1- مفهوم البطر

أن البطر هو الطغيان بالنعمة، وتجاوز الحد بحيث لا يؤدي حق النعمة ويصرفها إلى غير وجهها.

2- النهي عن البطر

  وذم المتبطرين

قال اللهُ تعالى :

﴿ وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بَطَرًا وَرِئَاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَاللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ ﴾

الأنفال: 47

ولا تكونوا مثل المشركين الذين خرجوا من بلدهم كبرًا ورياءً؛ ليمنعوا الناس عن الدخول في دين الله. والله بما يعملون محيط لا يغيب عنه شيء.

قال اللهُ تعالى :

﴿ وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلًا وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ ﴾

القصص: 58

وكثير من أهل القرى أهلكناهم حين أَلْهَتهم معيشتهم عن الإيمان بالرسل، فكفروا وطغَوْا، فتلك مساكنهم لم تُسكن من بعدهم إلا قليلا منها، وكنا نحن الوارثين للعباد نميتهم، ثم يرجعون إلينا، فنجازيهم بأعمالهم.

3- أنواع البطر

      في

  القرآن الكريم

للبطر أنواع عديدة أهمها ..

1- بطر النعمة

بطر  النعمة  هو الطغيانٌ وتجاوزٌ لأمر الله واتباعٌ للعادات الذميمة التي اعتادها أهل الترف.

– في حق قارون

قال اللهُ تعالى :

﴿ إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَىٰ فَبَغَىٰ عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ . وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ . قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَىٰ عِلْمٍ عِنْدِي أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا وَلَا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ . فَخَرَجَ عَلَىٰ قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ. وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ . فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ . وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْلَا أَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا وَيْكَأَنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ ﴾

القصص 76- 82

إن قارون كان من قوم موسى -عليه الصلاة والسلام- فتجاوز حدَّه في الكِبْر والتجبر عليهم، وآتينا قارون من كنوز الأموال شيئًا عظيمًا، حتى إنَّ مفاتحه لَيثقل حملها على العدد الكثير من الأقوياء، إذ قال له قومه: لا تبطر فرحًا بما أنت فيه من المال، إن الله لا يحب مِن خلقه البَطِرين الذين لا يشكرون لله تعالى ما أعطاهم. والتمس فيما أتاك الله من الأموال ثواب الدار الآخرة، بالعمل فيها بطاعة الله في الدنيا، ولا تترك حظك من الدنيا، بأن تتمتع فيها بالحلال دون إسراف، وأحسن إلى الناس بالصدقة، كما أحسن الله إليك بهذه الأموال الكثيرة، ولا تلتمس ما حرَّم الله عليك من البغي على قومك، إن الله لا يحب المفسدين. قال قارون لقومه الذين وعظوه: إنما أُعطيتُ هذه الكنوز بما عندي من العلم والقدرة، أولم يعلم قارون أن الله قد أهلك مِن قبله من الأمم مَن هو أشد منه بطشًا، وأكثر جمعًا للأموال؟ ولا يُسأل عن ذنوبهم المجرمون؛ لعلم الله تعالى بها، إنما يُسْألون سؤال توبيخ وتقرير، ويعاقبهم الله على ما علمه منهم. فخرج قارون على قومه في زينته، مريدًا بذلك إظهار عظمته وكثرة أمواله، وحين رآه الذين يريدون زينة الحياة الدنيا قالوا: يا ليت لنا مثل ما أُعطي قارون من المال والزينة والجاه، إن قارون لذو نصيب عظيم من الدنيا. وقال الذين أوتوا العلم بالله وشرعه وعرفوا حقائق الأمور للذين قالوا: يا ليت لنا مثل ما أوتي قارون: ويلكم اتقوا الله وأطيعوه، ثوابُ الله لمن آمن به وبرسله، وعمل الأعمال الصالحة، خيرٌ مما أوتي قارون، ولا يَتَقَبَّل هذه النصيحة ويوفَّق إليها ويعمل بها إلا مَن يجاهد نفسه، ويصبر على طاعة ربه، ويجتنب معاصيه. فخسفنا بقارون وبداره الأرض، فما كان له من جند ينصرونه من دون الله، وما كان ممتنعًا من الله إذا أحلَّ به نقمته. وصار الذين تمنوا حاله بالأمس يقولون متوجعين ومعتبرين وخائفين من وقوع العذاب بهم: إن الله يوسِّع الرزق لمن يشاء من عباده، ويضيِّق على مَن يشاء منهم، لولا أن الله منَّ علينا فلم يعاقبنا على ما قلنا لَخسف بنا كما فعل بقارون، ألم تعلم أنه لا يفلح الكافرون، لا في الدنيا ولا في الآخرة؟

ب – بطر الحق

بطر الحق يعني  أنكر الحق ولم يقبله تكبرًا وطغيانًا

– في حق فرعون

قال اللهُ تعالى :

﴿ وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَلْ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ. وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لَا يُرْجَعُونَ. فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ ﴾

القصص 38 – 40

وقال فرعون لأشراف قومه: يا أيها الملأ ما علمت لكم من إله غيري يستحق العبادة، فأشْعِل لي – يا هامان- على الطين نارًا، حتى يشتد، وابْنِ لي بناء عاليًا؛ لعلي أنظر إلى معبود موسى الذي يعبده ويدعو إلى عبادته، وإني لأظنه فيما يقول من الكاذبين. واستعلى فرعون وجنوده في أرض “مصر” بغير الحق عن تصديق موسى واتِّباعه على ما دعاهم إليه، وحسبوا أنهم بعد مماتهم لا يبعثون. فأخذنا فرعون وجنوده، فألقيناهم جميعًا في البحر وأغرقناهم، فانظر -أيها الرسول- كيف كان نهاية هؤلاء الذين ظلموا أنفسهم، فكفروا بربهم؟

4-عاقبة البطر

إن البطر من أعظم أسباب الهلاك والدمار وتبدل النعم وزوالها، وقد حذر الله تعالى عباده من هذا المصير المشابه لمصائر أمم بطرت ولم تشكر

1- الهلاك

قال اللهُ تعالى :

﴿ وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلًا وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ ﴾

القصص: 58

إن البطر من أعظم أسباب الهلاك والدمار وتبدل النعم وزوالها، وقد حذر الله تعالى عباده من هذا المصير المشابه لمصائر أمم بطرت ولم تشكر

2 – تبدل النعم وزوالها

قال اللهُ تعالى :

﴿ وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ ﴾

النحل : 112

وضرب الله مثلا بلدة كانت في أمان من الاعتداء، واطمئنان مِن ضيق العيش، يأتيها رزقها هنيئًا سهلا من كل جهة، فجحد أهلُها نِعَمَ الله عليهم، وأشركوا به، ولم يشكروا له، فعاقبهم الله بالجوع، والخوف ؛ وذلك بسبب كفرهم وصنيعهم الباطل.

قال اللهُ تعالى :

﴿ لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ  كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ. فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ. ذَٰلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ ﴾

سبأ : 15- 17

لقد كان لقبيلة سبأ بـ “اليمن” في مسكنهم دلالة على قدرتنا: بستانان عن يمين وشمال، كلوا من رزق ربكم، واشكروا له نعمه عليكم؛ فإن بلدتكم كريمة التربة حسنة الهواء، وربكم غفور لكم. فأعرضوا عن أمر الله وشكره وكذبوا الرسل، فأرسلنا عليهم السيل الجارف الشديد الذي خرَّب السد وأغرق البساتين، وبدَّلناهم بجنتيهم المثمرتين جنتين ذواتَيْ أكل خمط، وهو الثمر المر الكريه الطعم، وأثْل وهو شجر شبيه بالطَّرْفاء لا ثمر له، وقليل من شجر النَّبْق كثير الشوك. ذلك التبديل من خير إلى شر بسبب كفرهم، وعدم شكرهم نِعَمَ الله، وما نعاقب بهذا العقاب الشديد إلا الجَحود المبالغ في الكفر، يجازى بفعله مثلا بمثل.

Share This