1- مفهوم الاستعاذة

هي الالتجاء إلى رحمة الله والاعتصام والتحصن به لدفع كل شر .

2- كلمة الاستعاذة

        في

  القرآن الكريم

وردت كلمة عوذ وصيغها في القرآن الكريم (١٧) مرة. والصيغ التي وردت هي:

– الفعل الماضي

وردت مرتين

قال الله تعالى:

﴿ وَقَالَ مُوسَىٰ إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ ﴾

غافر:٢٧

– الفعل المضارع

وردت ٩ مرات

قال الله تعالى:

﴿ قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ ﴾

البقرة:٦٧

– فعل الأمر

وردت ٤ مرات

قال الله تعالى:

﴿ وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ  ﴾

الأعراف:٢٠٠

– المصدر الميمي

وردت مرتين

قال الله تعالى:

﴿ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ ﴾

يوسف:٢٣

وجاءت الاستعاذة في الاستعمال القرآني بمعني الالتجاء إلى الله والتعلق به.

3- الكلمات ذات الصلة

   بكلمة الاستعاذة

– الدعاء

هو سؤال العبد ربَه حاجتَه لجلب الخير أو دفع الشر

– الاستعانة

طلب العون من الله، والاستعانة بالمخلوق: طلب العون من المخلوق فيما يقدر عليه من الأمور.

– الاستغاثة

طلب العون في الشدائد والأزمات.

4 – صيغة الاستعاذة

وردت صيغ للاستعاذة في القرآن الكريم ، وهي

الأولى: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم

قال الله تعالى:

﴿ فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ ﴾

النحل: ٩٨

فإذا أردت – أيها المؤمن- أن تقرأ شيئًا من القرآن فاستعذ بالله مِن شرِّ الشيطان المطرود من رحمة الله قائلا أعوذ بالله من الشيطان الرجيم.

الثانية: أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم

قال الله تعالى:

﴿ وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾

الأعراف: ٢٠٠

﴿ وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴾

فصلت: ٣٦

وإما يصيبنَّك -أيها النبي- من الشيطان غضب أو تُحِس منه بوسوسة وتثبيط عن الخير أو حث على الشرِّ، فالجأ إلى الله مستعيذًا به، إنه سميع لكل قول، عليم بكل فعل.

5 – المستعاذ منه

ما يستعاذ منه أمور كثيرة، منها

1- شر شياطين

قال الله تعالى :

﴿ وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ . وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ  ﴾

المؤمنون:  ٩٨

وقل – أيها النبي –  رب أستجير بك من إغواء الشياطين ووسوستها، المغرية على الباطل والفساد والصد عن الحق، وأستجير بك- يا رب- مِن حضورهم في شيء من أموري.

قال الله تعالى :

﴿ وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ  ﴾

الأعراف: ٢٠٠

﴿ وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴾

فصلت:  ٣٦

وإما يلقينَّ الشيطان في نفسك وسوسة من حديث النفس لحملك على مجازاة المسيء بالإساءة، فاستجر بالله واعتصم به، إن الله هو السميع لاستعاذتك به، العليم بأمور خلقه جميعها.

2- من شر كل مخلوق

قال الله تعالى:

﴿ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ . مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ ﴾

الفلق: ١- ٢

فالاستعاذة من شر ما خلق تعم شر كل مخلوق فيه شر، وكل شر في الدنيا و الآخرة، وشر شياطين الإنس والجن، وشر السباع والهوام ، وشر النار والهواء، وغير ذلك .

3- من شر شياطين الإنس

قال الله تعالى:

 ﴿ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ . مَلِكِ النَّاسِ . إِلَٰهِ النَّاسِ . مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ . الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ . مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ ﴾

الناس: ١- ٦

إن من الجن شياطين، ومن الإنس شياطين، فتعوذ بالله من شياطين الإنس والجن .

4- الجهل والسفه

قال الله تعالى:

﴿ وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ ﴾

البقرة: ٦٧

واذكروا يا بني إسرائيل جناية أسلافكم، وكثرة تعنتهم وجدالهم لموسى عليه الصلاة والسلام، حين قال لهم: إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة، فقالوا -مستكبرين-: أتجعلنا موضعًا للسخرية والاستخفاف؟ فردَّ عليهم موسى بقوله: أستجير بالله أن أكون من المستهزئين.

5- تسلط الجبابرة والمتكبرين

قال الله تعالى:

﴿ وَقَالَ مُوسَىٰ إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لَا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ ﴾

غافر: ٢٧

وقال موسى لفرعون وملئه: إني استجرت بربي وربكم- أيها القوم- من كل مستكبر عن توحيد الله وطاعته، لا يؤمن بيوم يحاسب الله فيه خلقه.

قال الله تعالى :

﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ مَا هُمْ بِبَالِغِيهِ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ﴾

غافر: ٥٦

إن الذين يدفعون الحق بالباطل، ويردُّون الحجج الصحيحة بالشُّبَه الفاسدة بلا برهان ولا حجة من الله، ليس في صدور هؤلاء إلا تكبر عن الحق؛ حسدًا منهم على الفضل الذي آتاه الله نبيه، وكرامة النبوة التي أكرمه بها، وهو أمر ليسوا بمدركيه ولا نائليه، فاعتصم بالله من شرهم؛ إنه هو السميع لأقوالهم، البصير بأفعالهم، وسيجازيهم عليها.

6 – مواطن الاستعاذة

يدلنا القرآن الكريم على المواطن التى يستحب عندها الاستعاذة ؛ ومنها ما يأتي

1- عند قراءة القرآن

قال الله تعالى:

﴿ فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ ﴾

النحل: ٩٨

فإذا أردت -أيها المؤمن- أن تقرأ شيئًا من القرآن فاستعذ بالله مِن شرِّ الشيطان المطرود من رحمة الله قائلا أعوذ بالله من الشيطان الرجيم.

2- عند همزات الشياطين ونزغاتهم

قال الله تعالى:

﴿ وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾

الأعراف: ٢٠٠

وإما يصيبنَّك من الشيطان غضب أو تُحِس منه بوسوسة وتثبيط عن الخير أو حث على الشرِّ، فالجأ إلى الله مستعيذًا به، إنه سميع لكل قول، عليم بكل فعل.

قال الله تعالى:

﴿ وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ . وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ ﴾

المؤمنون: ٩٧ – ٩٨

وقل – أيها النبي -: رب أستجير بك من إغواء الشياطين ووسوستها، المغرية على الباطل والفساد والصد عن الحق، وأستجير بك- يا رب- مِن حضورهم في شيء من أموري.

3- عند جدال الجاهلين

قال الله تعالى:

﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ مَا هُمْ بِبَالِغِيهِ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ﴾

غافر:٥٦

إن الذين  يجادلون بالباطل، ويردُّون الحجج الصحيحة بالشُّبَه الفاسدة بلا برهان ولا حجة من الله، ليس في صدور هؤلاء إلا تكبر عن الحق؛ حسدًا منهم على الفضل الذي آتاه الله نبيه، وكرامة النبوة التي أكرمه بها، وهو أمر ليسوا بمدركيه ولا نائليه، فاعتصم بالله من شرهم؛ إنه هو السميع لأقوالهم، البصير بأفعالهم، وسيجازيهم عليها.

4- عند الخوف من الضرر

يشرع للمسلم أن يستعيذ بالله من كل شيء يخاف ضرره . ومن الأمثلة على ذلك الأتي ..

– استعاذ موسى عليه السلام بالله من بني إسرائيل أن يقتلوه

قال الله تعالى:

﴿ وَإِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ أَنْ تَرْجُمُونِ ﴾

الدخان: ٢٠

– استعاذت مريم عليها السلام بالله من الملك عندما خافت ضرره.

قال الله تعالى:

﴿ قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَٰنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا ﴾

مريم: ١٨

– طلب الله من عبده أن يستعيذ به من كل ما فيه شر

قال الله تعالى :

 ﴿  قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ . مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ ﴾

الفلق: ١- 2

فأمر الله هنا بالاستعاذة من عموم الشر الذي خلقه في المخلوقات من حيوان أو غيره .

7- منزلة الاستعاذة

1- الاستعاذة مظهر من مظاهر التوحيد

الاستعاذة نوع من أنواع العبادات القولية التي يجب أن تصرف لله وحده دون ما سواه من المخلوقين .

قال الله تعالى :

﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾

الفاتحة:٥

ولا ينبغي الاستعاذة إلا به، ولا يستعاذ بأحد من خلقه؛ بل هو يعيذ المستعيذين، ويعصمهم، ويمنعهم من شر ما استعاذوا من شره.

وقد أمر الله نبيه بالاستعاذة به دون ما سواه

قال الله تعالى :

﴿ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ . مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ ﴾

الفلق: ١ – ٢

﴿ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ . مَلِكِ النَّاسِ . إِلَٰهِ النَّاسِ ﴾

الناس: ١- 3

2- الاستعاذة من هدي الأنبياء والصالحين

الاستعاذة بالله من هدي الأنبياء والصالحين، وقد أمرنا الله بالاقتداء بهم.

قال الله تعالى:

﴿ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ ﴾

الأنعام: ٩٠

وهذا نبي الله نوح عليه السلام يستعيذ بالله من أن يسأله ما ليس به علم عندما سأله نجاة أهله.

قال الله تعالى:

﴿ قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ ﴾

هود: ٤٧

وهذا موسى عليه السلام استعاذ بالله من أن يرجمه قومه.

قال الله تعالى:

﴿ وَإِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ أَنْ تَرْجُمُونِ ﴾

الدخان: ٢٠

وهذا نبي الله يوسف عليه السلام يستعيذ بالله من الوقوع في الفاحشة.

قال الله تعالى:

﴿ وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ ﴾

يوسف: ٢٣

وهذه امرأة عمران حين وضعت مريم عليها السلام طلبت من الله أن يعيذها وذريتها من الشيطان الرجيم.

قال الله تعالى:

﴿ فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَىٰ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَىٰ وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ  ﴾

آل عمران: ٣٦

8 – أنواع الاستعاذة

تنقسم أنواع الاستعاذة في القرآن الكريم إلي نوعين ، هما

1- الاستعاذة المشروعة

أن الاستعاذة المشروعة تكون بالله أو أسمائه أو صفاته،

أ – الاستعاذة بالله

هي الاستعاذة التي تكون بالله، والمستعاذ به هو الله وحده ، الذي لا ينبغي الاستعاذة إلا به، ولا يستعاذ بأحد من خلقه؛ بل هو يعيذ المستعيذين ويمنعهم، ويعصمهم من شر ما استعاذوا من شره.

قال الله تعالى:

﴿ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴾

فصلت: ٣٦

﴿ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ﴾

غافر: ٥٦

– عن موسى عليه السلام

قال الله تعالى:

﴿ قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ ﴾

البقرة: ٦٧

ب – الاستعاذة باسم ﴿الرب ﴾

قال الله تعالى:

﴿ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ ﴾

الفلق: ١

– عن موسى عليه السلام

قال الله تعالى:

﴿ وَإِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ أَنْ تَرْجُمُونِ ﴾

الدخان: ٢٠

– عن نوح عليه السلام

قال الله تعالى:

﴿ قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ ﴾

هود: ٤٧

– عن امرأة عمران

قال الله تعالى:

﴿ فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَىٰ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَىٰ وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ ﴾

آل عمران: ٣٦

ج – الاستعاذة باسم ﴿ الرحمن ﴾

– عن مريم عليها السلام

قال الله تعالى:

﴿ قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَٰنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا ﴾

مريم: ١٨

ويجوز الاستعاذة بالإنسان فيما هو داخل تحت قدرته وإرادته، كأن يستجير به من حيوان مفترس، أو إنسان يريد الفتك به.

2- الاستعاذة المحرمة

هي الاستعاذة التي تكون بغير الله؛ كالاستعاذة بالجن والشياطين والأموات والأصنام وغيرهم، فهي لا تزيد المستعيذ بها إلا رهقًا، ولاشك أن ذلك كفر أو شرك.

عن حكاية مؤمني الجن

قال الله تعالى:

﴿ وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا ﴾

الجن: ٦

وأنه كان رجال من الإنس يستجيرون برجال من الجن، فزاد رجالُ الجنِّ الإنسَ باستعاذتهم بهم خوفًا وإرهابًا ورعبًا. وهذه الاستعاذة بغير الله، التي نعاها الله على أهل الجاهلية، من الشرك الأكبر، الذي لا يغفره الله إلا بالتوبة النصوح منه. وفي الآية تحذير شديد من اللجوء إلى السحرة والمشعوذين وأشباههم.

9 – آثار الاستعاذة

بين لنا القرآن الكريم أهمية الاستعاذة بذكر آثارها على المستعيذين ، ومن

ذلك .

1- حفظ المستعيذ من تسلط الشياطين

قال الله تعالى:

﴿ وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ . وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ ﴾

المؤمنون: ٩٧- ٩٨

وقل رب أستجير بك من إغواء الشياطين ووسوستها، المغرية على الباطل والفساد والصد عن الحق، وأستجير بك- يا رب- مِن حضورهم في شيء من أموري.

قال الله تعالى:

﴿ وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾

الأعراف: ٢٠٠

وإما يصيبنَّك -أيها النبي- من الشيطان غضب أو تُحِس منه بوسوسة وتثبيط عن الخير أو حث على الشرِّ، فالجأ إلى الله مستعيذًا به، إنه سميع لكل قول، عليم بكل فعل.

وهذه امرأة عمران تطلب من الله أن يعيذ ابنتها مريم عليها السلام وذريتها من الشيطان الرجيم.

قال الله تعالى:

﴿ فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَىٰ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَىٰ وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ . فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا ۖ كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّىٰ لَكِ هَٰذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾

آل عمران: ٣٦

فلما تمَّ حملها ووضعت مولودها قالت: ربِّ إني وضعتها أنثى لا تصلح للخدمة في “بيت المقدس” -والله أعلم بما وضَعَتْ، وسوف يجعل الله لها شأنًا- وقالت: وليس الذكر الذي أردت للخدمة كالأنثى في ذلك؛ لأن الذكر أقوى على الخدمة وأقْوَم بها، وإني سمَّيتها مريم، وإني حصَّنتها بك هي وذريَّتها من الشيطان المطرود من رحمتك. فاستجاب الله دعاءها وقبل منها نَذْرها أحسن قَبول، وتولَّى ابنتها مريم بالرعاية فأنبتها نباتًا حسنًا، ويسَّر الله لها زكريا عليه السلام كافلا فأسكنها في مكان عبادته، وكان كلَّما دخل عليها هذا المكان وجد عندها رزقًا هنيئًا معدّاً قال: يا مريم من أين لكِ هذا الرزق الطيب؟ قالت: هو رزق من عند الله. إن الله -بفضله- يرزق مَن يشاء مِن خلقه بغير حساب.

2- الهداية إلى الحق

قال الله تعالى:

﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ مَا هُمْ بِبَالِغِيهِ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ﴾

غافر: ٥٦

إن الذين يدفعون الحق بالباطل، ويردُّون الحجج الصحيحة بالشُّبَه الفاسدة بلا برهان ولا حجة من الله، ليس في صدور هؤلاء إلا تكبر عن الحق؛ حسدًا منهم على الفضل الذي آتاه الله نبيه، وكرامة النبوة التي أكرمه بها، وهو أمر ليسوا بمدركيه ولا نائليه، فاعتصم بالله من شرهم؛ إنه هو السميع لأقوالهم، البصير بأفعالهم، وسيجازيهم عليها.

3- الوقاية من الوقوع في الفواحش

أرشد الله عز وجل في كتابه الكريم إلى أن الاستعاذة به سبيل إلى الوقاية من الوقوع في الفواحش .

قال الله تعالى:

﴿ وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ . وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَنْ رَأَىٰ بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَٰلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ ﴾

يوسف: ٢٣- 24

ودعت امرأة العزيز – برفق ولين- يوسف الذي هو في بيتها إلى نفسها؛ لحبها الشديد له وحسن بهائه، وغلَّقت الأبواب عليها وعلى يوسف، وقالت: هلمَّ إليَّ، فقال: معاذ الله أعتصم به، وأستجير مِن الذي تدعينني إليه، من خيانة سيدي الذي أحسن منزلتي وأكرمني فلا أخونه في أهله، إنه لا يفلح مَن ظَلَم فَفَعل ما ليس له فعله. ولقد مالت نفسها لفعل الفاحشة، وحدَّثت يوسفَ نفسُه حديث خطرات للاستجابة، لولا أن رأى آية من آيات ربه تزجره عمَّا حدثته به نفسه، وإنما أريناه ذلك؛ لندفع عنه السوء والفاحشة في جميع أموره، إنه من عبادنا المطهرين المصطفَين للرسالة الذين أخلصوا في عبادتهم لله وتوحيده.

4- الأمن و السلامة من كل سوء

قال الله تعالى:

﴿ قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ . قِيلَ يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلَامٍ مِنَّا وَبَرَكَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَىٰ أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾

هود: ٤٧- 48

قال نوح: يا رب إني أعتصم وأستجير بك أن أسألك ما ليس لي به علم، وإن لم تغفر لي ذنبي، وترحمني برحمتك، أكن من الذين غَبَنوا أنفسهم حظوظها وهلكوا. قال الله: يا نوح اهبط من السفينة إلى الأرض بأمن وسلامة منَّا وبركات عليك وعلى أمم ممن معك. وهناك أمم وجماعات من أهل الشقاء سنمتعهم في الحياة الدنيا، إلى أن يبلغوا آجالهم، ثم ينالهم منا العذاب الموجع يوم القيامة.

5-  تفهم معاني القرآن والانتفاع به .

قال الله تعالى:

﴿ فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ ﴾

النحل: ٩٨

فإذا أردت – أيها المؤمن- أن تقرأ شيئًا من القرآن فاستعذ بالله مِن شرِّ الشيطان المطرود من رحمة الله ، بأن يسأل الله أن يبعد الشيطان عنه قائلا أعوذ بالله من الشيطان الرجيم.

 

Share This