مفهوم الاتخاذ في القرآن الكريم

1- مفهوم الاتخاذ

هو أخذ الشيء والاستمرار فيه مثل الدار يتخذها مسكنًا ، فالاتخاذ اقتناء واجتباء.

2- كلمة الاتخاذ

     في

القرآن الكريم

وردت كلمة أخذ في القرآن الكريم  1٢8 مرة. والصيغ التي وردت هي:

– الفعل الماضي

ورد ٦٦ مرة

قال الله تعالى:

﴿ وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا ﴾

النساء:١٢٥

– الفعل المضارع

ورد  ٥٣ مرة

قال الله تعالى:

﴿ وَمِنْ ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا ﴾

النحل:٦٧

– فعل الأمر

ورد  ٥ مرات

قال الله تعالى:

﴿ وَأَوْحَىٰ رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا ﴾

النحل:٦٨

– المصدر

ورد مرة واحدة

قال الله تعالى:

﴿ وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ ﴾

البقرة:٥٤

– اسم فاعل

ورد  3 مرات

قال الله تعالى:

﴿ وَمَا كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا ﴾

الكهف:٥١

وجاء الاتخاذ في القرآن بمعني التناول للشيء والحوز والاختيار والجعل .

قال الله تعالى:

﴿ وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا ﴾

النساء:١٢٥

يعني: اختار الله إبراهيم مصافيًا.

3- الكلمات ذات الصلة

    بكلمة الاتخاذ

– الأخذ

هو حوز الشيء وتحصيله وذلك تارة بالتناول وتارة بالغلبة والقهر، و الأخذ خلاف العطاء .

قال الله تعالى:

﴿ وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الْأَلْوَاحَ ﴾

الأعراف: 154

– الإبعاد

الإبعاد هو تنحية الشيء وتركه بعيدًا ، والإبعاد من الألفاظ المقابلة للاتخاذ

قال الله تعالى:

﴿ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ﴾

هود: 44

4 – الاتخاذ في حق الله تعالى

إن المتأمل في الآيات القرآنية الكريمة التي تتحدث عن الاتخاذ، يجد أن الاتخاذ في حقه سبحانه، منه ما هو مثبت في حقه، ومنه ما هو منفي، وسنوضح ذلك فيما يلي.

أولًا- الاتخاذ المثبت في حق الله تعالى:

إن المستقريء لآيات الاتخاذ في حق الله سبحانه وتعالى يجد أن الله سبحانه وتعالى أثبت لنفسه اتخاذ الخليل واتخاذ الشهداء، ولم ينسب لنفسه اتخاذًا سوى ذلك، فالاتخاذ المثبت في حق الله بمعنى الاختيار، فالله عز وجل اختار إبراهيم خليلًا، ويختار من يشاء من عباده ليكون شهيدًا.

1- اتخاذ الخليل

لقد اتخذ الله سبحانه وتعالى إبراهيم عليه السلام خليلًا، والخلة كمال المحبة، وسيدنا إبراهيم عليه السلام أهلًا لذلك.

قال الله تعالى:

﴿ وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا ﴾

النساء: ١٢٥

2- اتخاذ الشهداء

إن الحق سبحانه المتعال الغني عن الخلق غنى مطلق في سياق تكريمه للشهداء، يجعلهم ممن يتخذهم، فقد أثبت الله لنفسه اتخاذ الشهداء.

قال الله تعالى:

﴿ إن يَّمسسكم قَرْحٌ فقد مسَّ القومَ قرْحٌ مثلُه وتلك الاَيَّامُ نُداوِلُـها بين الناس ولِيَعلمَ اللهُ الذين ءامنوا ويتَّخِذَ منكم شهداء ﴾

آل عمران : 140

إن يصبكم – أيها المؤمنون- جراح أو قتل فقد إصاب الكفار مثله وتلك الأيام يُصَرِّفها الله بين الناس يوماً لفرقة ويوماً لأخرى ليتعظوا و ليميز الله الذين أخلصوا في إيمانهم من غيرهم ويتخذ منكم شهداء- وهو من الشهادة على الناس بالمعنى الذي جاء في الأية  التالية .

قال الله تعالى:

﴿ لتكونوا شهداء على الناس ﴾

البقرة : 143

لتشهدوا على الأمم في الآخرة أن رسلهم بلَّغتهم رسالات ربهم .

ثانيًا – الاتخاذ المنفي في حق الله تعالى

كما أن الله سبحانه وتعالى أثبت لنفسه اتخاذًا، فقد جاءت آيات قرآنية أخرى تنفي صورًا من الاتخاذ عن الله سبحانه وتعالى، ومنها اتخاذ الزوجة والولد والظهير والمعين.

1- اتخاذ الزوجة

لقد نفى الله سبحانه وتعالى عن نفسه اتخاذ الزوجة، فهو منزه عن المماثلة بخلقه .

قال الله تعالى:

﴿ وَأَنَّهُ تَعَالَىٰ جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلَا وَلَدًا ﴾

الجن: ٣

﴿ بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنَّىٰ يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾

الأنعام: ١٠١

فالآية الكريمة تنفي عن الله اتخاذ الصاحبة أي: الزوجة، تعالت عظمة ربنا وجلاله، ما اتخذ زوجة ولا ولدًا.

2- اتخاذ الولد

الأدلة على نفي اتخاذ الله سبحانه وتعالى للولد كثيرة، منها:

قال الله تعالى:

﴿ مَا كَانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ سُبْحَانَهُ إِذَا قَضَىٰ أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ﴾

مريم: ٣٥

﴿ وَقَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ ﴾

البقرة : ١١٦

﴿ وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَٰنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا ﴾

مريم : ٩٢

﴿ وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَٰنُ وَلَدًا . لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا ﴾

مريم: ٨٨- ٨٩

فالله سبحانه وتعالى منزهٌ عن اتخاذ الولد، وهو غني عن العالمين؛ إذ اتخاذ الولد افتقار إليه، والله سبحانه وتعالى هو الغني فلا يفتقر إلى أحد، فما يريد تحقيقه يحققه بتوجه الإرادة لا بالولد والمعين.

3- اتخاذ الظهير والمعين

وإن من الاتخاذ المنفي عن الله سبحانه وتعالى: اتخاذه الظهير والمعين.

قال الله تعالى:

﴿ مَا أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ وَمَا كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا ﴾

الكهف: ٥١

ما أحضرتُ إبليس وذريته – الذين أطعتموهم- خَلْقَ السموات والأرض، فأستعين بهم على خلقهما، ولا أشهدتُ بعضهم على خَلْق بعض، بل تفردتُ بخلق جميع ذلك، بغير معين ولا ظهير، وما كنت متخذ المضلِّين من الشياطين وغيرهم أعوانًا. فكيف تصرفون إليهم حقي، وتتخذونهم أولياء من دوني، وأنا خالق كل شيء؟

قال الله تعالى:

﴿ قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ ﴾

سبأ: ٢٢

أي: ما لله من هؤلاء من معين على خلق شيء، بل الله المنفرد بالإيجاد، فهو الذي يعبد، وعبادة غيره محال، والظهير: هو المعين الذي يسند ظهر من يستعين به، فهم ليسوا شركاء لله، ولا أعوانًا له، وإنما هم عبيد مسخرون لجلاله وقدرته  .

5- أنواع الاتخاذ

      في

 القرآن الكريم

إن المتأمل في معاني الآيات التي تحدثت عن الاتخاذ في حق المخلوق يجد أن الاتخاذ إما أن يكون محمودًا وإما أن يكون مذمومًا، فالمحمود مدحه الله ومدح أهله، ودعا إليه، والمذموم ذمه الله وذم أهله، وحذرنا منه.

أولًا- الاتخاذ المحمود

اشتملت كثير من الآيات التي تتحدث عن الاتخاذ في القرآن الكريم على معنى الاتخاذ المحمود، وفيما يلي نذكر بعض صور الاتخاذ المحمود.

1- اتخاذ الله سبحانه وتعالى وكيلًا

أمر الله سبحانه وتعالى نبيه، وهو أمر للمسلمين جميعًا باتخاذ الله وكيلًا.

قال الله تعالى:

﴿ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا ﴾

المزمل: ٩

فهذا اتخاذ محمود، فالله سبحانه وتعالى رب المشرق والمغرب وما بينهما من العالم، لا ينبغي أن يعبد إله سواه، فهو المستحق للعبادة ، ولا وكيل سواه؛ لذا أمرنا الله باتخاذه وكيلًا ومدبرًا في كل أمورنا، نعتمد عليه ونلجأ إليه ونفوض إليه الأسباب.

2- اتخاذ مقام إبراهيم مصلى

أمر الله سبحانه وتعالى المسلمين أن يتخذوا مقام إبراهيم عليه السلام ؛ تكريمًا له لإخلاصه، وليكون قدوة للناس، وهذا اتخاذ محمود، فهو أمر من الله .

قال الله تعالى:

﴿ وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى ﴾

البقرة: ١٢٥

أي: وقلنا: اتخذوا منه موضع صلاة تصلون فيه، وهو على وجه الاختيار والاستحباب دون الوجوب، ومقام إبراهيم: الحجر الذي فيه أثر قدميه، والموضع الذي كان فيه الحجر حين وضع عليه قدميه . ، وقيل: الحرم كله مقام إبراهيم .

3- اتخاذ النحل للجبال بيوتًا

لقد أوحى الله للنحل أن تتخذ الجبال بيوتًا، وهنا أكثر من كونه أمرًا فهو وحي، إذًا هو اتخاذ محمود.

قال الله تعالى:

﴿ وَأَوْحَىٰ رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ ﴾

النحل: ٦٨

وألْهَمَ ربك – أيها النبي- النحل بأن اجعلي لك بيوتًا في الجبال، وفي الشجر، وفيما يبني الناس من البيوت والسُّقُف.

4- اتخاذ الشيطان عدوًا

أمر الله سبحانه وتعالى عباده أن يتخذوا الشيطان عدوًا؛ لأنه يسعى دائمًا لإيقاعهم بالفساد، فاتخاذ الشيطان عدوًا هو اتخاذ محمود، يجنب العبد الوقوع في مكائد الشيطان.

قال الله تعالى:

﴿ إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ ﴾

فاطر: ٦

إن الشيطان لبني آدم عدو، فاتخذوه عدوًّا ولا تطيعوه، إنما يدعو أتباعه إلى الضلال؛ ليكونوا من أصحاب النار الموقدة.

ثانيًا – الاتخاذ المذموم

اشتملت كثير من الآيات التي تتحدث عن الاتخاذ في القرآن الكريم على معنى الاتخاذ المذموم، نذكر منها ما يلي:

1- اتخاذ الأولياء والآلهة من دون الله

إن اتخاذ الأولياء من دون الله هو اتخاذ مذموم، ذمه القرآن الكريم، فلما أمر بالتوحيد والإخلاص، نهى عن الشرك به، وأخبر بذم من أشرك به واتخذ من دونه وليًا.

قال الله تعالى:

﴿ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَىٰ إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ ﴾

الزمر: ٣

فالذين يتخذون من دون الله آلهة يتولونهم بعبادتهم ودعائهم لتشفع لهم وتقربهم لله، قد تركوا ما أمر الله به من الإخلاص والتوحيد، وتجرأوا على أعظم المحرمات، وهو الشرك، فهؤلاء وصفهم الله بالكذب والكفر .

قال الله تعالى:

﴿ اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَٰهًا وَاحِدًا لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴾

التوبة: ٣١

ومن الاتخاذ المذموم اتخاذ الأحبار والرهبان أربابًا من دون الله، وهذا شرك بالله، فلا يجوز طاعتهم.

قال الله تعالى:

﴿ أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ شُفَعَاءَ قُلْ أَوَلَوْ كَانُوا لَا يَمْلِكُونَ شَيْئًا وَلَا يَعْقِلُونَ . قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴾

الزمر: ٤٣- ٤٤

وكذلك نهى الله عن اتخاذ الأصنام شفعاء من دون الله، فهي لا تملك نفعًا ولا ضرًا، فالشفاعة لله وحده.

2- اتخاذ الكفار واليهود والنصارى أولياء من دون المؤمنين

فقد نهى الله سبحانه وتعالى المسلمين من اتخاذ الكفار أولياء بموالاتهم ونصرتهم ومحبتهم، بل لابد من التبرؤ منهم، واتخاذ المؤمنين أولياء.

قال الله تعالى:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ ﴾

النساء: ١٤٤

هذا نهي من الله لعباده المؤمنين أن لا توالوا الجاحدين لدين الله، وتتركوا موالاة المؤمنين ومودتهم.

قال الله تعالى:

﴿ لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَٰلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ ﴾

آل عمران: ٢٨

وهذا نهي من الله لعباده المؤمنين أن يتخذوا الكافرين أعوانًا وأنصارًا يبادلونهم المحبة والمناصرة على إخوانهم المؤمنين، وأعلمهم تعالى أن من يفعل ذلك فقد برئ الله تعالى منه، وذلك لكفره وردته، حيث والى أعداء الله وعادى أولياءه.

قال الله تعالى:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَىٰ أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ  وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ﴾

المائدة: ٥١

ونهى الله سبحانه وتعالى أيضًا من اتخاذ اليهود والنصارى أولياء وحلفاء، فهذا الاتخاذ المذموم يسبب سخط الله سبحانه وتعالى.

3- اتخاذ الدين والرسول لهوًا ولعبًا

إن من الاتخاذ المذموم ما يفعله الكفار من اتخاذ دين الله ورسوله صلى الله عليه وسلم لهوًا ولعبًا، فقد أخبر الله سبحانه وتعالى عن المشركين أنهم يستهزؤون برسول الله صلى الله عليه وسلم متى رأوه.

قال الله تعالى:

﴿ وَإِذَا رَأَوْكَ إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُوًا أَهَٰذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولًا ﴾

الفرقان: ٤١

وإذا رآك هؤلاء المكذبون – أيها الرسول – استهزؤوا بك قائلين: أهذا الذي يزعم أن الله بعثه رسولا إلينا؟

قال الله تعالى:

﴿ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ نَنْسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَٰذَا وَمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ ﴾

الأعراف: ٥١

وقد بين الله سبحانه وتعالى أن من أسباب دخول النار الإعراض عن دين الله والاستهزاء به، واتخاذه لهوًا ولعبًا.

4- اتخاذ القرآن مهجورًا

القرآن الكريم هو دستور هذه الأمة، أمرنا الله بالتعبد بتلاوته وحفظه وتطبيق أوامره ونواهيه، واتخاذه دستورًا ومنهج حياة؛ لذا كان هجرانه اتخاذًا مذمومًا، سواء هجرانه بعدم الإيمان به، أو ترك تلاوته أو الغفلة عنه، أو بهجر العمل به والاحتكام إليه، وقد اشتكى رسولنا صلى الله عليه وسلم قومه إلى الله سبحانه وتعالى لهجرانهم القرآن وتكذيبهم له.

قال الله تعالى:

﴿ وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَٰذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا ﴾

الفرقان: ٣٠

وقال الرسول شاكيًا ما صنع قومه: يا ربِّ إن قومي تركوا هذا القرآن وهجروه، متمادين في إعراضهم عنه وتَرْكِ تدبُّره والعمل به وتبليغه.

5- اتخاذ الأخدان

لقد شرع الله لنا الزواج ونهانا عن اتخاذ الأخدان، فالمباح لنا هو الزواج بالحرائر المؤمنات العفيفات، وكذلك الكتابيات، بشرط إتيانهن مهورهن، بقصد الإحصان والإعفاء، لا بالسفاح وارتكاب الفواحش والزنى العلني، أو الزنى السري، وهو اتخاذ الاخدان.

قال الله تعالى:

﴿ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلَا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾

المائدة: ٥

كما شرط ديننا على النساء أن يكن محصنات، وألا يتخذن الأخدان.

قال الله تعالى:

﴿ فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلَا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ ﴾

النساء: ٢٥

6 – أسباب الاتخاذ

      في

 القرآن الكريم

إن لكل اتخاذ أسبابًا تؤدي إليه، حري بنا أن نميز بينها، ونتبع كل اتخاذ محمود، ونأخذ بأسبابه ونسلك كل سلوك يؤدي إليه، ونتجنب كل اتخاذ مذموم، ونبتعد كل البعد عن أسبابه، والتي من شأنها أن تجلب غضب الله وعقابه.

أولًا – أسباب الاتخاذ المحمود

إن للاتخاذ المحمود أسبابًا حريٌ بنا اتباعها، نذكر أهمها:

1- الإيمان

إن من أهم أسباب الاتخاذ المحمود هو الإيمان، فالإيمان يدفع صاحبه لكل أمر محمود، ولكل فعل أمر به الشرع ودعا إليه، والمؤمن أكثر الناس حبًا لله، وحبه لربه يدفعه للإخلاص له في عبادته وعدم الشرك معه.

قال الله تعالى:

﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ ﴾

البقرة: ١٦٥

فالآية الكريمة تبرز أن المؤمنين أشد الناس حبًا لله، وهذا مدح لأهل الإيمان؛ لأن إيمانهم دفعهم لهذا الحب الخالص، وهذا الحب يدفعهم لتوحيده واتخاذ الله إلهًا واحدًا، لا شريك له، ويدفعهم أيضًا للابتعاد كل البعد عن اتخاذ الند كبعض الناس يتخذ من دون الله أندادًا يحبونهم ويشركون مع الله في حبهم، فيسوونهم مع الله في المحبة والطاعة .

2- اتباع سبيل الهدى

وإن من أسباب الاتخاذ المحمود اتباع سبيل الهدى، وطاعة الله فيما أمر والامتناع عما نهى، فالله سبحانه وتعالى أمرنا باتخاذه وكيلًا.

قال الله تعالى:

﴿ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا ﴾

المزمل: ٩

هذا أمر من الله باتخاذه وكيلًا، وعدم اتخاذ الأولياء والآلهة والشفعاء من دونه، فمن أطاعه واتبع سبيل الهدى فاز وربح بهذا الاتخاذ المحمود، فإن من دلالة هذه الآية أن من حقق التوحيد واتبع سبيل الهدى اتخذ الله وكيلًا.

3- الانتفاع بالتذكر

إن الانتفاع بالتذكرة سبب يدفع للاتخاذ المحمود، فالإنسان مدعو للانتفاع بالتذكرة والموعظة، فمن ينتفع بالتذكرة والموعظة فإنه سيتخذ سبيل الإيمان والرشاد.

قال الله تعالى:

﴿ إِنَّ هَٰذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَىٰ رَبِّهِ سَبِيلًا ﴾

المزمل: ١٩

أي: من كان يريد أن يتخذ إلى ربه سبيلًا فقد تهيأ له اتخاذ السبيل إلى الله بهذه التذكرة، والتذكرة هي الموعظة؛ لأنها تذكر الغافل عن سوء العواقب، فالانتفاع بالتذكرة سبب للاتخاذ المحمود.

ثانيًا – أسباب الاتخاذ المذموم

1- الكفر

إن من أهم أسباب الاتخاذ المذموم هو الكفر بالله والنفاق ، فالكافر كفره يصرفه إلى كل مذموم، وقد بين الله سبحانه وتعالى ذلك، ففي سياق ذكر صفات منافقي أهل الكتاب وما استحقوه من لعنة من الله؛ لأنهم اتخذوا الكافرين أولياء من دون المؤمنين، يبين الله سبحانه وتعالى أن سبب هذا الاتخاذ المذموم أنهم لم يؤمنوا بالله ولا بنبيه.

قال الله تعالى:

﴿ وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ وَلَٰكِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ فَاسِقُونَ ﴾

المائدة: ٨١

فالآية تبين أن عدم إيمان الذين يتولون المشركين سبب في اتخاذهم المشركين أولياء، فإن الإيمان بالله ورسوله وازعٌ عن توليهم قطعًا، ومانع لهم عن هذا الاتخاذ المذموم.

2- مخالفة أوامر الله واتباع سبيل الضلال

بين الله سبحانه وتعالى أن الذي يتكبر عن آياته ولا يؤمن بها ويتبع سبيل الضلال، ويعرض عن سبيل الهداية، فإنه سيتنكب الطريق، فيصبح لا يميز طريق الحق من طريق الباطل، فيتخذ سبيل الغي طريقًا ويترك طريق الرشد؛ لأنه كذب بآيات الله، وغفل عن معطيات الإيمان.

قال الله تعالى:

﴿ سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ ﴾

الأعراف: ١٤٦

3- اتباع غواية الشيطان

وإن من أسباب الاتخاذ المذموم: اتباع غواية الشيطان، فالشيطان يسعى في إغواء العباد، وتزيين الشر لهم؛ ليضلهم، وقد نهانا الله عن اتباع غواية الشيطان، وعن اتخاذه وليًا، بل دعانا لاتخاذه عدوًا؛ لأنه يضل الناس ليكونوا من حزبه ثم يكونوا من أصحب السعير.

قال الله تعالى:

﴿ إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ ﴾

فاطر: ٦

﴿ وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُبِينًا ﴾

النساء: ١١٩

7- أساليب القرآن في

   عرض الاتخاذ

استعمل القرآن الكريم أساليب متعددة في عرض الاتخاذ، نذكر هذه الأساليب خلال السطور الآتية مع ذكر أمثلة على كل أسلوب.

أولًا – الخبر

ورد الاتخاذ في القرآن الكريم بأسلوب الخبر في عدد من الآيات القرآنية؛ للإخبار عن موضوعات عدة منها:

1- الإخبار عن اتخاذ المنافقين مسجد ضرار

وذلك لإلحاق الأذى والضرر بالمؤمنين، والتفريق بينهم، وتقوية للكفر، وهذا اتخاذ مذموم.

قال الله تعالى:

﴿ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا الْحُسْنَىٰ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ ﴾

التوبة: ١٠٧

2- الإخبار عن حرمة اتخاذ الأخدان للمسلمين والمسلمات، والإرشاد للزواج.

قال الله تعالى:

﴿ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلَا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾

المائدة: ٥

﴿ فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلَا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ ﴾

النساء: ٢٥

3- الإخبار عن اتخاذ مريم للحجاب ساترًا لها؛ للتفرغ للعبادة

قال الله تعالى:

﴿ فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا ﴾

مريم: ١٧

4- الإخبار أن الله غني عن اتخاذ الولد، وتنزهه سبحانه وتعالى عن الشريك والولد والصاحبة، وأن الملائكة هم عباد لله مكرمون

قال الله تعالى:

﴿ وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَٰنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ ﴾

الأنبياء: ٢٦

5- الإخبار عن شكوى الرسول صلى الله عليه وسلم عن قومه باتخاذهم القرآن مهجورًا، تلاوة وعلمًا وعملًا.

قال الله تعالى:

﴿ وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَٰذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا ﴾

الفرقان: ٣٠

6- الإخبار عن المشركين الذين اتخذوا آلهة يتولونها من دون الله، فالله يحصي أفعالهم ويجازيهم بها يوم القيامة.

قال الله تعالى:

﴿ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ اللَّهُ حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ ﴾

الشورى: ٦

7- الإخبار عن اتخاذ المنافقين أيمانهم الكاذبة وقاية وسترًا يستترون بها من نسبتهم إلى النفاق؛ لحفظ أموالهم وحقن دمائهم.

قال الله تعالى:

﴿ اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾

المنافقون: ٢

ثانيًا – النهي

ورد الاتخاذ في القرآن الكريم بأسلوب النهي في عدد من الآيات القرآنية؛ للنهي عن أفعال عدة، هي من الأفعال المذمومة التي نهى القرآن الكريم عن اتخاذها، ومن أمثلة ذلك:

1- النهي عن اتخاذ آيات الله هزوًا

قال الله تعالى:

﴿ وَلَا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا ﴾

البقرة: ٢٣١

2- نهي المؤمنين من أن يتخذوا من الكفار بطانة وأخلاء

قال الله تعالى:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالً ﴾

آل عمران: ١١٨

3- النهي عن اتخاذ اليهود والنصارى أولياء.

قال الله تعالى:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَىٰ أَوْلِيَاءَ ﴾

المائدة: ٥١

4- نهي المؤمنين أن يتخذوا آباءهم وإخوانهم أولياء إن استحبوا الكفر على الإيمان.

قال الله تعالى:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمَانِ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ﴾

التوبة: ٢٣

5- النهي عن الشرك مع الله، واتخاذ الآلهة مع الله

قال الله تعالى:

﴿ وَقَالَ اللَّهُ لَا تَتَّخِذُوا إِلَٰهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ ﴾

النحل: ٥١

6- النهي عن اتخاذ الأيمان وسيلة خداع ومكر، بإظهار الوفاء بالعهد وإبطان النقض.

قال الله تعالى:

﴿ وَلَا تَتَّخِذُوا أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا ﴾

النحل: ٩٤

7- نهي المؤمنين أن يتخذوا عدو الله وعدوهم أولياء.

قال الله تعالى:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ ﴾

الممتحنة: ١

ثالثًا – الأمر

ورد الاتخاذ في القرآن الكريم بأسلوب الأمر في عدد من الآيات القرآنية، ومن أمثلة ذلك ما يلي:

1- أمر الله للمسلمين بأن يتخذوا من مقام إبراهيم مصلى

قال الله تعالى:

﴿ وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى  ﴾

البقرة: ١٢٥

2- أمر الله للمسلمين أن يتخذوا الشيطان عدوًا.

قال الله تعالى:

﴿ إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا ﴾

فاطر: ٦

3- أمر الله لنبيه أن يتخذه وكيلًا، فيتوكل عليه وحده لا شريك له.

قال الله تعالى:

﴿ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا ﴾

المزمل: ٩

وبذلك نرى أن الآيات أمرت باتخاذ مقام إبراهيم مصلى، واتخاذ الله وكيلًا، وكذلك اتخاذ الشيطان عدوًا، وهذه من أمثلة الاتخاذ المحمود، الذي أرشدنا القرآن إليه.

رابعًا- النفي

استعمل القرآن الكريم أسلوب النفي في عرض الاتخاذ، في:

1- نفي الولد عن الله سبحانه وتعالى

قال الله تعالى:

﴿ وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا ﴾

الإسراء: ١١١

2- نفي اتخاذ المجاهدين الخلص بطانة من الكفار

قال الله تعالى:

﴿ أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَا رَسُولِهِ وَلَا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً ﴾

التوبة: ١٦

خامسًا – الثناء على أهل الاتخاذ المحمود

من الأساليب التي استعملها القرآن الكريم في عرض الاتخاذ: هو الثناء،

1- فقد أثنى الله سبحانه وتعالى على نفسه

لتنزهه عن اتخاذ الولد، فالله سبحانه وتعالى له الكمال والثناء والحمد والمجد من جميع الوجوه، المنزه عن كل نقص.

قال الله تعالى:

﴿ وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا ﴾

الإسراء: ١١١

2- أثنى الله سبحانه وتعالى على المؤمنين

ولقد أثنى الله سبحانه وتعالى على المؤمنين من الأعراب الذين يتخذون ما ينفقون قربات عند الله.

قال الله تعالى:

﴿ وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ قُرُبَاتٍ عِنْدَ اللَّهِ ﴾

التوبة: ٩٩

سادسًا- ذم أهل الاتخاذ المذموم

لقد ذم الله سبحانه وتعالى أهل الاتخاذ المذموم، ومثال ذلك

1- ذم الأعراب الذين يتخذون ما ينفقون مغرمًا

قال الله تعالى:

﴿ وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَنْ يَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ مَغْرَمًا وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوَائِرَعَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾

التوبة: ٩٨

أي: غرمًا لزمه، لا يرجو له ثوابًا، ولا يدفع به عن نفسه عقابًا.

– ذم الذين يتخذون الصلاة هزوًا ولعبًا

قال الله تعالى:

﴿ وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ اتَّخَذُوهَا هُزُوًا وَلَعِبًا ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ ﴾

المائدة: ٥٨

3- ذم الله قوم موسى الذين اتخذوا العجل إلهًا يعبدونه من دون الله.

قال الله تعالى:

﴿ وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَىٰ مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ ﴾

الأعراف: ١٤٨

سابعًا- الاستفهام الإنكاري

ورد الاتخاذ في القرآن الكريم بأسلوب الاستفهام الإنكاري في عدد من الآيات، ومن أمثلة ذلك:

1- الاستنكار على الذين ادعو أنه لن تمسهم النار، أتخذوا عهدًا عند الله حتى لا يعذبهم؟

قال الله تعالى:

﴿ وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدًا فَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴾

البقرة: ٨٠

2- استنكار إبراهيم عليه السلام على أبيه آزر لاتخاذه أصنامًا آلهة من دون الله، وهي لا تضر ولا تنفع.

قال الله تعالى:

﴿ وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آلِهَةً إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ﴾

الأنعام: ٧٤

3- أمر الله لنبيه صلى الله عليه وسلم أن يستنكر على الذين اتخذوا من دونه -وهو الخالق- أولياء لا يملكون النفع والضر لأنفسهم، فكيف سينفعون غيرهم؟

قال الله تعالى:

﴿ قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ لَا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ نَفْعًا وَلَا ضَرًّا ﴾

الرعد: ١٦

4- الاستنكار على من اتخذ إبليس وذريته أولياء من دون الله، واستبدال من خلقهم وأنعم عليهم بعدوهم.

قال الله تعالى:

﴿ وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا ﴾

الكهف: ٥٠

5- استنكار الرجل الصالح ناصح أهل القرية على نفسه أن يتخذ آلهة من دون الله، وذلك من تمام التعريض بالمخاطبين استنكارًا عليهم بجعل الأوثان آلهة لا تدفع ضر ولا تشفع.

قال الله تعالى:

﴿ أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمَٰنُ بِضُرٍّ لَا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا وَلَا يُنْقِذُونِ ﴾

يس: ٢٣

وهكذا نجد أن الاستفهام في المواضع السابقة جاء لإنكار اتخاذ مذموم فعله المتخذون؛ فاستحقوا استنكار فعلهم.

8 – عاقبة الاتخاذ

      في

القرآن الكريم

إن الاتخاذ أمر اختياري يتخذه المتخذ، ولما أمرنا الله باتخاذ كل محمود ونهانا عن اتخاذ كل مذموم، جعل لكل اتخاذ عاقبة، إما ثواب وإما عقاب، فمن اتخذ اتخاذًا محمودًا أفلح وفاز، ومن اتخذ اتخاذًا مذمومًا خسر وخاب.

أولًا – عاقبة الاتخاذ المحمود

إن أهل الإيمان الذين التزموا أوامر الله وانتهوا عما نهى، هم أصحاب الاتخاذ المحمود، الذين يتخذون الله وليًا ووكيلًا، ويتخذوا القرآن دستورًا ومنهج حياة، ويتبعوا سبيل الهدى ويتخذوه طريقًا، هؤلاء عاقبتهم الأتي

1- الفلاح

يحيون حياة طيبة في الدنيا والآخرة.

قال الله تعالى:

﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾

النحل: ٩٧

– رحمه الله سبحانه وتعالى

وقد بين الله سبحانه وتعالى عاقبة أهل الإيمان من الأعراب الذين يتخذون ما ينفقون قربات عند الله، فقد أثنى على فعلهم، ووعدهم برحمته.

قال الله تعالى:

﴿ وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ قُرُبَاتٍ عِنْدَ اللَّهِ وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ أَلَا إِنَّهَا قُرْبَةٌ لَهُمْ سَيُدْخِلُهُمُ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ ﴾

التوبة: ٩٩

وعاقبة أهل الإيمان، أصحاب الاتخاذ المحمود .

– مغفرة من الله

قال الله تعالى:

﴿ إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ . الَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ ﴾

فاطر: ٦- ٧

– هم أهل الفردوس

فلما بين الله سبحانه وتعالى في كتابه عاقبة الكافرين وأن جزاءهم جهنم وبئس المصير، الذين اتخذوا آيات الله ورسله هزوًا، بين عاقبة أهل الإيمان أصحاب الاتخاذ المحمود، الذين آمنوا بآيات الله واتخذوها دستورًا، وآمنوا برسل الله واتخذوهم أنبياء وقدوة لهم.

قال الله تعالى:

﴿ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا . ذَٰلِكَ جَزَاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِمَا كَفَرُوا وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَرُسُلِي هُزُوًا. إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا ﴾

الكهف: ١٠٥-١٠٧

ثانيًا – عاقبة الاتخاذ المذموم

كما أن لأهل الاتخاذ المحمود عاقبة حميدة وحسنة، فإن أهل الاتخاذ المذموم لهم عاقبة سيئة، فالجزاء من جنس العمل، فلا يستوي من اتخذ الله وليًا ووكيلًا، ومن اتخذ آلهة من دونه، ولا يستوي من اتخذ القرآن دستورًا، ومن اتخذه مهجورًا.

1- الندم يوم القيامة

وأول عاقبة لصاحب الاتخاذ المذموم الذي ظلم نفسه، هو الندم، فيوم القيامة يندم الظالم ويعض على يديه؛ لأنه لم يتخذ مع الرسول سبيلًا، واتخذ طريق الغي سبيلًا له، واتخذ من أهل الشر أخلاء، أضلوه عن طريق الحق.

قال الله تعالى:

﴿ وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَىٰ يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا . يَا وَيْلَتَىٰ لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا ﴾

الفرقان: ٢٧- ٢٨

2-غضب الله سبحانه وتعالى عليهم

فالذين يتخذون كل مذموم ينالهم غضب من ربهم عاقبة وجزاء على عملهم، فالذين اتخذوا العجل إلهًا من دون الله يعبدونه، سينالهم غضب من الله، وذلة في الدنيا.

قال الله تعالى:

﴿ إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَكَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ ﴾

الأعراف: ١٥٢

3- عذاب جهنم

قال الله تعالى:

﴿ يَسْمَعُ آيَاتِ اللَّهِ تُتْلَىٰ عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ. وَإِذَا عَلِمَ مِنْ آيَاتِنَا شَيْئًا اتَّخَذَهَا هُزُوًا أُولَٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ ﴾

الجاثية:   8 – 9

والآيات في كتاب الله كثيرة تبين أن عاقبة كل اتخاذ مذموم، هو العذاب والعقاب الرباني، وبئس العقاب الذي يستحقه من خالف أمر ربه، واتبع طريق الضلال، وهذا ترهيب من هذا السبيل، فحريٌ بنا تجنب هذا السبيل المذموم، وكل ما من شأنه أن يجلب غضب الله وسوء العاقبة، والسعي دائمًا لكل ما يرضي الله، ويكون سببًا في النجاة والفوز والفلاح في الدنيا والآخرة.

 

Share This