1- مفهوم الاستهزاء

الاستهزاء هو صدور ما يدعو لتصغير من قصد به ، بغرض تحقيره.

2- الاستهزاء

      في

الاستعمال القرآني

وردت كلمة هزء وصيغها في القرآن الكريم ٣٤مرة ، والصيغ التي وردت هي:

-الفعل الماضي

ورد 3 مرات

قال الله تعالى:

﴿ وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ ﴾

الأنعام:١٠

– الفعل المضارع

ورد ١٧ مرة

قال الله تعالى:

﴿ اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ ﴾

البقرة:١٥

– فعل الأمر

ورد  مرة واحدة

قال الله تعالى:

﴿ قُلِ اسْتَهْزِئُوا إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ مَا تَحْذَرُونَ ﴾

التوبة:٦٤

– المصدر

ورد   11 مرة

قال الله تعالى:

﴿ ذَٰلِكَ جَزَاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِمَا كَفَرُوا وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَرُسُلِي هُزُوًا ﴾

الكهف:١٠٦

-اسم الفاعل

ورد  مرتين

قال الله تعالى:

﴿ إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ ﴾

الحجر:٩٥

وجاء الاستهزاء في الاستعمال القرآني بمعني السخرية.

3- الألفاظ ذات الصلة

– الازدراء

قلة قدر المقصود به في نظر المزدري.

– السخرية

الاستهانة والتحقير والتنبيه على العيوب والنقائص على وجه يضحك منه. وقد يكون ذلك بالمحاكاة في الفعل والقول، وقد يكون بالإشارة والإيماء.

– التهكم

هو ازدراء المتهكم به بدون وجود ما يدعو للازدراء ، وإنما فعله من قبيل الاستعلاء.

– الهمز

عيب الناس والطعن فيهم حال غيبتهم.

– اللمز

العيب في حضرة المقصود به لا في غيبته، بكلام ظاهر أو خفي، وأصله الإشارة بالعين ونحوها.

– المزاح

الكلام غير الجاد على سبيل الدعابة

– الاستهانة

التهوين والتقليل من شأن المقصود بها.

– الغمز

الإشارة بالعين والحاجب استهزاءً وتنقصًا.

4 – نسبة الاستهزاء

    إلى الله تعالى

يبين لنا القرآن الكريم  في غير آية أن الله سبحانه وتعالى لا مثيل ولا شبيه له حصنًا لأفهامنا من الزيغ والانحراف .

قال الله تعالى:

﴿ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ﴾

الشورى: ١١

﴿ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ ﴾

الإخلاص:٤

﴿ وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَىٰ ﴾

النحل: ٦٠

وغيرها من الآيات التي يتحقق لنا العلم منها أن الله لا يمكن أن يتصف بما اتصف به خلقه، وإن تشابهت الكلمات والمعاني إلا أن الحقائق بخلاف ذلك. في ضوء ذلك يمكننا البحث عما أراده الله من الآيات الأتية .

قال الله تعالى:

﴿ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ . اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ ﴾

البقرة: ١٤- ١٥

ليس المقصود من هذه الآيات ، وصفه سبحانه بالاستهزاء ، فالله سبحانه منـزه عن مثل هذه الصفه وما شابهها، أن اللفظ يشبة اللفظ وأنه جاء من قبيل الجزاء من جنس العمل. فهو في جهة الله تسمية العقوبة باسم الذنب . فيقصد بذلك أن الله سبحانه وتعالى سيجازي المستهزئين ويتولى عقابهم على قدر صنيعهم السيئ ويُلحق بهم الذل والصغار والتحقير.

قال الله تعالى:

﴿ وَإِذَا قِيلَ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَالسَّاعَةُ لَا رَيْبَ فِيهَا قُلْتُمْ مَا نَدْرِي مَا السَّاعَةُ إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنًّا وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ . وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا عَمِلُوا وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ . وَقِيلَ الْيَوْمَ نَنْسَاكُمْ كَمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَٰذَا وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَاصِرِينَ . ذَٰلِكُمْ بِأَنَّكُمُ اتَّخَذْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا وَغَرَّتْكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ لَا يُخْرَجُونَ مِنْهَا وَلَا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ . فَلِلَّهِ الْحَمْدُ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَرَبِّ الْأَرْضِ رَبِّ الْعَالَمِينَ . وَلَهُ الْكِبْرِيَاءُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾

الجاثية: ٣٢ – ٣7

يبين الله جل جلاله في هذه الآيات استهزاء الكفار باليوم الآخر، والصورة التي كانوا يستهزئون بها، وموقفهم يوم القيامة حين يطبق عليهم سوء فعلهم، فيطوقهم ويحيط بهم، ويقال لهم استهزاءً: اليوم نترككم كما تركتم العمل بما جاءكم به النبي صلى الله عليه وسلم، وتركتم التفكر فيه؛ ليصبح يقينًا كما ترونه اليوم، وقنعتم بعملكم المنكر واستهزائكم بخبر هذا اليوم الذي أنتم فيه الآن. فكان جزاؤهم من جنس عملهم؛ استهزاءٌ باستهزاء . تركوا الإيمان والاستعداد ليوم الحساب، فحاق بهم ما استهزءوا به وتركوا في العذاب .

5- مواطن الاستهزاء

ينقسم الاستهزاء في القرآن الكريم إلى ما يأتي ..

1- الاستهزاء بالكتب المنزلة

قال الله تعالى:

﴿ وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنَ الرَّحْمَٰنِ مُحْدَثٍ إِلَّا كَانُوا عَنْهُ مُعْرِضِينَ . فَقَدْ كَذَّبُوا فَسَيَأْتِيهِمْ أَنْبَاءُ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ ﴾

الشعراء: ٥ – ٦

فما يأتيهم من المواعظ القرآنية تذكرهم أكمل تذكير، وتنبههم عن الغفلة أتم تنبيه، فإن الله سبحانه وتعالى بمقتضى رأفته الواسعة يجدد لهم تنزيله حسبما تقتضيه الحكمة والمصلحة، فيجددوا إعراضًا عنه على وجه التكذيب والاستهزاء وإصرارًا على ما كانوا عليه من الكفر والضلال.

قال الله تعالى:

﴿ وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَيُجَادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَمَا أُنْذِرُوا هُزُوًا ﴾

الكهف: ٥٦

وما نبعث الرسل إلى الناس إلا ليكونوا مبشرين بالجنة لأهل الإيمان والعمل الصالح، ومخوِّفين بالنار لأهل الكفر والعصيان، ومع وضوح الحق يخاصم الذين كفروا رسلهم بالباطل تعنتًا؛ ليزيلوا بباطلهم الحق الذي جاءهم به الرسول، واتخذوا كتابي وحججي وما خُوّفوا به من العذاب سخرية واستهزاء.

2- الاستهزاء بالبراهين والحجج

قال الله تعالى:

﴿ وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيمَا إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعًا وَأَبْصَارًا وَأَفْئِدَةً فَمَا أَغْنَىٰ عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلَا أَبْصَارُهُمْ وَلَا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِذْ كَانُوا يَجْحَدُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ ﴾

الأحقاف: ٢٦

ذكر الله سبحانه وتعالى في كتابه نموذجًا للمستهزئين، وهم الذين كانوا يستهزئون بالأدلة والبراهين القاطعة على صدق المرسلين، وقد مكن الله لهم في الأرض، وآتاهم أدوات الفهم والإدراك وأراهم الآيات ولكنهم اتخذوها هزوًا ولعبًا .

3- الاستهزاء بالوعيد

قال الله تعالى:

﴿ وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِلَىٰ أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ لَيَقُولُنَّ مَا يَحْبِسُهُ أَلَا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفًا عَنْهُمْ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ ﴾

هود: ٨

تجرأ أعداء أنفسهم لما اغتروا به من سعة حلم الله وإمهاله لهم، وظنوا أن بمقدورهم إعلان التحدي، وحسبوا أن الله يعجل بعجلة أحدهم، فتساءلوا لقد اقترفنا ما نستحق به حلول الوعيد الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم ، فأين هذا العذاب؟! وقد أحاط بهم ووقع ما كانوا يجعلونه محط سخريتهم واستهزائهم من العذاب الذي كانوا يستعجلون وقوعه .

4- الاستهزاء بالأحكام الشرعية

قال الله تعالى:

﴿ وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذَٰلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَلَا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾

البقرة: ٢٣١

بين الله سبحانه وتعالى في كتابه حدود العلاقات بين الناس في القرآن الكريم، ورتب عليها أحكامًا؛ لمنع الخصومات وسدًا لباب الفساد، وذكر الله جل جلاله أن التلاعب بهذه الأحكام هو من الاستهزاء بآياته، خاصة إذا كان هذا في أمر وصف الله ميثاقه بأنه غليظ، وقد ترتكب بسبب التلاعب به الفواحش، واستحلال ما حرم الله عز وجل، والمقصود هنا النكاح والطلاق، وما يتعلق بهما من أحكام .

5- الاستهزاء بالعبادات

قال الله تعالى:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ . وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ اتَّخَذُوهَا هُزُوًا وَلَعِبًا ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ ﴾

المائدة: ٥٧ – ٥٨

يا أيها الذين آمنوا  ، لا تتخذوا الذين يستهزئون ويتلاعبون بدينكم من أهل الكتاب والكفارَ أولياءَ، وخافوا الله إن كنتم مؤمنين به وبشرعه. وإذا أذَّن مؤذنكم -أيها المؤمنون- بالصلاة سخر اليهود والنصارى والمشركون واستهزؤوا من دعوتكم إليها؛ وذلك بسبب جهلهم بربهم، وأنهم لا يعقلون حقيقة العبادة. وكانوا يهزأون بالأذان، والقيام والركوع والسجود في الصلاة.

6- الاستهزاء بالرسل

قال الله تعالى:

﴿ وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ ﴾

الأنبياء: ٤١

ولقد استهزئ برسل مِن قبلك أيها الرسول، فحلَّ بالذين كانوا يستهزئون العذاب الذي كان مَثار سخريتهم واستهزائهم.

قال الله تعالى:

﴿ يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ ﴾

يس: ٣٠

يا حسرة العباد وندامتهم يوم القيامة إذا عاينوا العذاب، ما يأتيهم من رسول من الله تعالى إلا كانوا به يستهزئون ويسخرون. وقد جاءت على هذه الحال كل الأمم مع أنبيائها ورسلها، فلم يسلم نبي ولا رسول من مستهزئ.

أ- نوح عليه السلام وقومه

قال الله تعالى:

﴿ وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ قَالَ إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ ﴾

هود: ٣٨

ويصنع نوح السفينة، وكلَّما مر عليه جماعة من كبراء قومه سخروا منه، قال لهم نوح: إن تسخروا منا اليوم لجهلكم بصدق وعد الله، فإنا نسخر منكم غدًا عند الغرق كما تسخرون منا.

ب – إبراهيم عليه السلام والنمرود

قال الله تعالى:

﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ﴾

البقرة: ٢٥٨

فقد كان الملك لا يعطي أحدًا إلا سأله: من ربك؟ فيقول له: أنت، فيعطيه، فلما جاء إبراهيم عليه السلام قال له: من ربك؟ قال إبراهيم عليه السلام : ربي الذي يحيي ويميت، فأجابه سفاهةً واستخفافًا وأنا أحيي وأميت، وأحضر رجلين حكم عليهما بالقتل، فقتل أحدهما، وأطلق الآخر! وقال: هذا أمته وهذا أحييته!، فجاءه إبراهيم عليه السلام بالرد المفحم بأن ربه يأتي بالشمس من المشرق، وتحداه أن يأتي بها من المغرب؛ فبهت الذي كفر.

ت – موسى عليه السلام وفرعون

ذلك الطاغية الآخر الذي زعم أنه الرب الأعلى، كأنه قد قام باستفتاء في قومه يعرض عليهم أمره وأمر موسى عليه السلام ، ذاكرًا ما فضل به على موسى عليه السلام .

قال الله تعالى:

﴿ وَنَادَىٰ فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَٰذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ . أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَٰذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ . فَلَوْلَا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ جَاءَ مَعَهُ الْمَلَائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ. فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ ﴾

الزخرف: ٥1- ٥٤

يقول: أنتم ترون فأنا أملك مصر وأنهارها، وموسى فقير ليس له شيء، وأنا صحيح المنطق، واضح البيان، وموسى لا يكاد يفهم كلامه لما في لسانه من لثغ، فإن كان صادقًا فلماذا لا ينزل له أسورة وحلي وزينة ومال من السماء؟ أو لماذا لا يظهر معه ملائكة يصدقونه ويؤيدونه فيما يدعي؟ وهذا استخفاف بقومه واستهزاء بموسى عليه السلام ، فكان الرد من الله عليه وقومه أن الحمق الذي عندهم، كان سببًا لطاعتهم إياه، وهم في جملتهم فاسقون خارجون عن طريق الاستقامة.

ج –  محمد صلى الله عليه وسلم وقومه

قال الله تعالى:

﴿ وَإِذَا رَآكَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُوًا أَهَٰذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ وَهُمْ بِذِكْرِ الرَّحْمَٰنِ هُمْ كَافِرُونَ ﴾

الأنبياء: ٣٦

وإذا رآك الكفار – أيها الرسول – أشاروا إليك ساخرين منك بقول بعضهم لبعض: أهذا الرجل الذي يسبُّ آلهتكم؟ وجحدوا بالرحمن ونعمه، وبما أنزله من القرآن والهدى.

7- الاستهزاء بالمؤمنين

قال الله تعالى:

﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَٰكِنْ لَا يَعْلَمُونَ . وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَىٰ شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ . اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ ﴾

البقرة: 13 – ١5

وإذا قيل للمنافقين: آمِنُوا -مثل إيمان الصحابة، وهو الإيمان بالقلب واللسان والجوارح-، جادَلوا وقالوا: أَنُصَدِّق مثل تصديق ضعاف العقل والرأي، فنكون نحن وهم في السَّفَهِ سواء؟ فردَّ الله عليهم بأن السَّفَهَ مقصور عليهم، وهم لا يعلمون أن ما هم فيه هو الضلال والخسران. هؤلاء المنافقون إذا قابلوا المؤمنين قالوا: صدَّقنا بالإسلام مثلكم، وإذا انصرفوا وذهبوا إلى زعمائهم الكفرة المتمردين على الله أكَّدوا لهم أنهم على ملة الكفر لم يتركوها، وإنما كانوا يَسْتَخِفُّون بالمؤمنين، ويسخرون منهم. الله يستهزئ بهم ويُمهلهم؛ ليزدادوا ضلالا وحَيْرة وترددًا، ويجازيهم على استهزائهم بالمؤمنين.

قال الله تعالى:

﴿ فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ مَا نَرَاكَ إِلَّا بَشَرًا مِثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ وَمَا نَرَىٰ لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ ﴾

هود 27

فقال رؤساء الكفر من قومه: إنك لست بمَلَك ولكنك بشر، فكيف أُوحي إليك مِن دوننا؟ وما نراك اتبعك إلا الذين هم أسافلنا وإنما اتبعوك من غير تفكر ولا رويَّة، وما نرى لكم علينا من فضل في رزق ولا مال لـمَّا دخلتم في دينكم هذا، بل نعتقد أنكم كاذبون فيما تدَّعون.

قال الله تعالى:

﴿ إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آَمَنُوا يَضْحَكُونَ . وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ ﴾

المطَّففين:29-30

إن الذين أجرموا كانوا في الدنيا يستهزئون بالمؤمنين، وإذا مروا بهم يتغامزون سخرية بهم .

قال الله تعالى:

﴿ الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾.

التوبة: 79

ومع بخل المنافقين لا يَسْلَم المتصدقون من أذاهم؛ فإذا تصدق الأغنياء بالمال الكثير عابوهم واتهموهم بالرياء، وإذا تصدق الفقراء بما في طاقتهم استهزؤوا بهم، وقالوا سخرية منهم: ماذا تجدي صدقتهم هذه؟ سخر الله من هؤلاء المنافقين، ولهم عذاب مؤلم موجع.

قال الله تعالى:

﴿ إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ . فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سخْرِيًّا حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنْتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ . إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُونَ ﴾

المؤمنون:109- 111

إنه كان فريق من عبادي- وهم المؤمنون- يَدْعون: ربنا آمنا فاستر ذنوبنا، وارحمنا، وأنت خير الراحمين. فاشتغلتم بالاستهزاء بهم حتى نسيتم ذكر الله، فبقيتم على تكذيبكم، وقد كنتم تضحكون منهم سخرية واستهزاء. إني جزيت هذا الفريق من عبادي المؤمنين الفوز بالجنة؛ بسبب صبرهم على الأذى وطاعة الله.

قال الله تعالى:

﴿ إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ . وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ . وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِينَ . وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلَاءِ لَضَالُّونَ . وَمَا أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ . فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ . عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ . هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ ﴾

المطففين: 29- 36

إن الله تعالى يعاقب المستهزئين الذين يستهزئون بالمؤمنين في الدنيا؛ يعاقبهم بأن يُذِلهم ويُخزيهم، ويُمَكّنَ لعباده المؤمنين من الضحك عليهم يوم القيامة. فالجزاء من جنس العمل.

6 – أسباب الاستهزاء

بين القرآن الكريم أسباب الاستهزاء ، و إنه لا يصدر إلا عن الأتي

1- الكفر

قال الله تعالى:

﴿ وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَيُجَادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَمَا أُنْذِرُوا هُزُوًا ﴾

الكهف: ٥٦

وما نبعث الرسل إلى الناس إلا ليكونوا مبشرين بالجنة لأهل الإيمان والعمل الصالح، ومخوِّفين بالنار لأهل الكفر والعصيان، ومع وضوح الحق يخاصم الذين كفروا رسلهم بالباطل تعنتًا؛ ليزيلوا بباطلهم الحق الذي جاءهم به الرسول، واتخذوا كتابي وحججي وما خُوّفوا به من العذاب سخرية واستهزاء.

2- النفاق

قال الله تعالى:

﴿ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ . فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ . وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ . أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَٰكِنْ لَا يَشْعُرُونَ . وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَٰكِنْ لَا يَعْلَمُونَ . وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَىٰ شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ . اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ ﴾

البقرة :٩-١5

يفرح المنافقون بما انخدعوا به من إمهال الله عز وجل لهم، ومعاملتهم على وفق ما يريدون من معاملة في الدنيا، ظانين بذلك أنهم تمكنوا من خديعة المؤمنين، فيجرؤهم ذلك على التمادي في طغيانهم، فيصل بهم الأمر إلى الاستهزاء بالدين، والإعلان أنهم هم المصلحون على سبيل حصر أحوالهم وأفعالهم على الإصلاح، وأن ما عليه المؤمنون هو السفه، وما هم عليه هو الرشد، وذلك بمصانعة أعداء الله عز وجل وإثبات الولاء لهم، وإظهار شعائر الإيمان بين المؤمنين، وإعلان ما كتموه من الاستهزاء بالمؤمنين بين الكافرين.

قال الله تعالى:

﴿ يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ قُلِ اسْتَهْزِئُوا إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ مَا تَحْذَرُونَ ﴾

التوبة:٦٤

وهذا أمر كائن لا محالة، فإنه وإن لم ينزل بكشف أسمائهم، إلا أنه نزل ببيان ما يعرفون به من أحوالهم.

3- الكبر

لا يسلم المتكبر من خصلة الاستهزاء أبدًا، فالكبر مرض، والاستهزاء عرض لازم له .

قال الله تعالى:

﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ . وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِ آيَاتُنَا وَلَّىٰ مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْرًا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ  ﴾

لقمان: ٦ – ٧

4- الجهل

قال الله تعالى:

﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ ﴾

لقمان: ٦

فيقبلون على ما يكون به هلاكهم، ويعرضون عما فيه خيرهم وصلاحهم، ولا يكون منهم هذا إلا لأنهم أهل جهل بلا علم، فهم أهل جهل حين يتفكهون بالاستهزاء بالخير وأهله، وأهل جهل حين ينفقون ويدفعون ثمنًا يشترون به الغرر والضرر، ويضيعون ما استخلفهم الله فيه عابثين لاهين هازئين لاعبين ، وهم يسيرون في طريق يوصلهم إما إلى دار السلام أو إلى دار الجحيم.

7- علاج الاستهزاء

أرشدنا القرآن الكريم إلى طرق لإزالة الاستهزاء من النفوس إن استحكم بها

1-  معرفة أن الاستهزاء

من كبائر الذنوب

حين يعرف المستهزئ أن كلمة واحدة كفيلة بإخراج المرء من دينه ، فإنه – إن كان عاقلًا – سرعان ما يقلع عنه، ويتوب منه، ويعتذر عما بدر منه .

قال الله تعالى:

﴿ وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ . لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ ﴾

التوبة: ٦٥ – ٦٦

ولئن سألتهم – أيها النبي- عما قالوا من القَدْح في حقك وحق أصحابك لَيَقولُنَّ: إنما كنا نتحدث بكلام لا قصد لنا به، قل لهم -أيها النبي-: أبالله عز وجل وآياته ورسوله كنتم تستهزئون؟لا تعتذروا -معشر المنافقين- فلا جدوى مِن اعتذاركم، قد كفرتم بهذا المقال الذي استهزأتم به، إن نعف عن جماعة منكم طلبت العفو وأخلصت في توبتها، نعذب جماعة أخرى بسبب إجرامهم بهذه المقالة الفاجرة الخاطئة.

2- معرفة سوء مصير المستهزئ

حين يعرف المستهزئ ما ينتظره من عقاب فإنه سرعان ما يقلع عنه، ويعتذر عما بدر منه .

قال الله تعالى:

﴿ وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا عَمِلُوا وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ ﴾

الجاثية 33

وظهر لهؤلاء الذين كانوا يكذِّبون بآيات الله ما عملوا في الدنيا من الأعمال القبيحة، ونزل بهم من عذاب الله جزاء ما كانوا به يستهزئون.

3- الابتعاد عن مجالس المستهزئين

قال الله تعالى:

﴿ وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّىٰ يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ ﴾

النساء: ١٤٠

وقد نزل عليكم – أيها المؤمنون- في كتاب ربكم أنه إذا سمعتم الكفر بآيات الله والاستهزاء بها فلا تجلسوا مع الكافرين والمستهزئين، إلا إذا أخذوا في حديث غير حديث الكفر والاستهزاء بآيات الله.

8 – عاقبة المستهزئين

بين القرآن الكريم عاقبة المستكبرين المستهزئين في آيات عديدة ، ومن

عاقبتهم ما يلي ..

1- الحسرة والندامة

قال الله تعالى:

﴿ وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ . أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ ﴾

الزمر: 55- 56

واتبعوا أحسن ما أُنزل إليكم من ربكم، وهو القرآن العظيم، وكله حسن، فامتثلوا أوامره، واجتنبوا نواهية من قبل أن يأتيكم العذاب فجأة، وأنتم لا تعلمون به. وأطيعوا ربكم وتوبوا إليه حتى لا تندم نفس وتقول: يا حسرتى على ما ضيَّعت في الدنيا من العمل بما أمر الله به، وقصَّرت في طاعته وحقه، وإن كنت في الدنيا لمن المستهزئين بأمر الله وكتابه ورسوله والمؤمنين به.

2- الخزي في الدنيا

قال الله تعالى:

﴿ وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ ﴾.

الأنعام 10

ولمَّا كان طلبهم إنزال الملك على سبيل الاستهزاء بمحمد صلى الله عليه وسلم بيَّن الله تعالى له أن الاستهزاء بالرسل عليهم السلام ليس أمرا حادثا، بل قد وقع من الكفار السابقين مع أنبيائهم، فأحاط بهم العذاب الذي كانوا يهزؤون به وينكرون وقوعه.

3- سوء العاقبة

قال الله تعالى:

﴿ ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاءُوا السُّوأَىٰ أَنْ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَكَانُوا بِهَا يَسْتَهْزِئُونَ ﴾

الروم: ١٠

ثم كانت عاقبة أهل السوء من الطغاة والكفرة أسوأ العواقب وأقبحها؛ لتكذيبهم بالله وسخريتهم بآياته التي أنزلها على رسله.

4- عذاب جهنم

قال الله تعالى:

﴿ وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّىٰ يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا ﴾

النساء: ١٤٠

وقد نزل عليكم – أيها المؤمنون- في كتاب ربكم أنه إذا سمعتم الكفر بآيات الله والاستهزاء بها فلا تجلسوا مع الكافرين والمستهزئين، إلا إذا أخذوا في حديث غير حديث الكفر والاستهزاء بآيات الله. إنكم إذا جالستموهم، وهم على ما هم عليه، فأنتم مثلهم؛ لأنكم رضيتم بكفرهم واستهزائهم، والراضي بالمعصية كالفاعل لها. إن الله تعالى جامع المنافقين والكافرين في نار جهنم جميعًا، يلْقَون فيها سوء العذاب.

5- العقاب الشديدً

قال الله تعالى:

﴿ وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَمْلَيْتُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ ﴾

الرعد: ٣٢

وإذا كانوا قد سخروا من دعوتك -أيها الرسول- فلقد سَخِرَتْ أمم من قبلك برسلهم، فلا تحزن فقد أمهلتُ الذين كفروا، ثم أخذتُهم بعقابي، وكان عقابًا شديدًا.

قال الله تعالى:

﴿ فَقَدْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ أَنْبَاءُ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ ﴾

الأنعام: ٥

لقد جحد هؤلاء الكفار الحقَّ الذي جاءهم به محمد صلى الله عليه وسلم وسخروا من دعائه؛ جهلا منهم بالله واغترارًا بإمهاله إياهم، فسوف يرون ما استهزءوا به أنه الحق والصدق، ويبين الله للمكذبين كذبهم وافتراءهم، ويجازيهم عليه.

6- لا يُخرجون من النار

قال الله تعالى:

﴿ وَإِذَا قِيلَ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَالسَّاعَةُ لَا رَيْبَ فِيهَا قُلْتُمْ مَا نَدْرِي مَا السَّاعَةُ إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنًّا وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ . وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا عَمِلُوا وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ . وَقِيلَ الْيَوْمَ نَنْسَاكُمْ كَمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَٰذَا وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَاصِرِينَ . ذَٰلِكُمْ بِأَنَّكُمُ اتَّخَذْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا وَغَرَّتْكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ لَا يُخْرَجُونَ مِنْهَا وَلَا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ ﴾

الجاثية: ٣٢ – ٣5

وإذا قيل لكم: إن وعد الله ببعث الناس من قبورهم حق، والساعة لا شك فيها، قلتم: ما ندري ما الساعة؟ وما نتوقع وقوعها إلا توهمًا، وما نحن بمتحققين أن الساعة آتية. وظهر لهؤلاء الذين كانوا يكذِّبون بآيات الله ما عملوا في الدنيا من الأعمال القبيحة، ونزل بهم من عذاب الله جزاء ما كانوا به يستهزئون. وقيل لهؤلاء الكفرة: اليوم نترككم في عذاب جهنم، كما تركتم الإيمان بربكم والعمل للقاء يومكم هذا، ومسكنكم نار جهنم، وما لكم من ناصرين ينصرونكم من عذاب الله. هذا الذي حلَّ بكم مِن عذاب الله؛ بسبب أنكم اتخذتم آيات الله وحججه هزوًا ولعبًا، وخدعتكم زينة الحياة الدنيا، فاليوم لا يُخرجون من النار، ولا هم يُرَدُّون إلى الدنيا؛ ليتوبوا ويعملوا صالحًا.

 

Share This