مفهوم البركة في القرآن الكريم

1- مفهوم البركة

البركة  هي ثبوت الخير الإلهي في الشيء وداومه ، والتي يترتب عليها سعادة في الدنيا، ووفرة ثواب في الآخرة.

2- كلمة البركة

     في

القرآن الكريم

وردت كلمة البركة وصيغها في القرآن الكريم  ٣٢ مرة. والصيغ التي وردت هي:

– الفعل الماضي

وردت ١٧ مرة

قال الله تعالى:

﴿ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا ﴾

فصلت :١٠

– المصدر

وردت ٣ مرات

قال الله تعالى:

﴿ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَىٰ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ﴾

الأعراف :٩٦

– اسم المفعول

وردت ١٢ مرة

قال الله تعالى:

﴿ وَهَٰذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ

الأنعام :٩٢

وجاءت البركة في القرآن بمعني ثبوت الخير الإلهي في الشيء.

3- مجالات البركة

         في

   القرآن الكريم

تعددت مجالات البركة في القرآن الكريم، وسوف نتناولها بالبيان فيما يأتي:

أولًا: إسناد البركة إلى ذات

الله تعالى وأسمائه

من تأمل أساليب القرآن الكريم في تناول البركة يجد أنها جاءت مسندة إلى الله تعالى ، وأنّ هذه اللّفظة (تَبَارَكَ) لا يجوز شرعًا كما لا يَصِحُّ لغةً أن تُسنَدَ أو يُوصَفَ بها غيرُ اللّهِ تَباركَ وتعالى ، وتَبَارَكَ اللَّهُ أى تنزّه وتعالى وتقدس عما لا يليق بذاته جل وعلا  أو إلى اسمه سبحانه ، مع شفع ذلك الوصف بأمور منها:

أ- أنه سبحانه رب العالمين

قال الله تعالى:

( تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ )

الأعراف:٥٤

ب – أنه سبحانه منزل القرآن الكريم

قال الله تعالى:

﴿ تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَىٰ عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا ﴾

الفرقان :١

ج – أنه سبحانه بيده ملكوت كل شيء

قال الله تعالى :

﴿ تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾

الملك:١

﴿ تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُنِيرًا ﴾

الفرقان: ٦١

﴿ وَتَبَارَكَ الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَعِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴾

الزخرف: ٨٥

د – أنه سبحانه صورنا فأحسن صورنا

قال الله تعالى:

﴿ وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ . ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ. ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ ﴾

المؤمنون: ١٤

﴿ اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَرَارًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ ذَٰلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَتَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ﴾

غافر: ٦٤

ر- أنه سبحانه رب أنواع المخلوقات

قال الله تعالى:

﴿ تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ ﴾

الرحمن: ٧٨

أن البركة تكتب وتنال وتكسب بذكر اسمه ، لأنه مفيض خيرات الإيجاد والإمداد، ومدبر أحوال الموجودات، بوصف كونه رب أنواع المخلوقات .

ثانيًا: الأنبياء وأممهم

من مجالات البركة في القرآن الكريم ما تناوله القرآن في حديثه عن الأنبياء وأممهم، ومما لا شك فيه أن الله بارك الصالحين بصفة عامة، ولولا بركة الله وفضله عليهم ما كانوا صالحين ، ورسل الله من المصطفين الأخيار .

قال الله تعالى:

﴿ اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ ﴾

الحج:٧٥

ومن الأنبياء الذين وردت البركة وصفًا لهم

أ – نبي الله نوح عليه السلام

قال الله تعالى:

﴿ قِيلَ يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلَامٍ مِنَّا وَبَرَكَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَىٰ أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ ﴾

هود:٤٨

قال الله: يا نوح اهبط من السفينة إلى الأرض بأمن وسلامة منَّا وبركات عليك وعلى أمم ممن معك.

ب – إبراهيم وذريته من الأنبياء عليهم السلام

من مجالات البركة في القرآن الكريم، وضمن حديث القرآن عن الأنبياء يأتي خليل الرحمن إبراهيم وذريته من الأنبياء عليهم السلام.

قال الله تعالى:

 ( سَلامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ .كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ . إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ . وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَقَ نَبِيّاً مِنْ الصَّالِحِينَ . وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ وَعَلَى إِسْحَقَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِمَا مُحْسِنٌ وَظَالِمٌ لِنَفْسِهِ مُبِينٌ )

الصافات:١٠٩-١١٣

ت – نبي الله عيسى عليه السلام

ومن الأنبياء عليهم السلام المتصفين بالبركة ذكر الله تعالى نبيه عيسى عليه السلام

قال الله تعالى:

﴿ وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا ﴾

مريم:٣١

والبركة الموصوف بها نبي الله عيسى عليه السلام هي أنه كان معلمًا للخير.

ث – أهل بيت نبي الله إبراهيم عليه السلام

قال الله تعالى:

﴿ وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَىٰ قَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ . فَلَمَّا رَأَىٰ أَيْدِيَهُمْ لَا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لَا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَىٰ قَوْمِ لُوطٍ . وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ . قَالَتْ يَا وَيْلَتَىٰ أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَٰذَا بَعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَٰذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ . قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ ﴾

هود:٦٩-٧٣

أما الخليل إبراهيم عليه السلام ، فلم يبعث الله عز وجل بعده نبيًا إلا من ذريته.

قال الله تعالى:

﴿ وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ وَآتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ ﴾

العنكبوت:٢٧

ثالثًا: الأزمنة المباركة

وكما طوفنا بالبركة من خلال مجال المصطفين الأخيار وآلهم، فإننا نستطيع بيان أن من مجالات البركة الأزمنة ومن ذلك:

أ – الليلة المباركة

حوى القرآن الكريم من خلال استعمالاته أزمنة وصفها بالبركة، من ذلك ما يتعلق بليلة نزول القرآن .

قال الله تعالى:

﴿ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ﴾

القدر:١

وهي الليلة المباركة التي أخبر الله عنها

قال الله تعالى:

﴿ وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ . إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ ﴾

الدخان: 2- ٣

ووصفها بالبركة لما أن نزول القرآن مستتبعٌ للمنافع الدينية والدنيوية بأجمعها، أو لما فيها من تنزل الملائكة والرحمة وإجابة الدعوة، وقسم النعمة، وفصل الأقضية، وفضيلة العبادة ، هذه الليلة هي ليلة القدر من شهر رمضان  .

قال الله تعالى:

﴿ شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ ﴾

البقرة:١٨٥

وليلة القدر كثيرة الخير لما يتيح الله فيها من الأمور التي يتعلق بها منافع العباد في دينهم ودنياهم، ولولم يوجد فيها إلا إنزال القرآن وحده لكفى به بركة.

قال الله تعالى:

 ﴿ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ . وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ. لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ . تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ . سَلَامٌ هِيَ حَتَّىٰ مَطْلَعِ الْفَجْرِ ﴾

القدر:١-5

رابعًا: الأمكنة المباركة

وصف القرآن الكريم بعض الأماكن بالبركة؛ حتى يلفت أنظارنا إليها؛ كي نعتني بها، ونقبل عليها، ونتأدب فيها، ونخصها بما يجب أن تخص به،

أ – بركة مجمل الأرض

فالأرض هي التى تحمل الوفرة و الخير للبشر

قال الله تعالى:

﴿ قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا ذَٰلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ . وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ ﴾

فصلت:٩-١٠

والبركة في مجمل الأرض منها: شق البحار والأنهار، وإنبات الشجر، والثمار، وإكثار الخير وإنماؤه، وخلق أصناف الحيوانات، وجعل الأرض طهورًا، وخلق الجبال، وكل ما يحتاج إليه من الخيرات والأرزاق .

ب – بعض بقاعً الأرض

فالمكان المرتبط بالوحى الالهى يكون مقدسا طاهرا .

1- البيت الحرام

قال الله تعالى:

﴿ إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ ﴾

آل عمران: ٩٦

2- بلاد الشام

قال الله تعالى:

﴿ وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَىٰ عَلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ ﴾

الأعراف: ١٣٧

﴿ وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ ﴾

الأنبياء: ٧١

أي: ونجينا إبراهيم ولوطًا الذي آمن به من العراق، وأخرجناهما إلى أرض الشام التي باركنا فيها بكثرة الخيرات، وفيها أكثر الأنبياء عليهم الصلاة والسلام .

قال الله تعالى:

﴿ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ  سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آمِنِينَ ﴾

سبأ: ١٨

وجعلنا بين أهل سبأ – وهم باليمن – والقرى التي باركنا فيها -وهي “الشام”- مُدنًا متصلة يُرى بعضها من بعض، وجعلنا السير فيها سيرًا مقدَّرًا من منزل إلى منزل لا مشقة فيه، وقلنا لهم: سيروا في تلك القرى في أيِّ وقت شئتم من ليل أو نهار، آمنين لا تخافون عدوًّا، ولا جوعًا ولا عطشًا.

3- بيت المقدس

قال الله تعالى:

﴿ وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا  وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ ﴾

الأنبياء: ٨١

وسخَّرنا لسليمان الريح شديدة الهبوب تحمله ومَن معه، تجري بأمره إلى أرض ﴿ بيت المقدس﴾ بـ ﴿الشام ﴾ التي باركنا فيها بالخيرات الكثيرة، وقد أحاط علمنا بجميع الأشياء.

4- حول المسجد الأقصى

قال الله تعالى:

﴿ سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ﴾

الإسراء: ١

5- البقعة المباركة في سيناء

قال الله تعالى:

﴿ فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ يَا مُوسَىٰ إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ﴾

القصص: ٣٠

والصيغة  التي وردت في الآيات المذكورة اسم مفعولٍ من بارك الشيء إذا جعل له بركةً، وهي زيادةٌ في الخير.

خامسا- وصف القرآن الكريم بالبركة

وصف القرآن الكريم في عددًا من الآيات بالبركة، ومن ذلك:

قال الله تعالى:

﴿ وَهَٰذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مُصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَىٰ وَمَنْ حَوْلَهَا ﴾

الأنعام: ٩٢

﴿ وَهَٰذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾

الأنعام: ١٥٥

﴿ كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾

ص: ٢٩

﴿ وَهَٰذَا ذِكْرٌ مُبَارَكٌ أَنْزَلْنَاهُ أَفَأَنْتُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ ﴾

الأنبياء: ٥٠

وبركة هذه النعمة لا يستطيع أحد مهما أوتي من علم أن يحدها بحد، أو يحصرها بحصر، بل يعجز الإنسان عن بيان نعمة القرآن على الكون وما حواه من منافع دنيوية أو أخروية .

قال الله تعالى:

﴿ إِنَّ هَٰذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا ﴾

الإسراء:٩

سادسا- الدعاء للصالحين بالبركة

عليهم وعلى ذرياتهم

من المناسبات التي تحدث القرآن الكريم فيها عن البركة الدعاء للصالحين بالبركة عليهم، وعلى ذرياتهم.

أ – دعاء نبي الله نوح عليه السلام

قال الله تعالى:

﴿ وَقُلْ رَبِّ أَنْزِلْنِي مُنْزَلًا مُبَارَكًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ ﴾

المؤمنون: ٢٩

وقل: رب أنزلني إنزالًا فيه خير ونماء وبركة، بأن يثبت الله تعالى قلوب الذين آمنوا على الحق، وقد رأوا بأعينهم عاقبة الذين ظلموا أنفسهم بالكفر ومعاندة الحق، وقد بارك سبحانه من معه، فجعل منهم ذرية الخليقة، فكان بحق الأب الثاني للإنسانية .

ب – دعاء مباركة موسى عليه السلام

قال الله تعالى:

﴿ إِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِأَهْلِهِ إِنِّي آنَسْتُ نَارًا سَآتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ آتِيكُمْ بِشِهَابٍ قَبَسٍ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ . فَلَمَّا جَاءَهَا نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا وَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾

النمل: ٧-٨

اذكر قصة موسى حين قال لأهله في مسيره من “مدين” إلى “مصر”: إني أبصَرْتُ نارًا سآتيكم منها بخبر يدلنا على الطريق، أو آتيكم بشعلة نار؛ كي تستدفئوا بها من البرد. فلما جاء موسى النارَ ناداه الله وأخبره أن هذا مكانٌ قدَّسه الله وباركه فجعله موضعًا لتكليم موسى وإرساله، وأن الله بارك مَن في النار ومَن حولها مِنَ الملائكة، وتنزيهًا لله رب الخلائق عما لا يليق به.

قال الله تعالى:

﴿ فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ يَا مُوسَىٰ إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ﴾

القصص: ٣٠

ت – الدعاء بالبركة لأهل بيت الخليل عليه السلام

قال الله تعالى:

﴿ قَالَتْ يَا وَيْلَتَىٰ أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَٰذَا بَعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَٰذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ . قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ  رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ ﴾

هود: ٧٢ـ ٧٣

وما سبق من الآيات يبرهن على أن الدعاء والتضرع إلى الله، واستحضار خفض الجناح لله عز وجل من أبرز أسباب استحضار البركة .

سابعا –  وصف الماء والنبات بالبركة

الله تعالى أفرد بعض النعم بصريح البركة ليوقظ إحساس العبد تجاه ما لم يشعر به تبلدًا منه أو تلهيًا عنه سبحانه ، وهذه النعم التي لفت أنظارنا إليها لنتفكرها، ونتدبر حكمتها منها

1- الماء النازل والمستقر

فالماء أساس الخير والنماء والحياة

قال الله تعالى:

﴿ وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ ﴾

ق: ٩

وقد حفل القرآن الكريم بذكر بركات الماء المتمثلة في:

– إحياء موات الأرض

قال الله تعالى:

﴿ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا ﴾

البقرة:١٦٤

– إخراج الثمرات

قال الله تعالى:

﴿ وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ ﴾

البقرة: ٢٢

– إخراج النبات

قال الله تعالى:

﴿ وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِرًا نُخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُتَرَاكِبًا وَمِنَ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ مِنْ أَعْنَابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ انْظُرُوا إِلَىٰ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنَّ فِي ذَٰلِكُمْ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ﴾

الأنعام: ٩٩

– حمل الفلك

قال الله تعالى:

﴿ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهَارَ ﴾

إبراهيم:٣٢

– خلق الله منه كل شيء

قال الله تعالى:

﴿ وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ ﴾

الأنبياء:٣٠

﴿ وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ ﴾

النور:٤٥

– يتطهر به

قال الله تعالى:

﴿ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ ﴾

الأنفال:١١

– جعله سبحانه للإرواء والسقي

قال الله تعالى:

﴿ فَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ ﴾

الحجر:٢٢

– استودعه الأرض بقدرته

قال الله تعالى:

﴿ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّا عَلَىٰ ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ ﴾

المؤمنون:١٨

– ينفع الله ببركته المؤمنين، ويضر بإذن الله تعالى أعداءهم

كما حدث مع قوم نوح وموسى عليهما السلام من إغراق.

قال الله تعالى:

﴿ وَقَوْمَ نُوحٍ لَمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ أَغْرَقْنَاهُمْ وَجَعَلْنَاهُمْ لِلنَّاسِ آيَةً وَأَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ عَذَابًا أَلِيمًا ﴾

الفرقان: ٣٧

وفي قوم موسى عليه السلام

قال الله تعالى:

﴿ وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنْجَيْنَاكُمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ ﴾

البقرة:٥٠

وقد حدث ذلك أيضًا مع أهل سبأ

قال الله تعالى:

﴿ فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ ﴾

سبأ:١٦

2- شجرة الزيتون

قال الله تعالى:

﴿ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ ﴾

النور:٣٥

وهي الشجرة التي تخرج من طور سيناء

قال الله تعالى:

﴿ وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْنَاءَ تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ وَصِبْغٍ لِلْآكِلِينَ ﴾

المؤمنون:٢٠

وصف الله تعالى شجرة الزيتون بالبركة لكثرة منافعها . فهي شجرة تشرب الماء وتخرج الزيت، جعل الله عز وجل في هذه الشجرة أدمًا ودهنًا، وهي صبغٍ للآكلين.

ثامنا – الأقوال المباركة

الأقوال من مجالات البركة في القرآن الكريم ، ومن الأقوال الموصوفة في القرآن الكريم بالبركة تحية الإسلام السلام عليكم .

قال الله تعالى:

﴿ فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَىٰ أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً ﴾

النور:٦١

سمى الله تعالى السلام تحية من عنده سبحانه ، وهذه التحية من جوامع الكلم؛ لأن المقصود من التحية تأنيس الداخل بتأمينه إن كان لا يعرفه وباللطف له إن كان معروفًا.

وتحية الإسلام حيا الله تعالى بها جميع المرسلين

قال الله تعالى:

﴿ وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ ﴾

الصافات:١٨١

وهي تحية أهل الجنة بعضهم بعضًا

قال الله تعالى:

﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ . دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ  وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾

يونس:٩-١٠

وهي تحية الملائكة المطهرين للصالحين أهل الجنة

قال الله تعالى:

﴿ جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ . سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ ﴾

الرعد:٢٣-٢٤

والسلام تحية المؤمنين من الله في الجنة يوم يلقونه سبحانه

قال الله تعالى:

﴿ تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَامٌ وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْرًا كَرِيمًا ﴾

الأحزاب:٤٤

والسلام تحية خزنة الجنة من الملائكة لأهل الجنة

قال الله تعالى:

﴿ وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّىٰ إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ ﴾

الزمر:٧٣

وتحية الإسلام فيها من شمول المعنى لكل سلامة من كل آفة، وأمن من كل مخالفة، وصدق في الدعاء، فتحية الإسلام كمال لا خداج فيها، وصدق لا كذب فيها.

والتحية المباركة الطيبة مباركةً لأن فيها الدعاء و يرجى بها زيادة الخير والثواب، طيبةً تطيب بها نفس المستمع

4 – آثار البركة

       في

القرآن الكريم

تنوعت آثار البركة حسب استعمال القرآن كالآتي:

١ – الهداية إلى أقوم السبل، ومن ثم دخول الجنة

ذلك أن القرآن الكريم الذي وصف الله تعالى ليلة نزوله بالبركة، ووصفه هو بالكتاب المبارك تظهر بركته جلية من خلال أنه يهدي للتي هي أقوم.

قال الله تعالى:

﴿ إِنَّ هَٰذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا ﴾

الإسراء:٩

﴿ ذَٰلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ ﴾

البقرة:٢

2- عموم خيرات الله لسكان الأرض

لولا بركة الله لمجمل الأرض ما انتفعنا بخيراتها التي لا تحصى ولا تعد

قال الله تعالى:

  ﴿ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ ﴾

فصلت:١٠

ولولا بركة التقوى ما تفضل الله علينا ببركات الأمطار، وإجابة الدعاء في السماء إلى بركات الأنهار والبحار والزروع والثمار

قال الله تعالى:

﴿ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَىٰ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَٰكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾

الأعراف:٩٦  3

3- بركة الزروع والثمار

ذلك كما في منافع الزيتون ، وهي الشجرة التي تخرج من طور سيناء

قال الله تعالى:

﴿ وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْنَاءَ تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ وَصِبْغٍ لِلْآكِلِينَ ﴾

المؤمنون:٢٠

4- تسخير الموجودات للبشر

من آثار البركة تسخير الله للموجودات خدمة للبشر (السماء، الأرض، تعاقب الليل والنهار، الشمس، القمر، النجوم)

قال الله تعالى:

﴿ إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَىٰ عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ﴾

الأعراف:٥٤

فلولا بركة الله ما تنعمنا بما حوته هذه الآية من نعم.

5- وسائل تحصيل البركة وآثارها

          في

القرآن الكريم

أوضح القرآن الكريم وسائل تحصيل البركة وآثارها؛ حثًا للعباد على الأخذ بها، وسوف نتناولها بالبيان فيما يأتي:

١ – العقيدة السليمة

من وسائل تحصيل البركة: العقيدة السليمة؛ ذلك أن المسلم الحق يعتقد أن الله تعالى هو صاحب البركة، وهو عز وجل الذي يهبها من يشاء من عباده، وبناء على ذلك فإن من أهم وسائل تحصيل البركة على الإطلاق: اعتقاد المسلم أنه لا إله إلا الله، وذلك ما نستشعره من آيات القرآن التي نطقت بذلك.

قال الله تعالى  :

﴿ إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَىٰ عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ﴾

الأعراف :٥٤

﴿ ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ ﴾

المؤمنون:١٤

﴿ اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَرَارًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ ذَٰلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَتَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ﴾

غافر:٦٤

﴿ وَتَبَارَكَ الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَعِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴾

الزخرف: ٨٥

وبما أن البركة من الله فإنها لا تنال نوالًا حقيقيًا مرضيًا عنه، وليس استدراجًا، إلا بتسلح المؤمن بسلاح العقيدة الصافية من شوائب الشرك.

٢ – تدبر القرآن وتطبيقه

من وسائل تحصيل البركة الإيمان بالقرآن وتدبره واتباعه وتطبيقه في حياتنا، والرغبة فيما رغبنا فيه، والرهبة مما رهبنا منه، ذلك ما نفهمه ويفهمه كل مسلم من الآية التالية

قال الله تعالى  :

﴿ وَهَٰذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مُصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَىٰ وَمَنْ حَوْلَهَا وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَهُمْ عَلَىٰ صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ ﴾

الأنعام: ٩٢

﴿ وَهَٰذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾

الأنعام :١٥٥

﴿ وَهَٰذَا ذِكْرٌ مُبَارَكٌ أَنْزَلْنَاهُ أَفَأَنْتُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ ﴾

الأنبياء :٥٠

﴿ كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾

ص: ٢٩

٣ – الاقتداء بالمباركين

من وسائل تحصيل البركة الاقتداء بالمباركين الذين غنموا عناية الله لهم باصطفائهم وبصلاحهم وطاعتهم للحق سبحانه واهب البركة، وأئمة التقى ومعدن الصلاح، هم أنبياء الله ورسله، ومن سار على نهجهم واهتدى بهديهم، وقد قص علينا القرآن الكريم – تعيينًا – بعضًا منهم، وصفوا بالبركة لفظًا، كنبي الله نوح عليه السلام ، حيث دعا ربه بالبركة.

قال الله تعالى:

﴿ وَقُلْ رَبِّ أَنْزِلْنِي مُنْزَلًا مُبَارَكًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ ﴾

المؤمنون :٢٩

وقال الله تعالى مباركًا إياه ومن اتبعه

قال الله تعالى:

﴿ قِيلَ يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلَامٍ مِنَّا وَبَرَكَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَىٰ أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾

هود: ٤٨

والخليل إبراهيم، وأهل بيته وولده إسحاق عليهم السلام

قال الله تعالى:

﴿ وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ وَعَلَىٰ إِسْحَاقَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِمَا مُحْسِنٌ وَظَالِمٌ لِنَفْسِهِ مُبِينٌ ﴾

الصافات:١١٣

وفي أهل بيته الكريم

قال الله تعالى:

﴿ قَالَتْ يَا وَيْلَتَىٰ أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَٰذَا بَعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَٰذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ . قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ ﴾

هود:٧٢-٧٣

وممن ذكرهم القرآن من الأنبياء عيسى ابن مريم عليه السلام

قال الله تعالى:

﴿ وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا ﴾

مريم: ٣١

ونخلص إلى أنه من وسائل تحصيل البركة الاقتداء بالأنبياء والصالحين، قال تعالى آمرًا صلى الله عليه وسلم

قال الله تعالى:

﴿ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرَىٰ لِلْعَالَمِينَ ﴾

الأنعام:٩٠

ونحن أمرنا أن نقتدي به صلى الله عليه وسلم

قال الله تعالى:

﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا ﴾

الأحزاب :٢١

فكرم الله لعباده منوط بالاقتداء بنبيه صلى الله عليه وسلم ، والاقتداء به هو اقتداء بكل الأنبياء عليهم السلام .

٤ – الحرص على التعرض للبركة

من وسائل جلب البركة الحرص على التعرض لها من خلال ولوج الأماكن المباركة، كبيت الله الحرام .

قال الله تعالى:

﴿ إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ ﴾

آل عمران :٩٦

والمسجد الأقصى

قال الله تعالى:

﴿ سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ ﴾

الإسراء:١

وبلاد الشام

قال الله تعالى:

﴿ وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا ﴾

الأعراف:١٣٧

﴿ وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ ﴾

الأنبياء :٧١

﴿ وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ ﴾

الأنبياء:٨١

وطور سيناء

قال الله تعالى:

﴿ إِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِأَهْلِهِ إِنِّي آنَسْتُ نَارًا سَآتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ آتِيكُمْ بِشِهَابٍ قَبَسٍ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ . فَلَمَّا جَاءَهَا نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا وَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾

النمل :٧-٨

﴿ فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ يَا مُوسَىٰ إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ﴾

القصص :٣٠

ومما لا شك فيه أن الله تعالى ذكر هذه البقاع موصوفة بالبركة؛ كي يلفت الأنظار إليها ليلجوها وينتفعوا بما استودعها الله من خيرات حسية كانت أو معنوية.

و البركة يكون تحصيلها أيضًا بالانتفاع بالزمان المبارك كليلة القدر تلك الليلة المباركة

قال الله تعالى  :

   ﴿  إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ . وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ . لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ . تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ . سَلَامٌ هِيَ حَتَّىٰ مَطْلَعِ الْفَجْرِ ﴾

القدر :١-٥

﴿ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ ﴾

الدخان :٣-٥

والأوقات المباركة التي يجب اغتنامها كثيرة: كشهر رمضان، وأوقات الصلاة، والسجود من الصلاة، والثلث الأخير من الليل، وأثناء الحج والعمرة، وأوقات الطاعات بصفة عامة كتلاوة القرآن وختمه، ووقت وقوف الإمام على المنبر، وساعة الإجابة من يوم الجمعة، وهلم جرا.

ولعل جماع وسائل الوصول إلى بركة الله تعالى كلها يكمن في الإيمان والتقوى، وهذا ما أشارت إليه الآية التالية

قال الله تعالى  :

﴿ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَىٰ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ﴾

الأعراف :٩٦

بين في هذه الآية أنهم لو أطاعوا لفتح الله عليهم أبواب الخيرات

 

Share This