1- تقديم

الأرض وثيقة الصلة بالإنسان، فمنها خُلق، وعليها يحيا، ومنها يُبعث يوم القيامة. وقد اختارها سبحانه – من بين الكواكب العديدة والمديدة التي بثها في هذا الكون – ليعيش عليها الإنسان، ويبتلي الله عليها عباده من أحسن عملاً، ومن أضل سبيلاً.

2- مفهوم الأرض

الأرض هي أحد الكواكب التي تدور حول الشمس، والذي هيأه الله تعالى ليكون الإنسان فيه خليفة، وليعيش عليه العديد من المخلوقات، وهو ثالث الكواكب من حيث القرب من الشمس، وهو الثالث من حيث درجة اللمعان، والخامس من حيث الحجم قياسًا بكواكب المجموعة الشمسية.

3- كلمة الأرض

     في

القرآن الكريم

وردت كلمة الأرض وصيغها في القرآن الكريم (٤٦١) مرة. والصيغ التي وردت هي:

– معرفة

وردت ٤٥٩ مرة

قال الله تعالى:

﴿ وَعِبَادُ الرَّحْمَٰنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا ﴾

الفرقان:٦٣

– منكرة

وردت مرتين

قال الله تعالى:

﴿ اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا ﴾

يوسف:٩

وقد ورد لفظ الأرض في القرآن الكريم على عدة معان، منها:

أ- الأرض بمعنى الكرة الأرضيّة

قال الله تعالى:

( الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْدًا وَسَلَكَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلًا وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْ نَبَاتٍ شَتَّى )

طه 53

( وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ )

الأنعام 165

 ( سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ وَمِمَّا لَا يَعْلَمُونَ )

يس 36

ب – الأرض بمعنى الجنة

قال الله تعالى:

( وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ ) 

الأنبياء :105

 ( وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ )

الزمر:74

وأورثنا الأرض أي : أرض الجنة.

ت – الأرض بمعنى بلد أو منطقة

قال الله تعالى:

 ( وَإِنْ كَادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْهَا )

الإسراء :76

الأرض بمعنى : أرض مكة

قال الله تعالى:

( قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا )

النساء :97

( يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ  )

العنكبوت :56

الأرض بمعنى : أرض المدينة

قال الله تعالى:

( وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ )

الأنبياء:71

الأرض بمعنى أرض الشام

قال الله تعالى:

( قَالَ اجْعَلْنِي عَلَىٰ خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ  )

يوسف :55

الأرض بمعنى أرض مصر

ث – الأرض بمعنى الأرضين السبع

قال الله تعالى:

( اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ  )

الطلاق :12

الله الذي خلق جميع ما في السماوات السبع وما في الأرضين السبع .

ج – الأرض بمعنى المراعى

قال الله تعالى:

( هَذِهِ نَاقَةُ الله لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ الله )

الأعراف 73

فاتركوها تأكل في أرض الله من المراعي

ح – الأرض بمعنى الحقول والبساتين والمزارع

قال الله تعالى:

( قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ وَلَا تَسْقِي الْحَرْثَ )

البقرة 71

قال لهم موسى: إن الله يقول: إنها بقرة غير مذللة للعمل في حراثة الأرض للزراعة، وغير معدة للسقي من الساقية

خ – الأرض بمعنى أرض المحشر

قال الله تعالى:

( يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ)

إبراهيم 14

يوم تُبَدَّل هذه الأرض بأرض أخرى  ، وكذلك تُبَدَّل السموات بغيرها

قال الله تعالى:

( وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى الْأَرْضَ بَارِزَةً وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا )

الكهف 47

واذكر لهم يوم نُزيل الجبال عن أماكنها، وتبصر الأرض ظاهرة، ليس عليها ما يسترها مما كان عليها من المخلوقات، وجمعنا الأولين والآخِرين لموقف الحساب، فلم نترك منهم أحدًا.

4 – الأرض ودلائل التوحيد

إن من أبرز ما تميزت به الآيات القرآنية التي عنيت بذكر مخلوقات الله تعالى، وبعظيم صنعه جل وعلا في هذه المخلوقات هو الدعوة إلى التوحيد بأنواعه الثلاث (الربوبية، والألوهية، والأسماء والصفات)، وفيما يأتي بيان لما ركزت على إبرازه وتقريره الآيات القرآنية التي ورد فيها ذكر الأرض من دلائل التوحيد:

1- دليل على ربوبيته

قال الله تعالى :

﴿ إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَىٰ عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مَا مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ ذَٰلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ ﴾

يونس: ٣

وقد استدلت هذه الآية القرآنية الكريمة على وحدانية الله تعالى من خلال بيانها أنه سبحانه هوالخالق للسماوات السبع و الأرض التي يعيش الناس عليها و فيها يجدون كل مستلزماتهم التي لا يستطيعون العيش بدونها

2- دليل على ألوهيته

قال الله تعالى :

﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ ﴾

الأنعام :1

الثناء على الله بصفاته التي كلّها أوصاف كمال، وبنعمه الظاهرة والباطنة، الدينية والدنيوية، الذي أنشأ السموات والأرض وما فيهن، وخلق الظلمات والنور، وذلك بتعاقب الليل والنهار. وفي هذا دلالة على عظمة الله تعالى، واستحقاقه وحده العبادة، فلا يجوز لأحد أن يشرك به غيره.

3- دليل على قدرة الله تعالى على البعث والنشور

قال الله تعالى:

﴿ وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ . ذَٰلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِي الْمَوْتَىٰ وَأَنَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾

الحج: ٥-٧

وترى الأرض يابسةً ميتة لا نبات فيها، فإذا أنزلنا عليها الماء تحركت بالنبات تتفتح عنه، وارتفعت وزادت لارتوائها، وأنبتت من كل نوع من أنواع النبات الحسن الذي يَسُرُّ الناظرين. ذلك المذكور مما تقدَّم من آيات قدرة الله تعالى، فيه دلالة قاطعة على أن الله سبحانه وتعالى هو الرب المعبود بحق، الذي لا تنبغي العبادة إلا له، وهو يُحيي الموتى، وهو قادر على كل شيء.

-4 تسبيح الأرض

مما لا شك فيه أن تسبيح المخلوقات جميعها لله سبحانه دليل على وحدانيته جل وعلا، فلو لم يكن سبحانه وحده الخالق الرازق المدبر لشؤون جميع المخلوقات لما سبحت له، ولما قدسته.

قال الله تعالى:

﴿ تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَٰكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا ﴾

الإسراء: ٤٤

و الأرض من ضمن المخلوقات العظيمة الخلق التي تسبح بحمد الله تعالى كما هو مبينٌ في الآية الكريمة.

5- الله هو المالك المتصرف في الأرض

أثبتت آيات الذكر الحكيم أن الله تعالى هو المالك المتصرف في الأرض.

قال الله تعالى:

﴿ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾

آل عمران: ١٨٩

وتعد ملكية الله تعالى للأرض والسماوات من أقوى الأدلة على وحدانيته جل وعلا .

6- إحاطة علم الله تعالى بما في الأرض

بينت آيات القرآن الكريم في غير موضع أن الله تعالى بكل شيء عليم

قال الله تعالى:

﴿ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ ﴾

البقرة: ٣٣

ويعد علم الله تعالى بالأمور كلها وبالأخص ما يحدث منها على وجه الأرض من أقوى الأدلة على وحدانية الله تعالى، فلو أنه سبحانه لم يكن يعلم ما يحدث على الأرض للزمه شريك يزوده بما يخفى عليه من المعلومات حتى لا يقع في الظلم عند تقسيم الأرزاق، أوعند التشريع، أوعند الحساب، أو….إلخ، وبالتالي فلما ثبت للعباد قطعًا عدم وقوع الظلم من الله تعالى في أي أمر من الأمور، تبين أنه سبحانه واحد لا شريك له ولا مثيل.

7- وراثة الله تعالى للأرض

يعد انفراد الله تعالى بميراث السماوات والأرض من أبرز ما يدلل على وحدانيته جل وعلا، إذ لو كان معه إله غيره لقاسمه هذا الميراث، وبالتالي فإن تقرير آيات القرآن بتفرد الله تعالى بميراث السماوات والأرض دليل على وحدانيته جل وعلا.

قال الله تعالى:

﴿ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ﴾

آل عمران: ١٨٠

والله سبحانه وتعالى هو مالك الملك، وهو الباقي بعد فناء جميع خلقه، وهو يرث السماوات والأرض بعد فناء أهلهما  وهو خبير بأعمالكم جميعها، وسيجازي كلا على قدر استحقاقه.

5- آيات الله تعالى

    في الأرض

أمر الله تعالى الناس بالسير في الأرض والملاحظة والقيام بالاستنباط من خلال ملاحظاته عن أصل الخلق

قال الله تعالى:

( قُل سِيرُوا فِي الأَرضِ فَانظُرُوا كَيفَ بَدَأَ الخَلقَ ثُمَّ اللهُ يُنشِئُ النَّشأَةَ الآخِرَةَ إِنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيءٍ, قَدِير )

العنكبوت: 2

إن من آيات الله العظيمة هذه الأرض التي نمشي عليها ، ونسير في فجاجها ، كم فيها  من البراهين الدالة على كمال الخالق وعظمة الموجد

قال الله تعالى:

﴿ إِنَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ ﴾

الجاثية : 3

﴿ وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ ﴾

الذاريات : 20

﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ﴾

البقرة 164

هذه الأرض لم يوجدها الله تعالى لعبًا وباطلاً

قال الله تعالى:

﴿ وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ ﴾

الأنبياء 16

﴿ مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ ﴾

الروم 8

ومن آيات الله العظيمة في الأرض

أ –  الليل و النهار

قال الله تعالى:

﴿ وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِبَاسًا وَالنَّوْمَ سُبَاتًا وَجَعَلَ النَّهَارَ نُشُورًا ﴾

الفرقان 47

﴿ وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا . وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا ﴾

النبأ 10- 11

والله تعالى هو الذي جعل لكم الليل ساترًا لكم بظلامه كما يستركم اللباس، وجعل النوم راحة لأبدانكم، وجعل لكم النهار؛ لتنتشروا في الأرض، وتطلبوا معايشكم.

ب – المطر

قال الله تعالى:

﴿ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ ﴾

لقمان 34

﴿ وهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ ﴾

الشورى 28

والله وحده هو الذي ينزل المطر من السماء، فيغيثهم به من بعد ما يئسوا من نزوله، وينشر رحمته في خلقه، فيعمهم بالغيث

ت – النباتات

قال الله تعالى:

﴿ وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ﴾

الرعد : 4

أنواعًا من النباتات مختلفة في الهيئات وفي الأشكال، وفي الطعم وفي المنظر، مع أنها سُقيت بماء واحد، ونبتت على أرض واحدة

قال الله تعالى:

﴿ وَآيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ ﴾

يس 33

ث – الدواب

قال الله تعالى:

( وَالأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ . وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ . وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَّمْ تَكُونُواْ بَالِغِيهِ إِلاَّ بِشِقِّ الأَنفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ . وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ )

النحل 5- 8

﴿ وَفِي خَلْقِكُمْ وَمَا يَبُثُّ مِنْ دَابَّةٍ آيَاتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ )

الجاثية 4

﴿ وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ )

فاطر 28

﴿ وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا )

هود 6

وخلقنا من الناس والدواب والإبل والبقر والغنم ما هو مختلف ألوانه كذلك، فمن ذلك الأحمر والأبيض والأسود وغير ذلك كاختلاف ألوان الثمار والجبال

ج – البحار

قال الله تعالى:

﴿ وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ )

النحل 14

ح – الطيور

قال الله تعالى:

﴿ أَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ مُسَخَّرَاتٍ فِي جَوِّ السَّمَاءِ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا اللَّهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ )

النحل 79

﴿ أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا الرَّحْمَٰنُ )

الملك 19

أولم ينظروا إلى الطير فوقهم، باسطات أجنحتها عند طيرانها في الهواء، ويضممنها إلى جُنوبها أحيانًا؟ ما يحفظها من الوقوع عند ذلك إلا الرحمن.

خَ – الأنهار

قال الله تعالى:

﴿ أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلَالَهَا أَنْهَارًا )

النمل 61

﴿ وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَارًا )

الرعد 3

﴿ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهَارَ )

إبراهيم 32

وذلَّل لكم الأنهار لسقياكم وسقيا دوابكم وزروعكم وسائر منافعكم

د – الجبال

قال الله تعالى:

﴿ وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْجِبَالِ أَكْنَانًا )

النحل 81

وجعل لكم في الجبال من المغارات والكهوف أماكن تلجؤون إليها عند الحاجة

قال الله تعالى:

﴿ وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ )

فاطر 27

وخَلَقْنا من الجبال طرائق بيضًا وحمرًا مختلفًا ألوانها، و جبالا شديدة السواد ، تحتوي علي كل ما تحتاجون من المعادن والخامات .

قال الله تعالى:

﴿ وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا )

النبأ 7

﴿ وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ ﴾

النحل : 15

﴿ وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا ﴾

النازعات : 32

والجبال أوتادا تثبت بها الأرض كما تثبت الخيام بالأوتاد كي لا تتحرك بكم الأرض

ذ –  تمهيد الأرض

قال الله تعالى:

﴿ وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ بِسَاطًا ﴾

نوح : 19

﴿ هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا  ﴾

الملك : 15

﴿ وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا ﴾

ق : 7

﴿ أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَادًا ﴾

النبأ 6

مدها وبسطها ومهدها، وجعل فيها السُّبل؛ ليسير العباد في أكنافها، ويمشوا في فِجاجها طلبًا لرزق الله، وسعيًا في الحصول على نعمة الله

ر- الثياب

قال الله تعالى:

﴿ يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ ﴾

الأعراف 26

يا بني آدم قد جعلنا لكم لباسًا يستر عوراتكم، وهو لباس الضرورة، ولباسًا للزينة والتجمل

قال الله تعالى:

﴿ وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ ﴾

النحل 81

وجعل لكم ثيابًا من القطن والصوف وغيرهما، تحفظكم من الحر والبرد

وأخيرا ..

كل ما ذكر من  آيات الله العظيمة في الأرض وغيرها الكثير قد جَعَلها

الله تعالى للإنسان على الأرض

قال الله تعالى:

﴿ هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ﴾

البقرة 29

ونجَد النتيجَة

قال الله تعالى:

﴿ وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ ﴾

سبأ 13

وذلك رغم معرفة الإنسان ما ذكره الله تعالى له .

قال الله تعالى:

﴿ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ  فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ ﴾

التوبة 38

فما تستمتعون به في الدنيا قليل زائل، أما نعيم الآخرة فكثير دائم.

6 – خلق الأرض

خلق الله تعالى الأرض وجعلها مهيأةً ليعيش عليها عباده، فوفر لهم فيها كل ما يلزمهم من مأكل ومشرب ومسكن وملبس و…..إلخ، وهذه النعمة لا تقتصر على العباد المكلفين وإنما تتعدى ذلك لتعم كافة المخلوقات التي تعيش على الأرض، وقد ذكر القرآن الكريم عدة خصائص زود الله تعالى بها الأرض حتى تكون صالحة لمعيشة ما عليها من مخلوقات، ومن هذه الخصائص ما يأتي:

1- الرتق والفتق

ذكر القرآن الكريم أن السماء والأرض كانتا رتقًا ففتقهما الله تعالى.

قال الله تعالى:

﴿ أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا ﴾

الأنبياء: ٣٠

أولم يعلم هؤلاء الذين كفروا أن السموات والأرض كانتا ملتصقتين لا فاصل بينهما، فلا مطر من السماء ولا نبات من الأرض، ففصلناهما بقدرتنا .

2- المد والبسط والدحو

ذكر القرآن الكريم أن الله تعالى قد مد الأرض، وأنه قد بسطها، وأنه قد دحاها.

قال الله تعالى:

﴿ وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَارًا ﴾

الرعد: ٣

وهو سبحانه الذي جعل الأرض متسعة ممتدة، وهيأها لمعاشكم، وجعل فيها جبالا تُثبِّتُها وأنهارًا لشربكم ومنافعكم

قال الله تعالى:

﴿ وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ بِسَاطًا ﴾

نوح: ١٩

والله جعل لكم الأرض ممهدة مهيأةً للاستقرار ؛ لتسلكوا فيها طرقًا واسعة.

قال الله تعالى:

﴿ وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَٰلِكَ دَحَاهَا ﴾

النازعات: ٣٠

والأرض بعد خلق السماء بسطها، وأودع فيها منافعها،

وهذا المد والبسط للأرض من أعظم النعم، فلولا أن الله جعلها مبسوطة لما تمكن سكانها من التنقل بسهولة ويسر بين الأماكن المختلفة لقضاء الحاجات المتعددة،

3- التذليل

ذكر القرآن الكريم أن الله عز وجل قد ذلل الأرض.

قال الله تعالى:

﴿ هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ ﴾

الملك: ١٥

الله وحده هو الذي جعل لكم الأرض سهلة ممهدة تستقرون عليها، فامشوا في نواحيها وجوانبها، وكلوا من رزق الله الذي يخرجه لكم منها،

4- السعة

ذكر القرآن الكريم أن الله تعالى قد جعل في الأرض السعة ، وهي وفرة في الرزق وهي خلاف الضيق .

قال الله تعالى:

﴿ وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً ﴾

النساء: ١٠٠

5- الزخرف والتزيين

ذكر القرآن الكريم أن الأرض تتزخرف وتتزين وتتجمل.

قال الله تعالى:

﴿ حَتَّىٰ إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ ﴾

يونس: ٢٤

ومعنى أخذت الأرض زخرفها وازينت، أي: تجملت بالنباتات والأزهار ذات الألوان الجميلة الزاهية.

7- الأرض والإنسان

خلق الله تعالى الأرض وجعلها مأوى للإنسان، ووفر له فيها كافة مستلزماته ومتطلباته من مأكل ومشرب وكسوة، كما أودع فيها من الكنوز ما يكفل للبشرية الرفاهية والسعادة، ولا تتوقف علاقة الإنسان بالأرض عند حد المعيشة فحسب وإنما تربطه بها عدة عناصر ،وهي ما يأتي

1- النشأة والخلق

خلق الله تعالى الإنسان من طين الأرض.

قال الله تعالى:

﴿ إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ ﴾

ص:٧١

﴿ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ ﴾

السجدة:٧

والترابط بين الأرض والإنسان لا تقتصر على المنشأ فحسب، وإنما يتعدى الأمر ذلك إلى المنتهى والمستقر بعد الموت.

قال الله تعالى:

﴿ مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَىٰ ﴾

طه: ٥٥

مما سبق يمكن القول بأن علاقة الإنسان بالأرض هي علاقة قديمة قدم الإنسان نفسه حيث إن نشأته كانت منها، ومرقده عند موته يكون في باطنها، وبعثته يوم القيامة يكون من مكان قبره فيها.

2- تهيئتها للسكن والاستقرار

إن من أقوى الأدلة على وجود الله تعالى ورحمته عنايته بسائر مخلوقاته، وتتجلى عنايته جل وعلا بخلقه توفيره لهم كل ما يحتاجون إليه لشؤون بقائهم ومعيشتهم،، وفيما يأتي تفصيل لبعض مظاهر تهيئة الله تعالى الأرض للإنسان:

– عن المسكن والملبس.

قال الله تعالى:

﴿ وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَنًا ﴾

النحل: ٨٠

﴿ وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ﴾

النحل: ٨١

والمعنى المستفاد من هاتين الآيتين هو أن الله تعالى يمن على عباده بأن جعل لهم من بيوتهم مأوًى ومكانًا يستقرون فيه ، كما جعل لهم ملابس تقيهم شدة الحر والبرد، وذلك كالملابس القطنية والصوفية وغيرها،

– عن المأكل والمشرب

قال الله تعالى:

﴿ وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا ﴾

النحل: ١٤

﴿ وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ ﴾

النحل: 5

﴿ هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لَكُمْ مِنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ . يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالْأَعْنَابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾

النحل: 10- 11

3- الاستخلاف فيها وعمارتها

خلق الله تعالى الأرض، وجعل الإنسان فيها خليفة.

قال الله تعالى:

﴿ وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ﴾

البقرة: ٣٠

قال ربك للملائكة: إني جاعل في الأرض خليفة ، ولتحقيق الخلافة في الأرض لابد من تحقق أمرين هما:

أ – العبادة الحقة

ولا تتحقق العبادة الحقة إلا باخلاص النية فيها لله تعالى

قال الله تعالى:

﴿ وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ﴾

النساء: ٣٦

ب – عمارة الأرض

وترتبط عمارة الأرض بطلب العلوم المختلفة، والله تعالى قد أودع في الأرض من السنن والقوانين التي يؤدي الكشف عنها، والتعرف على خصائصها، إلى ابتكار الصناعات والاختراعات المتعددة التي تعود بالنفع على البشرية، وقد أسند الله تعالى مهمة عمارة الأرض لعباده.

قال الله تعالى:

﴿ هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا ﴾

هود: ٦١

والمراد باستعمار الله تعالى عباده في الأرض أنه أوكل إليهم مهمة العمارة والبناء والقيام بما يجلب النفع والسعادة للبشرية .

4- النهي عن الإفساد فيها

من أشد الأصناف ذمًا في القرآن الكريم هم الذين يفسدون في الأرض، وينشرون فيها الخراب والدمار.

قال الله تعالى:

﴿ فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ . أُولَٰئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَىٰ أَبْصَارَهُمْ ﴾

محمد: ٢٢-٢٣

ويأتي هذا الذم الإلهي للمفسدين في الأرض؛ نظرًا لأن هؤلاء المفسدين يقومون بأعمال تتنافى مع الغاية التي خلق الله تعالى من أجلها الإنسان على هذه البسيطة وهي الإصلاح والتعمير والصلة .

5- توريث الأرض للصالحين

بينت آيات القرآن الكريم في غير موضع أن الله تعالى يورث الأرض لعباده الصالحين الذين يعلون كلمته، ويطبقون شرعه، ويناصرون أولياءه، ويحاربون أعداءه ، ومن هذه المواضع ما يأتي:

قال الله تعالى:

﴿ وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ ﴾

الأنبياء: ١٠٥

ويتضح من هذه الآية الكريمة أن الله تعالى قد قرر في شرائعه أن وراثة الأرض أمر يتوقف على إيمان وتقوى وصلاح ورثتها

قال الله تعالى:

﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ ﴾

النور: ٥٥

تتحدث هذه الآية الكريمة عن الوعد الإلهي للمؤمنين الثابتين على دينهم المداومين على عمل الصالحات بالتمكين في الأرض .

6- السعي في الأرض

من عناية الله تعالى بمن خلق على هذه الأرض أن جعلها ممهدةً مذللةً لهم.

قال الله تعالى:

﴿ هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ  ﴾

الملك: ١٥

وأمر الإباحة الذي وجهه الله تعالى لعباده بقوله: فامشوا في مناكبها، عقب منه سبحانه عليهم بتذليله الأرض لهم فيه بيان ارتباط التذليل للأرض بإمكانية المشي والسعي فيها، فتذليل الأرض يسر للعباد السعي فيها والتنقل بين أرجائها، وبما أن الله تعالى قد خلق العباد على هذه الأرض وأسند إليهم مهمتي العبودية والاستخلاف، فلابد أن يكون سعيهم في الأرض مقيدًا بما يرضي الله تعالى.

أ – من الآيات التي امتدحت السعاة في الأرض بالخير

قال الله تعالى:

﴿ وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَىٰ لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَٰئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا ﴾

الإسراء: ١٩

وتتحدث هذه الآية الكريمة عن العاملين في هذه الدنيا خيرًا، وشكر سعيهم يكون بقبول حسناتهم، والتجاوز عن سيئاتهم .

ب – من الآيات التي ذمت السعاة في الأرض بالشر

قال الله تعالى :

﴿ إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَٰلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾

المائدة: ٣٣

تتحدث هذه الآية الكريمة عن صنف ذميم من الناس، وهؤلاء هم الذين يحاربون أولياء الله تعالى، ويقطعون عليهم الطريق، فيروعونهم ويسلبونهم ويقتلونهم، وهؤلاء قد جعل الله تعالى لهم عقوبة في الدنيا وتتمثل في حد الحرابة، كما جعل لهم عقوبة في الآخرة وتتمثل في عذاب النار العظيم، وما ذلك إلا جزاءً على سوء سعيهم في الأرض.

8- الأرض بين النعيم والعذاب

خلق الله تعالى الأرض لينعم الناس بالعيش عليها، مع العلم بأن العيش الطيب مشروط بالمداومة على الإخلاص في العبادة لله تعالى، والإحسان في العمل وفق ما أمر جل وعلا، يؤكد ذلك ، ما يلي

قال الله تعالى :

﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾

النحل: ٩٧

وعلى الرغم من معرفة الناس لهذا الأمر إلا أن كثيرًا من الناس أعرضوا عن ذكر ربهم، فسلط الله تعالى عليهم المعيشة الضنك.

قال الله تعالى :

﴿ وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا ﴾

طه: ١٢٤

ومن الناس من تمادوا في ظلمهم وطغيانهم حتى حق عليهم عذاب الله تعالى، فأزال الله تعالى ما بهم من نعمة وأهلكهم، وفيما يأتي نصوص من القرآن تؤكد حصول النعيم للمتقين، والعذاب للمفسدين:

أولًا: نعيم الله في الأرض

قال الله تعالى:

﴿ أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً ﴾

لقمان: 20

ألم تروا- أيها الناس- أن الله ذلَّل لكم ما في السموات من الشمس والقمر والسحاب وغير ذلك، وما في الأرض من الدوابِّ والشجر والماء، وغير ذلك مما لا يحصى، وعمَّكم بنعمه الظاهرة على الأبدان والجوارح، والباطنة في العقول والقلوب، وما ادَّخره لكم مما لا تعلمونه؟

على لسان نوح عليه السلام

قال الله تعالى:

﴿ فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا . يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا . وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا ﴾

نوح: ١٠-١٢

ثانيًا: عذاب الله في الأرض

كثيرًا ما تحدثت آيات القرآن الكريم عن عذاب الله تعالى في الأرض، وهذا يدل على كثرة من أهلك الله تعالى من الأقوام الظالمة.

قال الله تعالى:

﴿ وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنَ الْقُرُونِ مِنْ بَعْدِ نُوحٍ وَكَفَىٰ بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا ﴾

الإسراء: ١٧

ومن المعلوم أن التعاطي السلبي مع عوامل الفساد في الأرض يؤدي بشكل حتمي إلى الظلم والفساد، وهذا الأمر هو الذي تسبب في فساد الأمم وغفلتها ومن ثم هلاكها ، وفيما يأتي صور من عذاب الله تعالى في الأرض:

– خسف الله تعالى الأرض بقارون

قال الله تعالى:

﴿ إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَىٰ فَبَغَىٰ عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ  . وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ . قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَىٰ عِلْمٍ عِنْدِي أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا وَلَا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ . فَخَرَجَ عَلَىٰ قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ . وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ . فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ ﴾

القصص: ٧٦ – ٨١

– ما حدث مع ثمود قوم نبي الله صالح عليه السلام

قال الله تعالى:

﴿ وَإِلَىٰ ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَٰهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ هَٰذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ . وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الْأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِهَا قُصُورًا وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتًا  فَاذْكُرُوا آلَاءَ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ . قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صَالِحًا مُرْسَلٌ مِنْ رَبِّهِ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ . قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا بِالَّذِي آمَنْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ . فَعَقَرُوا النَّاقَةَ وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ وَقَالُوا يَا صَالِحُ ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ . فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ ﴾

الأعراف: ٧٣-٧٨

9- الأرض يوم القيامة

ذكر الله تعالى في غير موضع من كتابه العزيز آيات كريمة بين فيها أحوال الأرض يوم القيامة حيث تطرأ عليها تغيرات كبرى تبدل معلمها؛ وذلك التغيير يأتي تناسبًا مع هول الحالة التي يكون عليها الموقف يوم القيامة.

قال الله تعالى:

﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ . يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَىٰ وَمَا هُمْ بِسُكَارَىٰ وَلَٰكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ ﴾

الحج: ١- ٢

ومما ذكرته آيات القرآن الكريم من أحوال للأرض يوم القيامة ما يأتي:

1- الرج

قال الله تعالى:

﴿ إِذَا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا ﴾

الواقعة: ٤

من الأحداث المهولة التي تحدث للأرض يوم القيامة أنها تهتز وتضطرب من شدة ذلك اليوم العظيم.

2- الدك

قال الله تعالى:

﴿ كَلَّا إِذَا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا ﴾

الفجر: ٢١

ومن أهوال يوم القيامة التي ذكرها الله تعالى في كتابه العزيز دك الأرض، أي: تحطيمها ودق أجزائها بأجزائها حتى تصير مستويةً.

3- المد

قال الله تعالى:

﴿ وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ ﴾

الانشقاق: ٣

ومما ذكر القرآن من أحوال الأرض يوم القيامة أنها تمد، وذلك بمعنى أنه تزداد مساحة سطحها.

4- الزلزلة

قال الله تعالى:

﴿ إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا ﴾

الزلزلة: ١

وزلزلة الأرض تعني: أنها تتحرك وتضطرب بشدة حتى يتكسر كل ما عليها، ويخرج كل ما في باطنها.

– إخراج الأثقال

قال الله تعالى:

﴿ وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا ﴾

الزلزلة: ٢

وإخراج الأرض أثقالها يوم القيامة يعني: أن تقوم الأرض بإخراج ما فيها من أثقال وأحمال.

6- التبديل

قال الله تعالى:

﴿ يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ ﴾

إبراهيم: ٤٨

تبديل الأرض يوم القيامة يعني: حدوث تغيرات كبرى تجعل منها أرضًا جديدةً غير الأرض التي عهدها الناس في الدنيا، وسواءٌ أكان التبديل للأرض بتغيير معالمها فقط، أو بتغيير ذاتها كليًا

 

Share This