1- معني الاستكبار

هو استعظام الإنسان نفسه، واستحسان ما فيه من الفضائل، و الترفع والتعالي على الآخرين واحتقارهم ، والتمنع عن قبول الحق معاندة وجحودًا وإنكارًا.

2- الاستكبار

      في

 الاستعمال القرآني

وردت كلمة كبر وصيغها في القرآن الكريم ٧٥ مرة. والصيغ التي وردت هي:

-الفعل الماضي

ورد ٢٩ مرة

قال الله تعالى :

﴿ قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا ﴾

الأعراف:٧٥

– الفعل المضارع

ورد  ١٣مرة

قال الله تعالى :

﴿ قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيهَا ﴾

الأعراف:١٣

– اسم الفاعل

ورد  ١٣مرة

قال الله تعالى :

﴿ فَكُنْتُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ تَنْكِصُونَ . مُسْتَكْبِرِينَ ﴾

المؤمنون:٦6 – 6٧

– المصدر

ورد  مر تين

قال الله تعالى :

﴿ إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ مَا هُمْ بِبَالِغِيهِ ﴾

غافر:٥٦

وجاء الاستكبار في القرآن بمعني استعظام الإنسان نفسه، واستحسان ما فيه من الفضائل، والاستهانة بالناس، واستصغارهم، والترفع على من يجب التواضع له.

3- الألفاظ ذات الصلة

– الاستنكاف

الاستنكاف هو تكبر فيه أنفة

– العجب

هو الزهو بما يكون منه حسنًا أو قبيحًا ، والعجب ليس هو الكبر، وإنما هو أحد أسبابه الداعية إليه .

– الاستعلاء

التكبر و طلب الرفعة عن غير حق

– العتو

عبارة عن الإباء والعصيان ، ومجاوزة الحد فيه بحيث لا يتأثر معه القلب بالموعظة ولا يقبل النصيحة.

– التواضع

التواضع هو ضد الاستكبار.

4 – الكبرياء والعظمة لله تعالى

الكبرياء والعظمة لا يكونان إلا لله تعالى وحده لا يشاركه فيهما أحد، فليس للعبد الحق في أحدهما ، إذ هما من خصائص العلي الكبير سبحانه .

قال الله تعالى :

﴿ هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴾

الحشر:٢٣

﴿ وَلَهُ الْكِبْرِيَاءُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ  وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾

الجاثية:٣٧

إنه سبحانه وتعالى ينزه نفسه عن أن يشاركه أحد في كبريائه، فهو المتكبر وحده، وكل من دونه فهو صغير حقير أمام عظمته جل جلاله.

5- أقسام المتكبًرين

        في

   القرآن الكريم

قسم القرآن الكريم المتكبرين إلي أقسام حسب علي من تكبر هم و  لمنَ عدم إنَقَيادهم ، و هم

أ – التكبُّر على الله

قَال الله تعالى:

( وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَٰنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَٰنُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا وَزَادَهُمْ نُفُورًا ﴾

الفرقان 60

( إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ ﴾

غافر 60

أَي أَن المتكبريستنكف أَن يكون عبدا لله بالامتناع مِن قَبول الحق، والإذعان له بالعبادة.

ب – التكبُّر على الرسل

قَال الله تعالى:

( فَقَالُوا أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا ﴾

المؤمنون 47

( قَالُوا مَا أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا وَمَا أَنْزَلَ الرَّحْمَٰنُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَكْذِبُونَ ﴾

يس 15

( وَلَئِنْ أَطَعْتُمْ بَشَرًا مِثْلَكُمْ إِنَّكُمْ إِذًا لَخَاسِرُونَ ﴾

المؤمنون 34

أَي أَن المتكبر لا ينَقَاد أَويصدقَ المرسلين

ج – التكبُّر على الناس

قَال الله تعالى:

( وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا ﴾

هود 27

﴿ إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ . وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ . وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلَىٰ أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِينَ ﴾

المطففين 29-31

أَي أَن المتكبريستعظَم نَفسه و يستحَقر غيره و يأَنف منَ الْمُساواة معهِ

6 – أسباب الاستكبار

        في

   القرآن الكريم

عند النظر في كتاب الله تعالى نجد أن استكبار العبد يرجع إلى أسباب متعددة، نقف عليها من خلال النقاط الآتية:

1- الكفر

الكافر هو من جاءه الحق من الله تعالى على لسان الرسل أو من ينوب منابهم في مهمة الدعوة إلى الله، فاستكبر عن الخضوع والإذعان له، وتمرد وتعالى عليه، وجحد نعمة الدين، وأبى أن يكون من الموحدين التابعين له.

قال الله تعالى:

﴿ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا أَفَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ فَاسْتَكْبَرْتُمْ وَكُنْتُمْ قَوْمًا مُجْرِمِينَ ﴾

الجاثية:٣1

﴿ بَلَىٰ قَدْ جَاءَتْكَ آيَاتِي فَكَذَّبْتَ بِهَا وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ ﴾

الزمر:٥٩

-عن قوم عادًا

قال الله تعالى :

﴿ فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ ﴾

فصلت :١٥

-عن قوم نوح عليه السلام

قال الله تعالى:

﴿ وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا ﴾

نوح:٧

فالكفر هو أحد الأسباب القوية لحصول الكبر، ومانع من الهداية إلى الإيمان.

2- اتباع الهوى

ولما كان الاستكبار مما تهواه النفس وتميل إليه؛ كان الهوى سببًا له، وسبيلًا إليه .

-عن بني إسرائيل

قال الله تعالى :

﴿ أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَىٰ أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ ﴾

البقرة:٨٧

أفكلما جاءكم رسول بوحي من عند الله لا يوافق أهواءكم، استعليتم عليه، فكذَّبتم فريقًا وتقتلون فريقًا؟

3- إنكار البعث

وقد كشف القرآن الكريم عن أن إنكار البعث سبب من الأسباب التي تؤدي إلى الاستكبار والتعاظم والتمرد على الحق .

قال الله تعالى :

﴿ وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلَائِكَةُ أَوْ نَرَىٰ رَبَّنَا  لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيرًا ﴾

الفرقان:٢١

لا يخافون البعث ولقاء الله، أي لا يؤمنون بذلك،  فكان إنكارهم للبعث سببًا في إضفاء صفة الاستكبار عليهم، وإلصاق هذه التهمة بهم، وتميزهم بها عن غيرهم.

4- العجب

العجب هو الزهو بما يكون منه حسنًا أو قبيحًا ، والعجب ليس هو الكبر، وإنما هو أحد أسبابه الداعية إليه .

– عن إبليس حين أمر بالسجود لآدم عليه السلام

قال الله تعالى :

﴿ وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ . قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ . قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ ﴾

الأعراف:١١-١٣

أبى إبليس واستكبر؛ وعلل امتناعه عن السجود بأنه خير من آدم، واستدل على ذلك بأصل الخلقة، فقاس أصل خلقته بأصل خلقة آدم عليه السلام، فقال: أنا خير منه، وما منعه إلا الكبر، وما كان سببه في الحقيقة إلا العجب .

5- القوة المادية

القوة المادية من أهم الأسباب التي تدعو إلى التكبر والتمرد على الحق، والتعالي على العباد، واستحقارهم والاستخفاف بهم.

– في شأن موسى وفرعون

قال الله تعالى:

﴿ ثُمَّ أَرْسَلْنَا مُوسَىٰ وَأَخَاهُ هَارُونَ بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ . إِلَىٰ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا عَالِينَ . فَقَالُوا أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا وَقَوْمُهُمَا لَنَا عَابِدُونَ . فَكَذَّبُوهُمَا فَكَانُوا مِنَ الْمُهْلَكِينَ ﴾

المؤمنون:٤٥-٤٨

فهذه النظرة الفرعونية إلى موسى وقومه على أنهم عبيد له ولملئه تنم عن كبر في نفوسهم، وتعاظم وتعالٍ، وسبب هذه النظرة هو ما هم عليه من القوة المفرطة، والسلطان والفاجر.

قال الله تعالى:

﴿ وَنَادَىٰ فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَٰذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ . أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَٰذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ ﴾

الزخرف:٥١-٥2

فهذه النظرة الدونية من فرعون لموسى عليه السلام سببها ما كان عليه فرعون من القوة والسلطان.

7- مظاهر الاستكبار

والاستكبار له علامات تدل عليه، وأمارات تومئ إلى أن صاحبها من المتكبرين ، و منها

1– عدم الإيمان

قَال الله تعالى:

﴿ إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ قُلُوبُهُمْ مُنْكِرَةٌ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ 0 لَا جَرَمَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ ﴾

النحل 22- 23

2- التمرد على طاعه الله

نجد القرآن الكريم قد ذكر أن أول مظهر من مظاهر الاستكبار هو التمرد على طاعته والإذعان لأمره .

وهو ما وقع من إبليس ، حيث أبى الخضوع لأمر الله ورفض طاعته فيما أمره به من السجود لآدم عليه السلام.

قال الله تعالى:

﴿ وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَىٰ وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ ﴾

البقرة:٣٤

فكان رفضه للسجود لآدم مظهرًا من مظاهر كبره . إن طاعة الله تعالى فيما أمر، والبعد عن كل ما نهى عنه سمة المؤمنين العابدين، وهي مظهر من مظاهر التواضع والخضوع لعظمة الله .

قال الله تعالى:

﴿ إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ  ﴾

الأعراف:٢٠٦

3- التكذيب

من مظاهر الاستكبار التكذيب بكل ما هو حق، والتصديق بالباطل ، فإذا رأيت الرجل يكذب بالحق إذ جاءه، ويماري فيه بعدما تبين، فاعلم أنه من المستكبرين .

– عن فرعون وملئه

قال الله تعالى:

﴿ ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسَىٰ وَهَارُونَ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ بِآيَاتِنَا فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُجْرِمِينَ . فَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنَا قَالُوا إِنَّ هَٰذَا لَسِحْرٌ مُبِينٌ ﴾

يونس:٧٥-٧٨

الأيات تظهر تعنت فرعون وملئه ، وتكبرهم على موسى وأخيه – عليهما السلام – وتعاليهم عليهما ، برغم وضوح المعجزات بما لا يدع مجالًا للمماطلة، لكنهم قوم مستكبرون على الحق مجرمون ، ولو جاءتهم كل آية لا يؤمنون.

وقد توعد الله تعالى هؤلاء المكذبين المصرين على ما هم عليه من الكبر.

قال الله تعالى:

﴿ وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ . يَسْمَعُ آيَاتِ اللَّهِ تُتْلَىٰ عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ﴾

الجاثية:٧-٨

4- احتقار الناس وظلمهم

من أبرز المظاهر التي تبدو على المتكبرين احتقارهم للناس وازدراؤهم لهم، لأن التكبر تعالٍ على الناس، فيرى المتكبر نفسه في درجة أعلى، ومنزلة أسمى .

– عن قوم نوح عليه السلام

قال الله تعالى:

﴿ فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ مَا نَرَاكَ إِلَّا بَشَرًا مِثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ وَمَا نَرَىٰ لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ ﴾

هود:٢٧

فقال رؤساء الكفر من قومه: إنك لست بمَلَك ولكنك بشر، فكيف أُوحي إليك مِن دوننا؟ وما نراك اتبعك إلا الذين هم أسافلنا وإنما اتبعوك من غير تفكر ولا رويَّة، وما نرى لكم علينا من فضل في رزق ولا مال لـمَّا دخلتم في دينكم هذا، بل نعتقد أنكم كاذبون فيما تدَّعون.

– عن النبي صلى الله عليه وسلم

قال الله تعالى:

﴿ وَإِذَا رَأَوْكَ إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُوًا أَهَٰذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولًا ﴾

الفرقان:٤١

وإذا رآك هؤلاء المكذبون – أيها الرسول – استهزؤوا بك قائلين: أهذا الذي يزعم أن الله بعثه رسولا إلينا؟

5- جحود نعم الله

امتن الله تعالى على عباده بما آتاهم من نعم لا تعد ولا تحصى.

قال الله تعالى:

﴿ وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ ﴾

إبراهيم:٣٤

وجعل الله تعالى هذه النعم مسخرة لهذا الإنسان وطوعها له، يتصرف فيها بأنواع التصرف.

قال الله تعالى:

﴿ أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً ﴾

لقمان:٢٠

وأمر الله تعالى هذا الإنسان بأن يصون هذه النعم ولا يجحدها؛ لأن جحدها مؤذنٌ بزوالها، كما أن شكرها يزيدها وينميها.

قال الله تعالى:

﴿ وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ ﴾

إبراهيم:٧

إن جحود الإنسان لنعم الله تعالى عليه، وعدم شكرها يعد مظهرًا من مظاهر كبره، وعلامة من علامات تمرده ونكران الجميل .

– عن قصة قارون

قال الله تعالى:

﴿ إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَىٰ فَبَغَىٰ عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ. وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ . قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَىٰ عِلْمٍ عِنْدِي أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا وَلَا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ ﴾

القصص:٧٦-٧٨

ضرب الله تعالى مثلًا لهذا النوع من الناس بقصة قارون من قوم موسى، الذي آتاه الله من الكنوز ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة أولي القوة، ونصحه الصالحون من قومه ألا تفرح فإن الله لا يحب الفرحين، وذكروه بالآخرة، وأنها خيرٌ وأبقى، وحذروه ونصحوه، لكنه كفر هذه النعمة وجحدها، وأبى أن يرجع فضلها إلى الله، وقال: إنما أوتيته على علم عندي.

6- إكراه المستضعفين على اتباع الباطل

من مظاهر الاستكبار: إكراه الملأ وكبراء القوم من الظلمة والفسقة للمستضعفين على اتباعهم على باطلهم، وكفرهم كما كفروا ليكونوا سواءً على ملة واحدة .

– إكراه المستضعفين من قوم شعيب عليه السلام

قال الله تعالى:

﴿ قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا قَالَ أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ ﴾

الأعراف:٨٨

وقع الإكراه من الملأ لنبي الله شعيب عليه السلام والمؤمنين معه، حيث هددوه وحذروه بين أن يخرجوه من بلده ووطنه ومن بين أهله، أو أن يعود لدينهم ويدخل في ملتهم – ملة الكفر-

7- العتو والطغيان

تلمس وأنت تقرأ سيرة المستكبرين في القرآن الكريم مدى التعالي والعتو والطغيان الذي هم عليه، وتجد فيهم البطش الشديد ضد الأنبياء والمرسلين، وأولياء الله الصالحين، فهذه الصورة تعد مظهرًا بارزًا من مظاهر الاستكبار، بها يعرفون، ومن خلالها يتميزون.

– عن طغيان فرعون

قال الله تعالى:

﴿ وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَٰهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَلْ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَىٰ إِلَٰهِ مُوسَىٰ وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ . وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لَا يُرْجَعُونَ ﴾

القصص:٣٨-٣٩

﴿ فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَىٰ ﴾

النازعات:٢٤

فأي استكبار بعد هذا الاستكبار؟! وأي طغيان بعد هذا الطغيان؟! أن ينازع الله تعالى في ألوهيته وربوبيته فذلك قمة العتو والطغيان والاستكبار.

– عن الملك الذي جادل إبراهيم عليه السلام

قال الله تعالى:

﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ﴾

البقرة:٢٥٨

هل رأيت -أيها الرسول- أعجب مِن حال هذا الذي جادل إبراهيم عليه السلام في توحيد الله تعالى وربوبيته؛ لأن الله أعطاه المُلْك فتجبَّر وسأل إبراهيمَ: مَن ربُّك؟ فقال عليه السلام: ربي الذي يحيي الخلائق فتحيا، ويسلبها الحياة فتموت، فهو المتفرد بالإحياء والإماتة، قال: أنا أحيي وأميت، أي أقتل مَن أردتُ قَتْلَه، وأستبقي مَن أردت استبقاءه، فقال له إبراهيم: إن الله الذي أعبده يأتي بالشمس من المشرق، فهل تستطيع تغيير هذه السُّنَّة الإلهية بأن تجعلها تأتي من المغرب؛ فتحيَّر هذا الكافر وانقطعت حجته، شأنه شأن الظالمين لا يهديهم الله إلى الحق والصواب.

8- الإعراض عن آيات الله

والكِبْر سبب في الإعراض عن آيات الله والصد عنها،

قال الله تعالى:

( وَيْلٌ لِّكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ . يَسْمَعُ آيَاتِ اللَّهِ تُتْلَى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِرًا كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ﴾

الجاثية 7-8

9- الاستنكاف عن العبادة

الاستنكاف عن عبادة الله تعالى – أي  يعد نفسه كبيرًا عن العبادة – مظهر من مظاهر الاستكبار وعلامة من علاماته؛ ، لذا توعد الله تعالى المستنكفين عن عبادته بالعذاب الأليم .

قال الله تعالى:

﴿ لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ وَلَا الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَمَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعًا . فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنْكَفُوا وَاسْتَكْبَرُوا فَيُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَلَا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا ﴾

النساء:١٧٢-١٧٣

وهذا المظهر للمستنكفين عن عبادة الله تعالى يبدو واضحًا في

– قوم هود عليه السلام

قال الله تعالى:

﴿ قَالُوا أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ ﴾

الأعراف:٧٠

– قوم صالح عليه السلام

قال الله تعالى:

﴿ قَالُوا يَا صَالِحُ قَدْ كُنْتَ فِينَا مَرْجُوًّا قَبْلَ هَٰذَا أَتَنْهَانَا أَنْ نَعْبُدَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا وَإِنَّنَا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ ﴾

هود:٦٢

إن من كان هذا شأنه، وظهرت فيه صفة الاستنكاف عن عبادة الله، يلتمس لاستنكافه هذا المعاذير والحجج التي لا اعتبار لها عند العقلاء – ليعد هذا مظهرًا من مظاهر الاستكبار والتمرد.

10– الاغترار بالعمل

الأعتَقاد أنَّ ما يعمله هو عيْنُ الصواب دون مبالاة منه إنْ وافَق الشرع أو لا .

قَال الله تعالى:

﴿ الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلاَئِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ فَأَلْقَوُا السَّلَمَ مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ بَلَى إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ 0 فَادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ ﴾

النحل 28 – 29

11– الجِدال في الدِّين بغيْر عِلم

قَال الله تعالى:

﴿ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آَيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ الَّذِينَ آَمَنُوا كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ ﴾

غافر 35

فهذه جملة من مظاهر الاستكبار، حيثما وجدت إحداها في المرء كانت صفة من صفات المستكبرين في الأرض بغير الحق، مؤذنة بنزول سخط الله عليه، وهو في هذه الحالة بين خيارين: إما أن يتركها ويتبع الهدى، ويتواضع لله وللناس، أو أن يتمادى في هذه الكبيرة، وحينئذٍ ليعلم أن فعله هذا يجعله مستحقًا لسخط الله وعقابه. وعلى العاقل أن يعرض نفسه على هذا الميزان ليرى أين يسير، وكيف المصير.

12- التعاظم عن اتباع الحق

من مظاهر الاستكبار: التعاظم عن اتباع الحق، والسير على طريق الهدى، واختيار السبيل الموصل إلى جنات الله رب العالمين، يتنكب هؤلاء المستكبرون تلك الطريق، يختارون الضلال على الهدى، والكبرياء على التقى، فبئس الاختيار.

قال الله تعالى:

﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُءُوسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ ﴾

المنافقون:٥

إنه قد علت أنفتهم، وشمخت أنوفهم  -فيما يبدو لهم- إلى الحد الذي جعلهم يتعالون على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويسعون للصد عن سبيل الله، تعاظمًا منهم عن اتباع الحق، وإمعانًا في الباطل والضلال .

قَال الله تعالى:

﴿ وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا ﴾

النمل 14

8- نماذج من المستكبرين

          في

    القرآن الكريم

قص علينا القرآن الكريم نماذج من أخبار أهل الاستكبار عن طاعة الله تعالى، وكشف عن مصيرهم ، وهنا نستعرض ما ذكر عنهم

أولًا: أفراد مستكبرون

هذه أمثلة يضربها لنا القرآن الكريم فيها موعظة بليغة للمعتبرين، وفيها من الزجر والوعيد للمخالفين

١ – إبليس

وهو أول المستكبرين المستنكفين عن أمر الله، قص الله تعالى علينا من أخباره، وكرر قصته في سورٍ عدةٍ، ليحذرنا منه، ويبين لنا مدى عداوته لهذا الإنسان .

قال الله تعالى:

﴿ وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ . قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ . قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ . قَالَ أَنْظِرْنِي إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ . قَالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ . قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ . ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ . قَالَ اخْرُجْ مِنْهَا مَذْءُومًا مَدْحُورًا لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ ﴾

الأعراف:١١-١٨

٢ – النمرود

كان نمرود على عهد سيدنا إبراهيم عليه السلام، وهو أول من وضع التاج على رأسه، وتجبر في الأرض وادعى الربوبية، وقد آتاه الله الملك فطغى، وكانت تلك المحاجة من بطر الملك وطغيانه.

قال الله تعالى:

﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ  قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ﴾

البقرة:٢٥٨

٣-  فرعون

فرعون نموذج الطغيان، ضرب الله تعالى به المثل في العلو والاستكبار والافتراء والظلم والفساد، سفك الدماء، وعذب الناس، ثم زاد في الطغيان والعتو والاستكبار حتى ادعى لنفسه الربوبية والألوهية .

قال الله تعالى:

﴿ وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَٰهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَلْ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَىٰ إِلَٰهِ مُوسَىٰ وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ . وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لَا يُرْجَعُونَ . فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ . وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يُنْصَرُونَ  .وَأَتْبَعْنَاهُمْ فِي هَٰذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ هُمْ مِنَ الْمَقْبُوحِينَ . وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِ مَا أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الْأُولَىٰ بَصَائِرَ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ ﴾

القصص 38- 43

٤ – قارون

قارون رجل من بني إسرائيل آتاه الله من الأموال مالا يحصى عددًا، ونعمه بأنواع النعم؛ من كنوز وقصور وخزائن وخدم وغيرها من أنواع النعم، غير أنه بدلًا من أن يتواضع لله ويؤدي حق الله تعالى فيما آتاه من مال، استكبر وتعالى على الناس، وأنكر أن يكون ذلك من الله .

قال الله تعالى:

﴿ إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَىٰ فَبَغَىٰ عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ . وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ  . قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَىٰ عِلْمٍ عِنْدِي أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا وَلَا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ . فَخَرَجَ عَلَىٰ قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ . وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ . فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ ﴾

القصص 76- 81

٥-  هامان

هامان وزير فرعون، وشريكه في حكم البلاد والاستبداد، وهو يده الطولى في القتل والتعذيب والإفساد والتمرد، لذا كان في رتبته في الاستكبار والعتو .

قال الله تعالى:

﴿ وَقَارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مُوسَىٰ بِالْبَيِّنَاتِ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ وَمَا كَانُوا سَابِقِينَ . فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا  وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَٰكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ﴾

العنكبوت:٣٩- 40

ثانيًا: أمم مستكبرة

لم يقتصر الأمر في الاستكبار على هؤلاء الأفراد وحدهم، بل تعدى ذلك إلى الجماعات والأمم، فقد قص علينا القرآن الكريم من أخبار السابقين ما يصفهم بهذه الصفة، من هؤلاء:

١ – قوم نوح عليه السلام

أرسل الله تعالى نوحًا إلى قومه لينذرهم من قبل أن يأتيهم العذاب، فبلغ رسالة الله، ودعا قومه على كل حال؛ سرًا وجهارًا، ليلًا ونهارًا، لكنهم استكبروا استكبارًا، وعتوا عن أمر ربهم، وعصوا رسول الله نوحًا عليه السلام، ومكث عليه السلام في دعوتهم ألف سنة إلا خمسين عامًا.

قال الله تعالى:

﴿ قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا . فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَارًا . وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا . ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَارًا . ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا ﴾

نوح:٥-٩

٢ – قوم هود عليه السلام

دعا هود عليه السلام قومه إلى عبادة الله وحده ونبذ كل ما دونه من معبودات، وجاءهم بالبينة المصدقة له في دعواه، فاتهموه بالكذب والسفاهة، وقارعهم بالحجة، وذكرهم بحال من سبقهم ومصيرهم، لكنهم تمادوا في العتو والطغيان، فكذبوه وأنكروا عليه دعواه .

قال الله تعالى:

﴿ فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ . فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ لِنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا  وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَخْزَىٰ وَهُمْ لَا يُنْصَرُونَ ﴾

فصلت:١٥- 16

٣ – قوم صالح عليه السلام

تذكر الآيات الكريمة تمرد الملأ من قوم صالح عليه السلام، بعدما قدم لهم البينات، ودعاهم إلى عبادة الله وحده، وأصبح أمر رسالته واضحًا بلا مراء، غير أنهم أنكروا رسالته، وعتوا على أمر الله، وراحوا يصدون من آمن من قومه من المستضعفين عن دين الله .

قال الله تعالى:

﴿ قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صَالِحًا مُرْسَلٌ مِنْ رَبِّهِ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ . قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا بِالَّذِي آمَنْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ . فَعَقَرُوا النَّاقَةَ وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ وَقَالُوا يَا صَالِحُ ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ . فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ ﴾

الأعراف:٧٥-٧8

٤ – قوم لوط عليه السلام

وقد كان قوم لوط عليه السلام على معصية مخالفة لما عليه الأقوام السابقون بجانب بعض الكبائر، فبعث الله تعالى لهم نبيه لوطًا عليه السلام، فجاءهم مذكرًا لهم بالله، وناصحًا ومرشدًا إلى ما فيه صلاح الحال في الدنيا والآخرة، وقال لهم بأنهم على فاحشة لم يسبقهم بها أحد من العالمين. لكن قومه كانوا مفترين، فاستكبروا على أمر الله، وأصروا على المعصية.

قال الله تعالى:

﴿ وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ. أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنْكَرَ فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا ائْتِنَا بِعَذَابِ اللَّهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ ﴾

العنكبوت:٢٨-٢٩

٥ – قوم شعيب عليه السلام

أرسل الله تعالى شعيبًا إلى مدين وأمرهم بعبادة الله وحده، وحثهم على ترك كل ما من شأنه الفساد والإفساد، وبين لهم أمرًا شنيعًا ظهر فيهم، وهو التطفيف في الموازين.

قال الله تعالى:

﴿ وَإِلَىٰ مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَٰهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ . وَلَا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِرَاطٍ تُوعِدُونَ وَتَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِهِ وَتَبْغُونَهَا عِوَجًا  وَاذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلًا فَكَثَّرَكُمْ وَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ. وَإِنْ كَانَ طَائِفَةٌ مِنْكُمْ آمَنُوا بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ وَطَائِفَةٌ لَمْ يُؤْمِنُوا فَاصْبِرُوا حَتَّىٰ يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَنَا وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ . قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا ۚ قَالَ أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ ﴾

الأعراف:٨5 – 88

فكل هذه صور ومواقف للتكذيب والاستكبار عن اتباع الحق، سواء على مستوى الأفراد أو الجماعات، وقد ذكرها لنا القرآن الكريم لأخذ العبرة منها .

قال الله تعالى:

﴿ لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَىٰ وَلَٰكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ﴾

يوسف:١١١

9- أساليب القرآن

        في

عرض الاستكبار

جاء الحديث في القرآن الكريم عن الاستكبار على أساليب مختلفة ومتنوعة، منها:

1- الاستفهام الإنكاري

نفرالقرآن الكريم من الاستكبار بأسلوب الاستفهام الإنكاري التوبيخي، وهذان نموذجان ممن استكبروا بغير الحق، وأنكر عليهم القرآن استكبارهم ووبخهم عليه .

أ – إبليس

قال الله تعالى:

﴿ قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعَالِينَ ﴾

ص:٧٥

أي: استكبرت الآن أم كنت من قبل من العالين المتكبرين، والاستفهام للتوبيخ والتقريع لإبليس .

ب – بنو إسرائيل

قال الله تعالى:

﴿ وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَقَفَّيْنَا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَىٰ أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ ﴾

البقرة :٨٧

فالآية الكريمة تنكر على بني إسرائيل تكبرهم على الحق واتباعهم الهوى، وذلك بأسلوب جاء على سبيل الاستفهام، فإن هذا الأمر ما كان ينبغي أن يكون منهم، إنما الذي كان ينبغي هو التصديق برسل الله واتباعهم.

2- تقبيح عاقبة المستكبرين

نفرت الآيات الكريمة من الاستكبار بأسلوب آخر، ذلكم هو تقبيح عاقبة المستكبرين، وأن مثواهم بئيس مذموم .

قال الله تعالى:

﴿ فَادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ ﴾

النحل:٢٩

﴿ قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ ﴾

الزمر:٧٢

﴿ ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ ﴾

غافر:٧٦

فأخبر تعالى في فواصل هذه الآيات أن عاقبة هؤلاء المتكبرين مذمومة.

هذا، وقد توعد الله تعالى المستكبرين بسوء المصير، حيث أخبر تعالى شأنه أن عاقبة أمرهم خسرًا، وأن لهم العذاب الأليم في الدنيا والآخرة:

– في الدنيا

فقد أخبرنا سبحانه وتعالى عن حالهم حين احتضار أحدهم كيف يكون من الهول والفظاعة؟!

قال الله تعالى:

﴿ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَىٰ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَنْ قَالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَوْ تَرَىٰ إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ ﴾

الأنعام:٩٣

– في الآخرة

فقد أخبر جل جلاله من أحوالهم ما تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم

قال الله تعالى:

﴿ وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنْكَفُوا وَاسْتَكْبَرُوا فَيُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَلَا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا ﴾

النساء:١٧٣

﴿ وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا أُولَٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾

الأعراف:٣٦

﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّىٰ يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ وَكَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ ﴾

الأعراف:٤٠

﴿ وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ ﴾

الأحقاف:٢٠

﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ ﴾

غافر:٦٠

﴿ وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِ آيَاتُنَا وَلَّىٰ مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْرًا  فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ﴾

لقمان:٧

فهذه آيات عديدة تتوعد المستكبرين، وتبين سوء عاقبتهم، فكيف لعاقل أن يتكبر بعد هذا الوعيد الشديد، والتفصيل المبين؟!

3- إبطال دعاوى المستكبرين

هذا أسلوب آخر من أساليب القرآن الكريم المتنوعة في ذم الاستكبار والتنفير منه، فقد جاءت آيات منه تجادل وتحاور وتناقش المتكبرين، وتقرر لهم أن ما هم عليه من التكبر مزعوم لا حقيقة له، فهم أذلاء أمام عظمة الله، حقيرون إذا ما نظروا إلى أصل خلقتهم، ضعفاء مهما أوتوا من قوة، ولذلك نجد القرآن يذكر هؤلاء بأصلهم ومصيرهم تارة، ويبين لهم أنهم ضعفاء مفتقرون إلى خالقهم تارة أخرى .

قال الله تعالى:

﴿ وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْوَاجًا وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَىٰ وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلَا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ  إِنَّ ذَٰلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ ﴾

فاطر 11

فانظر إلى مجادلة القرآن للمشركين فقد رد على كبريائهم وتعاظمهم بأن ذكرهم بأصل خلقتهم .

قال الله تعالى:

﴿ فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ ﴾

فصلت:١٥

عاد قوم هود عليه السلام قد اغتروا بقوتهم، واستكبروا في الأرض بغيًا وعدوًا، وقالوا: من أشد منا قوة؟! فرد الله عليهم ادعاءهم وأبطله، وبين لهم أنه سبحانه هو القوي وما دونه ضعيف، واستدل على ضعفهم بأنهم مربوبون لله مخلوقون له، وكيف لهم كمخلوقات لله أن يتكبروا عليه؟!

إذن من خلال هذه النماذج المضروبة يتبين لنا أن القرآن الكريم ذم الكبر ونفر منه بأسلوب الحوار والجدل، وهو أسلوب البليغ في تقرير مهمات الأمور، وإلجاء الخصم إلى الاعتراف والإذعان والتسليم، والرجوع إلى الحق.

4- الثناء على المتواضعين

من الأساليب التي سلكها القرآن الكريم في ذم الكبر والمتكبرين: الثناء على نقيضه؛ فقد أثنى الله تعالى على المتواضعين لجلاله وعظمته، وفي المقابل بين أنه سبحانه لا يحب المتكبرين، فقد أثنى سبحانه وتعالى على ملائكته المقربين، فوصفهم بصفة التواضع وعدم التكبر عن عبادته،

قال الله تعالى:

﴿ إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ ﴾

الأعراف:٢٠٦

فمدح الله سبحانه وتعالى الملائكة بهذا المدح، وكأن السياق تعريض بمن استكبر عن عبادة الله تعالى .

قال الله تعالى:

﴿ لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَىٰ ذَٰلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ ﴾

المائدة:٨٢

وقد أثنى الله تعالى على القسيسين والرهبان الذين تواضعوا لعظمة الله فلم يستكبروا

قال الله تعالى:

﴿ لَا جَرَمَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ ﴾

النحل:٢٣

وفي المقابل فإن الله تعالى قد ذم المستكبرين، وقرر أنه لا يحب من كانت هذه صفته . وعدم محبته سبحانه للشيء يعني أنه يبغضه ويكرهه، والكبر من الأمور التي يبغضها الله تعالى، ومن كان متكبرًا باء بسخط الله ووقع في بغضه، خلافًا لمن تواضع لعظمته سبحانه، فإنه يرجع بمحبة الله له ورضاه عنه.

وهكذا تتنوع أساليب القرآن الكريم في ذم الكبر والتنفير منه، واختلاف الأساليب في تقرير القضية الواحدة فيه بلا شك دلالة واضحة على بلاغة القرآن الكريم وفصاحته، وأنه تنزيل من حكيم حميد.

10- التخاصم بين

 المستضعفين والمستكبرين

إذا صار أهل الجنة في الجنة وأهل النار في النار تبدأ المخاصمات بين الكافرين في جهنم، وتبدأ المعاتبة بين الضالين والمضلين، والسادة والرعية، والمستكبرين والمستضعفين، ويرجع بعضهم إلى بعضٍ القول، كلٌ يتهم الآخر في أنه كان سبب إضلاله وما هو فيه من العذاب.

قال الله تعالى:

﴿ وَلَوْ تَرَىٰ إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ الْقَوْلَ يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لَوْلَا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ . قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا أَنَحْنُ صَدَدْنَاكُمْ عَنِ الْهُدَىٰ بَعْدَ إِذْ جَاءَكُمْ بَلْ كُنْتُمْ مُجْرِمِينَ . وَقَالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ إِذْ تَأْمُرُونَنَا أَنْ نَكْفُرَ بِاللَّهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَنْدَادًا وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ وَجَعَلْنَا الْأَغْلَالَ فِي أَعْنَاقِ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾

سبأ:٣١-٣٣

في هذه الآيات جاءوا ليتخاصموا في جهنم ويلقي بعضهم اللوم على الآخر في أنه كان سببًا في إضلاله، فيندمون جميعًا حيث لا ينفع الندم.

قال الله تعالى:

﴿ وَبَرَزُوا لِلَّهِ جَمِيعًا فَقَالَ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذَابِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ قَالُوا لَوْ هَدَانَا اللَّهُ لَهَدَيْنَاكُمْ سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِنْ مَحِيصٍ ﴾

إبراهيم:٢١

تصور لنا الآية موقف الضعفاء وهم يستجدون الرؤساء والقادة في أن يحملوا عنهم من عذاب الله أي شيء مهما قل، ولكن هيهات هيهات، لكل امرئ منهم يومئذٍ شأن يغنيه، وعنده من العذاب ما يكفيه، كل واحد منهم يريد أن يدفع العذاب عن نفسه، فكيف يأخذ من عذاب غيره؟! ولذلك فإن الضعفاء يطلبون المستحيل، فيرد عليهم القادة والمستكبرون بأن الله تعالى لو وفقنا إلى الإيمان به وبرسالاته لدللناكم إليه، ولكن قدر الله سبق علينا أننا كافرون، فلا مفر لنا من عذاب الله سواء أجزعنا أم صبرنا.

قال الله تعالى:

﴿ وَإِذْ يَتَحَاجُّونَ فِي النَّارِ فَيَقُولُ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا نَصِيبًا مِنَ النَّارِ . قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُلٌّ فِيهَا إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبَادِ ﴾

غافر:٤٧-٤٨

هذا الموقف يشبه سابقه، حيث وقعت المحاجة بين المستكبرين والمستضعفين من الكفرة، وإذ يتخاصموا ، ويعاتب بعضهم بعضًا، فيحتجُّ الأتباع المقلدون على رؤسائهم المستكبرين الذين أضلُّوهم، وزيَّنوا لهم طريق الشقاء، قائلين لهم: هل أنتم مغنون عنا نصيبًا من النار بتحملكم قسطًا من عذابنا؟قال الرؤساء المستكبرون مبيِّنين عجزهم: لا نتحمل عنكم شيئًا من عذاب النار، وكلُّنا فيها، لا خلاصَ لنا منها، إن الله قد قسم بيننا العذاب بقَدْر ما يستحق كلٌّ منا بقضائه العادل.

إذن، هذه ثلاثة نماذج ضربها لنا القرآن لنأخذ منها العبرة والعظة، وهي متضمنة لحوار ومخاصمة وقعت بين المستضعفين والمستكبرين في نار جهنم، وكيف يلقي بعضهم اللوم على بعض، ويتوسل الضعفاء إلى الأكابر والرؤساء بأن يحملوا شيئًا من خطاياهم ولو قل، لكن دون جدوى، فنسأل الله تعالى السلامة.

11- عاقبة المستكبرين

قضى الله تعالى أن العاقبة للمتقين، والهلاك والخسران على الكافرين والمتكبرين والمتجبرين .

1- الهلاك في الدنيا

– عن قوم عَادٌ

قال الله تعالى:

﴿ فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ . فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ لِنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَخْزَىٰ وَهُمْ لَا يُنْصَرُونَ ﴾

فصلت:١٥-١٦

2– عدم حَبِ اللَّهِ لهم

قَال الله تعالى:

( إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ﴾

النحل23

3- عدم هدايه اللَّهِ

قَال الله تعالى:

( سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ ﴾

الأعراف 146

حتى يصل به الأمر إلى أن يختم الله تعالى على قلبه بخاتم الطردِ والإِبعادِ

قَال الله تعالى:

﴿ كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ ﴾

غافر 35

4- العذاب الأليم

قال الله تعالى :

 ﴿ فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنْكَفُوا وَاسْتَكْبَرُوا فَيُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَلَا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا ﴾

النساء : 173

5-  الخلود فى جهنم

قال الله تعالى :

﴿ فَادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ ﴾

النحل : 29

فادخلوا أبواب جهنم، لا تخرجون منها أبدًا، فلبئست مقرًا للذين تكبَّروا عن الإيمان بالله وعن عبادته وحده وطاعته.

6- إِستحالة دخول الجنة

قال الله تعالى :

﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّىٰ يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ وَكَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ ﴾

الأعراف:٤٠

12- علاج القرآن للكبر

أيقنا بأن الكبر مرض عضال من أمراض القلوب ، تظهر أعراضه على المتكبر في الدنيا والآخرة ، لذا لا بد له من علاج كي يستقيم حاله وينصلح أمره ، ولن تجد له وصفة علاج أمثل ولا أفضل من علاج القرآن ، لأن الله أعلم بخلقه من أنفسهم، وهذه بعض علاجات القرآن لمرض الكبر:

1- معرفة الله

أول وأهم خطوة على سبيل علاج مرض التكبر؛ أن يتعرف العبد على الله تعالى. إن المتكبر إذا علم صفات الله لا يسعه إلا أن يقف أمام هذه العظمة قائلًا: جلت عظمة الخالق، لا إله غيره ولا رب سواه، ثم يخر له ساجدًا خاضعًا ذليلًا.

قال الله تعالى :

﴿ فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ ﴾

فصلت:١٥

إن عادًا لما استكبروا في الأرض بغير الحق واغتروا بقوتهم، ذكرهم الله تعالى ببديع صنعه وعظيم خلقه، وكمال قوته؛ ليرجعوا عن عتوهم وكبريائهم، ويذلوا لعظمته وكبريائه سبحانه.

2- معرفة المتكبر لحقيقته ومصيره

لا بد للمتكبر أن يعلم بأنه مخلوق من مخلوقات الله جل جلاله، خلقه من تراب، ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين حقير، فأصله من تراب، منه خلق وفيه يعود، ونسله من ماء مهين، لذا فإن الله تعالى ذكر هذا الإنسان بأصله لما تكبر وتمرد على طاعة الله

قال الله تعالى :

﴿ أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَىٰ . ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّىٰ . فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَىٰ ﴾

القيامة:٣٧-٣٩

إن الله تعالى كما ذكر المتكبرين بمنشأهم ذكرهم كذلك بمآلهم، فبين لهم أنهم بعد هذه الحياة يموتون، وأنهم إلى التراب يصيرون، وفيه يعودون، فقهرهم بالموت، وكفى بالموت واعظًا.

قال الله تعالى:

﴿ قَالَ فِيهَا تَحْيَوْنَ وَفِيهَا تَمُوتُونَ وَمِنْهَا تُخْرَجُونَ ﴾

الأعراف  :٢٥

وإنك محدود  القوة  فلا تمش في الأرض مختالا متكبرا؛ فإنك لن تَخْرِق الأرض بالمشي عليها، ولن تبلغ الجبال طولا خيلاء وتكبرًا ، المعنى أنك لا تبلغ هذا المبلغ فكيف تختال.

قال الله تعالى:

﴿ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا ﴾

الإسراء:٣٧

إن المتكبر إذا عرف هذه المعاني وأيقن بهذه الحقائق فلن يتكبر، ولن يتعاظم على الناس.

3- الوعيد الشديد للمتكبرين

إضافة إلى ما سبق فإن الله تعالى أعد للمتكبرين عذابًا شديدًا

قال الله تعالى:

﴿ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْمُتَكَبِّرِينَ ﴾

الزمر:٦٠

وقد رأينا في هذا البحث كيف كان مصير المستكبرين في الدنيا، ولعذاب الآخرة أشد وأخزى، فليس بعد هذا الوعيد من وعيد، والعاقل من استفاد من تجارب السابقين.

 

 

Share This