1- مفهوم الباطل

الباطل هو ما لا ثبات له، ولا خير فيه، سواء أكان اعتقادًا، أم فعلًا، أم كلامًا، أم غيره  ، وهو خلاف الحق وضده .

قال الله تعالى:

( وَيُجَادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ ﴾

الكهف 56

2- كلمة الباطل

     في

القرآن الكريم

وردت كلمة الباطل وصيغها في القرآن الكريم (٣٤) مرة. والصيغ التي وردت هي:

1- الفعل الماضي

ورد مرة واحدة

قال الله تعالى:

﴿ فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾

الأعراف:١١٨

– الفعل المضارع

ورد  ٤مرات

قال الله تعالى:

﴿ لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ ﴾

الأنفال:٨

– اسم فاعل

ورد ٢٩  مرة

قال الله تعالى:

﴿ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا ﴾

الإسراء:٨١

تستعمل  كلمه باطل في القرآن الكريم بالمعاني الأتية ..

–  الزائل

إطلاق الباطل على ما لا ثبات له ولا دوام

قال الله تعالى:

( مِثْلُهُ كَذَٰلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ )

الرعد17

( بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ )

الأنبياء 18

والمراد به أن حجج الله تعالى الدالة على الحق تبطل شبهات الباطل .

– الحرام

الباطل اسم لكلّ ما لا يحلّ في الشرع كالربا و الغصب و السرقة و الخيانة وأخذ المال باليمين الكاذبة و جحد الحقّ.

قال الله تعالى:

( وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ )

البقرة 188

( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ )

النساء 29

( وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ )

النساء 161

( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ )

التوبة34

أن المراد بالباطل هنا: الحرام الذي لا يجوز فعله

– الفاسد

قال الله تعالى:

 ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالأَذَى )

البقرة 264

أي لا تجعلوها باطلة أي فاسدة أو زائلة أو بلا ثواب

قال الله تعالى:

 ( قَالُوا يَا مُوسَى اجْعَلْ لَنَا إِلَٰهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ . إِنَّ هَٰؤُلَاءِ مُتَبَّرٌ مَا هُمْ فِيهِ وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ )

الأعراف 138- 139

أن المراد أنه الباطل في ذاته .. فهو الفاسد في ذاته بل والمعدوم أيضاً

– غير المطابق للواقع

قال الله تعالى:

( وَيُجَادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ  )

الكهف 56

أن المراد به: غير المطابق للواقع، والحجج الباطلة

– بلا غاية

قال الله تعالى:

 ( وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا ذَٰلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا )

ص 27

 ( رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً )

آل عمران 191

أن المراد به : أي بلا غاية ولا هدف  .

– الكذب

قال الله تعالى:

 ( ذَٰلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ )

الحج 62

المراد أن ما يطيعون من سواه فهو الكذب فليس هناك آلهة سوى الله .

3- الصراع بين الحق  والباطل

الحق والباطل متلازمان منذ نشأة الخليقة، وفي الوقت نفسه فهما متضادان، وسيبقيان قائمين إلى يوم الدين سواء ازداد الحق أو قلّ، وسواء قوي أو ضعف، فالحق والباطل بينهما علاقة مدّ وجزر، وعلى ضوء قوة وإخلاص وتضحية أصحاب الحق فإن الحق يزهق الباطل، وفي حالة تخلي أهل الحق عن حقوقهم وتهاونهم فيه فإن الباطل يتغلب ويضيع الحق . وهذه سنّة الله في خلقه ولن تجد لسنّة الله تبديلاً .

أ – الصراع بينهم سنة كونية

أن الصراع بين الحق والباطل هو سنة أقام الله عليها هذه الحياة، وأن الحياة لا يمكن أن يسودها الخير المطلق، بحيث تخلو من الشر، وبالمقابل لا يمكن أن تعاني من الشر المطلق بحيث لا يكون فيها قائم بالحق.

قال الله تعالى:

( كَذَٰلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ )

الرعد:17

( وَيُجَادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ )

الكهف:56

( ذَٰلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْبَاطِلَ وَأَنَّ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّبَعُوا الْحَقَّ مِنْ رَبِّهِمْ )

محمد:3

فهذه الآيات تبين حقيقة مسار التاريخ، وأنه صراع بين الحق والباطل، وتصارع بين الخير والشر.

ب – نتيجة الصراع بينهم

يخبرنا القرآن الكريم في آيات كثيرة بنتيجة الصراع بين الحق والباطل، بأن النصر دوماً في جانب الطرف الذي يدافع عن الحق، وأن الهزيمة في النهاية واقعة في جانب الطرف المدافع عن الباطل.

قال الله تعالى:

 ( فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ )

الأعراف :118

( وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا )

الإسراء:81

 ( قُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ )

سبأ:49

 ( لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ )

الأنفال 8

( وَيَمْحُ اللَّهُ الْبَاطِلَ وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ )

الشورى 24

( بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ )

الأنبياء 18

( فَإِذَا جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ قُضِيَ بِالْحَقِّ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْمُبْطِلُونَ )

غافر:78

4 – مصير الباطل

الله تعالى وعد الباطل بمصير محتم، ملؤه الخسران والمحو والزهوق والمحق، ولكل منها معنى يختص به، وهي كالآتي:

١ – محو الباطل

تكفل الحق تبارك وتعالى بإزالة الباطل وإهلاكه حتى لا يبقى له أثر.

قال الله تعالى:

( وَيَمْحُ اللَّهُ الْبَاطِلَ وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ )

الشورى: ٢٤

ويُذْهِبُ الله الباطل فيمحقه، ويحق الحق بكلماته التي لا تتبدل ولا تتغيَّر، وبوعده الصادق الذي لا يتخلف.

٢ – زهوق الباطل

ومن ثم فإننا نتحدث عن مصير آخر للباطل، ألا وهو اضمحلاله وإهلاكه حتى يذهب بلا عودة.

قال الله تعالى:

﴿ وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا ﴾

الإسراء: ٨١

وقل -أيها الرسول- للمشركين: جاء الإسلام وذهب الشرك، إن الباطل لا بقاء له ولا ثبات، والحق هو الثابت الباقي الذي لا يزول.

٣- محق الباطل

توعد الله العزيز الكفر والباطل بالمحق، وهو ذهاب البركة ونقص الشيء بما يؤدي إلى تلفه

قال الله تعالى:

﴿ وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ ﴾

آل عمران: ١٤١

إذن هو وعد منه سبحانه بأن يمحق الباطل، فيذهب بركته، وينقص منه ومن أهله.

4- قذف الباطل

تسليط أهل الحق على الباطل وأهله

قال الله تعالى:

﴿ بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ ﴾

الأنبياء: ١٨

بل نقذف بالحق ونبيِّنه، فيدحض الباطل، فإذا هو ذاهب مضمحل.

5- بطلان الباطل

ومما توعد الله الباطل به إبطاله

قال الله تعالى:

﴿ لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ ﴾

الأنفال: ٨

يعني: يستأصلهم بالهلاك

فقد ظهر لنا من خلال ما سبق، أن الله تعالى تكفل بإعدام الباطل ومحقه وإذهابه وإبطاله ومحوه وعدم الإبقاء عليه، وهذا يجعل طمأنينة في صدر المؤمن لا نهاية لها، فمن الذي يقف في وجه الجبار سبحانه؟!.

5 – مصير المبطلين

لا شك في أن مصير المبطلين تابع لمصير الباطل؛ فهم جنوده الأوفياء، ومن ذلك:

1- إهلاك المبطلين

من الأمور التي توعد الله تعالى فيها أهل الباطل الهلاك في الدنيا،

قال الله تعالى:

﴿ أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ ﴾

الأعراف: ١٧٣

ووجه الاستدلال في الآية الكريمة: أنه إذا كان اتباع المبطلين في أفعالهم يهلك غيرهم من الصالحين، فما بالنا بإهلاك المبطلين أنفسهم.

2- خسران المبطلين

خسارة المبطلين يوم القيامة وفي الآخرة عمومًا شيء مجزوم به، لا راد له.

قال الله تعالى:

﴿ وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَخْسَرُ الْمُبْطِلُونَ ﴾

الجاثية: ٢٧

إذا جاء أمر الله بالعذاب في الدنيا أو الآخرة قضي بالحق بإنجاء المحق وتعذيب المبطل، وخسر هنالك المبطلون المعاندون

قال الله تعالى:

﴿ فَإِذَا جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ قُضِيَ بِالْحَقِّ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْمُبْطِلُونَ ﴾

غافر: ٧٨

فإذا جاء أمر الله بعذاب المكذبين قُضِي بالعدل بين الرسل ومكذبيهم، وخسر هنالك المبطلون؛ لافترائهم على الله الكذب، وعبادتهم غيره.

6 – الباطل بين النفي والإثبات

ذكر القرآن الكريم كثيرًا من الأمور ، وأثبت بطلان بعضها، ونفى البطلان عن البعض الآخر، وذلك بناء على ماهية وحقيقة تلك الأمور، وما يترتب عليها من آثار إيجابية أو سلبية على الواقع الديني والاجتماعي ونحوهما.

أولًا: الباطل المثبت

هناك عدة أشياء وصفها القرآن الكريم بكونها باطلًا، منها:

١-  عبادة غير الله تعالى

تعددت المعبودات من دون الله بتعدد الأهواء والمصالح والأزمان ؛ فمنهم من عبد الأصنام ، ومنهم من عبد الشمس والنار، ومنهم من نزل عن كرامته ليعبد الدواب ، وغيرها من المعبودات؛ كالهوى والمال والحب في غير ذات الله، عدا عن العبادات المعنوية.

قال الله تعالى:

﴿ فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ ﴾

المؤمنون: 116

فتعالى الله الملك المتصرف في كل شيء، الذي هو حق، ووعده حق، ووعيده حق، وكل شيء منه حق، وتَقَدَّس عن أن يخلق شيئًا عبثًا أو سفهًا، لا إله غيره ربُّ العرشِ الكريمِ، الذي هو أعظم المخلوقات.

قال الله تعالى:

﴿ فَذَٰلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ فَأَنَّىٰ تُصْرَفُونَ ﴾

يونس 32

فذلكم الله ربكم هو الحق الذي لا ريب فيه، المستَحِق للعبادة وحده لا شريك له، فأي شيء سوى الحق إلا الضلال؟، فكيف تُصْرَفون عن عبادته إلى عبادة ما سواه؟

قال الله تعالى:

﴿ لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ ﴾

الأنفال: ٨

جاء  الإسلام ليثبت بطلان المعبودات الأخرى من دونه سبحانه، فهي لا تستحق العبادة ، ولكي يعبد الله وحده .

٢ – كل ما يصدر عن الشيطان

لقد أثبت القرآن العظيم البطلان للشيطان؛ حيث وصفه الحق سبحانه بالباطل .

قال الله تعالى:

﴿ ذَٰلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْبَاطِلَ ﴾

محمد: ٣

﴿ ذَٰلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْبَاطِلُ ﴾

لقمان: ٣٠

﴿ ذَٰلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ ﴾

الحج: ٦٢

ونلحظ التأكيد في الآية بهو، وهذا يرجح أن يكون المقصود بالباطل هو الشيطان في جميع الأحوال.

٣ – أعمال الكفار

بطلان أعمال الكافرين، هي حبوط أجر الأعمال وثوابها بسبب الكفر والرياء.

قال الله تعالى:

﴿ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾

هود: ١٦

أولئك ليس لهم في الآخرة إلا نار جهنم يقاسون حرَّها، وذهب عنهم نَفْع ما عملوه، وكان عملهم باطلا لأنه لم يكن لوجه الله.

ثانيًا: الباطل المنفي

لقد صرح القرآن العظيم بنفي البطلان عن بعض الأشياء، ومن ذلك:

١ – نفي الباطل عن أفعال الله تعالى

لا ريب في أن الله هو الحق

قال الله تعالى:

﴿ ذَٰلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ ﴾

الحج: ٦٢

وكل ما يصدر عنه من أفعال هي حق مطلق، لا يأتيها الباطل ولا يعتريها في أي جانب منها .

قال الله تعالى:

﴿ وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا ﴾

ص ٢٧

وأن خلق الله تعالى للسماوات والأرض كله حكمة، وأنه لا يصدر عنه سبحانه أي نقص ولا عيب كاللهو والعبث

قال الله تعالى:

﴿ الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَٰذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾

آل عمران: ١٩١

﴿ أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ ﴾

المؤمنون :115

٢ – نفي الباطل عن القرآن العظيم

إن القرآن الكريم نفى البطلان عن أفعال الله تعالى، ونفى كذلك الباطل عن القرآن نفسه، وسبب النفي لبطلانه قائم على نفس الأصل السابق، من كون القرآن كلام الله تعالى، وهو صفة من صفاته الكاملة؛ إذن كلماته التي هي جزء من صفة الكلام له كاملة.

قال الله تعالى:

﴿ لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ ﴾

فصلت: ٤٢

وإن هذا القرآن لكتاب عزيز؛ لا يأتيه الباطل من أي ناحية من نواحيه ولا يبطله شيء، فهو محفوظ من أن يُنقص منه، أو يزاد فيه، تنزيل من حكيم بتدبير أمور عباده، محمود على ما له من صفات الكمال.

قال الله تعالى:

﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴾

الحجر: ٩

إنا للقرآن حافظون من كل ما قد يزاد فيه أو ينقص منه من باطل سواء كان الشيطان أو غيره؛ فأحكامه وفرائضه محفوظة بحفظ الله الذي خص هذا الكتاب المجيد بها من دون الكتب الأخرى.

7 – الباطل في المثل القرآني

قال الله تعالى:

﴿ وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَٰذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ ﴾

الروم: ٥٨

إستخدم القرآن ضرب المثل لكي يقرب الصورة إلى الأفهام، من صورة ذهنية مجردة إلى صورة حسية واقعية، وهكذا تؤثر في النفس، بعد استحضار الذهن لها. ومن الأمثلة التي استحضرها القرآن الكريم للباطل:

١ – الماء والزبد

شبه الله تعالى الحق أو الإيمان أو القرآن بالماء الذي ينزل من السماء، يثبت في الأرض فينفع الزرع والضرع والخلق، وشبه الباطل بالزبد والرغوة والقش، التي طالما صعدت برهة على السطح، ثم سرعان ما تقذف إلى الشاطئ، فلا تنفع شيئًا، بل تكون عبئًا يتمنى الفرد الخلاص منه في أسرع وقت .

قال الله تعالى:

﴿ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَابِيًا وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ كَذَٰلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ  كَذَٰلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ ﴾

الرعد: ١٧

فعلينا التيقن بموعود الله لنا بالظفر والنصر على المبطلين، فهم كالزبد الذي سرعان ما يظهر أنه انتفاش خادع ليس إلا، ثم لا يلبث ويزول ولا يمكث ويطرد.

٢ – الحلية وشوائبها

في نفس الآية الكريمة نستشف مثالًا آخر ضربه الله تعالى للحق والباطل، ألا وهو صناعة الحلي ليتزين الناس بها، حيث شبه الله تعالى الذهب والفضة وغيرهما من المعادن بالحق الذي يثبت ويزداد قوة كلما عرض على النار، أما الشوائب فلا تمكث أمام النار؛ فسرعان ما تزول، ولا يبقى أثرها، كما هو الباطل.

٣ – إبطال الصدقات

شبه الله تعالى إبطال الصدقات بالمن والأذى على الناس، كمثل الصخرة الملساء التي عليها تراب، فنزل عليها المطر، فلم يبق من التراب شيءٌ على الصخرة، وهكذا يفعل الرياء بأجر الصدقات، يبطلها فلا يبقى لها أثر.

قال الله تعالى:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَىٰ كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا لَا يَقْدِرُونَ عَلَىٰ شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ ﴾

البقرة: ٢٦٤

٤ – دعاء الآلهة المزعومة

من دون الله تعالى وعجزها

أورد رب العزة سبحانه عن عجز الآلهة المزعومة في قضاء حوائج عابديها، فقد شبه الله تعالى عجزها بعجز من ورد الماء ليستقي منه، وليس معه شيء ليشرب به، فبسط يديه إلى الماء من بعيد، فماذا عساه أن يستقي، وكيف عساه أن يشرب؟!.

قال الله تعالى:

﴿ لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لَا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ إِلَّا كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاءِ لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ  وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ ﴾

الرعد: ١٤

8 – سلوكيات باطلة

لقد وصف القرآن الكريم مجموعة من السلوكيات الناتجة عن الأفراد أو الجماعات بالبطلان، سواء كانت صادرة من كافر أم من مسلم، فلا فرق بين الفاعلين في وصف بعض أفعالهم بالبطلان، ومن تلك السلوكيات:

1- أكل أموال الناس بالباطل

نهى الله المؤمنين عن أكل أموالهم بينهم بالباطل  والمراد عن أخذ بعضهم لأموال البعض الأخر بالحرام . وتتعدد طرق أكل الباطل من الميسر، ومن غصب القوي مال الضعيف، ومن أكل الأولياء أموال الأيتام ، والمقامرة، ومن المراباة، والرشوة المحرمة والخيانة بأشكالها المختلفة، ومنها الغش والنصب، وغير ذلك.

قال الله تعالى:

﴿ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾

البقرة: ١٨٨

﴿ وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا ﴾

النساء: ١٦١

﴿ وَتَرَىٰ كَثِيرًا مِنْهُمْ يُسَارِعُونَ فِي الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾

المائدة: ٦٢

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ  ﴾

النساء : 29

2- الجدال بالباطل

يستخدم الكثير من الناس الجدال بالباطل وسيلةً لإثبات باطلهم، وهذا يدل على ضعف الحجة أو انعدامها؛ إذ لو كان الدليل الواضح حاضرًا لكان استحضاره من قبل المجادل غاية من الغايات .

قال الله تعالى:

﴿ وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَيُجَادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَمَا أُنْذِرُوا هُزُوًا ﴾

الكهف: ٥٦

وما نبعث الرسل إلى الناس إلا ليكونوا مبشرين بالجنة لأهل الإيمان والعمل الصالح، ومخوِّفين بالنار لأهل الكفر والعصيان، ومع وضوح الحق يخاصم الذين كفروا رسلهم بالباطل تعنتًا؛ ليزيلوا بباطلهم الحق الذي جاءهم به الرسول، واتخذوا كتابي وحججي وما خُوّفوا به من العذاب سخرية واستهزاء.

3- خلط الحق بالباطل

طريقة أخرى من طرق أهل الباطل في الاستدلال، وهي تزيين الباطل بشيء من الحق، وخلطه به مغبة أن يلتبس الأمر على السامعين

قال الله تعالى:

﴿ وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾

البقرة: ٤٢

﴿ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾

آل عمران: ٧١

يا أهل التوراة والإنجيل لِمَ تخلطون الحق في كتبكم بما حرفتموه وكتبتموه من الباطل بأيديكم، وتُخْفون ما فيهما من صفة محمد صلى الله عليه وسلم، وأن دينه هو الحق، وأنتم تعلمون ذلك؟

4- اتهام المؤمنين بالباطل

مما تعارف عليه الناس أن خير وسيلة للدفاع الهجوم، وها هم أعداء الله والإسلام يتهمون المؤمنين بأنهم مبطلون .

قال الله تعالى:

﴿ وَلَئِنْ جِئْتَهُمْ بِآيَةٍ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُبْطِلُونَ ﴾

الروم: ٥٨

ولئن جئتهم -أيها الرسول- بأي حجة تدل على صدقك ليقولَنَّ الذين كفروا بك: ما أنتم -أيها الرسول وأتباعك- إلا مبطلون فيما تجيئوننا به من الأمور.

 

Share This