكر السامية بعد وجوب الإيمان بالله خالقًا وربًا لهذا الكون هو ضرورة تعزيز القوة الإيمانية في القلب، واستقامتها على هدى الوحي وتحصينها من كل ما يمكن أن يؤثر فيها، بفضل ما تحويه الآيات في طياتها، ترشد الضال إلى الإيمان بالله، وتزيد من قوة هذا الإيمان في القلب

قَال الله تعالى:

﴿ إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ . وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ. وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لَا يُشْرِكُونَ . وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَىٰ رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ . أُولَٰئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ ﴾

المؤمنون: ٥٧ -٦١

وفي هذه الآيات يربط الله تعالى بين الخشية وبين الإيمان بالآيات سواء الكونية أو القرآنية التي تجعل المؤمنين موحدين، فتنقلب حياتهم سباقًا في ميدان الأعمال الصالحة، وهي الهبة التي منحها الله لقارئ القرآن وسامعه.

والخشية لا تنبع إلا إذا أدرك الإنسان مكانة هذا القرآن وعظمة الخالق، حينها يمتلئ القلب بالتقوى، فتراه يحرص على العمل بطاعة الله، ما يجعله مستقيم الفكر، حسن السلوك.

3- التعرف على سنن الله في الآفاق والأنفس

من الأهداف الأساسية التي وضعها القرآن الكريم لموضوع التفكر هو معرفة السنن الإلهية الكونية والإنسانية التي تقوم عليها المنظومة الكونية بشقيها الخاص بمجال الآفاق، أو ما يخص النفس البشرية ، ذلك أن حوادث الكون خاضعة لسنن وقوانين سنها الله تعالى وفق أقدار قدرها ؛ ليبحث الإنسان عن سنن الله في الأمم السابقة، مما يجعل تفكيره سليمًا مبنيًا على قانون ثابت .

وقد جاء في القرآن آيات كثيرة تبحث في السنن، وتدعو الإنسان للوقوف عندها، والتأمل فيها ودراستها لاستبيانها أكثر، وهي دعوة إلى إدراك حقيقة هذه الحياة وروابطها على مدار الزمان، ووحدتها من حيث المنشأ والمصير، واكتشاف العلائق الحاكمة لها منذ خلق البشرية .

ومعرفة هذه السنن يجعل الإنسان يفهم سر هذه الحياة، ويمسك بزمام الأمور فيها، ويفقه قوانينها، ويساعده على فهم ظواهرها، وتسخيرها لتلبية حاجاته، وتيسير حياته، كما يعرفه على نتاج أعماله إن خالف هذه السنن، وعمل على الاستبداد والظلم وإثارة الفساد، فستسري عليه سنة الله بالهلاك والعقاب في الدنيا والآخرة، وإن أحسن وعمل على الإصلاح والتعمير، كانت سنة النصر والتوفيق للتقدم مصيره، وكتب له النجاح في امتحاني الدنيا والآخرة.

وقد بين الله سبيل التعرف على هذه السنن بالاعتماد على التفكر العميق في عواقب الأمور، والتدبر في الآثار وما بقي من دلائل وآثار الأقوام السابقة، وهذا لا يتأتى إلا بالسير المعتمد على النظر العقلي.

قَال الله تعالى:

﴿ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ ﴾

آل عمران: ١٣٧

﴿ سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا ﴾

الأحزاب: 62

﴿ فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا سُنَّتَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْكَافِرُونَ ﴾

غافر: 85

وسنن الله في خلقه كثيرة، ربط الله منها عدة سنن بموضوع التفكر، وجعله أساسًا للوصول إلى معرفتها، وبيان حقيقتها .

7- حدود التفكّر وضوابطه

يدعو الإسلام إلى التفكّر فيما يتّسع له العقل البشري، مع توضيح الحدود التي يجب ألا يتجاوزها، وذلك لقصوره عن إدراك جميع الأمور؛ فالعقل في الإسلام له حدوده التي لايتخطاها، حيث إنه لو خر ج عن تلك الحدود لسقط في مهاو من الجهل والخرافات التي لا يعلم حدودها إلا ﷲ تعالى .

أّولا – حدود التفكّر

نجد القرآن الكريم قدحرّم التفكّر في مجالات معلومة محدودة، ألا وهي

أ – مجال الغيب

حيث لا دخل للعقل بهذا العالم، فالعقل له عالم يتجول فيه كيف يشاء، ألا وهو عالم الشهادة، أما عالم الغيب فلا علم له به إلا عن طريق ما جاء به القرآن الكريم . فيجب على الإنسان ألا يصل به التفكّرإلى حد الخروج عما لايحيط بعلمه أو تصورالأمور التي لا يمكن تصورها؛ لأنها لا تخضع لمقاييسنا كالقبر وما فيه، و الملأ الأّعلى و ما يخصه، بل الخوض فيها يؤدي إّلى الوسوسة والشّك.

قال اﷲ تعالى:

﴿ وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا ﴾

الإسراء: 36

﴿ وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ ﴾

الأنعام: 59

من هنا لا يحق لأي إنسان– كائنا من كان- المسيس بعقائد الإسلام، والتي تتعلق بالغيب؛ لأنها منزلة من علاّم الغيوب، وقد قامت الأدلة العقلية على إثباتها .

ب – مجال التشريع

وفي مجال التشريع فإنه لا يجوز لأحد أن يعمل عقله في مقابل النصّ، وعليه أن يستسلم للنصّ ، وأن يعتبر ما حسّنه ﷲ تعالى حسناً، وما قبّحه قبيحاً، إذ أن العقل لا يصدر التشريعات .

قال ﷲ تعالى:

﴿ قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَٰلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ﴾

الأعراف: 32

﴿ وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَٰذَا حَلَالٌ وَهَٰذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ ﴾

النحل: 116

﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ  تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾

التحريم: 1

ويجب أن يكون التعقل والتفكر في النصوص الشرعية لاستخراج الأحكام منها واستنباط المسائل، وملاحقة المستجدات العصرية وربطها بالتشريع الإسلامي، وفتح المجال للعقل البشري عن حِكَم التشريع .

ثانيا – ضوابط العقل

كما أن العقل له ضوابط يجب أن تراعي ، وهي

أ –  عدم التفكّر في ما لا يحقّق نفعاً

ومن ضوابط التفكّر أن لا يكون في أمر لا يحقّق نفعاً، بل يجب أن يكون التفكر منتجا ، ولذا ذكر ﷲ تعالى أن من صفات المؤمنين أنهم يعرضون عن اللغو .

قال اﷲ تعالى:

﴿ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا ﴾

الفرقان: 72

﴿ وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ ﴾ ِ

القصص: 55

﴿ قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ . الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ . وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ ﴾

المؤمنون :1- 3

ب- الانشغال بأمور لم تقع بعد

ويدخل في ذلك الانشغال بأمور وأسئلة لم تقع بعد، وقد منع ﷲ تعالى

المؤمنين من الانشغال بمثلها .

قال اﷲ تعالى:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِنْ تَسْأَلُوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللَّهُ عَنْهَا وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ ﴾

المائدة: 101

يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء من أمور الدين لم تؤمروا فيها بشيء، كالسؤال عن الأمور غير الواقعة، أو التي يترتب عليها تشديدات في الشرع، ولو كُلِّفتموها لشقَّتْ عليكم، وإن تسألوا عنها في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم وحين نزول القرآن عليه تُبيَّن لكم، وقد تُكلَّفونها فتعجزون عنها، تركها الله معافيًا لعباده منها. والله غفور لعباده إذا تابوا، حليم عليهم فلا يعاقبهم وقد أنابوا إليه.

إذاً، فّالإسلام على ما سبق لم يحرم العقل من عملية الإبداع، ولكنه أرشده إلى الإبداع المقنن، له حدود وضوابط،وليس الإبداع المطلق الذي يصول ويجول في كل مكان بلا ضابط .

8- مجالات التفكر

وجّه القرآن الكريم العقل إلى التفكّر والتدبّر والتأمّل في الميادين المختلفة، فليس محظوراعلى العقل أن يمارس نشاطه فيما هو من اختصاصه، وإلا فقد عطّلت هذه النعمة الربّانية التي جعل اﷲ من خصائصها التفكير، واستنباط الدروس والعبر، والوصول إلى ماينتفع به الإنسان في دنياه وآخرته، أمّا المجالات التي يدعو القرآن الكريم العقل للتفكر فيها فكثيرة يمكن إجمالها في أربع مجالات التالية

1- السنن الاجتماعية

قال اﷲ تعالى:

﴿ لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَىٰ وَلَٰكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ﴾

يوسف: 111

﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ  وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ  وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ ﴾

الرعد: 11

﴿ أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَكَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً  وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ  إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا ﴾

فاطر:44

فلم تذكر القصص في القرآن الكريم إلا للعبرة، وأخذ الدروس منها،

2- آيات ﷲ الكونية

وقد أكثر القرآن الكريم من بيان آيات اﷲ الكونية، وأمر بالتفكّر فيها وحث ورغّب في تدبّرها، و من الآيات التي تدل على ذلك، منها

قال ﷲ تعالى:

﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ . الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَٰذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾

آل عمران: 190 -191

ويجب على الإنسان أن يفكّر في هذا الكون الفسيح ونظامه البديع، لينظر إلى السماء والأرض والجبال والبحار والأنهار وما خلق اﷲ تعالى من شيء

قال اﷲ تعالى:

﴿ أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْ عَسَىٰ أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ ﴾

الأعراف: 185

ففيها من عجائب صنع اﷲ تعالى، وغرائب خلقه، ولينظر الإنسان في عالم الحيوانات والنباتات والجمادات والطيور والحشرات، فالعالم كله مليء بالعبر.

3- النفس الإنسانية

دعا القرآن الكريم الإنسان إلى التفكّر في نفسه التي بين جنبيه في آيات كثيرة جداً، لِما أودع اﷲ في داخل هذا المخلوق من عجائب قدرته ،

قال اﷲ تعالى:

﴿ وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ ﴾

الذاريات: 21

و القرآن الكريم فيه دعوة للنظر في النفس من الجوانب الأتية

1- جانب خلقها

فعليه أن يفكّر في نشأته وخلقه

قال اﷲ تعالى:

﴿ فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ ﴾

الطارق: 5

وأن يفكّر في جسمه وطريقة حياته من أكل وشرب وما إلى ذلك

قال اللَّهُ تعالى:

﴿ وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ قَدْ فَصَّلْنَا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ ﴾

الأنعام 98

﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾

الروم 21

2- جانب النظر في أفعالها

من حيث مقاربتها للصواب

قال اللَّهُ تعالى:

﴿ وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَٰكِنْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ﴾

هود 101

–  صفاتها وكيفية تهذيبها

قال اللَّهُ تعالى:

﴿ وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا . فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا . قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا . وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا ﴾

الشمس 7- 10

4- التفكر في آلاء الله ونعمه

يعتبر عرض آلاء الله ونعمه المتفضل بها على البشر من أكثر الأساليب انتشارًا في القرآن الكريم، وذلك بهدف تنبيه الناس على آيات الله وبيان قدرته وعظمته وحكمته في الخلق، ودعوة لهم للتفكر فيها قصد زيادة الإيمان وشكرًا لخالقها، وهذه الآلاء تملأ السماء وتفيض بها الأرض، لكن قلوب الناس غافلة عنها، فتكريرها وإعادة التذكير بها يبعثها من جديد ويستثير العقل فيها. ونعم الله تعالى على الإنسان كثيرة،

قال اللَّهُ تعالى:

﴿ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾

النحل: ١٨

﴿ وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ ﴾

إبراهيم 34

﴿ فَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلَالًا طَيِّبًا وَاشْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ ﴾

النحل 114

وعلى رأسها التفكر؛ للقيام بأداء حق هذه النعم في الشكر.

5- التفكر في المآل والمصير

وهذا المجال هو أحد مجالات التفكر التي أمر الله عز وجل بها، فالدنيا دار ابتلاء وعمل، والآخرة دار راحة وقرار، وكان التفكر في الدنيا والآخرة أول دعوة قرآنية للتفكر

قال اللَّهُ تعالى:

﴿ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ . فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ  ﴾

البقرة: ٢١٩-٢٢٠

وبيان حقيقة الدنيا وسرعة زوالها جاء في عدد كثير من الآيات ، ومن الآيات التي دعت للتفكر في الدنيا

قال اللَّهُ تعالى:

﴿ إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ حَتَّىٰ إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذَٰلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾

يونس: ٢٤

ففي هذه الآية يضرب تعالى مثلًا للحياة الدنيا التي يتنافس عليها الجاهلون، ويتكالب عليها الغافلون، حتى ينسون العمل للآخرة، وهي في حقيقتها كأرض أنبتت نباتًا فنما وازدهر وافتتن به الناس، وظنوا أنهم أحاطوا بثمره وجنيه، حتى جاء أمر الله بالإهلاك، وغدت الجنة حصيدًا خامدًا، وهذا لاغترار أهلها بها، ونسيانهم فضل الله عليهم.

وفي المقابل من بسط الأمثال للتزهيد في حال هذه الدنيا، جاء التفكر في الموت هذه الحقيقة الربانية التي وضعها الله سبحانه وتعالى فيصلًا بين الدنيا والآخرة؛ لتنتهي دار الفناء، وتبدأ دار البقاء، وتجازى كل نفس بما كسبت.

قال اللَّهُ تعالى:

﴿ فَكَيْفَ إِذَا جَمَعْنَاهُمْ لِيَوْمٍ لَا رَيْبَ فِيهِ وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ﴾

آل عمران 25

الموت نهاية الطريق في عالم الشهادة، ونقطة البداية في عوالم الآخرة؛ لذا وجب على كل نفس التزود له، فمن يدري في أي لحظة يحل أجله.

قال اللَّهُ تعالى:

﴿ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ ﴾

لقمان: ٣٤

فالموت حقيقة لا يمكن الهروب منها.

قال ﷲ تعالى:

﴿ قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَىٰ عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾

الجمعة: ٨

ولا حتى العودة بعدها لتصحيح الخطأ، وتصليح العمل

قال ﷲ تعالى:

﴿ حَتَّىٰ إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ . لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ . فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ ﴾

المؤمنون: ٩٩-١٠١

ومع كل هذه المواعظ إلا أن كثيرًا من الناس على كفرهم بالبعث واللقاء .

6- التفكر في آيات القرآن الكريم

يوجّه ﷲ تعالى العقل البشري إلى التدبّر في آياته التي أنزلها ليقف على أحكام دينه الحنيف، ويأخذها من معينه الصافي ويستخرج منها الأحكام والحِكم، ومقاصد الدين الإسلامي . وارتبط التفكر في آيات الذكر بآيتين هما:

قال ﷲ تعالى:

﴿ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ﴾

النحل: ٤٤

الآية تبين دور القرآن في كونه ذكر للإنسان لما فطر عليه، وموعظة للغافلين، وتحصيل هذه المعاني لا يكون إلا بالتفكر فيه والتدبر لمعانيه

قال ﷲ تعالى:

﴿ لَوْ أَنْزَلْنَا هَٰذَا الْقُرْآنَ عَلَىٰ جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ﴾

الحشر: ٢١

الآية تتحدث عن عظم تأثير القرآن في النفوس، وتمثيل أثره بصورة محسوسة لعل القلوب تئوب له فتخشع عند تلاوته، وتتدبر معانيه، وتعمل بأحكامه، وتتخذه دستور حياة .

9- عوائق التفكر

أودع اﷲ تعالى في طبيعة النفس البشرية ملكة التفكّر والتعقّل، لكنّها قد تصاب بالإعاقة لسبب أو آخر، فيقعد الإنسان من عملية التفكير، وهذه الأسباب ليست مفروضة على الإنسان، بل كثيرا ما يكون الإنسان سببا بنفسه لإيجاد هذه الأسباب، وقد ذكرها القرآن الكريم، كي يعالجها الإنسان ويتخلّص منها، وهي

1- الأوهام والخرافات

وهذه الأوهام متعددة، فقد تكون في المعتقدات وقد تكون في الأفكار، وقد رد اﷲ تعالى على ذلك كلها

– فيما حكاه عن إبراهيم وقومه

قال ﷲ تعالى:

﴿ فَرَاغَ إِلَىٰ آلِهَتِهِمْ فَقَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ . مَا لَكُمْ لَا تَنْطِقُونَ . فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْبًا بِالْيَمِينِ . فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَزِفُّونَ . قَالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ . وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ ﴾

الصافات: 91 – 96

– فيما يدّعيه الكهنة والعرّافون من الأباطيل والخرافات

وما يروجونه من أكاذيب الكلام

قال ﷲ تعالى:

﴿ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَىٰ مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ . تَنَزَّلُ عَلَىٰ كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ . يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ . وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ . أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ . وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ ﴾

الشعراء: 224

فقد يكون الإنسان ضحية تلك الأوهام، فيمنعه ذلك من التفكّر والتعقل

2- إتّباع الظن الكاذب

قال ﷲ تعالى:

﴿ وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلَّا ظَنًّا إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ ﴾

يونس: 36

﴿ وَمَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا  . فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّىٰ عَنْ ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا ﴾

النجم: 28 – 29

وقد أنكر القرآن الكريم على الكفار في ظنّهم السوء بربهم بأنه لا يعلم كثيرا مما يعملون

قال ﷲ تعالى:

﴿ وَذَٰلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾

فصلت: 23

ولذا أمر اﷲ تعالى المؤمنين بالاجتناب عن الظنون

قال ﷲ تعالى:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ ﴾

الحجرات: 12

3- اضطراب الحالة العقلية

وذلك قد تكون بتناول المسكرات، فإنها تفسد العقل وتمنعها من التفكير السليم،

قال ﷲ تعالى:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ . إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ  فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ ﴾

المائدة: 90 – 91

وقد تكون اضطراب الحالة العقلية بالتعصب والعناد، فلا يفكّر المرء عندئذ في أحقية الأمر لكنّه يقدم ما يتعصّب من أجله

قال ﷲ تعالى:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىٰ أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾

المائدة: 8

4- اتّباع الهوى
ومن أسباب إعاقة الفكر والعقل اتباع الهوى، فمن اتبع هواه فقد عطّل عقله

قال ﷲ تعالى:

﴿ أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَٰهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَىٰ عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَىٰ سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَىٰ بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ ﴾

الجاثية: 23

أي: ترك متابعة الهدى إلى مطاوعة الهوى، فكأنه يعبده، فلا يبالي بالمواعظ، ولا يتفكّر بالآيات، ولا ينظر بعين الاستبصار والاعتبار

5- الكبر وغمط الحق

من عوائق الفكر الكبر وغمط الحق،

قال ﷲ تعالى:

﴿ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ الَّذِينَ آمَنُوا  كَذَٰلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ ﴾

غافر:  35

فإذا طبع بالقلب منع من التفكّر والتدبّر؛ لأنه محل التفكّر

قال ﷲ تعالى:

﴿ وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ . يَسْمَعُ آيَاتِ اللَّهِ تُتْلَىٰ عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ . وَإِذَا عَلِمَ مِنْ آيَاتِنَا شَيْئًا اتَّخَذَهَا هُزُوًا أُولَٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ ﴾

الجاثية: 7 – 9

فالكبر من أكبر عوائق التفكر؛ لأنه يمنع صاحبه من قبول الحق والخضوع له

6- التقليد الأعمى

التقليد الأعمى يلغي عمل العقل، وهذا يتنافى مع ما أمر به القرآن الكريم من إعمال العقل والتفكّر ، وقد أنكر اﷲ تعالى على المشركين بتقليدهم الذي كان سببا ضلالهم و شركهم

قال ﷲ تعالى:

﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَىٰ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُوا حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ  ﴾

المائدة: 104

ويدخل في هذا التقليد جميع العقائد والعبادات والعادات والأعراف الباطلة التي يتوارثها الناس كابرا عن كابر من غير استعمال العقل والفكر في صحتها أو بطلانها…وإن الإسلام ليأبى على المرء أن يحيل أعذاره على آبائه وأجداده، كما يأبى له أن تحال عليه الذنوب والخطايا من أولئك الآباء والأجداد، وإنه لينعى على الذين يستمعون الخطاب أن يعفوا أنفسهم من مؤنة العقل؛ لأنهم ورثوا من آبائهم وأجدادهم عقيدة لا عقل فيه .

7- الاستبداد السياسي والفكري

لعل من أكبر عوائق التفكير في العصر الحديث هو الاستبداد السياسي والفكري، وقد أشار القرآن الكريم إلى هذا العائق، وذلك أن فرعون الطاغية قد استفاد من هذا السلاح ضد رعيّته .

قال ﷲ تعالى:

﴿ قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَىٰ وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ ﴾

غافر: 29

ففرض الأمر على الآخرين يعطّل أهم إمكانات الإنسان وهي إمكانات التفكيروالإكتشاف. والإسلام لا يقبل من المسلم أن يلغي عقله ليجري على سنة آبائه وأجداده، ولا يقبل منه أن يلغي عقله خنوعا لمن يسخّره باسم الدين في غير ما يرضى العقل والدين، ولا يقبل منه أن يلغي عقله رهبة من بطش الأقوياء وطغيان الأشداء، ولا يكلّفه ي أمر من هذه الأمور شططا لا يقدر عليه إذ القرآن الكريم يكرر في غير موضع أن ﷲ لا يكلّف نفساما لا طاقة لها به، ولا يطلب من خلقه غير ما يستطيعون.

8- الصحبة السيئة

صحبة الأشرار ومجالستهم وفق طريقتهم يمنع الإنسان من التفكّر السليم،والاهتداء إلى الطريق المستقيم،

قال ﷲ تعالى:

﴿ وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَىٰ يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا . يَا وَيْلَتَىٰ لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا . لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي  وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا ﴾

الفرقان: 27 – 29

فالجلوس مع أهل السوء يؤدي إلى خلل في التفكير، ويكون عقبة قويّة في طريقه

قال ﷲ تعالى:

﴿ وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّىٰ يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا ﴾

النساء: 140

هذه، وثمة عوائق أخرى للتفكير أشار إليها القرآن الكريم في آياته، كالمداهنة والغزو الفكري ، وسيطرة أصحاب الفكر المنحرف وغيرها، تر كناها خشية التطويل .

10- نتائج التفكير في ايات اللَّهُ

إن النظر إلى جمال الكون والمخلوقات يأتي من التأمل في خلق الله تعالى وفي جمال خلقه، ومن ثمرات التفكر في خلق الكون ونتائج هذا التأمل، ما يلي:

1- الخشية

قَال الله تعالى:

( إِنَّما يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ ﴾

فاطر 28

يبين القرآن الكريم ان العلم الذي يحصل عليه العلماء من التطلع إلي أيات الله تعالى في الكون تدفعهم إلي خشية الله لعظم قدرته و علمه

2– اليقين

قَال الله تعالى:

( وَفِي الْأَرْضِ آياتٌ لِلْمُوقِنِينَ ﴾

الذاريات 20

( هذا بَصائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ ﴾

الجاثْية 20

إن الإطلاع على أيات الله سبحانه تعالى في الكون والتفكر في عظمتها وجلالها تدفع إلي مزيد من الإيمان بقدره و علم الله تعالى حتى يصل إلي اليقين

3– الإيمان

قَال الله تعالى:

( أَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا اللَّيْلَ لِيَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهارَ مُبْصِراً إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ﴾

النمل 86

( أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ كانَتا رَتْقاً فَفَتَقْناهُما وَجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤْمِنُونَ ﴾

الأنبياء 30

إن الإنسان إذا تطلع إلي أيات الله تعالى في الكون وشاهد ما فيه من تناسق وتوازن وإستقرارسوف يدفعه ذلك إلي الإيمان بخالق كل شَيْئً

4– المعرفة

إن في التطلع إلي الكون وعناصره مايزيد الإنسان علما

قَال الله تعالى:

( وَيُرِيكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ﴾

البقرة 73

( وَمِنْ آياتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّماءِ ماءً فَيُحْيِي بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ﴾

الروم 24

Share This