مفهوم التطفيف في القرآن الكريم

1- مفهوم التطفيف

التطفيف هو البخس في المكيال والميزان، إما بالازدياد إن اقتضى من الناس، وإما النقصان إن قضاهم  ، أي أنه إذا أخذ لنفسه أخذ أكثر من حقه، وإذا أعطى أعطى أقل من الواجب.

قال الله تعالى:

﴿ الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ ﴾

المطففين: 2

أي يأخذون حقهم بالوافي والزائد .

قال الله تعالى:

﴿ وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ ﴾

المطففين: 3

أي ينقصون.

2- كلمة التطفيف

     في

القرآن الكريم

وردت كلمة التطفيف في القرآن الكريم  مرة واحدة. والصيغ التي وردت هي:

– إسم فاعل

وردت مرة واحدة

قال الله تعالى:

﴿ وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ ﴾

المطففين: 1

وجاءت التطفيف في القرآن الكريم بمعناه الدال على البخس في المكيال والميزان .

3- أنواع التطفيف

       في

  القرآن الكريم

ينقسم التطفيف إلى قسمين ..

أ- التطفيف المعنوي

قال الله تعالى:

( لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ )

الحديد: 25

المراد من الميزان في الآية ليس هو الميزان المتداول بين الناس، بل هو الميزان الذي يَزن العقائد والأخلاق والسلوك والأقوال، لذلك صار لكل واحد مقياس خاص به، فللعقائد مقياسٌ يميز الحق عن الباطل، وللأخلاق مقياسٌ وميزانٌ يميّز الفضيلة عن الرذيلة، وللسلوك ميزانٌ يميز الصدق عن الكذب، فكل واحدٍ منها له ميزانٌ يناسبه.

فإن التطفيف لا حدود له و لا قيد و إنما يكون في كل نشاط الإنسان حيث يشمل العلاقات الإجتماعية و القضايا الفكرية و الأمور المعنوية مثلا

– فالمطففون من الأزواج الذين يحرصون على كامل حقوقهم من زوجاتهم ويستهينون بترك وجباتهم نحوها .

– والمطففون من الزوجات اللواتي يثقلن كواهل أزواجهن بطلباتهن دون أي مراعاة لظروفهم مع تقصير واضح في واجباتهن نحوهم .

– والمطففون من الآباء الذين يطالبون أبناءهم بالبر الكامل المادي والمعنوي وهم أبعد الناس عن القيام بواجبٍ نحو الأبناء .

– والمطففون من الأبناء الذين يزعجون آباءهم بطلباتهم ثم لا يراعون برهم ولا ينتبهوا لحق الوالدين عليهم .

– والمطففون من الجيران الذين يرفعون عقيرتهم بالشكوى من جيرانهم ولا ينظرون إلى ما يقومون به هم وأولادهم من أذية وإساءة لجيرانهم .

– ومن الموظفين الذي يكثرون التبرم والشكوى من الوضع وممن يديرهم ولا تجد عندهم حرصا على العمل ولا انضباط ولا قيام بالمهام على الوجه المطلوب .

وغير هذا من أنواع التطفيف عند أهل الحرف و الصناعات و بائع اللّبن و الخبز و بائع الوقود ,,, وليحذر الذين يخالفون أمر الله و انتهاك حدوده و نسيان الآخرة و ليتذكر المطفف هول يوم يشيب منه الرضيع يوم نضع القسط فلا تظلم نفس شيئا

ب – التطفيف الحسي

هو الاستيفاء من الناس عند الكيل أو الوزن، والإنقاص والإخسار عند الكيل أو الوزن لهم. ويلحق بالوزن والكيل ما أشبههما من المقاييس والمعايير التي يتعامل بها الناس  .

قال الله تعالى:

( وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ . الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ . وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ )

المطففين 1-3

4- الأمر بالقسط في الميزان

وقد أمر الله تعالى عباده في العديد من الآيات بالوزن بالقسط والعدل، ونهاهم ضمنا ولفظا عن الظلم والحيف، والتطفيف في الكيل .

قال الله تعالى:

(وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ )

الرحمن: 9

وأقيموا الوزن بالعدل، ولا تُنْقِصوا الميزان إذا وَزَنتم للناس.

قال الله تعالى:

( وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذَا كِلْتُمْ وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ ۚذَٰلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا )

الإسراء: 35

وأتموا الكيل، ولا تنقصوه إذا كِلْتم لغيركم، وزِنوا بالميزان السوي، إن العدل في الكيل والوزن خير لكم في الدنيا، وأحسن عاقبة عند الله في الآخرة.

قال الله تعالى:

﴿ أَوْفُوا الْكَيْلَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُخْسِرِينَ . وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ ﴾

الشعراء: 181- 182

أتمُّوا الكيل للناس وافيًا لهم، ولا تكونوا ممن يُنْقِصون الناس حقوقهم، وَزِنوا بالميزان العدل المستقيم، ولا تنقصوا الناس شيئًا مِن حقوقهم في كيل أو وزن أو غير ذلك .

قال الله تعالى:

﴿ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ﴾

الأنعام: 152

وأوفوا الكيل والوزن بالعدل الذي يكون به تمام الوفاء. وإذا بذلتم جهدكم فلا حرج عليكم فيما قد يكون من نقص، لا نكلف نفسًا إلا وسعها.

4- عقوبات المطففين

       في
   القرآن الكريم

اعلم أن التطفيف كبيرة من الكبائر، وهو أكل لأموال الناس بالباطل، وهو كسب خبيث يدل على حقارة نفس فاعله ودناءتها، وهو مال حرام فإذا تصدق به صاحبه لم يتقبل منه وإذا خلفه وراءه كان زاده إلى النار.. وقد توعد الله أصحابه بعقوبات في الدنيا والآخرة  .

1-  في الدنيا

أ- الهلاك والخسران

– عن شعيب وأهل مدين

قال الله تعالى:

﴿ وَإِلَىٰ مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَٰهٍ غَيْرُهُ وَلَا تَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِنِّي أَرَاكُمْ بِخَيْرٍ وَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ . وَيَا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ ﴾  

هود: 84-85

وأرسلنا إلى “مدين” أخاهم شعيبًا، فقال: يا قوم اعبدوا الله وحده، ليس لكم مِن إله يستحق العبادة غيره جل وعلا، فأخلصوا له العبادة، ولا تنقصوا الناس حقوقهم في مكاييلهم وموازينهم، إني أراكم في سَعَة عيش، وإني أخاف عليكم – بسبب إنقاص المكيال والميزان- عذاب يوم يحيط بكم.

قال الله تعالى:

﴿ قَالُوا يَا شُعَيْبُ أَصَلَاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ ﴾

هود: 87

قالوا: يا شعيب أهذه الصلاة التي تداوم عليها تأمرك بأن نترك ما يعبده آباؤنا من الأصنام والأوثان، أو أن نمتنع عن التصرف في كسب أموالنا بما نستطيع من احتيال ومكر؟ وقالوا -استهزاءً به-: إنك لأنت الحليم الرشيد.

قال الله تعالى:

﴿ وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا شُعَيْبًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ ﴾

هود: 94

ولما جاء أمرنا بإهلاك قوم شعيب نجَّينا رسولنا شعيبًا والذين آمنوا معه برحمة منا، وأخذت الذين ظلموا الصيحة من السماء، فأهلكتهم، فأصبحوا في ديارهم باركين على رُكَبهم ميتين لا حِرَاك بهم.

2- في الآخرة

وكما عاقب الله المطففين في الدنيا، كذلك عاقبهم في الآخرة .

أ- العذاب الأليم

قال الله تعالى:

﴿ وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ . الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ. وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ ﴾

المطففين: 1- 3

عذابٌ شديد للذين يبخسون المكيال والميزان، الذين إذا اشتروا من الناس مكيلا أو موزونًا يوفون لأنفسهم، وإذا باعوا الناس مكيلا أو موزونًا يُنْقصون في المكيال والميزان .

5- آثار التطفيف على حياة

    الفرد والمجتمع

هناك آثار للتطفيف على حياة الفرد والمجتمع، وسوف نبيّن أهمها بشكل إجمالي:

1- الخسران

الخسران هو فقدان الأعمال والأموال والأهل والأجر والثواب في الدنيا والآخرة، بسبب ضلال السعي والانحراف عن دين الله.

قال الله تعالى:

 ( أَوْفُوا الْكَيْلَ وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُخْسِرِينَ )

الشعراء: 181

ويعتقد المطففون ـ حسب نظرتهم الضيّقَة وتطلّعهم للربح السريع ـ أنهم يجنون الأرباح من خلال السرقة في الكيل والميزان كي يحصلوا على الثراء، لكن نرى القرآن يعبّر عن أُولئك بأنّهم الأشدّ ضرراً وضلالاً، لذلك أوصى أتباع القرآن بإيفاء الكيل والميزان كي لا يكونوا من الْمُخْسِرِينَ.

2- الفساد في الأرض

الفساد أصبح ظاهرة خطيرة تصيب جميع مجتمعات العالم، النامية والمتطورة والمتقدمة منها على حد سواء، وإن كان بدرجات متفاوتة ، ومن المؤسف أن معدلات الفساد آخذة في الازدياد، فضلًا عن تنوع المجالات التي يلحقها، كالفساد السياسي والاقتصادي والإداري والاجتماعي والأخلاقي،  وغيره من أنواع الفساد.

-عن خطاب النبي شعيب لقومه

قال الله تعالى:

﴿ وَيَا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ ﴾

هود: 85

والفساد الناشئ من النقص في الكيل والوزن، الذي هو سلب أموال الناس الناشئ من التطفيف، يؤدّي إلى زوال ثقة الناس ببعضهم، وتكون منشأ للحقد والعُقَد والنزاعات الاجتماعيّة، وهذا هو من الفساد في الأرض  الذي نهي عنه ديننا .

قال الله تعالى:

( وَلاَ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا )

الأعراف : 56

لا تفسدوا فيها بالمعاصي والدعاء إلى غير طاعة الله، بعد إصلاح الله إياها ببعث الرسل، وبيان الشريعة .

قال الله تعالى:

( إِنَّ اللَّهَ لَا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ )

يونس :81

إن الله لا يصلح عمل مَن سعى في أرض الله بما يكرهه، وأفسد فيها بمعصيته.

3- فقدان أمن وسلامة المجتمع

يشمل المفهوم المعاصر لأمن المجتمع العمل على مجموعة من القضايا الاجتماعية لضمان التحرر من الفاقة. منها الأمن الاقتصادي وهو الحالة التي تمكن الأفراد أو الأسر أو المجتمعات المحلية من تلبية احتياجاتهم الأساسية وتغطية المصاريف الإلزامية بشكل مستدام يحترم كرامتهم. و قِوام واعتماد الحياة الاجتماعية على المعاملات والمبادلة؛ إذ كل إنسان يعيش في المجتمع ويستفيد منه، وفي مقابل ذلك عليه أن يؤدّي مسؤوليته تجاه المجتمع، فإذا صار على كل فرد أن يدفع أقل ممّا عليه، ويأخذ حقّه كاملاً من دون نقص، فلا يمرّ وقت طويل حتى يفقِد المجتمع أمنة الاقتصادي وبالتالي أمن وسلامة المجتمع  ، ولذلك قد نهت آيات القرآن الكريم عن الفساد في المعاملات مثل سلب أموال الناس الناشئ من التطفيف .

قال الله تعالى:

﴿ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذَا كِلْتُمْ وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً ﴾

الإسراء: 35

وأتموا الكيل، ولا تنقصوه إذا كِلْتم لغيركم، وزِنوا بالميزان السوي، إن العدل في الكيل والوزن خير لكم في الدنيا، وأحسن عاقبة عند الله في الآخرة.

Share This