1- مفهوم البخل

البخل هو إمساك المال وعدم صرفه في الوجوه المعتبرة حرصًا على بقائه وزيادته وخوفًا من نفاده ، وهو ضد الكرم والجود .

2- كلمة البخل

في

القرآن الكريم

وردت كلمة (بخل) وصيغها في القرآن الكريم (١٢) مرة. والصيغ التي وردت هي:

– الفعل الماضي

ورد ٣ مرات

قال الله تعالى:

﴿ فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ ﴾

التوبة:٧٦

– الفعل المضارع

ورد ٧ مرات

قال الله تعالى:

﴿ وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ ﴾

آل عمران:١٨٠

– المصدر

ورد  مرتين

قال الله تعالى:

﴿ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ ﴾

النساء:٣٧

وجاء البخل في القرآن الكريم بمعني كنز المال وجمعه وعدم إنفاقه في المباحات بحجة الخوف من عاديات المستقبل  .

3- الكلمات ذات صلة

      بكلمة البخل

– الشح

الشح هو الامتناع عن فعل في أوجه الخيرْ المختلفه .

قَال الله تعالى:

﴿   أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ ﴾

الأحزاب: 19

– الإقتار

الاقتار هو التضييق في النفقة والمعاش .

قَال الله تعالى:

﴿ وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَٰلِكَ قَوَامًا ﴾

الفرقان : 67

– الضن

الضن هو الإمساك والبخل بالشيء النفيس .

قَال الله تعالى:

﴿ وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ ﴾

التكوير: 24

وما هو ببخيل في تبليغ الوحي

– الكرم

الكرم هو إعطاء النفع بلا عوض ، ولذلك وصف الله سبحانه وتعالى به نفسه، فهو الكريم سبحانه. و الكرم ضد اللؤم .

قَال الله تعالى:

﴿ يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ ﴾

الانفطار:  6

– الإيثار

الإيثار هو تفضيل المرء غيره على نفسه، فهو ضد البخل .

قَال الله تعالى:

﴿ وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ﴾

الحشر: 9

ويُقَدِّمون المهاجرين وذوي الحاجة على أنفسهم، ولو كان بهم حاجة وفقر.

4- الشح والبخل طبيعة إنسانية

نجد آيات القرآن الكريم تتحدث عن داء البخل في الإنسان على أنها صفة كائنة فيه، حتى وإن كان مؤمنًا، ولكن بدرجات متفاوتة مختلفة من شخص لآخر .

قال الله تعالى:

﴿ قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذًا لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنْفَاقِ وَكَانَ الْإِنْسَانُ قَتُورًا ﴾

الإسراء: ١٠٠

لو كنتم تملكون خزائن رحمة ربي التي لا تنفد ولا تبيد إذًا لبخلتم بها، فلم تعطوا منها غيركم خوفًا مِن نفادها فتصبحوا فقراء. ومن شأن الإنسان أنه بخيل بما في يده إلا مَن عصم الله بالإيمان.

قال الله تعالى:

﴿ وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ ﴾

النساء: ١٢٨

وجبلت النفوس على الشح والبخل.

قال الله تعالى:

﴿ أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ فَإِذًا لَا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيرًا ﴾

النساء: ٥٣

بل ألهم حظ من الملك، ولو أوتوه لما أعطوا أحدًا منه شيئًا، ولو كان مقدار النقرة التي تكون في ظهر النَّواة لفرط بخلهم .

قال الله تعالى:

﴿ إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا . إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا . وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا ﴾

المعارج: ١٩ – ٢١

إن الإنسان جُبِلَ على الجزع وشدة الحرص، إذا أصابه المكروه والعسر فهو كثير الجزع والأسى، وإذا أصابه الخير واليسر فهو كثير المنع والإمساك .

قال الله تعالى:

﴿ كَلَّا بَلْ لَا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ . وَلَا تَحَاضُّونَ عَلَىٰ طَعَامِ الْمِسْكِينِ . وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلًا لَمًّا . وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا ﴾

الفجر: ١٧ – ٢٠

وأما إذا ما اختبره، فضيَّق عليه رزقه، فيظن أن ذلك لهوانه على الله، فيقول: ربي أهانن. ليس الأمر كما يظن هذا الإنسان، بل الإكرام بطاعة الله، والإهانة بمعصيته، وأنتم لا تكرمون اليتيم، ولا تحسنون معاملته، ولا يَحُثُّ بعضكم بعضًا على إطعام المسكين، وتأكلون حقوق الآخرين في الميراث أكلا شديدًا، وتحبون المال حبًا مفرطًا.

5- إيتاء المال

        في

ضوء القرآن الكريم

أن المال ملك لله تعالى وحده، أعطاه الإنسان في هذه الحياة منة منه وفضل .

قَال الله تعالى:

﴿ وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ ﴾

النور: 32

ويجب أن ينفق الإنسان مما رزقه الله من المال واستخلفه فيه

قَال الله تعالى:

﴿ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ ﴾

الحديد : 7

وأن الأموال التي وهبها الله للإنسان اختبار وابتلاء من الله

قَال الله تعالى:

﴿ وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ ﴾

الأنفال : 28

ولذلك فإنه سبحانه سيحاسب الإنسان عليه يوم القيامة

قال الله تعالى:

﴿ وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ﴾

آل عمران: ١٨٠

فأخبر أن الذي عنده وفي يده فضل من الله ونعمة، ليس ملكًا للعبد، فمنعه لذلك منع لفضل الله وإحسانه؛ ولأن إحسانه موجب للإحسان إلى عبيده

قال الله تعالى:

﴿ وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ ﴾

القصص ٧٧

ثم ذكر أن هذا الذي بيد العباد كله يرجع إلى الله، ويرثه تعالى، وهو خير الوارثين، فلا معنى للبخل بشيء هو زائل عنك منتقل إلى غيرك.

قال الله تعالى:

﴿ إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ ﴾

مريم: ٤٠

﴿ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ﴾

آل عمران: ١٨٠

﴿ إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ ﴾

مريم: ٤٠

6 – منافع الإنفاق

  في وجوه الخير

واعلم أن من رحمة الله سبحانه وتعالى بعباده أنه طلب منهم الإنفاق مما آتاهم من الأموال؛ ليمنحهم فوائد وجوائز عظيمة أعدها لهم، منها:

1- مضاعفة ما أنفقوا أضعافًا كثيرة

قال الله تعالى:

﴿ مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً ﴾

البقرة: ٢٤٥

من ذا الذي ينفق في سبيل الله إنفاقًا حسنًا احتسابًا للأجر، فيضاعفه له أضعافا كثيرة لا تحصى من الثواب وحسن الجزاء .

2 – الله تعالى جعل النفقة تطهر صاحبها

من الذنوب والخطايا وتزكيه

قال الله تعالى:

﴿ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا ﴾

التوبة: ١٠٣

خذ – أيها النبي- من أموال هؤلاء التائبين الذين خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا صدقة تطهرهم مِن دنس ذنوبهم، وترفعهم عن منازل المنافقين إلى منازل المخلصين .

3- الله تعالى جعل للنفقة الأجر العظيم

الله تعالى جعل لمساعدة الفقراء والمساكين، ومواساة المحتاجين الأجر العظيم، والوعد بالجنة التي عرضها السماوات والأرض.

قال الله تعالى:

﴿ وَسَارِعُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ . الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴾

آل عمران: ١٣٣ – ١٣٤

4- وعد الله من ينفق بالعوض

في الدنيا ، وفي الآخرة بالثواب

واعلم أن الإنفاق لا ينقص المال، ولكنه يزيده؛ لأن الله وعد عباده بالخلف منه سبحانه

قال الله تعالى:

﴿ وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ ﴾

سبأ: ٣٩

وهذا من رحمة الله بعباده، فإنه سبحانه لما علم أن النفس البشرية تخشى الفقر وتخاف الإنفاق، ضمن لها سبحانه وتعالى أن يخلف لها غير ما أنفقت، وخيرًا منه.

5- وعد الله من ينفق بالفلاح

فى الدنيا  و الآخرة

قال الله تعالى:

﴿ الَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾

الحشر:9

﴿ فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنفِقُوا خَيْرًا لِّأَنفُسِكُمْ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾

التغابن:16

أي من سلم من البخل والشح والطمع الذى تدعو إليه النفس، فقد فاز بكل مطلوب والمفلحون هم الفائزون بالدرجات العالية فى جنات النعيم.

7- ذم البخل

البخل رزيله عواقبها وخيمة وآثاره سيئة على الإنسان فى حياته وبعد مماته فى آخرته. و قد أورد القرآن الكريم فى ذم البخل كثير من الآيات ، منها

قال الله تعالى:

﴿ وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ﴾

آل عمران: 180

﴿ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِۗ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا ﴾

النساء: 37

﴿ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ ﴾

محمد: 38

﴿ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ ﴾

الحديد: 24

﴿ وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَىٰ . وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَىٰ . فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَىٰ . وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّىٰ ﴾

الليل: 8 – 11

8- عواقب البخل

       في

    القرآن الكريم

وقد بينت آيات القرآن الكريم عما ينتظر البخيل من عنت فى الدنيا، وعذاب مهين فى الأخره، ومن هذه العواقب ما يلى:

1-    العذاب الاليم في الاخرة

هيأ الله للجاحدين بنعمة الله ممن بخلوا، وأمروا الناس بالبخل، وأخفوا ما عندهم من المال والغنى العذاب الاليم في الاخرة .

قال الله تعالى:

﴿ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ  وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُّهِينًا ﴾

النساء:37

2- يخلف الله تعالى مكان البخلاء قوم اخرون

قال الله تعالى:

﴿ هَا أَنتُمْ هَٰؤُلَاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنكُم مَّن يَبْخَلُ وَمَن يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَن نَّفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنتُمُ الْفُقَرَاءُ وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُم ﴾

محمد:38

يعاقب الله من دعاهم للإنفاق فبخلوا بأن يخلف مكانهم قومًا آخرين يكونون أطوع لله منهم، ثم لا يكونوا أمثالهم فى البخل عن الإنفاق، بل يكونوا كرماء أسخياء

3-  يعسر الله للبخيل اموره

قال الله تعالى:

﴿ وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَاسْتَغْنَى . وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى . فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى . وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّى ﴾

الليل:8-11

تحدث القرآن الكريم عن عاقبة البخيل في الدنيا و الآخرة ، فقيل أنه سوف يكون ميسر للعسرة ، و يعني هذا أن الله جل وعلى سوف يعسر عليه طريق الصلاح ، و أنه هالك في نار جهنم لا محالة .

4- البخل شر للانسان

البخل من بين الشرور التي ذكرت في القرآن الكريم.

قال الله تعالى:

﴿ وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللهُ مِن فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ﴾

آل عمران: 180

ولا يظنن الذين يبخلون بما أنعم الله به عليهم تفضلا منه أن هذا البخل خير لهم، بل هو شرٌّ لهم؛ لأن هذا المال الذي جمعوه سيكون طوقًا من نار يوضع في أعناقهم يوم القيامة.

5- إقتران البخل بالنفاق

البخلاء جعل الله عاقبتهم رسوخ النفاق فى قلوبهم الى يوم لقائه

قال الله تعالى:

( وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آَتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ . فَلَمَّا آَتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ . فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ ﴾

التوبة:75-77

ومن فقراء المنافقين مَن يقطع العهد على نفسه: لئن أعطاه الله المال ليصدَّقنَّ منه، وليعمَلنَّ ما يعمل الصالحون في أموالهم، وليسيرَنَّ في طريق الصلاح. فلما أعطاهم الله من فضله بخلوا بإعطاء الصدقة وبإنفاق المال في الخير، وتولَّوا وهم معرضون عن الإسلام. فكان جزاء صنيعهم وعاقبتهم أَنْ زادهم نفاقًا على نفاقهم، لا يستطيعون التخلص منه إلى يوم الحساب؛ وذلك بسبب إخلافهم الوعد الذي قطعوه على أنفسهم، وبسبب نفاقهم وكذبهم.

9 – أسباب الشح والبخل

فالبخل والشح له أسباب وبواعث,تدعو إليه وتوقع فيه، ومن أهمها:

1- حب الدنيا مع توهم الفقر

فمن ابتلي بحب الدنيا توهم أنه إن أعطى فسيخلو جيبه، وستضيع صحته وعافيته، وتذهب مكانته ومنزلته بين الناس، ويُبدِّد أوقاته، ويُعرِّض نفسه لما لا تُحمد عُقباه من الأذى. ويرى أن يُمسك بره ومعروفه عن الناس، كي تدوم له دنياه .

قال الله تعالى:

﴿ كَلَّا بَلْ تُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ . وَتَذَرُونَ الْآخِرَةَ ﴾

القيامة:20-21

﴿ وَوَيْلٌ لِلْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ . الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ ﴾

إبراهيم:2-3

2- عدم اليقين بما عند الله عز وجل

أن الله تعالى يخلف على العبد أكثر مما يُعطي.

قال الله تعالى:

﴿ فَأَمَّا مَنْ أَعْطَىٰ وَاتَّقَىٰ . وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَىٰ . فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَىٰ ﴾

الليل:5 – 7

فمن لا يقين عنده بموعود الله تراه يبخل في كل شيء؛ يخشى عدم ثواب الدنيا والآخرة.

3- حب المال

فمن استولى على قلبه، نسي كل شيء، وشحَّ به حتى على نفسه؛ فلا تسمح نفسه بإخراج الزكاة، ولا بمداواة نفسه عند المرض، بل ولا يأكل ولا يشرب ما تشتهيه نفسه؛ إذِ المال صار محبوباً أكثر من نفسه عنده، يجد لذة بوجوده في يده وبتخزينه في أرصدته، وهو يعلم علم اليقين أنه سيموت، فيضيع أو يأخذه أعداؤه. وما عَلِم أن ما حُبِس من المال، مثَلُه مَثَلُ الحَجَر. وهذا مرض مزمن لا يُرجى علاجه.

قال الله تعالى:

( إِنَّ الْإِنْسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ . وَإِنَّهُ عَلَىٰ ذَٰلِكَ لَشَهِيدٌ . وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ )

العاديات:6- 8

4- الغفلة عن عواقب الوقوع في الشح

فإن من يجهل عاقبة الشيء وأثره المهلك، فهو يقع فيه من حيث لا يشعر.

قال الله تعالى:

﴿ وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى . وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى . فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى ﴾

الليل:8-10

وأما مَن بخل بماله واستغنى عن جزاء ربه، وكذَّب بـ”لا إله إلا الله” وما دلت عليه، وما ترتب عليها من الجزاء، فسنُيَسِّر له أسباب الشقاء، ولا ينفعه ماله الذي بخل به إذا وقع في النار.

5- إهمال محاسبة النفس

ذلك أن المرء مجبول بفطرته على الشح، ومطالب هو بالبعد عنه، وفعل الأسباب المخلِّصة منه، ولكن واقع كثير من الناس أنهم ينسون أنفسهم، ويستسلمون لهذا الداء، ولا يهتمون بمجاهدة نفوسهم وتصفيتها من أدرانها.

قال الله تعالى:

﴿ قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذًا لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنْفَاقِ وَكَانَ الْإِنْسَانُ قَتُورًا ﴾

الإسراء: ١٠٠

10- طرق الوقاية من البخل والشح

يمكن تلخيص طرق الوقاية من البخل والشح، و ذلك عن طريق ما يآتي:

1- الإيمان الصادق واليقين

الجازم على رب العالمين

إن اليقين على رب العالمين سواء بما أعده للمنفقين، أو بما عند الله من ثواب الدنيا والآخرة؛ مما يقي الإنسان من البخل، وكذلك اليقين بأن الرزق بيد الله.

قال الله تعالى:

﴿ وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ . فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ ﴾

الذاريات: ٢٢- ٢٣

﴿ وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ ﴾

هود: ٦

وكذلك اليقين بأن الله سيخلف على المنفق ما أنفقه، وأن ما عند الله خير وأبقى.

قال الله تعالى:

﴿ قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ ﴾

سبأ: ٣٩

﴿ وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَزِينَتُهَا وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ  أَفَلَا تَعْقِلُونَ ﴾

القصص ٦٠

فإن من تيقن ذلك لن يبخل في أن ينفق مما آتاه الله تعالى.

2- تذكر العواقب المترتبة على الشح

عندما يتذكر المسلم العواقب المترتبة على البخل والشح والآثار السيئة، وما سيحصل للبخيل في الدنيا والآخرة، سيخشى من الوقوع في هذا الخلق الذميم فيسعى لتجنبه.

قال الله تعالى:

﴿ وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللهُ مِن فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ﴾

آل عمران: 180

3- عدم التعلق بالدنيا وزينتها

وذلك بأن يعلم أن الله كتب على الدنيا الفناء، وعلى الآخرة البقاء، وسيجزي كل إنسان بما يسعى، ولا يظلم ربك أحدًا.

قال الله تعالى:

﴿ وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَزِينَتُهَا وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ  أَفَلَا تَعْقِلُونَ ﴾

القصص ٦٠

4- مجاهدة النفس في دفع الشح عنها

إن المسلم لا بد عليه أن يسعى لدفع الشح عن نفسه، وعليه أن يتذكر فضل من وقى عن نفسه الشح.

قال الله تعالى:

﴿ قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذًا لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنْفَاقِ وَكَانَ الْإِنْسَانُ قَتُورًا ﴾

الإسراء: ١٠٠

5- تذكر فضل الإنفاق في سبيل الله وأجره

قال الله تعالى:

﴿ وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا ﴾

المزمل: ٢٠

فمن تذكر ذلك الفضل والأجر لن يبخل بشيء.

6- الاهتمام بإصلاح القلوب من

الكبر والحقد والحسد وغيرها

فمن اهتم بإصلاح قلبه من أمراض القلوب الخبيثة سهل عليه أن يتحرر بعد ذلك من الشح، بل سيصل إلى الإيثار في أسرع وقت ممكن، فإن الشح يعتبر ثمرة من ثمرات أمراض القلوب الخبيثة.

– عن الأنصار

قال الله تعالى:

﴿ وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾

الحشر: ٩

ولم يحصل منهم ذلك إلا بعد أن طهروا صدورهم من الأمراض.

قال الله تعالى:

﴿ يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ . إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ﴾

الشعراء: ٨٨ – ٨٩

Share This