مفهوم الترهيب في القرآن الكريم

1- مفهوم الترهيب

الترهيب هو وعيد وتهديد من الله سبحانه و تعالى بعقوبة عاجلة أو آجلة؛ لتخويف العباد من اقتراف الذنوب والمعاصي، أو التهاون في أداء الفرائض التي أمر الله بها .

قال الله تعالى:

﴿ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ ﴾

البقرة: ٤٠

أي: فخافون

2- كلمة الترهيب

      في

القرآن الكريم

وردت كلمة (رهب) في القرآن الكريم (٨) مرات. والصيغ التي وردت هي:

– الفعل الماضي

ورد مرة واحدة

قال الله تعالى:

﴿ فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ

الأعراف:١١٦

– الفعل المضارع

ورد  مرتين

قال الله تعالى:

﴿ وَفِي نُسْخَتِهَا هُدًى وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ

الأعراف:١٥٤

– فعل الأمر

ورد  مرتين

قال الله تعالى:

﴿ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ

البقرة:٤٠

– مصدر

ورد ٣ مرات

قال الله تعالى:

﴿ وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرَّهْبِ

القصص:٣٢

وجاء (الترهيب) في القرآن الكريم بمعني التخويف بالعقاب والفزع والاضطراب.

قال الله تعالى:

﴿ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا ﴾

الأنبياء:٩٠

يعني: طمعًا وخوفًا.

3- الكلمات ذات الصلة

   بكلمة الترهيب

– التخويف

إدخال الفزع في قلب المخاطب؛ حثًّا على التّحرّز من ارتكاب محظور.

قال الله تعالى:

﴿ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾

البقرة : 38

– التهديد

التهديد هو الوعيد والتّخويف بالعقوبة .

قال الله تعالى:

﴿ وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَىٰ ﴾

طه : 124

– الوعيد

الوعيد هوإنذار بما سيحدث من دمار ونكبات.

قال الله تعالى:

﴿ وَكَذَٰلِكَ أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْرًا ﴾

طه: 113

– الترغيب

وعد من الله سبحانه و تعالى لعباده فيه تحبيب وإغراء بمصلحة، أو لذة أو متعة عاجلـة أو آجلة، يتبعه حرص وإرادة، مقابل القيام بعمل صالح أو ترك عمل سيء؛ طاعة لله سبحانه و تعالى .

قال الله تعالى:

﴿ يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ ﴾

المجادلة: ١١

4- أساليب عرض الترهيب

إنّ المتدبر لآيات القرآن الكريم يجد أنّ أسلوب الترهيب جاء على أربعة أنواع:

أولًا – أن يأتي الترهيب في آية واحدة مستقلة

وقع هذا النوع في كثير من الآيات القرآنية التي جاء الترهيب فيها بآية مستقلة بذاتها .

قال الله تعالى:

﴿ وَقَالَ اللَّهُ لَا تَتَّخِذُوا إِلَٰهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ ﴾

النحل: ٥١

نهى اللّه جل وعلا في هذه الآية الكريمة جميع البشر عن أن يعبدوا إلهًا آخر معه، وأخبرهم أنّ المعبود المستحقّ لأن يعبد وحده واحدٌ، ثمّ أمرهم أن يرهبوه، أي: يخافونه وحده؛ لأنّه هو الّذي بيده الضّرّ والنّفع، لا نافع ولا ضارّ سواه

ثانيًا – أن يأتي الترهيب في آيتين متتابعتين

قال الله تعالى:

﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ . وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِ آيَاتُنَا وَلَّىٰ مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْرًا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ﴾

لقمان: ٦- ٧

ومن الناس مَن يشتري لَهْو الحديث – وهو كل ما يُلهي عن طاعة الله ويصد عن مرضاته- ليضلَّ الناس عن طريق الهدى إلى طريق الهوى، ويتخذ آيات الله سخرية، أولئك لهم عذاب يهينهم ويخزيهم. وإذا تتلى عليه آيات القرآن أعرض عن طاعة الله، وتكبَّر غير معتبر، كأنه لم يسمع شيئًا، كأَنَّ في أذنيه صممًا، ومَن هذه حاله فبشِّره -أيها الرسول- بعذاب مؤلم موجع في النار يوم القيامة.

ثالثًا – أن يأتي الترهيب في مقطع قرآني

ومن الأمثلة على الترهيب في مقطع قرآني، ما وصفه الله سبحانه وتعالى من العذاب لأهل النار.

قال الله تعالى:

﴿ وَأَصْحَابُ الشِّمَالِ مَا أَصْحَابُ الشِّمَالِ . فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ . وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ. لَا بَارِدٍ وَلَا كَرِيمٍ ﴾

الواقعة: ٤١ – ٤٤

وأصحاب الشمال ما أسوأ حالهم جزاءهم!! في ريح حارة من حَرِّ نار جهنم تأخذ بأنفاسهم، وماء حار يغلي، وظلٍّ من دخان شديد السواد، لا بارد المنزل، ولا كريم المنظر.

رابعًا – أن يأتي الترهيب في سورة قرآنية

من أنواع الترهيب في القرآن الكريم ما جاء في سورة قرآنية، مثل ما جاء في سورة الهمزة.

قال الله تعالى:

 ﴿ وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ . الَّذِي جَمَعَ مَالًا وَعَدَّدَهُ . يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ. كَلَّا لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ . وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ . نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ . الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ . إِنَّهَا عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ . فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ ﴾

الهمزة: ١ -٩

من خلال ما سبق بيانه، ظهر لنا أنّ القرآن الكريم استخدم أنواع الترهيب المختلفة في كتابه، وإن دل ذلك على شيء، فإنما يدل على أنّ القرآن الكريم لم يغفل هذا الجانب؛ لأهميته في حياة المسلم، وأثره الكبير في استقامة الإنسان على طاعة ربه وامتثال أوامره واجتناب نواهيه؛ كي ينجو من العذاب الذي أعدّه الله سبحانه وتعالى لمن عصاه وأشرك به، ويفوز بالجزاء العظيم، والنعيم المقيم الذي أعدّه لعباده المتقين.

5- مجالات الترهيب

       في

  القرآن الكريم

قـد رهّـب الله تعالى من جرائـم عديـدة تتعلق بحقه ، ورتّب عليها عقوبات زاجرة؛ حتى تكون مانعة للإنسـان من الوقـوع فيهـا ، وسوف نستعرض مجالات الترهيب في القرآن ، وهي

أولًا – الكفر

ويعدّ الكفر من الجرائم المتعلقة بحق الله؛ لأنه منافٍ للإيمان، وقد ذم الله سبحانه و تعالى الكفر ، وبيّن سوء عاقبته على الكافرين في كثير من آيات القرآن الكريم، وتوعّدهم بالعذاب والهلاك، ومن صور الوعيد ما يلي:

1- العذاب الأليم

قال الله تعالى:

﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ﴾

آل عمران: ٢١

بيّن سبحانه و تعالى حال أولئك الكافرين ومصيرهم، فهم يكفرون بآيات الله، وهي الدلائل الواضحة، وما بعث به رسله، ويقتلون مع ذلك النبيين بغير حق ولا سبب موجب للقتل، ويقتلون الذين يأمرونهم من أتباع الأنبياء المؤمنين الصالحين، فكان مصيرهم العذاب أليم.

2- العذاب المهين

قال الله تعالى:

﴿ بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ بَغْيًا أَنْ يُنَزِّلَ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ عَلَىٰ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ فَبَاءُوا بِغَضَبٍ عَلَىٰ غَضَبٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُهِينٌ ﴾

البقرة: ٩٠

توعّد الله سبحانه وتعالى الكافرين بالعذاب المهين وهو الذي يهين صاحبه ويذله في الدنيا والآخرة؛ وذلك بسبب كفرهم بالله وما أنزل على رسله.

3- الضلال المبين

قال الله تعالى:

﴿ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا ﴾

النساء: ١٣٦

ومن يكفر بالله تعالى، وملائكته المكرمين، وكتبه التي أنزلها لهداية خلقه، ورسله الذين اصطفاهم لتبليغ رسالته، واليوم الآخر الذي يقوم الناس فيه بعد موتهم للعرض والحساب، فقد خرج من الدين، وبَعُدَ بعدًا كبيرًا عن طريق الحق.

4- لعنة الله والملائكة على الكافرين

قال الله تعالى:

﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَٰئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ ﴾

البقرة: ١٦١

إن الذين جحدوا الإيمان وكتموا الحق، واستمروا على ذلك حتى ماتوا، أولئك عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين بالطرد من رحمته.

5- شراب الكافرين من الحميم

قال الله تعالى:

﴿ وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ شَرَابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ ﴾

يونس: ٤

والذين جحدوا وحدانية الله ورسالة رسوله لهم شراب من ماء شديد الحرارة يشوي الوجوه ويقطِّع الأمعاء، ولهم عذاب موجع بسبب كفرهم وضلالهم.

6 – الكافرون لا مولى لهم، ولا ناصر ينصرهم

قال الله تعالى:

﴿ ذَٰلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَىٰ لَهُمْ ﴾

محمد: ١١

ذلك الذي فعلناه بالفريقين فريق الإيمان وفريق الكفر؛ بسبب أن الله وليُّ المؤمنين ونصيرهم، وأن الكافرين لا وليَّ لهم ولا نصير.

7- الخلود في نار جهنم

قال الله تعالى:

﴿ وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾

البقرة: ٣٩

وهكذا نجد أن الله سبحانه وتعالى توعّد من كفر، أو وقع في الكفر بأنواع عديدة من العذاب، ولما علـم الإنسان ماله من الوعيد حينما يكفر بالله عز و جل وآياته، وأن مأواه جهنم، وأن الله عز و جل سـيذله ويذيقـه من العذاب الأليم والشراب الحميم، ويلعنه الله والملائكة والناس أجمعون، ويخلـد في نـار جهنـم .

ثانيًا – الشرك

إن ّالشرك جريمة عظيمة بحق الله سبحانه و تعالى، فالشرك ظلم النفس، حيث وصفه سبحانه وتعالى بأنه أعظم الظلم .

قال الله تعالى:

﴿ وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ﴾

لقمان: ١٣

وذلك لأن المشرك يجعل المخلوق في منزلة الخالق؛ لذلك جاء التحذير منه في القرآن الكريم، فالشـرك جعـل شريك لله في ربوبيته أو إلهيته، كأن يدعو مع الله غيره، أو يصرف له شيئًا من أنواع العبادة .

ولقد تنوعت دلالة النصوص على ذم الشرك، والتحذير منه وبيان خطره، وسوء عاقبته على المشركين في الدنيا والآخرة، وبيان ذلك في النقاط الآتية:

1- الشرك الذنب الذي لا يغفر إلا بتوبة

قال الله تعالى:

﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ ﴾

النساء: ٤٨

أخبر تعالى عن نفسه بأنه لا يغفر الذنب المعروف بالشرك والكفر، وأما سائر الذنوب كبيرها وصغيرها فتحت المشيئة، إن شاء غفرها لمرتكبها فلم يعذّبه بها، وإن شاء آخذه بها وعذّبه

2- وصف الله الشرك بأنه ظلم عظيم

قال الله تعالى:

﴿ وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ﴾

لقمان: ١٣

3- الشرك محبطٌ لجميع للأعمال، وسببٌ في خسران صاحبه

قال الله تعالى:

﴿ وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾

الزمر: ٦٥

4- تحريم دخول الجنة على المشرك

قال الله تعالى:

﴿ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ ﴾

المائدة: ٧٢

5- براءة الله سبحانه و تعالى من المشركين

قال الله تعالى:

﴿ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾

التوبة: ٣

6- نجاسة المشرك (المعنوية ﴾

قال الله تعالى:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ ﴾

التوبة: ٢٨

7- الشرك افتراءٌ و إثم عظيمٌ على الله سبحانه و تعالى

قال الله تعالى:

﴿ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَىٰ إِثْمًا عَظِيمًا ﴾

النساء: ٤٨

إذا علم الإنسان خطر الشرك، فإنه سيبذل قصارى جهده من أجل عدم الوقوع فيه؛ لأن الشرك سبب في عدم مغفرة الذنوب، ولذلك يجب علـى الإنسـان أن يتحرر من جميع مظاهر الشرك، وأن يتوجه إلى ربه بالعبادة وحده لا شريك لـه، ولا يصرف شيئًا من العبادة لغيره، فقد حقّق بذلك التوحيد واستقام على شرع الله سبحانه و تعالى.

ثالثًا – النفاق

إن النفاق انحراف خطير في حياة الأفراد والمجتمعات والأمم، فخطره عظيم، وشرور أهله كثيرة، وتكمن خطورته في آثاره المدمرة على حياة الأفراد والمجتمعات. النفاق معناه إظهار الإسلام وإبطان الكفر والشرك. وسوف نتحدث عن النفاق ونبين صفات المنافقين؛ ومن أهما ما يأتي:

– أنهم يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم

قال الله تعالى:

﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ ﴾

البقرة: ٨

ومن الناس فريق يتردد متحيرًا بين المؤمنين والكافرين، وهم المنافقون الذين يدّعون الإيمان بألسنتهم ويضمرون الكفر في قلوبهم، وهم في باطنهم كاذبون لم يؤمنوا بالله ولا باليوم الآخر، فنفى الله سبحانه و تعالى عنهم صفة الإيمان؛ لأنهم أشد خطورة من الكافرين.

2- خداع الله سبحانه وتعالى والمؤمنين

قال الله تعالى:

﴿ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ ﴾

البقرة: ٩

3- الإفساد في الأرض بالقول والفعل

قال الله تعالى :

﴿ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَٰكِنْ لَا يَشْعُرُونَ ﴾

البقرة: ١٢

4- الاستهزاء بالمؤمنين

قال الله تعالى :

﴿ وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَىٰ شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ . اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ ﴾

البقرة: ١٤-١٥

5- المنافقون يحلفون كذبًا ليستروا جرائمهم

قال الله تعالى :

﴿ اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾

المنافقون: ٢

إنما جعل المنافقون أيمانهم التي أقسموها سترة ووقاية لهم من المؤاخذة والعذاب، ومنعوا أنفسهم، ومنعوا الناس عن طريق الله المستقيم، إنهم بئس ما كانوا يعملون؛

6- موالاة المنافقين للكافرين ونصرتهم على المؤمنين

قال الله تعالى:

﴿ بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا . الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا ﴾

النساء: ١٣٨- ١٣٩

وقد وصف الله سبحانه وتعالى حال المنافقين بأنهم يوالون الكافرين، ويتخذونهم أعوانًا لهم، ويتركون ولاية المؤمنين، ولا يرغبون في مودتهـم، أيطلبـون بذلك النصرة والمنعة عند الكافرين؟ إنهم لا يملكون ذلك، فالنصرة والعزة والقوة جميعها لله تعالى وحده.

7- المنافقون يعملون على تهوين المؤمنين وتخذلهم

قال الله تعالى :

﴿ وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا ﴾

الأحزاب: ١٢

يقول المنافقون والذين في قلوبهم شك ومرض: ما وعدنا الله ورسوله من النصر والتمكين إلا باطلًا من القول والغرور، فلا تصدّقوا .

8- التحاكم إلى الطاغوت

قال الله تعالى  :

﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا . وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَىٰ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا ﴾

النساء: ٦٠ – ٦١

هكذا حـال المنافقين: إنهم يتركون التحاكم إلى الله ورسوله، فهم حين لا يقبلـون حكم الله ورسوله، ويفتضح نفاقهم، يأتون بأعذار كاذبة ملفقة، ويحلفون الأيمان لتبرئة أنفسهم، إننا لم نرد مخالفة الرسول صلى الله عليه وسلم في أحكامه، إنما أردنا التوفيـق والمصالحة، وأردنا الإحسان لكل من الفريقين المتخاصمين، ومن عجيب أمرهم في ذّلك، أنهم إذا وجدوا الحكم لصالحهم قبلوه ، وإن يكن عليهم يعرضوا عنه.

9- طعنهم في المؤمنين وتشكيكهم في نوايا الطائعين

قال الله تعالى:

﴿ الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾

التوبة: ٧٩

إن الله سبحانه وتعالى توعد بالعذاب الأليم للمنافقين الذين يسخرون من المؤمنين المتصدقين، فإذا تصدق الأغنياء بالمال الكثير عابوهم واتهموهم بالرياء، وإذا تصدق الفقراء بما في طاقتهم استهزءوا بهم، وقالـوا: إن الله غني عن هذه الصدقة .

والنفاق انحراف خطير يطرأ على سلوك الإنسان، وقد رهّب منه القرآن الكريم؛ حيث توعد الله سبحانه وتعالى المنافقين ، بالأتي

1- العذاب الشديد في نار جهنم

قال الله تعالى:

﴿ وَعَدَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا هِيَ حَسْبُهُمْ  وَلَعَنَهُمُ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ ﴾

التوبة: ٦٨

2- أسفل منازل النار يوم القيامة

قال الله تعالى:

﴿ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا ﴾

النساء: ١٤٥

رابعًا – الأعمال السيئة

رهّب الله سبحانه وتعالى من الأعمال السيئة، وبيّن أن الإنسان مسئول عن أعماله سواء كانت صالحة أو سيئة .

قال الله تعالى:

﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ ﴾

فصلت: ٤٦

وسوف نتحدث هنا عن بعض الأعمال السيئة في القرآن، كالقتل، والزنا، والقذف، والسرقة.

1- القتل

إن القتل جريمة خطيرة، لها أضرارها على الفرد والمجتمع، وقد ذكر الله تحريمها في مواطن كثيرة من القرآن الكريم.

قال الله تعالى:

﴿ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ﴾

الإسراء: ٣٣

﴿ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً ﴾

النساء: ٩٢

﴿ وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا ﴾

النساء: ٩٣

فقد حكمت الآية على القاتل المتعمد بعقوبات ثلاثة، وهَي الخلود في جهنم ، واستحقاق الغضب واللعنة ، والعذاب العظيم في الآخرة . و إنّ قتل نفسٍ واحدةٍ كقتل الناس جميعًا .

قال الله تعالى:

﴿ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا ﴾

المائدة: ٣٢

فمن خلال ما سبق ظهرت لنا بعض أضرار جريمة القتل على مرتكبها، فلابد للإنسان أن يضع مخافة الله سبحانه و تعالى نصب عينيه قبل أن يقدم على هذه الجريمة؛ حتى لا يقع في الهلاك والخسران.

2- الزنا

قال الله تعالى:

﴿ وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا ﴾

الإسراء: ٣٢

والنهي عن قربانه أبلغ من النهي عن مجرد فعله؛ لأن ذلك يشمل النهي عن جميع مقدماته ودواعيه ، وقد كانت عقوبة الزانية في صدر الإسلام الحبس في البيت، وعدم الإذن لها بالخروج، وكانت عقوبة الرجل التأنيب والتوبيخ قولًا .

قال الله تعالى:

﴿ وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّىٰ يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا . وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ فَآذُوهُمَا فَإِنْ تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُوا عَنْهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ تَوَّابًا رَحِيمًا ﴾

النساء: ١٥- 16

ثم نسخ ذلك بجلد الزاني أو الزانية البكر، وبيّن عقوبة كلًّا من الزانيين، وهي مائة جلدة، تستوفونها منهما كاملة دون رحمة أو شفقة، ودون تخفيف من العقاب، أو انتقاص من الحد

قال الله تعالى:

﴿ الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾

النور: ٢

هكذا نجد أنّ الله تعالى حرّم جريمة الزنا لما فيها من أضرار عظيمة ومخاطر جسيمة تودي بحياة الأفراد والجماعات .

3- القذف

القذف جريمة عظيمة نص عليها القرآن ، فهو من الكبائر، ومن أشنع الذنوب وأبلغها في الإضرار بالمقذوف والإسـاءة إليه؛ لذا كان التحذير منه في القرآن الكريم شديدًا، وقد عاقب الله سبحانه وتعالى القاذفين بعقوبات عديدة.

قال الله تعالى:

﴿ وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ﴾

النور: ٤

أوجب الله سبحانه وتعالى على القاذف إذا لم يأت بالبينة على صحة ما قال ثلاث عقوبات، حسية ومعنوية ودينية:

1- العقوبة الحسية

وتتمثل في جلد القاذف ثمانين جلدة

2- العقوبة المعنوية

وتتمثل في

-عدم قبول شهادة القاذف

فيهدر قوله، ويصبح في المجتمع من المنبوذين، فلا ثقة له بين الناس.

– توعد الله سبحانه وتعالى لهم

وقد توعد الله سبحانه وتعالى لأولئك الذين يرمون المؤمنات المحصنات ويتهمونهن بالزنا، باللعنة في الدنيا والآخرة والعذاب العظيم لجرم الذنب الذي ارتكبوه في حقهن .

قال الله تعالى:

﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾

النور: ٢٣

نجد الله سبحانه وتعالى شدّد في عقوبة القذف، فجعلها قريبة من عقوبة الزنا؛ وذلك صيانة للأعراض من التهجم، وقطع ألسنة السوء، فيمتنع ضعاف النفوس من أن يجرحوا مشاعر الناس

4- السرقة

السرقة من الجرائم العظيمة في الإسلام، فهي لا تحل في شرع الله، ولا في أي قانـون وضعـي؛ لأن إباحـة السرقة تخلّ بأمن الناس، وتفقد الطمأنينة؛ ومن ثمّ يتزعزع استقرار المجتمع؛ لذا فقد جعل الله سبحانه و تعالى عقوبة السرقة القطع زجرًا لأخذ الأموال بغير حق.

قال الله تعالى:

 ﴿ وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ . فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾

المائدة: ٣٨- ٣٩

وقد جعل الله تعالى عقوبة السرقة هي القطع ليكون هذا العقاب الصارم عبرة للناس؛ حتى يرتدع أهل البغي والفساد، ويأمن الناس على أموالهم وأرواحهم .

6 –  أسلوب الترهيب

       في

 القرآن الكريم

المتأمل في القرآن الكريم يجد أن أسلوب الترهيب لم يأت بصيغة الترهيب الصريحة فحسب، بل جاء في العديد من المواضع بطريق التلميح والتعريض والتهديد، وبطرق أخرى نبيّنها فيما يلي:

1- التهديد والتخويف بصيغة العلم

فكثيرًا ما يقع التهديد في القرآن بذكر (العلم ﴾

قال الله تعالى:

﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلَاقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ ﴾

البقرة: ٢٢٣

فالأمر بـ(العلم) بأن لقاء الله آتٍ لا مفر منه مشعر بالتهديد

قال الله تعالى:

﴿ وَإِنَّ كَثِيرًا لَيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِينَ ﴾

الأنعام: ١١٩

2- الترهيب بصيغة (أفعل ﴾

والمراد بذلك المبالغة في التهديد والزجر

قال الله تعالى:

﴿ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَىٰ فِي خَرَابِهَا ﴾

البقرة: ١١٤

ففي الآية تهديد عظيم لمن منع مساجد الله أن تقام فيها العبادة

قال الله تعالى:

﴿ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهَادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ﴾

البقرة: ١٤٠

3- الإملاء للمعرضين والإمداد لهم

قال الله تعالى:

﴿ فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّىٰ يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ ﴾

الزخرف: ٨٣

﴿ فَذَرْهُمْ حَتَّىٰ يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ ﴾

الطور: ٤٥

4- التعبير بصيغة المستقبل بالإخبار عن عاقبة المعرضين

قال الله تعالى:

﴿ وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الْأَلْوَاحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ ﴾

الأعراف: ١٤٥

سترون عاقبة من خالف أمري وخرج عن طاعتي كيف يصير إلى الهلاك والدّمار والتّباب

قال الله تعالى:

﴿ وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ ﴾

الشعراء: ٢٢٧

5- الأمر بطاعة الله سبحانه والرهبة منه

قال الله تعالى:

﴿ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ ﴾

البقرة: ٤٠

فالأمر هنا متضمن معنى التهديد والوعيد.

6- تكرار الكلام بلفظه، والقصد التهديد

قال الله تعالى:

﴿ فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ﴾

الرحمن: ١٣

فقد تكررت هذه الآية كثيرًا في سورة الرحمن؛ بقصد التهديد لمن تنكّر لنعم الله عليه وأفضاله.

7- إخباره سبحانه بعدم غفلته عما يفعله عباده

قال الله تعالى:

﴿ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ﴾

البقرة: ٧٤

فالمراد: التهديد

قال الله تعالى:

﴿ وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ ﴾

إبراهيم: ٤٢

8- الخطاب بلفظ (الإنذار﴾

قال الله تعالى:

﴿ وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ ﴾

مريم: ٣٩

فالإنذار يتضمن معنى الترهيب.

9- ختم الآيات بعبارات تفيد أنّ من يخالف أوامر الله سبحانه فإنه معرّض للعذاب الشديد

قال الله تعالى:

﴿ وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾

البقرة: ٣٩

10- الإخبار بلفظ الغلبة والحشر

قال الله تعالى:

﴿ قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَىٰ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ ﴾

آل عمران: ١٢

فالمراد بـ(الغلبة) و(الحشر) هنا التهديد.

11- التذكير بالأمم السالفة، وما نزل بها من العقاب والعذاب

قال الله تعالى:

﴿ وَكَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَمَا بَلَغُوا مِعْشَارَ مَا آتَيْنَاهُمْ فَكَذَّبُوا رُسُلِي فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ ﴾

سبأ: ٤٥

فالآية سيقت مساق التهديد بتذكيرهم بالأمم السالفة التي كذّبت رسلها، وكيف عاقبهم الله على ذلك، وكانوا أشد قوة من قريش، وأعظم سطوة منهم.

ومن خلال ما تقدم تبيّن أن أساليب القرآن الكريم تعددت في خطاب النفس البشرية، ما بين ترهيب وإنذار، ووعيد، وتخويف، وكان الترهيب من الأساليب التي اعتمدها القرآن في خطابه؛ وذلك أن من النفوس البشرية من لا تستجيب لنداء الحق إلا إذا خوطبت بخطاب فيه تهديد ووعيد.

8- أثر الترهيب في سلوك المرء

لا شك أن الترهيب بأنواعه المتعددة وأساليبه المختلفة له أثره الكبير على سلوك المرء؛ لأنه يعلم الوعيد الذي أعده الله سبحانه لمن خالف أمره وعصاه، فلو استطاع الإفلات من عذاب الدنيا، فإن العقاب الأخروي ينتظره، فمن ثمّ يكون لهذا الترهيب الأثر البالغ على سلوك المرء، لاسيما وإنّ الترهيب يثير عند الإنسان عامل الخوف، وعامل الرجاء والأمل، وهما في الواقع يوجّهان اتجاه الإنسان إلى السلوك الأفضل والطريق الأقوم. ، فيسارع إلى

1- عمل الخير

قال الله تعالى:

﴿ فَأَمَّا مَنْ أَعْطَىٰ وَاتَّقَىٰ . وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَىٰ . فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَىٰ . وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَىٰ . وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَىٰ . فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَىٰ . وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّىٰ ﴾

الليل 5- 11

فأمَّا من بذل من ماله واتقى الله في ذلك، وصدَّق بـ”لا إله إلا الله” وما دلت عليه، وما ترتب عليها من الجزاء، فسنرشده ونوفقه إلى أسباب الخير والصلاح ونيسِّر له أموره. وأما مَن بخل بماله واستغنى عن جزاء ربه، وكذَّب بـ”لا إله إلا الله” وما دلت عليه، وما ترتب عليها من الجزاء، فسنُيَسِّر له أسباب الشقاء، ولا ينفعه ماله الذي بخل به إذا وقع في النار.

2- فعل الطاعات وترك المعاصي

قال الله تعالى:

﴿ فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَىٰ . سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَىٰ . وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى . الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَىٰ . ثُمَّ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَىٰ ﴾

الأعلى: 9- 13

فعظ قومك – أيها الرسول- حسبما يسرناه لك بما يوحى إليك، واهدهم إلى ما فيه خيرهم. وخُصَّ بالتذكير من يرجى منه التذكُّر، ولا تتعب نفسك في تذكير من لا يورثه التذكر إلا عتوًّا ونفورًا. سيتعظ الذي يخاف ربه، ويبتعد عن الذكرى الأشقى الذي لا يخشى ربه، الذي سيدخل نار جهنم العظمى يقاسي حرَّها، ثم لا يموت فيها فيستريح، ولا يحيا حياة تنفعه.

قال الله تعالى:

﴿ إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا ﴾

النساء: ٣١

إن تبتعدوا – أيها المؤمنون- عن كبائر الذنوب كالإشراك بالله وعقوق الوالدين وقَتْلِ النفس بغير الحق وغير ذلك، نكفِّر عنكم ما دونها من الصغائر، وندخلكم مدخلا كريمًا، وهو الجنَّة.

ومن خلال ما سبق ذكره من الآيات ظهر لنا فوائد الترهيب في التربية، فهو سبب في القضاء على كثير من الأمراض والجرائم الاجتماعية، والمخالفات السلوكية، وسبب في تقوية وزيادة الإيمان .

 

Share This