مفهوم الافتراء في القرآن الكريم

1- مفهوم الافتراء

الافتراء هو اختلاق الأخبار التي لا أصل لها عن عمد ، وهو بذلك من الكذب العمد ؛ بل هو شر الكذب.

2- كلمة الافتراء

          في

القرآن الكريم

وردت كلمة (أفتراء) في القرآن الكريم (٦٠) مرة. والصيغ التي وردت هي:

– الفعل الماضي

ورد ٢٥ مرة

قال الله تعالى:

﴿ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَىٰ إِثْمًا عَظِيمًا ﴾

النساء:٤٨

– الفعل المضارع

ورد ٢٦ مرة

قال الله تعالى:

﴿ قَالَ لَهُمْ مُوسَىٰ وَيْلَكُمْ لَا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا ﴾

طه:٦١

– المصدر

ورد  مرتين

قال الله تعالى:

﴿ وَحَرَّمُوا مَا رَزَقَهُمُ اللَّهُ افْتِرَاءً عَلَى اللَّهِ ﴾

الأنعام:١٤٠

– اسم الفاعل

ورد ٣ مرات

قال الله تعالى:

﴿ وَكَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ

الأعراف:١٥٢

– اسم المفعول

ورد ٣ مرات

قال الله تعالى:

﴿ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ

هود:١٣

– الصفة المشبهة

ورد  مرة واحدة

قال الله تعالى:

﴿ قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا

مريم:٢٧

وجاء الافتراء في القرآن الكريم بمعني الاختلاق والكذب في حق الغير بما لا يرتضيه ، فهو أخص من الكذب .

3- كلمات ذات الصلة

    بكلمة الافتراء

– الكذب

هو الإخبار عن الشيء على خلاف الواقع؛ سواء بالقول، أو بالإشارة، أو بالسكوت. وهو يدل على خلاف الصدق .

قال الله تعالى:

﴿ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللَّهِ وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جَاءَهُ ﴾

الزمر: 32

– الإفك

الإفك هو أسوأ الكذب ؛ لأنه قلب للكلام عن الحق إلى الباطل .

قال الله تعالى:

﴿ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كَانَ خَيْرًا مَا سَبَقُونَا إِلَيْهِ وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ هَٰذَا إِفْكٌ قَدِيمٌ ﴾

الأحقاف: 11

– البهتان

هو كذب يسكت سامعه ويدهشه ويحيره ؛ لفظاعته،؛ لتخيل صحته .

قال الله تعالى:

﴿ وَلَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَٰذَا سُبْحَانَكَ هَٰذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ ﴾

النور: 16

4- ميادين الافتراء

الميادين التي يكثر فيها الافتراء، ويظهر بقوة متعددة ؛ منها ما يلي:

أولًا: الافتراء في العقائد

1- الألوهية

الافتراء على الله سبحانه وتعالى من أعظم أنواع الافتراء ،و منها ما يلي

أ – الافتراء على الله بادعاء الشركاء

قال الله تعالى:

﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَىٰ إِثْمًا عَظِيمًا ﴾

النساء:٤٨

أي: ومن يجعل لغير الله شركة مع الله سواء كانت الشركة بالإيجاد أو بالتحليل والتحريم فقد اخترع ذنبًا عظيم الضرر؛ لأن الشرك انقطاع ما بين الله والعباد، فلا يبقى لهم معه أمل في مغفرة، إذا خرجوا من هذه الدنيا وهم مشركون، مقطوعو الصلة بالله رب العالمين.

ب – الافتراء على الله بما لم يقله

قال الله تعالى:

﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا. انْظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَكَفَىٰ بِهِ إِثْمًا مُبِينًا ﴾

النساء: ٤٩-٥٠

وهذا مجرد دعوى لا برهان عليها، فتزكيتهم أنفسهم من أعظم الافتراء على الله عز وجل؛ لأن مضمون تزكيتهم لأنفسهم الإخبار بأن الله جعل ما هم عليه حقًا، وما عليه المؤمنون باطلًا، وهذا أعظم الكذب، وقلبٌ للحقائق بجعل الحق باطلًا، والباطل حقًا .

ت – آيات الله وبراهينه

قال الله تعالى:

﴿ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَىٰ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ ﴾

يونس: ١٧

﴿ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَىٰ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ ﴾

الأنعام: ٢١

لا أحد أشد ظلمًا ممن اختلق على الله الكذب وزعم أن الله أرسله ، أو زاد في دينه ما ليس منه أو كذَّب بآياته المنزلة أو آياته الكونية الدالة على وحدانيته أو التي يؤيد بها رسله .

ث – النبوة والمعجزات

من قبح المفترين ادعاؤهم على الرسل أنهم لم يأتوا بالمعجزات الباهرة والدلائل القاهرة من عند الله، وإنما هي اختلاق من عند أنفسهم

-عن فرعون وقومه من دعوة موسى عليه السلام

قال الله تعالى:

﴿ فَلَمَّا جَاءَهُمْ مُوسَىٰ بِآيَاتِنَا بَيِّنَاتٍ قَالُوا مَا هَٰذَا إِلَّا سِحْرٌ مُفْتَرًى وَمَا سَمِعْنَا بِهَٰذَا فِي آبَائِنَا الْأَوَّلِينَ ﴾

القصص: ٣٦

فلما جاء موسى فرعون وملأه بأدلتنا وحججنا شاهدة بحقيقة ما جاء به موسى مِن عند ربه، قالوا لموسى: ما هذا الذي جئتنا به إلا سحر افتريته كذبًا وباطلا وما سمعنا بهذا الذي تدعونا إليه في أسلافنا الذين مضوا قبلنا.

ج – الكتب

أخبرنا الله تعالى في كتابه الكريم عن تعنت الكافرين، واختلافهم فيما يصفون به القرآن، وحيرتهم فيه، وضلالهم عنه .

قال الله تعالى:

﴿ وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالُوا مَا هَٰذَا إِلَّا رَجُلٌ يُرِيدُ أَنْ يَصُدَّكُمْ عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُكُمْ وَقَالُوا مَا هَٰذَا إِلَّا إِفْكٌ مُفْتَرًى وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ إِنْ هَٰذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ ﴾

سبأ: ٤٣

وإذا تتلى على كفار “مكة” آيات الله واضحات قالوا: ما محمد إلا رجل يرغب أن يمنعكم عن عبادة الآلهة التي كان يعبدها آباؤكم، وقالوا: ما هذا القرآن الذي تتلوه علينا – يا محمد- إلا كذب مختلق، جئتَ به من عند نفسك، وليس مِن عند الله، وقال الكفار عن القرآن لما جاءهم: ما هذا إلا سحر واضح.

ثانيًا: الافتراء في الشرائع

من أعظم القضايا التي يقع فيها الافتراء قضية التحليل والتحريم، وهما تشريع شرعه الله سبحانه لعباده، وليس لمخلوقٍ حقٌ في تحريم شيءٍ أباحه الرب لعباده تدينًا به إلا بوحيه وإذنه، وقد أنكر الله على من فعل ذلك.

قال الله تعالى:

﴿ قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلَالًا قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ ﴾

يونس: ٥٩

﴿ قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلَادَهُمْ سَفَهًا بِغَيْرِ عِلْمٍ وَحَرَّمُوا مَا رَزَقَهُمُ اللَّهُ افْتِرَاءً عَلَى اللَّهِ قَدْ ضَلُّوا وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ ﴾

الأنعام: ١٤٠

﴿ وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَٰذَا حَلَالٌ وَهَٰذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ ﴾

النحل: ١١٦

ويدخل في هذا كل من ابتدع بدعة ليس فيها مستند شرعي، أو حلل شيئًا مما حرم الله، أو حرم شيئًا مما أباح الله، بمجرد رأيه وتشهيه.

5- أساليب القرآن في ذم

  المفترين والرد عليهم

تنوعت أساليب القرآن في ذم المفترين والرد عليهم، وسنتناول هذه الأساليب في النقاط الآتية:

أولًا: وصفهم بالظلم

قال سبحانه وتعالى في معرض المبالغة في افتراء المفترين على الله الذين لم يبلغ أحد من الظالمين قبلهم ظلمهم

قال الله تعالى:

﴿ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَىٰ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ ﴾

الأعراف: ٣٧

فلا أحد أظلم ممن افترى على الله كذبًا ما بأن أوجب على عباده من العبادات ما لم يوجبه، أو حرم عليهم في الدين ما لم يحرمه، أو عزا إلى دينه أي حكمٍ لم ينزله على رسله، أو كذب بآياته المنزلة عليهم بالقول أو بما هو أدل منه وهو الاستكبار عن اتباعها، أو الاستهزاء بها، أو تفضيل غيرها عليها بالعمل.

ثانيًا: تحديهم بالإتيان فيما زعموا أنه مفترى

أن الله سبحانه وتعالى تحداهم بالقرآن كله ودعاهم إن كانوا صادقين في دعواهم أنه من عند محمد فليعارضوه بنظير ما جاء به وحده، وليستعينوا بمن شاءوا، وأخبر أنهم لا يقدرون على ذلك، ولا سبيل لهم إليه .

قال الله تعالى:

﴿ قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَىٰ أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَٰذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا ﴾

الإسراء: ٨٨

أي: قل: لو اتفقت الإنس والجن على محاولة الإتيان بمثل هذا القرآن المعجز لا يستطيعون الإتيان به، ولو تعاونوا وتظاهروا على ذلك.

ثالثًا: بيان تناقضهم في الاتهام والأقوال

أخبر سبحانه عن تناقض أقوال المشركين، فما كان إبراهيم يهودياً ولا نصرانياً، فلم تكن اليهودية ولا النصرانية إلا من بعده، ولكن كان متبعًا لأمر الله وطاعته، مستسلمًا لربه، وما كان من المشركين.

قال الله تعالى:

﴿ هَا أَنْتُمْ هَٰؤُلَاءِ حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ  وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ . مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَٰكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾

آل عمران 66- 67

رابعًا: إرخاء العنان لهم في المجادلة ثم إدانتهم

الحق تبارك وتعالى يرخي للخصم العنان؛ ليقول كل ما عنده، وليأخذه إلى جانبه، لا بما يكره .

قال الله تعالى:

﴿ أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَلَا تَمْلِكُونَ لِي مِنَ اللَّهِ شَيْئًا هُوَ أَعْلَمُ بِمَا تُفِيضُونَ فِيهِ كَفَىٰ بِهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴾

الأحقاف: ٨

أي: لو كذبت عليه وزعمت أنه أرسلني -وليس كذلك- لعاقبني أشد العقوبة، ولم يقدر أحد من أهل الأرض، لا أنتم ولا غيركم أن يجيرني منه

خامسًا: التهديد والوعيد لهم بسوء المصير

أقسم سبحانه وتعالى بذاته العلية أنه سوف يسأل المفترين يوم القيامة عن افتراءاتهم، وسيجازيهم عليها

قال الله تعالى:

﴿ وَيَجْعَلُونَ لِمَا لَا يَعْلَمُونَ نَصِيبًا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ تَاللَّهِ لَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَفْتَرُونَ ﴾

النحل: ٥٦

أقسم الله تعالى بنفسه الكريمة ليسألنهم عن ذلك الذي افتروه، وائتفكوه، وليقابلنهم عليه، وليجازينهم أوفر الجزاء في نار جهنم.

6 – أسباب الافتراء

للافتراء أسباب، منها:

1- الكفر

أخبر تعالى أن الذين يفترون الكذب على الله وعلى رسوله شرار الخلق من الكفرة والملحدين المعروفين بالكذب عند الناس

قال الله تعالى:

﴿ إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ ﴾

النحل: ١٠٥

2- العناد

أخبر تعالى أن العناد والظلم كان سببًا لافتراء المفترين

قال الله تعالى:

﴿ أَفْتَرَىٰ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَمْ بِهِ جِنَّةٌ بَلِ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ فِي الْعَذَابِ وَالضَّلَالِ الْبَعِيدِ ﴾

سبأ : ٨

هذا الرجل أختلق على الله كذبًا أم به جنون، فهو يتكلم بما لا يدري؟ ليس الأمر كما قال الكفار، بل محمد أصدق الصادقين. والذين لا يصدقون بالبعث ولا يعملون من أجله في العذاب الدائم في الآخرة، والضلال البعيد عن الصواب في الدنيا.

3- الجهل

أخبر الله تعالى أن الجهل سبب افتراء المشركين، ومن على شاكلتهم .

قال الله تعالى:

﴿ وَيَجْعَلُونَ لِمَا لَا يَعْلَمُونَ نَصِيبًا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ تَاللَّهِ لَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَفْتَرُونَ ﴾

النحل: ٥٦

ومِن قبيح أعمالهم أنهم يجعلون للأصنام التي اتخذوها آلهة ، وهي لا تعلم شيئًا ولا تنفع ولا تضر، جزءًا من أموالهم التي رزقهم الله بها تقربًا إليها. تالله لتسألُنَّ يوم القيامة عما كنتم تختلقونه من الكذب على الله.

7- آثار الافتراء

ومِن آثار الافتراء ظهورالسمات الأتية علي من يقترفة ، وهي

1- الافتراء سمة الظالمين والمجرمين

قال الله تعالى:

﴿ فَمَنِ افْتَرَىٰ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ مِنْ بَعْدِ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ﴾

آل عمران: ٩٤

2- الافتراء سمة كل كافر

قال الله تعالى:

﴿ إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ ﴾

النحل: ١٠٥

3- الافتراء سمة كل مشرك

قال الله تعالى:

قال الله تعالى:

﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَىٰ إِثْمًا عَظِيمًا ﴾

النساء:٤٨

4- الافتراء سمة كل ضِال ومبتدع

قال الله تعالى:

﴿ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَىٰ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ﴾

الأنعام: ١٤٤

8 – عاقبة الافتراء

للافتراء عواقب وخيمة في الدنيا والآخرة نتناولها فيما يأتي:

أولًا: عواقب الافتراء في الدنيا

1- الخيبة والخزي

أخبر الله عن كليمه موسى عليه السلام أنه حذر سحرة فرعون من الافتراء على الله، ووعدهم بعذاب من عند الله، وأنه سيخيب سعيهم، فلا يحققون النصر الذي يرجون .

قال الله تعالى:

﴿ قَالَ لَهُمْ مُوسَىٰ وَيْلَكُمْ لَا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَىٰ ﴾

طه: ٦١

أي: لا تنصروا ما أنتم عليه من الباطل بسحركم، وتغالبون الحق، وتفترون على الله الكذب، فيستأصلكم بعذاب من عنده، ويخيب سعيكم وافتراؤكم، فلا تدركون ما تطلبون من النصر والجاه عند فرعون وملئه، ولا تسلمون من عذاب الله .

2- استحقاق الوصف بالظلم

أخبر تعالى أن المفترين على الله ورسوله هم المستحقون للوصف بالظلم،

قال الله تعالى:

﴿ كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلَّا مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَىٰ نَفْسِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ . فَمَنِ افْتَرَىٰ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ مِنْ بَعْدِ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ﴾

آل عمران: ٩٣-٩٤

والمعنى: وأي ظلم أعظم من ظلم من يدعى إلى تحكيم كتابه فيمتنع من ذلك عنادًا وتكبرًا وتجبرًا.

قال الله تعالى:

﴿ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَىٰ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَنْ قَالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ ﴾

الأنعام: ٩٣

ومَن أشدُّ ظلمَّا ممَّن اختلق على الله تعالى قولا كذبًا، فادعى أنه لم يبعث رسولا من البشر، أو ادعى كذبًا أن الله أوحى إليه ولم يُوحِ إليه شيئًا، أو ادَّعى أنه قادر على أن يُنْزل مثل ما أنزل الله من القرآن؟

3-عدم الفلاح

أخبر سبحانه وتعالى أن المفترين لا يفلحون في الدنيا ولا في الآخرة.

قال الله تعالى:

﴿ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ هُوَ الْغَنِيُّ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ  إِنْ عِنْدَكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ بِهَٰذَا أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ . قُلْ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ ﴾

يونس: ٦٨-69

توعد تعالى المفترين ممن زعم أن له ولدًا، بأنهم لا يفلحون في الدنيا ولا في الآخرة، فلا ينالون مطلوبهم، ولا يحصل لهم مقصودهم، وإنما يتمتعون في كفرهم وكذبهم في الدنيا قليلًا، ثم ينتقلون إلى الله، ويرجعون إليه، فيذيقهم العذاب الشديد المؤلم بسبب كفرهم.

4- الغضب والذلة

أخبر سبحانه وتعالى أن جزاء المفترين الغضب والذلة

قال الله تعالى:

﴿ إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا  وَكَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ ﴾

الأعراف: ١٥٢

إن الذين اتخذوا العجل إلهًا سينالهم غضب شديد مِن ربهم وهوان في الحياة الدنيا؛ بسبب كفرهم بربهم، وكما فعلنا بهؤلاء نفعل بالمفترين المبتدعين في دين الله، فكل صاحب بدعة ذليل.

ثانيًا: عواقب الافتراء في الآخرة

1- حرمان الشفاعة والنصرة

أخبر سبحانه وتعالى أن جزاء المفترين في الآخرة أن ما يعبدون من دونه لا يشفعون لهم، ولا يدفعون عنهم العذاب .

قال الله تعالى:

﴿ وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا مَكَانَكُمْ أَنْتُمْ وَشُرَكَاؤُكُمْ فَزَيَّلْنَا بَيْنَهُمْ وَقَالَ شُرَكَاؤُهُمْ مَا كُنْتُمْ إِيَّانَا تَعْبُدُونَ . فَكَفَىٰ بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ إِنْ كُنَّا عَنْ عِبَادَتِكُمْ لَغَافِلِينَ . هُنَالِكَ تَبْلُو كُلُّ نَفْسٍ مَا أَسْلَفَتْ وَرُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ ﴾

يونس: ٢٨- ٣٠

أي: في موقف الحساب يوم القيامة تختبر كل نفس، وتعلم ما أسلفت من عملها من خير وشر، ورجعت الأمور كلها إلى الله الحكم العدل، ففصلها، وأدخل أهل الجنة الجنة، وأهل النار النار، وذهب عن المشركين ما كانوا يعبدون من دون الله افتراء عليه ، فلا تنفعهم ولا تدفع عنهم العذاب.

قال الله تعالى:

﴿ فَلَوْلَا نَصَرَهُمُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ قُرْبَانًا آلِهَةً بَلْ ضَلُّوا عَنْهُمْ وَذَٰلِكَ إِفْكُهُمْ وَمَا كَانُوا يَفْتَرُونَ ﴾

الأحقاف: ٢٨

فهلا نصر هؤلاء الذين أهلكناهم من الأمم الخالية آلهتُهم التي اتخذوا عبادتها قربانًا يتقربون بها إلى ربهم؛ لتشفع لهم عنده، بل ضلَّت عنهم آلهتهم، فلم يجيبوهم، ولا دافعوا عنهم، وذلك كذبهم وما كانوا يَفْتَرون في اتخاذهم إياهم آلهة.

قال الله تعالى:

﴿ وَإِذَا رَأَى الَّذِينَ أَشْرَكُوا شُرَكَاءَهُمْ قَالُوا رَبَّنَا هَٰؤُلَاءِ شُرَكَاؤُنَا الَّذِينَ كُنَّا نَدْعُو مِنْ دُونِكَ فَأَلْقَوْا إِلَيْهِمُ الْقَوْلَ إِنَّكُمْ لَكَاذِبُونَ . وَأَلْقَوْا إِلَى اللَّهِ يَوْمَئِذٍ السَّلَمَ  وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ ﴾

النحل: ٨٦-٨٧

أي: ذهب واضمحل ما كانوا يعبدونه افتراء على الله، فلا ناصر لهم، ولا معين ولا مجيز.

2- الفضيحة على رؤوس الأشهاد

أخبر سبحانه وتعالى عن حال المفترين وفضيحتهم في الدار الآخرة على رؤوس الخلائق

قال الله تعالى:

﴿ وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ . وَنَزَعْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا فَقُلْنَا هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ فَعَلِمُوا أَنَّ الْحَقَّ لِلَّهِ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ ﴾

القصص: ٧٤-٧٥

﴿ وَلَقَدْ جِئْنَاهُمْ بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَىٰ عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ . هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ فَهَلْ لَنَا مِنْ شُفَعَاءَ فَيَشْفَعُوا لَنَا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ قَدْ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ ﴾

الأعراف: ٥٢- ٥٣

﴿ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَىٰ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أُولَٰئِكَ يُعْرَضُونَ عَلَىٰ رَبِّهِمْ وَيَقُولُ الْأَشْهَادُ هَٰؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَىٰ رَبِّهِمْ أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ ﴾

هود: ١٨

يبين تعالى حال المفترين عليه، وفضيحتهم في الدار الآخرة على رؤوس الخلائق؛ من الملائكة والرسل والأنبياء وسائر البشر والجان. فإن جزاء اختلاق الكذب والتشهير والتشنيع بالمؤمنين الصادقين التشهير والتشنيع في الآخرة، والجزاء من جنس العمل.

3- الافتراء سبب في مناقشة الحساب يوم القيامة

قال الله تعالى:

﴿ وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَعَ أَثْقَالِهِمْ وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَمَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ ﴾

العنكبوت: ١٣

وليحملَنَّ هؤلاء المشركون أوزار أنفسهم وآثامها، وأوزار مَن أضلوا وصدُّوا عن سبيل الله مع أوزارهم، دون أن ينقص من أوزار تابعيهم شيء، وليُسألُنَّ يوم القيامة عما كانوا يختلقونه من الأكاذيب.

4- الافتراء سبب في شدة سكرات الموت والعذاب الأليم يوم القيامة

قال الله تعالى:

﴿ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَىٰ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَنْ قَالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَوْ تَرَىٰ إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ ﴾

الأنعام :٩٣

ومَن أشدُّ ظلمَّا ممَّن اختلق على الله تعالى قولا كذبًا، فادعى أنه لم يبعث رسولا من البشر، أو ادعى كذبًا أن الله أوحى إليه ولم يُوحِ إليه شيئًا، أو ادَّعى أنه قادر على أن يُنْزل مثل ما أنزل الله من القرآن؟ ولو أنك أبصرت -أيها الرسول- هؤلاء المتجاوزين الحدَّ وهم في أهوال الموت لرأيت أمرًا هائلا والملائكة الذين يقبضون أرواحهم باسطو أيديهم بالعذاب قائلين لهم: أخرجوا أنفسكم، اليوم تهانون غاية الإهانة، كما كنتم تكذبون على الله، وتستكبرون عن اتباع آياته والانقياد لرسله.

5- الاصطلاء في النار

قال الله تعالى:

﴿ قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلَالًا قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ . وَمَا ظَنُّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ﴾

يونس: ٥٩- ٦٠

وما ظنُّ هؤلاء الذين يتخرصون على الله الكذب يوم الحساب، فيضيفون إليه تحريم ما لم يحرمه عليهم من الأرزاق والأقوات، أن الله فاعل بهم يوم القيامة بكذبهم وفِرْيَتِهم عليه؟ أيحسبون أنه يصفح عنهم ويغفر لهم؟ كلا بل يصليهم في النار.

Share This