1- معني الابتلاء

الابتلاء هو نوع من الاختبارلمعرفة حال المختبر بتكليفه بأمور يشق عليه فعلها أو تركها؛ ليجازيه عليها ، ويكون الابتلاء في الخير والشر معًا .

قال الله تعالى:

( وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنا تُرْجَعُونَ  )

الأنبياء : 35

والابتلاء هو معاملة تظهر الأمور الباطنة

قال الله تعالى:

( قالَ هذا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ  )

النمل، 40

2- الابتلاء

     في

الاستعمال القرآني

وردت كلمة بلاء وصيغها في القرآن القرآن الكريم (٣٤) مرة. والصيغ التي وردت هي:

– الفعل الماضي

ورد ٧  مرات

قال الله تعالى:

﴿ إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ ﴾

القلم:١٧

– الفعل المضارع

ورد ٢٠ مرة

قال الله تعالى:

﴿ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ ﴾

الأنعام:١٦٥

– فعل الأمر

ورد  مرة واحدة

قال الله تعالى:

﴿ وَابْتَلُوا الْيَتَامَىٰ حَتَّىٰ إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ ﴾

النساء:٦

– اسم

ورد  ٦ مرات

قال الله تعالى:

﴿ إِنَّ هَٰذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ ﴾

الصافات:١٠٦

– اسم فاعل

ورد   مرتين

قال الله تعالى:

﴿ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ وَإِنْ كُنَّا لَمُبْتَلِينَ ﴾

المؤمنون:٣٠

و معنى (الابتلاء) في القرآن الكريم يدور حول الاختبار والامتحان.

3- الألفاظ ذات الصلة

– الفتنة

الفتنة تدل على ابتلاء واختبار وذلك لكشف ما يكره .

– المصيبة

هي كل أمر مكروه ينزل بالإنسان ، وهي أداة من أدوات الابتلاء.

– الاختبار

الاختبار هو عملية يمكن استخدامها بهدف تحديد حقائق معينة أو تحديد معايير الصواب أو الدقة أو الصحة سواء في قضية معروضة للدراسة أو المناقشة أو لفرض معلق لم يتم التثبت منه بعد. والاختبار أصل من أصول الابتلاء

– التمحيص

التمحيص هو التنقية والتخليص من العيوب بالابتلاء

4- الابتلاء سنة من

   السنن إلهية

الابتلاء سنة إلهية لا بد منها، والله تعالى يكشف الحقائق عبر هذه الابتلاءات. فالابتلاء يكون من الله وحده لعباده المؤمنين، تمحيصًا لإيمانهم، واختبارًا لقدرتهم في الثبات على الدين .

قال الله تعالى:

﴿ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ ﴾

البقرة: 155

﴿ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ ﴾

محمد: 31

﴿ أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ ﴾

البقرة: 214

﴿ لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَٰلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ ﴾

آل عمران: ١٨٦

﴿ أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ . وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ ﴾

العنكبوت:٢-٣

والابتلاء يكون لاختبار صدق الإيمان، أو للتمييز بين من يثبت، ومن لا يثبت على إيمانه، وقد يكون لزيادة الإيمان.

5- أنواع الابتلاء

يبتلي الله العبد بنوعين من الابتلاء، هما

1- الابتلاء بالخير والشر

الابتلاء يكون بالخير والشر، بالسراء والضراء، بالسعادة والشقاء، بالراحة والتعب، فيبتلى الإنسان بما يسره وبما يسوؤه، ولا يكون بالضراء فقط، فلابد أن يكون صابرًا على الضراء، شاكرًا على السراء.

قال الله تعالى:

﴿ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ ﴾

الأنبياء: ٣٥

﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَىٰ أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ ﴾

الأنعام: ٤٢

﴿ وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴾

الأعراف: ١٦٨

يمتحن الله عبده بالمصائب، أو بالخيرات من مال وقوة وسلطان؛ فإن كان امتحانه بالشر فعليه أن يقابل ذلك بالصبر، وإذا كان ابتلاؤه بالخير فعليه أن يقابل هذا بالشكر.

قال الله تعالى:

﴿ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ . الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ . أُولَٰئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ ﴾

البقرة:١٥٥-١٥٧

ولقد قال الله سبحانه أنه سيبلو عباده بالمكاره والمصائب؛ ليظهر صبرهم واحتسابهم ورضاهم بما قدره عليهم ؛ وهناك نماذج قرآنية لذلك الابتلاء، منها:

أ – إبراهيم عليه السلام

لقد ابتلي إبراهيم عليه السلام في أبيه الذي كان يصنع أصنامًا تعبد من دون الله، وابتلي في جسمه فقذف في النار.

قال الله تعالى:

﴿ قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ . قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ ﴾

الأنبياء:٦٨-٦٩

وابتلي إلى ذلك بابتلاء من نوع خاص، وهو تحميله أمانة الإمامة.

قال الله تعالى:

﴿ وَإِذِ ابْتَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ﴾

البقرة: ١٢٤

وابتلي في ولده و فلذة كبده فأمر بذبحه.

قال الله تعالى:

﴿ فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَىٰ فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَىٰ قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ . فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ . وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ . قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ . إِنَّ هَٰذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ ﴾

الصافات:١٠٢-١٠٦

فلقد ابتلى الله إبراهيم ابتلاءً شديدًا، أمره بأن يذبح ولده الحبيب، وقد كان هذا الابتلاء ابتلاءً بالشر والمكروه.

ب – قارون

وفي هذا النموذج كان الابتلاء بالخير؛ فقد آتى الله قارون المال الكثير امتحانًا وابتلاءً، ولكنه فشل في ذلك الاختبار، فكان من الخاسرين.

قال الله تعالى:

﴿ إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَىٰ فَبَغَىٰ عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ. وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ . قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَىٰ عِلْمٍ عِنْدِي أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا وَلَا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ ﴾

القصص: ٧٦-٧٨

لقد نصحه قومه بأن يستعمل المال – الذي ابتلاه الله به – في ما يرضي الله. ولكنه فشل في الاختبار، فكانت النتيجة

قال الله تعالى:

﴿ فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ ﴾

القصص: ٨١

ج –  أيوب عليه السلام

لقد ابتلي أيوب عليه السلام بالمكروه ابتلاءً عظيمًا بماله، وأولاده، وجسده، وقد صبر وحمد الله ونجح في الابتلاء، وقد كان ابتلاؤه لرفع درجته عند الله.

قال الله تعالى:

﴿ وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ . فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَىٰ لِلْعَابِدِينَ ﴾

الأنبياء:٨٣-٨٤

إن قصة ابتلاء أيوب من أروع قصص الابتلاء  ؛ وهي في هذا الموضع تعرض دعاء أيوب واستجابة الله للدعاء؛ لأن السياق سياق رحمة الله بأنبيائه، ورعايته لهم في الابتلاء. سواء كان الابتلاء بتكذيب قومهم لهم وإيذائهم، كما في قصص إبراهيم ولوط ونوح، أو بالنعمة في قصة داود وسليمان، أو بالضر كما في حال أيوب.

2- الابتلاء بالأمر والنهي

قال الله تعالى:

﴿ الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ ﴾

الملك: ٢

ليختبركم فينظر أيكم له أيها الناس أطوع، وإلى طلب رضاه أسرع. والابتلاء بالأمر والنهي يسمى الابتلاء التشريعي، حيث يتعلق بأفعال المكلفين من حيث الحلال والحرام، والالتزام بما أمر الله من عدمه؛ ومن الابتلاء بالتكليف ما حدث لأصحاب القرية من بني إسرائيل.

قال الله تعالى:

﴿ وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ لَا تَأْتِيهِمْ كَذَٰلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ  ﴾

الأعراف: ١٦٣

واسأل -أيها الرسول- هؤلاء اليهود عن خبر أهل القرية التي كانت بقرب البحر، إذ يعتدي أهلها في يوم السبت على حرمات الله، حيث أمرهم أن يعظموا يوم السبت ولا يصيدوا فيه سمكًا، فابتلاهم الله وامتحنهم؛ فكانت حيتانهم تأتيهم يوم السبت كثيرة طافية على وجه البحر، وإذا ذهب يوم السبت تذهب الحيتان في البحر، ولا يرون منها شيئًا، فكانوا يحتالون على حبسها في يوم السبت في حفائر، ويصطادونها بعده. وكما وصفنا لكم من الاختبار والابتلاء، لإظهار السمك على ظهر الماء في اليوم المحرم عليهم صيده فيه، وإخفائه عليهم في اليوم المحلل لهم فيه صيده، كذلك نختبرهم بسبب فسقهم عن طاعة الله وخروجهم عنها.

قال الله تعالى:

﴿ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّىٰ نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ ﴾

محمد: ٣١

ولنختبرنكم- أيها المؤمنون- بالقتال والجهاد لأعداء الله حتى يظهر ما علمه سبحانه في الأزل؛ لنميز أهل الجهاد منكم والصبر على قتال أعداء الله، ونختبر أقوالكم وأفعالكم، فيظهر الصادق منكم من الكاذب.

6 – أسباب الابتلاء

       في

القرآن الكريم

من أصول الإيمان أن نعتقد أن الله تعالى حكيم في جميع أفعاله؛ لا يفعل شيئًا إلّا لحكمة تامّة؛ عَلِمَها مَنْ عَلِم، وجَهِلَها مَنْ جَهِل؛ ومن ذلك إنزال البلاء بالعباد؛ فاللهُ تعالى لا يُنْزِل البلاءَ عبثًا، حاشاه – سبحانه – ، وإنما يُنْزله لحِكَمٍ عظيمة جليلة بيّنَها في كتابه ؛ ومنها

1- البلاء بسبب المخالفة

لقد خلق الله هذا الكون وفق قوانين محكمة، فإذا ما خرق هذه القوانين فإن العواقب ستكون كارثية على هيئة بلاء يصيبه. والإنسان مطالب بمعرفة القواعد والقوانين الناظمة لحياته كي ينجو بنفسه من مصارعة القوانين والخروج عليها فيصيبه البلاء .

قالَ الله تعالى:

﴿ ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴾

الروم 41

ظهر الفساد في البر والبحر، كالجدب وقلة الأمطار وكثرة الأمراض والأوبئة؛ وذلك بسبب المعاصي التي يقترفها البشر؛ ليصيبهم بعقوبة بعض أعمالهم التي عملوها في الدنيا؛ كي يتوبوا إلى الله – سبحانه – ويرجعوا عن المعاصي، فتصلح أحوالهم، وتستقيم أمورهم.

قالَ الله تعالى:

﴿ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَىٰ عَلَى الْهُدَىٰ فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾

فصلت 17

فقد بينَّا لهم سبيل الحق وطريق الرشد، فاختاروا العمى على الهدى، فأهلكتهم صاعقة العذاب المهين؛ بسبب ما كانوا يقترفون من الآثام بكفرهم بالله وتكذيبهم رسله.

2- الابتلاء لغرض الإختبار

وقد يأتي الابتلاء على هيئة مصيبة بغرض إظهار الإنسان على حقيقته أمام نفسه ، فيعلم أن ما ادعاه من الإيمان ليس في مكانه وعليه إصلاح نفسه قبل فوات الأوان.

قالَ الله تعالى:

﴿ وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ﴾

آل عمران: ١٥٤

﴿ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ ﴾

محمد: 31

ولنختبرنكم- أيها المؤمنون- بالقتال والجهاد لأعداء الله حتى يظهر ما علمه سبحانه في الأزل؛ لنميز أهل الجهاد منكم والصبر على قتال أعداء الله، ونختبر أقوالكم وأفعالكم، فيظهر الصادق منكم من الكاذب.

قالَ الله تعالى:

 ( مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ )

آل عمران :179

ما كان الله ليَدَعَكم أيها المؤمنين على ما أنتم عليه من التباس المؤمن منكم بالمنافق حتى يَمِيزَ الخبيث من الطيب، فيُعرف المنافق من المؤمن الصادق. وما كان مِن حكمة الله أن يطلعكم -أيها المؤمنون- على الغيب الذي يعلمه من عباده، فتعرفوا المؤمن منهم من المنافق، ولكنه يميزهم بالمحن والابتلاء،

3- الابتلاء لغرض الردع

بعض مصائب الدنيا وأسقامها وبلائها مما يبتلي الله بها العباد حتى يتوبوا. وهذه مصائب ردع يسوقها الله تعالى على من يريد بهم خيرا فيقلعوا عن ذنوب اقترفوها، وقد علم الله تعالى بصلاح حالهم إذا ما ابتلاهم، ويقصد بهذا الابتلاء دفع العذاب الأكبر عنهم أي عذاب جهنم.

قال الله تعالى:

( وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ )

السجدة :21

ولنذيقن من العذاب الأدنى من البلاء والمحن والمصائب في الدنيا قبل العذاب الأكبر يوم القيامة، حيث يُعذَّبون في نار جهنم؛ لعلهم يرجعون ويتوبون من ذنوبهم.

وهذا النوع من الابتلاء يصيب أولئك الذين علم الله بهم خيرا، أما أولئك الذين مردت نفوسهم على المعاصي وبالغوا في نكرانهم لحق الله عليهم، فإن الله تعالى يملي لهم حتى إذا ظنوا أنهم في مأمن من عذابه أخذهم بغتة من حيث لا يشعرون.

قال الله تعالى :

( فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ. فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ )

الأنعام : 43 -44

4- الابتلاء لغفران الذنوب

وهذه للمؤمنين خاصة، يسوقها الله تعالى على بعض عباده ليخلصهم مما علق بأعمالهم من شائبة فيتركهم وقد خلصت أعمالهم لله وحده، فيرفع درجاتهم ويعلي قدرهم ويصلي عليهم إذا واجهوا تلك الشدائد بالصبر والاحتساب.

قال اللهُ تعالى:

 ( وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ. الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ. أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ )

البقرة : 155-157

5- الابتلاء كنعمة باطنة

قد ينزل بالمؤمن ما يكره، ويظهر الأمر كبلاء، لكنه في الحقيقة يعود بالنفع العظيم على من ألم به ونزل بساحته. ومن أبرز النعم الباطنة التي تظهر كابتلاء فرض الجهاد على المؤمنين.

قال الله تعالى :

( كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ )

البقرة : 216

فرض الله عليكم – أيها المؤمنون- قتال الكفار، والقتال مكروه لكم من جهة الطبع؛ لمشقته وكثرة مخاطره، وقد تكرهون شيئًا وهو في حقيقته خير لكم، وقد تحبون شيئًا لما فيه من الراحة أو اللذة العاجلة، وهو شر لكم. والله تعالى يعلم ما هو خير لكم، وأنتم لا تعلمون ذلك.

6 – الابتلاء لرفع المنزلة

هذا النوع لا يصيب إلا من علت مراتبهم عند الله تعالى وعلى رأسهم الأنبياء عليهم الصلاة والسلام والقصد من الابتلاء هو رفع الدرجات؛ لأن الأنبياء معصومون عن الذنوب والآثام، ويكون حصول المصيبة من باب الامتحان في التكليف، لا من باب العقوبة .

– عن يونس عليه السلام

قال الله تعالى :

﴿ وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَىٰ فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَٰهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ . فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَٰلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ ﴾

الأنبياء 87- 88

واذكر قصة صاحب الحوت، وهو يونس عليه السلام، أرسله الله إلى قومه فدعاهم فلم يؤمنوا، فتوعَّدهم بالعذاب فلم ينيبوا، ولم يصبر عليهم كما أمره الله، وخرج مِن بينهم غاضبًا عليهم، ضائقًا صدره بعصيانهم، وظن أن الله لن يضيِّق عليه ويؤاخذه بهذه المخالفة، فابتلاه الله بشدة الضيق والحبس، والتقمه الحوت في البحر، فنادى ربه في ظلمات الليل والبحر وبطن الحوت تائبًا معترفًا بظلمه؛ لتركه الصبر على قومه، قائلا: لا إله إلا أنت سبحانك، إني كنت من الظالمين. فاستجبنا له دعاءه، وخلَّصناه مِن غَم هذه الشدة، وكذلك ننجي المصدِّقين العاملين بشرعنا.

7- الابتلاء للعقوبة واﻹهانة

وهذا لا يكون إلا للعصاة والكافرين.

قال الله تعالى :

﴿ وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِمَا صَنَعُوا قَارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيبًا مِنْ دَارِهِمْ حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللَّهِ ﴾

الرعد: 31

ولا يزال الكفار تنزل بهم مصيبة بسبب كفرهم كالقتل والأسر في غزوات المسلمين، أو تنزل تلك المصيبة قريبًا من دارهم، حتى يأتي وعد الله بالنصر عليهم، إن الله لا يخلف الميعاد.

7 – أسباب دفع البلاء

         في

     القرآن الكريم 

نستطيع من خلال معرفة حِكَم وأسباب نزول البلاء أن نقف على أسباب دفعِه ورفعِه ؛ فإذا كان من أسباب نزول البلاء استعتاب العباد لعلهم يتضرعون؛ كان من أسباب رفعه الأتي

1- الاستعانة بالله

إن الاستعانة بالله تعالى من أجل العبادات وأفضلها، والتي أمر الله بها عباده للحصول على عطائه وكرمه،

– عن موسى عليه السلام

عندما نصح قومه بالاستعانة بالله تعالى.

قال الله تعالى :

﴿ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ﴾

الأعراف: 128

قال موسى لقومه – من بني إسرائيل -: استعينوا بالله على فرعون وقومه، واصبروا على ما نالكم من فرعون من المكاره في أنفسكم وأبنائكم. إن الأرض كلها لله يورثها من يشاء من عباده، والعاقبة المحمودة لمن اتقى الله ففعل أوامره واجتنب نواهيه.

– عن يعقوب عليه السلام

ولقد نجح يعقوب في ابتلائه بفقده فلذة كبده وقرة عينه يوسف عليه السلام، حيث استعان بالله على ذلك .

قال الله تعالى :

﴿ وَجَاءُوا عَلَىٰ قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَىٰ مَا تَصِفُونَ ﴾

يوسف: ١٨

وجاؤوا بقميصه ملطخًا بدم غير دم يوسف؛ ليشهد على صدقهم، فكان دليلا على كذبهم؛ لأن القميص لم يُمَزَّقْ. فقال لهم أبوهم يعقوب عليه السلام: ما الأمر كما تقولون، بل زيَّنت لكم أنفسكم الأمَّارة بالسوء أمرًا قبيحًا في يوسف، فرأيتموه حسنًا وفعلتموه، فصبري صبر جميل لا شكوى معه لأحد من الخلق، وأستعين بالله على احتمال ما تصفون من الكذب، لا على حولي وقوتي.

2- التقوى

على المسلم أن يتقي الله في جميع أموره بترك معاصيه، والعمل بطاعته، ومحاسبة نفسه، ومراقبتها؛ ففي ذلك يكون المخرج والنجاة واليسر . إن من أكثر المعينات على الابتلاء، أن يتحلى المبتلى بالتقوى.

قال الله تعالى:

﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا ﴾

الطلاق:٢

﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا ﴾

الطلاق:٤

﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا ﴾

الطلاق:٥

لقد أكد الله هذه الحقيقة في ثلاث آيات متتالية لترسخ في النفوس.

3- الصبر والثبات

الصبر خلق عظيم يعين على دفع البلاء واجتياز الابتلاء بإذن الله تعالى،

قال الله تعالى:

﴿ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا ﴾

الأعراف: ١٢٨

ومن كانت معية الله معه يعينه على اجتياز الابتلاء؛ بل وينصره ولا يخذله.

قال الله تعالى:

﴿ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ﴾

البقرة: ١٥٣

أي: إني معكم أنصركم ولا أخذلكم

4- الاحتساب

الاحتساب هو طلب الأجر من الله تعالى بالصبر على البلاء مطمئنة نفس المحتسب غير كارهة لما نزل بها من البلاء ، وهو من المعينات للعبد على تحمل الابتلاء.

قال الله تعالى:

﴿ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ . أُولَٰئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ ﴾    

البقرة: ١٥٦-١٥٧

من صفة هؤلاء أنهم إذا أصابهم شيء يكرهونه قالوا: إنَّا عبيد مملوكون لله، مدبَّرون بأمره وتصريفه، يفعل بنا ما يشاء، وإنا إليه راجعون بالموت، ثم بالبعث للحساب والجزاء.

قال الله تعالى:

﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَٰئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾

البقرة : ٢١٨

إن الذين صَدَّقوا بالله ورسوله وعملوا بشرعه والذين تركوا ديارهم، وجاهدوا في سبيل الله، أولئك يطمعون في فضل الله وثوابه. والله غفور لذنوب عباده المؤمنين، رحيم بهم رحمة واسعة.

قال الله تعالى:

﴿ الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ﴾

آل عمران: ١٧٣

وهم الذين قال لهم بعض الناس: إن المشركين قد أجمعوا أمرهم على الرجوع إليكم لاستئصالكم، فاحذروهم واتقوا لقاءهم، فإنه لا طاقة لكم بهم، فزادهم ذلك التخويف يقينًا وتصديقًا بوعد الله لهم، ولم يَثْنِهم ذلك عن عزمهم، فساروا إلى حيث شاء الله، وقالوا: حسبنا الله أي: كافينا، ونِعْم الوكيل المفوَّض إليه تدبير عباده.

5- الإيمان بالقدر

الإيمان بالقدر يغرس في نفس المؤمن حقائق الإيمان المتعددة، فهو دائم الاستعانة بالله، يعتمد على الله ويتوكل عليه مع فعل الأسباب، وهو أيضًا دائم الافتقار إلى ربه، يستمد منه العون على الثبات، ويطلب منه المزيد

قال الله تعالى:

﴿ مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَٰلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ . لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَىٰ مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ ﴾

الحديد 22

ما أصابكم- أيها الناس- من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم من الأمراض والجوع والأسقام إلا هو مكتوب في اللوح المحفوظ من قبل أن تُخْلَق الخليقة. إن ذلك على الله تعالى يسير. لكي لا تحزنوا على ما فاتكم من الدنيا، ولا تفرحوا بما آتاكم فرحَ بطر وأشر. والله لا يحب كل متكبر بما أوتي من الدنيا فخور به على غيره.

والمؤمن يعلم علم اليقين أن الله تعالى لا يفعل إلا الذي يصلح عباده ولو جهل الإنسان مورده ومصدره؛ فإنه في الإصلاح قطعًا وأنه خير له.

قال الله تعالى:

﴿ وَعَسَىٰ أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَىٰ أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾

البقرة: ٢١٦

﴿ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَىٰ أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا ﴾

النساء:١٩

فالمؤمن يؤمن بذلك كله ويسلم الأمر إلى الله.

قال الله تعالى:

﴿ مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾

التغابن: ١١

الإيمان بالقضاء السابق والتقدير الماضي يعين العبد على أن ترضى نفسه بما يصيبه فيصبر على المصائب، ففي المصائب الشرعية يجب الاستغفار، وفي المصائب الكونية يجب الصبر.

7- الاستغفار والتوبة والإنابة والرجوع إلى الله

وذلك أنه إذا كان نزول البلاء عقوبة لذنب ألمَّ به العباد؛ فلا شك أن الاستغفار والتوبة خير وسيلة لرفع تلك العقوبة والبلاء .

قال الله تعالى:

﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ﴾

الأنفال: 33

أن الاستغفار مقرون في كتاب الله تعالى بالنعمة والقوة والزيادة والبركة؛

– على لسان هود عليه السلام

قال الله تعالى:

﴿ وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ ﴾

هود: 52

-على لسان نوح عليه السلام

قال الله تعالى:

 ﴿ فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا . يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا . وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا ﴾

نوح: 10-12

8- الدعاء وإظهار الحاجة إلى الله

قال الله تعالى:

﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا ﴾

الأنعام: 42 – 43

وفي القرآن الكريم آيات كثيرة تبين تذلل الأنبياء والرسل ليكشف الله عنهم ما مسهم من ابتلاء، منها دعاء يونس عليه السلام و

– عن دعاء أيوب عليه السلام

قال الله تعالى:

﴿ وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ . فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ ﴾

الأنبياء، 83 – 84

– عن دعاء يونس عليه السلام

قال الله تعالى:

﴿ وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ. فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ ﴾

الأنبياء، 87 – 88

– عن دعاء زَكَرِيَّا عليه السلام

قال الله تعالى:

﴿ وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ . فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ ﴾

الأنبياء، 89 – 90

9 – على من يقع الابتلاء

باستقراء آي القرآن يظهر لنا جليا أن الابتلاء شامل لكل العباد، فقد أصاب الأنبياء والمرسلين كما أصاب المومنين والكافرين، وأصاب به الله الأمم ، وإنما الاختلاف بينهم في أثره عليهم ومقصد الله منه.

أ – ابتلاء الأنبياء

قص علينا القرآن الكريم العديد من قصص الأنبياء، التي توضح أنه ما من رسول ولا نبي إلا ابتلاه الله سبحانه وتعالى بصنوف من الابتلاءات، شأنه في ذلك شأن البشر أجمعين. لقد ابتلي أيوب عليه السلام بالمكروه ابتلاءً عظيمًا بماله، وأولاده، وجسده، وقد صبر وحمد الله ونجح في الابتلاء، وقد كان ابتلاؤه لرفع درجته عند الله.

قال الله تعالى:

﴿ وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ . فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَىٰ لِلْعَابِدِينَ ﴾

الأنبياء:٨٣-٨٤

إن قصة ابتلاء أيوب من أروع قصص الابتلاء  ؛ وهي في هذا الموضع تعرض دعاء أيوب واستجابة الله للدعاء؛ لأن السياق سياق رحمة الله بأنبيائه، ورعايته لهم في الابتلاء. سواء كان الابتلاء بتكذيب قومهم لهم وإيذائهم، كما في قصص إبراهيم ولوط ونوح، أو بالنعمة في قصة داود وسليمان، أو بالضر كما في حال أيوب.

ب – ابتلاء عامة الخلق

قال الله تعالى:

 ( إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْناهُ سَمِيعًا بَصِيرًا . إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ إِمَّا شاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا )

الإنسان، 2 – 3

إنا خلقنا الإنسان من نطفة مختلطة من ماء الرجل وماء المرأة، نختبره بالتكاليف الشرعية فيما بعد، فجعلناه من أجل ذلك ذا سمع وذا بصر؛ ليسمع الآيات، ويرى الدلائل، إنا بينَّا له وعرَّفناه طريق الهدى والضلال والخير والشر؛ ليكون إما مؤمنًا شاكرًا، وإما كفورًا جاحدًا.

ت – ابتلاء الناس فيما بينهم

يبتلي اللّه الناس بعضهم ببعض، وذلك إما برفع بعضهم فوق بعض درجات .

قال الله تعالى:

 ( وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي ما آتاكُمْ )

الأنعام، 165

هنا يشمل الابتلاء الصنفين جميعا: المفضّلون والمفضّل عليهم؛ فالأول ما لم يعتصم بالإيمان فيستسلم لغريزة الأنانية،  وحب التكاثر والطمع، وينقاد للظلم والفساد أحيانا، وينسى حق اللّه في ماله فلا يعطف على فقير أو مسكين، ويقسو قلبه ولا يتصف بالرحمة أو الإنصاف في حالات أخرى، أما الفقير- ما لم يتمسك بأهداب التقوى ويصبر على البلوى- فإنه قد يحتال لفقره بالكذب والنفاق ويلجأ إلى زخرف القول ويسعى في الأرض فسادًا.

ج – ابتلاء المومنين

في القرآن آيات كثيرة تبين وقوع الابتلاء على المومنين

قال الله تعالى:

( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِّنَ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ لِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ )

المائدة : 94

( هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا )

الأحزاب : 11

( وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّىٰ نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُم )

محمد : 31

د – ابتلاء الكافرين

قال الله تعالى:

( وَقَطَّعْنَاهُمْ فِي الْأَرْضِ أُمَمًا مِنْهُمُ الصَّالِحُونَ وَمِنْهُمْ دُونَ ذَٰلِكَ وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ )

الأعراف، 168

وفرَّقناهم  في الأرض جماعات، منهم القائمون بحقوق الله وحقوق عباده، ومنهم المقصِّرون الظالمون لأنفسهم، واختبرنا هؤلاء بالرخاء في العيش والسَّعَة في الرزق، واختبرناهم أيضًا بالشدة في العيش والمصائب والرزايا؛ رجاء أن يرجعوا إلى طاعة ربهم ويتوبوا من معاصيه.

10- الفرق بين الابتلاء والعقوبة

قد يختلط الأمر في التفريق بين العقوبة والابتلاء؛ والناظر إلى آيات الذكر الحكيم يقف على الفرق بينهما؛

أ- العقوبة

من حيث زمن الوقوع، فإن العقاب يكون في الدنيا والبرزخ والآخرة ؛ والعقوبة هي جزاء للذنوب والمعاصي والانحراف عن المنهج، وكلما زادت الذنوب والمعاصي، وكبر حجم الانحراف، اشتدت العقوبة.

قال الله تعالى:

﴿ كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴾

آل عمران 11

﴿ وَمَنْ يُشَاقِقِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴾

الأنفال 13

ومَن يخالف أمر الله ورسوله، فإن الله شديد العقاب له في الدنيا والآخرة.

– الابتلاء

من حيث زمن الوقوع، فإن الابتلاء يكون في الدنيا، ويكون

– لاختبار حال الإنسان

قال الله تعالى:

﴿ الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ﴾

الملك 2

– لتكفير السيئات

قال الله تعالى:

﴿ فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ . وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ . كَلَّا بَلْ لَا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ . وَلَا تَحَاضُّونَ عَلَىٰ طَعَامِ الْمِسْكِينِ . وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلًا لَمًّا  .وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا ﴾

الفجر: ١٥-١٦

 

 

Share This