1- مفهوم الإخلاص

الاخلاص هو صدق العبد في توجههِ إلى الله اعتقاداً وعملاً  ، و ترك الشرك و الرياء  وابتغاء غير وجه الله .

2- الفرق بين المُخْلِص والمُخْلَص

أ- المُخْلِص

المُخْلِص – بكسر اللام – ، هو الذي أخلص عبادته لله تعالى فلم يشرك به شيئًا.

قال الله تعالى:

﴿ هُوَ الْحَيُّ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ﴾

غافر:٦٥

– المُخْلَص

المُخْلَص – بفتح اللام – ، هو من أخلصه الله تعالى واختاره

قال الله تعالى:

﴿ وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مُوسَىٰ إِنَّهُ كَانَ مُخْلَصًا وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا ﴾

مريم:٥١

أنه من عبادنا الذين أخلصناهم لأنفسنا واخترناهم لنبوتنا ورسالتنا

3- كلمة الإخلاص

        في

   القرآن الكريم

وردت كلمة الإخلاص وصيغها في القرآن الكريم ٣٨ مرة. والصيغ التي وردت هي:

– الفعل الماضي

ورد ٣ مرات

قال الله تعالى:

﴿ إِنَّا أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ ﴾

ص:٤٦

– الفعل المضارع

ورد مرة  واحدة

قال الله تعالى:

﴿ وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي ﴾

يوسف:٥٤

– اسم الفاعل

ورد  18مرة

قال الله تعالى:

﴿ إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ ﴾

الزمر:٢

– اسم المفعول

ورد ٩ مرات

قال الله تعالى:

﴿ وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مُوسَىٰ إِنَّهُ كَانَ مُخْلَصًا وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا ﴾

مريم:٥١

– مصدر

ورد ٧ مرات

قال الله تعالى:

﴿ قُلْ إِنْ كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ خَالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ﴾

البقرة:٩٤

ولفظ (خلص) باشتقاقاته المختلفة ورد في القرآن الكريم على أربعة معان:

1- بمعنى التوحيد وعدم الإشراك بالله تعالى

و أكثر ما جاء في القرآن الكريم هو وفق هذا المعنى

قال الله تعالى:

﴿ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ﴾

الأعراف :29

أي: وحدوه ولا تشركوا به.

قال الله تعالى:

﴿ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ﴾

البينة:5

﴿ قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ ﴾

الزمر:11

أي: لا أشرك في طاعته وعبادته أحداً غيره سبحانه،

قال الله تعالى:

﴿ فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ﴾

غافر:14

﴿ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ﴾

يونس:22

أي: دعوه وحده، وتركوا ما كانوا يعبدون من دونه.

2- بمعنى الاصطفاء والاختيار من دون الناس

قال الله تعالى:

﴿ إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ ﴾

الحجر:40

أي الذين أخلصتهم واصطفيتهم وطهرتهم.

– في حق النبي موسى عليه السلام

قال الله تعالى:

﴿ وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مُوسَىٰ إِنَّهُ كَانَ مُخْلَصًا وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا ﴾

مريم:51

– في حق يوسف عليه السلام

قال الله تعالى:

﴿ وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ ﴾

يوسف:54

أي: أصطفيه لنفسي دون غيره، وأفوض إليه أمر مملكتي.

3- بمعنى الانفراد عن الغير

واصفاً حال إخوة يوسف عليه السلام

قال الله تعالى:

﴿ فَلَمَّا اسْتَيْأَسُوا مِنْهُ خَلَصُوا نَجِيًّا ﴾

يوسف:80

أي: انفردوا بأنفسهم، وليس يوسف معهم.

مختصًّا به رسوله صلى الله عليه وسلم

قال الله تعالى:

﴿ وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ ﴾

الأحزاب:50

أي: لا يحل لأحد من المسلمين أن يقرب امرأة وهبت نفسها له، وإنما ذلك لك يا محمد، أخلصت لك ذلك من دون سائر أمتك.

قال الله تعالى:

﴿ قُلْ إِنْ كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ خَالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ﴾

البقرة:94

قل -أيها الرسول- لليهود الذين يدَّعون أن الجنة خاصة بهم؛ لزعمهم أنهم أولياء الله من دون الناس، وأنهم أبناؤه وأحباؤه: إن كان الأمر كذلك فادْعُوا على الكاذبين منكم أو من غيركم بالموت، إن كنتم صادقين في دعواكم هذه.

قال الله تعالى:

﴿ قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ ﴾

الأعراف:32

أي: إن زينة الله التي أخرج لعباده، وطيبات رزقه، للذين صدقوا الله ورسوله، وقد شركهم في ذلك فيها من كفر بالله ورسوله وخالف، وهي للذين آمنوا بالله ورسوله خالصة يوم القيامة، لا يشركهم في ذلك يومئذ أحد كفر بالله ورسوله، وخالف أمر ربه.

4- بمعنى الأمر الذي لا يشوبه شيء

قال الله تعالى:

﴿ أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ ﴾

الزمر:3

أي: لله سبحانه الدين الذي لا يشوبه شيء

قال الله تعالى:

﴿ نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَنًا خَالِصًا ﴾

النحل:66

أي: خلص من مخالطة الدم والفرث، فلم يختلطا به

وبالنظر فيما تقدم يتبين أن لفظ (خلص) على اختلاف اشتقاقاته أكثر ما جاء في القرآن الكريم بمعنى التوحيد، وعدم الإشراك بالله تعالى، وجاء ثانياً بمعنى الاصطفاء والاختيار، وجاء ثالثاً بمعنى الانفراد بالشيء، وجاء أخيراً بمعنى التصفية من الشوب والأخلاط .

4- الألفاظ ذات الصلة

    بلفظ الإخلاص

– النية

النية بمعنى عزم القلب على أمرٍ من الأمور.

– القصد

القصد بمعنى إرادة العبد ربه في عبادته دون غيره .

– الرياء

الرياء هو أن يعمل المرء العمل ظاهره أنه لله ولكنه في الباطن يريد به مدح الناس له.

– الشرك

الشرك يعني عبادة غير الله تعالى معه ، كدعاء غير الله في الأشياء التي تختص به أو اعتقاد القدرة لغيره فيما لا يقدر عليه سواه، أو التقرب إلى غيره بشيء مما لا يتقرب به إلا إليه.

5- منزلة الإخلاص

يعد الإخلاص من أهم أعمال القلوب المندرجة في تعريف الإيمان، وأعظمها قدرًا ومنزلة، فالإخلاص له منزلة عظيمة في كتاب الله سبحانه وتعالى، لأنة هو

أ – مضمون دعوة الرسل وحقيقة الدين

قال الله تعالى:

﴿ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَٰلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ ﴾

البينة:٥

قاصدين بجميع عباداتهم الظاهرة والباطنة وجه الله .

مخاطبًا نبيه صلى الله عليه وسلم

قال الله تعالى:

﴿ إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ ﴾

الزمر:٢

ب – لا يقبل الله تعالى العمل إلا

ما أخلص فيه العامل لله

قال الله تعالى:

﴿ وَقَدِمْنَا إِلَىٰ مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا ﴾

الفرقان : 23

وقَدِمْنا إلى ما عملوه مِن مظاهر الخير والبر، فجعلناه باطلا مضمحلا لا ينفعهم كالهباء المنثور، وذلك أن العمل لا ينفع في الآخرة إلا إذا توفر في صاحبه: الإيمان بالله، والإخلاص له .

قال الله تعالى:

﴿ أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَىٰ إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ ﴾

الزمر:٣

أي:لا يقبل من العمل إلا ما أخلص فيه العامل لله، وحده لا شريك له.

6- ثمرات الإخلاص

  في الدنيا والآخرة

إن الله سبحانه وتعالى بين في كتابه أن من يحقق الإخلاص في دينه يجد ثمرات في الدنيا والآخرة لهذا الإخلاص ؛ منها

1- الجزاء الأوفى والمقام

الأعلى في الآخرة

قال الله تعالى:

 ﴿ إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ أُولَئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَعْلُومٌ فَوَاكِهُ وَهُمْ مُكْرَمُونَ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ ﴾

الصافات:39-42

2- النجاة من الهلاك والكرب والشدة

إنه سبحانه يفرج عن المؤمن الذي يتحرى الإخلاص في عمله، وينجيه مما ينزل به من شدائد، وكل بحسب قدر إخلاصه وتوكله.

قال الله تعالى:

﴿ هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّىٰ إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَٰذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ . فَلَمَّا أَنْجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ ﴾

يونس : 22- 23

هو الذي يسيِّركم – أيها الناس- في البر على الدواب وغيرها، وفي البحر في السُّفُن، حتى إذا كنتم فيها وجرت بريح طيبة، وفرح ركاب السفن بالريح الطيبة، جاءت هذه السفنَ ريحٌ شديدة، وجاء الركابَ الموجُ  من كل مكان، وأيقنوا أن الهلاك قد أحاط بهم، أخلصوا الدعاء لله وحده، وتركوا ما كانوا يعبدون، وقالوا: لئن أنجيتنا من هذه الشدة التي نحن فيها لنكونن من الشاكرين لك على نِعَمك. فلما أنجاهم الله من الشدائد والأهوال إذا هم يعملون في الأرض بالفساد وبالمعاصي.

3- النجاةِ من إغراء الشيطان

قال الله تعالى:

 ( قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ. إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ )

الحجر  40

قال إبليس: ربِّ بسبب ما أغويتني وأضللتني لأحسِّنَنَّ لذرية آدم معاصيك في الأرض، ولأضلنهم أجمعين عن طريق الهدى، إلا عبادك الذين هديتهم فأخلصوا لك العبادة وحدك دون سائر خلقك.

4- الحفظ من السوء والفحشاء

– عن يوسف عليه السلام

قال الله تعالى:

 ( وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ )

يوسف: 24

ولقد مالت نفسها لفعل الفاحشة، وحدَّثت يوسفَ نفسُه حديث خطرات للاستجابة، لولا أن رأى آية من آيات ربه تزجره عمَّا حدثته به نفسه، وإنما أريناه ذلك؛ لندفع عنه السوء والفاحشة في جميع أموره، إنه من عبادنا المطهرين المصطفَين للرسالة الذين أخلصوا في عبادتهم لله وتوحيده.

5- الأجر العظيم

وقد وعد الله سبحانه المؤمنين الذين أخلصوا بالأجر العظيم

قال الله تعالى:

﴿ إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُولَٰئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا ﴾

النساء :١٤٦

إلا الذين رجعوا إلى الله تعالى وتابوا إليه، وأصلحوا ما أفسدوا من أحوالهم باطنًا وظاهرًا، ووالوا عباده المؤمنين، واستمسكوا بدين الله، وأخلصوا له سبحانه، فأولئك مع المؤمنين في الدنيا والآخرة، وسوف يعطي الله المؤمنين ثوابًا عظيمًا.

7- صور الإخلاص

ذكر الله سبحانه وتعالى في كتابه صورًا متعددة للإخلاص؛ منها

أ- إخلاص الدين لله

قال الله تعالى:

﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ ﴾

النساء:١٢٥

لا أحد أحسن دينًا ممن انقاد بقلبه وسائر جوارحه لله تعالى وحده، وهو محسن، وذلك هو معني إخلاص الدين لله .

قال الله تعالى:

﴿ إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ ﴾

الزمر:٢

أنا أنزلنا إليك – أيها الرسول- القرآن يأمر بالحق والعدل، ومن ذلك الحق والعدل أن تعبد الله مخلصًا له الدين، لأن الدين له لا للأوثان التي لا تملك ضرًا ولا نفعًا.

إخلاص الدين له يخرج على وجهين:

1- أن يخلص له الدين

أى لا يشرك فيه غيره

قال الله تعالى:

﴿ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ ﴾

البينة:٥

وما أمروا في سائر الشرائع إلا ليعبدوا الله وحده قاصدين بعبادتهم وجهه، مائلين عن الشرك إلى الإيمان .

2- الدين الخالص هو الدائم

قال الله تعالى:

﴿ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ ﴾

فصلت:٣٠

إن الذين قالوا ربنا الله تعالى وحده لا شريك له، ثم لزموا الطاعة وأداء الفرائض ، بشرهم بالجنة .

ب – إخلاص العقيدة

أن غالب آيات القرآن الكريم جاءت في تقرير عقيدة التوحيد، توحيد الإلوهية، والربوبية، والأسماء والصفات، والدعوة إلى إخلاص العبادة والدين لله وحده لا شريك له، وتثبيت أصول الاعتقاد.

– عن دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم

قال الله تعالى:

﴿ قُلْ أَتُحَاجُّونَنَا فِي اللَّهِ وَهُوَ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ وَلَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ ﴾

البقرة :١٣٩

قل – أيها الرسول لأهل الكتاب -: أتجادلوننا في توحيد الله والإخلاص له، وهو رب العالمين جميعًا، لا يختص بقوم دون قوم، ولنا أعمالنا ولكم أعمالكم، ونحن لله مخلصو العبادة والطَّاعة لا نشرك به شيئًا، ولا نعبد أحدًا غيره.

ت – إخلاص العبادة

من صور الإخلاص التي لابد للمسلم أن يحرص على تحقيقها الإخلاص في العبادة، فقد أمر الله سبحانه وتعالى نبيه أن يخلص في عبادته لربه.

قال الله تعالى:

﴿ إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ ﴾

الزمر:٢

إنا أنزلنا إليك – أيها الرسول- القرآن يأمر بالحق والعدل، فاعبد الله وحده مخلصًا له في عبادتك، ولا تقصد بعملك إلا الله .

قال الله تعالى:

﴿ قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ ﴾

الزمر:١١

قل – أيها الرسول- للناس: إن الله أمرني ومن تبعني بإخلاص العبادة له وحده دون سواه .

ج – إخلاص الشعائر

يعتبر الإخلاص في الشعائر التعبدية التي فرضها الله سبحانه وتعالى على عباده من صور الإخلاص، فالمسلم إن أخلص في صلاته وصيامه وحجه وزكاته، فإنه يبتعد عن الرياء الذي يفسد العبادة، ويبقى في معية ربه وحفظه وتوفيقه، فلا بد أن تكون حياة المسلم كلها ابتغاء وجه الله.

قال الله تعالى:

﴿ قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ . لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَٰلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ ﴾

الأنعام:١٦٢-١٦٣

قل – أيها الرسول- لهؤلاء المشركين: إن صلاتي، ونسكي، وحياتي وموتي لله تعالى رب العالمين. لا شريك له في ألوهيته ولا في ربوبيته ولا في صفاته وأسمائه، وبذلك التوحيد الخالص أمرني ربي جل وعلا وأنا أول من أقر وانقاد لله من هذه الأمة.

ومن أخلص في صلاته ونسكه، استلزم ذلك إخلاصه لله في سائر أعماله.

د – إخلاص الدعاء

أخلاص الدعاء هو أن لا تراءوا ولا تقصدوا من الأغراض في دعائكم سوى عبودية الله ورضاه .

قال الله تعالى:

﴿ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ﴾

الأعراف:٢٩

قل – أيها الرسول- لهؤلاء المشركين: أمر ربي بالعدل، وأمركم بأن تخلصوا له العبادة في كل موضع من مواضعها، وبخاصة في المساجد، وأن تدعوه مخلصين له الطاعة والعبادة .

قال الله تعالى:

﴿ فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ﴾

غافر:١٤

فأخلصوا- أيها المؤمنون- لله وحده العبادة والدعاء

و – إخلاص العلم والدعوة

قال الله تعالى:

﴿ وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مُوسَىٰ إِنَّهُ كَانَ مُخْلَصًا وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا ﴾

مريم:٥١

هذا أمر من الله عز وجل بذكر موسى بن عمران عليه السلام على جهة التشريف له، وأعلمه بأنه كان مخلصًا في دعوته وعبادته

 8- وسائل تحقيق الإخلاص لله

ينبغي على المسلم القيام بعدة أمور حتى يصل إلى تحقيق الإخلاصِ لله سبحانه وتعالى في أفعاله وأقواله، وذلك من خلال القيام بما يلي:

1- معرفة قدره عند الله تعالى

أن الإخلاص بما آمرالله تعإلى به

قال الله تعالى :

( فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ )

الزمر:2

وكذلك هو أساس ومفتاح دعوة الرسل عليهم الصلاة والسلام

قال الله تعإلى :

( وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ )

البينة :5

2- معرفة ثمار الإخلاص و فضله

وقد وعد الله سبحانه المؤمنين الذين أخلصوا بالأجر العظيم

قال الله تعالى:

﴿ إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُولَٰئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا ﴾

النساء :١٤٦

3- استشعار مراقبة الله في

كلّ الأحوال سراً وعلناً

وبذلك يكون رضى الله تعالى الغاية من كلّ ما يصدر من العبد،

قال الله تعالى:

( وَإِن تَجهَر بِالقَولِ فَإِنَّهُ يَعلَمُ السِّرَّ وَأَخفَى )

طه : 7

وإن تجهر بالقول، فتعلنه أو تخفه، فإن الله لا يخفى عليه شيء، يعلم السر وما هو أخفى من السر مما تحدِّث به نفسك.

4- اليقين بأنّ الله تعالى

مطّلعٌ على كلّ الأعمال

أنّ له ملائكةً موكلةً بكتابة أفعال وأقوال كلّ عبدٍ، وأنّ كل ذلك سيحاسب عليه يوم القيامة .

قال الله تعالى:

( وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ . كِرَامًا كَاتِبِينَ . يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ )

الإنفطار: 10-12.

5 – تعظيم الله عز وجل

معرفة عظمة الله تعالى وقدرته والعلم بأسمائه وصفاته علماً يقيناً مبنياً على فهمٍ دقيقٍ لنصوص القرآن الكريم.

قال الله تعالى:

﴿ وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴾

الزمر:٦٧

6 – دعاء الله والاستعانة به

الدعاء أحد الوسائل المعينة على تحقيق الإخلاص، حيث يتوجه العبد إلى ربه طلبًا للعون والمساعدة والنصرة، وقد جاء الدعاء على لسان كثير من الأنبياء والرسل عليهم السلام .

– عن نبي الله زكريا عليه السلام

توجه لربه وأخلص في دعائه فسرعان ما ا الاستجابة.

قال الله تعالى:

﴿ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَىٰ وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ ﴾

الأنبياء:٩٠

7 – معرفة عاقبة الرياء

فالترهيب والتخويف من الأساليب التي تجعل العبد في مأمنٍ من الوقوع في الرياء .

قال الله تعالى :

﴿ وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاء مَّنثُورًا ﴾

الفرقان :23

وقَدِمْنا إلى ما عملوه مِن مظاهر الخير والبر، فجعلناه باطلا مضمحلا لا ينفعهم كالهباء المنثور، وذلك أن العمل لا ينفع في الآخرة إلا إذا توفر في صاحبه: الإيمان بالله، والإخلاص له.

7- محبة ذكر الله

والرغبة به والحرص عليه وتفضيله على سائر الكلام،

قال الله تعالى :

 ( فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ )

البقرة : 152

8- مراجعة العبد لعيوبه وتقصيره

وذلك في أداء ما عليه من واجباتٍ وفرائض تجاه ربه

قال الله تعالى :

( وَمَنْ تَزَكَّىٰ فَإِنَّمَا يَتَزَكَّىٰ لِنَفْسِهِ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ )

فاطر18

ومن تطهر من الشرك وغيره من المعاصي فإنما يتطهر لنفسه ، وإلى الله سبحانه مآل الخلائق ومصيرهم، فيجازي كلا بما يستحق.

9- مخالفة الهوى

تعتبر مخالفة الهوى وسيلة من وسائل تحقيق الإخلاص، والمتأمل في كتاب ربنا يجد أن الله سبحانه وتعالى لم يذكر الهوى إلا مذمومًا، فاتباع الهوى سبيل المضلين، ومخالفة الهوى درب المخلصين.

قال الله تعالى:

﴿ فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ﴾

القصص:٥٠

10- مخالفة الشيطان

قد بين الله تعالى في كتـابه الكريم مكايد الشيطان وطرق إغوائه للإنسان ، وإن النار الشديدة لَموعدُ إبليس وأتباعه أجمعين

قال الله تعالى:

﴿ قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ . إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ ﴾

الحجر 39- 40

قال إبليس: ربِّ بسبب ما أغويتني وأضللتني لأحسِّنَنَّ لذرية آدم معاصيك في الأرض، ولأضلنهم أجمعين عن طريق الهدى، إلا عبادك الذين هديتهم فأخلصوا لك العبادة وحدك دون سائر خلقك.

وإجمالاً فالعبد الذي يسعى إلى نيل الإخلاص في النية عليه النظر في البواعث والأسباب التي تدفعه لأداء العمل، والحرص على أن تكون مشروعةً وصالحةً، وبذلك ينال العبد الإخلاص في النية والصلاح في العمل، مع الحرص على عدم تغيّر وتحوّل تلك البواعث والأسباب بعد الشروع في العمل، وعدم الإشراك في النية

9- علامات الإخلاص

للإخلاص علامات لا يجهلها السالكون إلى الله عز وجل، ومن تلك العلامات

أ – أنك تريد بعملك وجه

الله تبارك وتعالى

لا تريد أي شيءٍ آخر، لا من حظّ النفس ولا من حظِّ الدنيا، بل حتى حظِّ الآخرة، بمعنى أنك تريد وجه الله وفقط، والله تبارك وتعالى يُكافئك بما يُريد وكيفَ ما شاء.

قال الله تعالى:

﴿ وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا . إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا ﴾

الإنسان 8 – 9

ويُطْعِمون الطعام مع حبهم له وحاجتهم إليه، فقيرًا عاجزًا عن الكسب لا يملك من حطام الدنيا شيئًا، وطفلا مات أبوه ولا مال له، وأسيرًا أُسر في الحرب من المشركين وغيرهم، ويقولون في أنفسهم: إنما نحسن إليكم ابتغاء مرضاة الله، وطلب ثوابه، لا نبتغي عوضًا ولا نقصد حمدًا ولا ثناءً منكم.

ب – أن يستوي عملك في

الباطن والظاهر

بمعنى أن عملك لا يختلف عن كونه أمام الناس أو بعيدًا عن الناس، فأنت تعمل عملاً بهمة معينة وجودة معينة وطريقة معينة؛ بصرف النظر عن وقوع هذا العمل أمام الناس أو بعيدًا عن الناس .

قال الله تعالى:

﴿ يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ ﴾

آل عمران 167

لأنهم يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم. والله أعلم بما يُخفون في صدورهم.

ت – أن يستوي عندك المدح والذَّمِّ

إذا فعلتَ خيرًا لا تنتظر النتيجة، فلو أنك تصدقتَ على إنسانٍ بصدقةٍ فمدحك وشكرَكَ، أو ذمَّك أو أساء إليك، كلاهما سواء عندك؛ لأنك ما أردت بذلك وجهه، وإنما أردتَّ وجه الله تبارك وتعالى، وأنت عندما ساعدتْهُ ساعدته تنفيذًا لأوامر الله، ليس حُبًّا فيه، ولا طمعًا لما في يده من الخير أو حتى طمعًا في دعائه .

قال الله تعالى:

( كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ )

البقرة: 264

كالذي يخرج ماله ليراه الناس، فيُثنوا عليه ، وهو لا يؤمن بالله ولا يوقن باليوم الآخر .

ث – أن يكون أدائك لعملك واحدًا

في حضور الناس أو غيابهم

أن يكون الإنسان في أدائه لعمله واحدًا في حضور الناس أو غيابهم، وذلك أيضًا يرتبط بمدى مراقبة الإنسان لنفسه، وإحساسه ويقينه بمراقبة الله جل جلاله لعباده، واطلاعه عليهم في كل لحظة وسكنة، عندها سيتحقق الإخلاص .

قال الله تعالى:

﴿ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَىٰ يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا ﴾

النساء: 142

وإذا قام هؤلاء المنافقون لأداء الصلاة، قاموا إليها في فتور، يقصدون بصلاتهم الرياء والسمعة، ولا يذكرون الله تعالى إلا ذكرًا قليلا.
ج – أن تخاف ألا يقبل عملك

قال الله تعالى:

﴿ وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَىٰ رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ ﴾

المؤمنون : 60

والذين يجتهدون في أعمال الخير والبر، وقلوبهم خائفة ألا تُقبل أعمالهم، وألا تنجيهم من عذاب ربهم إذا رجعوا إليه للحساب.

Share This