1- مفهوم الأذى

الأذى هو الضرر الذي يلحق بالأخرين في أنفسهم ، أو أجسامهم ، دنيويًا أو أخرويًا.

2- كلمة الأذى

       في

القرآن الكريم

وردت كلمة (أذي) وصيغها في القرآن الكريم ٢٤ مرة.  والصيغ التي وردت هي:

– الفعل الماضي

ورد مرتين

قال الله تعالى:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَىٰ فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا ﴾

الأحزاب:٦٩

– الفعل المضارع

ورد ٩ مرات

قال الله تعالى:

﴿ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾

التوبة:٦١

– فعل الأمر

ورد ٤ مرات

قال الله تعالى:

﴿ وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ فَآذُوهُمَا ﴾

النساء:١٦

– المصدر

ورد ٩ مرات

قال الله تعالى:

﴿ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى ﴾

البقرة:٢٢٢

وجاء الأذى في القرآن الكريم بمعني ما يصل إلى الإنسان من الضرر.

3- الكلمات ذات الصلة

    بكلمة الأذى

– السوء

السوء هو كل ما يغم الإنسان من الأمور الدنيوية، والأخروية، ومن الأحوال النفسية، والبدنية، والخارجة، من فوات مال، وجاه، وفقد حميم .

قال الله تعالى:

﴿ وَإِذْ أَنْجَيْنَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُقَتِّلُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَٰلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ ﴾

الأعراف: 141

– المصيبة

المصيبة هي البلية وكل أمر مكروه.

قال الله تعالى:

﴿ وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ ﴾

الشورى: 30

– الضرر

الضرر هو كل ما كان من سوء حال وفقر أو شدة ، وهو ضد النفع

قال الله تعالى:

﴿ قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ ﴾

الأعراف: 188

4- أنواع الأذى

       في

 القرآن الكريم

بيَن سبحانه في كتابه العزيز الهدف من هذه الحياة، والحكمة من تقدير الموت والحياة .

قال الله تعالى:

﴿ الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا  ﴾

الملك:٢

ولن يكون ابتلاء وامتحان دون معاناة، فكانت الحياة البشرية شاقة

قال الله تعالى:

﴿ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ ﴾

البلد:٤

فيعيش الإنسان في مشقة يكابد مصائب الدنيا وشدائد الآخرة ، التي يصدق على كثير منها مسمى الأذى، الذي يعود بعضه إلى طبيعة الإنسان ، ويحدث بعضه الآخر تحت ظروف صحية ، أو نتيجة لسلوك معين يصدر من الإنسان نفسه.

أولًا: الأذى الطبيعي

الأذى الطبيعي هو ما كان من طبيعة الأشياء، ومن لوازمها، ومثاله الحيض ، و هو خلقة في النساء، وطبع معتاد معروف منهن .

قال الله تعالى:

﴿ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىٰ يَطْهُرْنَ ﴾

البقرة :٢٢٢

أي  أن الحيض من دواعي الصفات البشرية، والحاجات الإنسانية

ثانيًا: الأذى المرضي

الأذى المرضي والحديث هنا عن الأذى الذي يصيب الإنسان نتيجة مرض طارئ؛ فيسبب له الألم، والمعاناة، ومن هنا فهذا الأذى طارئ، يصيب الجميع الصالح والسيء، الصغير والكبير، الرجل والمرأة، الغني والفقير، إذا توافرت مسببات المرض ، وعن هذا الأذى

قال الله تعالى:

﴿ وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّىٰ يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ ﴾

البقرة:١٩٦

والمراد بالأذى من الرأس ما فيه من جراح ونحو ذلك ، فالأذى الذي يصيب الإنسان من هذا الباب هو من الأذى المرضي.

ثالثًا: الأذى المشروع

يقع الإنسان تحت طائلة المسائلة نتيجة تصرفاته الخاطئة، وحسب حجم الخطأ الذي ارتكبه يتلقى عقابًا مكافئًا، وهو وسيلة تأديبية أباح الإسلام اللجوء إليها؛ لتقويم سلوك معوج، ومن المؤكد أنها تسبب أذى للإنسان، ولكنه أذى مشروع؛ لأنه من باب التأديب .

قال الله تعالى:

﴿ وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ فَآذُوهُمَا فَإِنْ تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُوا عَنْهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ تَوَّابًا رَحِيمًا ﴾

النساء:١٦

حيث بينت الآية أن من يرتكب فاحشة الزنى؛ وهذا سلوك خاطئ أباح الشرع إيذاء صاحبه تأديبًا له، وزجرًا .

رابعًا: الأذى غير المشروع

الأذى غير المشروع هو الأذى الذي يصيب الإنسان دون وجه حق، ولا يقره الإسلام؛ ولهذا اعتبر غير مشروع، فقد يتعرض الشخص للأذى من قبل أقرانه، أو منافسيه، أو خصومه، وقد يناله الأذى بسبب مواقفه، ومبادئه، وكل هذا أذىً غير مشروع، ومن أمثلته

قال الله تعالى:

﴿ فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ثَوَابًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ ﴾

آل عمران:١٩٥

فهؤلاء المهاجرون كل جريرتهم أنهم آمنوا بالله وحده؛ فتعرضوا للأذية من المشركين بسبب إيمانهم بالله، وعملهم بما شرعه لعباده ، ومثلهم عبر التاريخ الإنساني كثير؛ تعرضوا للأذى والاضطهاد بسبب مواقفهم الإيمانية، ومبادئهم النبيلة.

قال الله تعالى:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَىٰ كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا لَا يَقْدِرُونَ عَلَىٰ شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ ﴾

البقرة:٢٦٤

فترى المنفق يعتد على من أحسن إليه بإحسانه، ويريه أنه اصطنعه، وأوجب عليه حقًا له، ويتطاول عليه بسبب ما أعطاه ؛ مما يسبب له الأذى، فالمتصدق وإن كان قدم مساعدة لغيره؛ إلا أنه بمنه، وتطاوله في الكلام سبب أذىً لصاحبه، وهو أذى غير مشروع؛ بدليل التحذير الإلهي ببيان أن ذلك السلوك يضيع، ويبطل أجر الصدقة.

وخلاصة القول أن مثل هذا النوع من الأذى؛ الواقع على الإنسان – كما في المثالين المذكورين – يعد من الأذى غير المشروع، الذي توعد الله فاعله بالعقاب.

5- أساليب مواجهة الأذى

أساليب مقاومة الأذى في القرآن الكريم متنوعة ، ومنها ما يلي:

1- الصبر

من المؤكد أن أي معاناة يتعرض لها الإنسان تتطلب منه قدرًا من الصبر؛ حتى يتمكن من تجاوزها، وهذا يجعل الصبر واحدًا من أساليب مواجهة الأذى .

قال الله تعالى:

﴿ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَٰلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ ﴾

آل عمران:١٨٦

﴿ وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَىٰ مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّىٰ أَتَاهُمْ نَصْرُنَا ﴾

الأنعام:٣٤

﴿ وَمَا لَنَا أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَىٰ مَا آذَيْتُمُونَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ ﴾

إبراهيم:١٢

وبالتأمل في هذه الآيات يتبين لنا بوضوح أن الصبر عامل مهم من عوامل مواجهة الأذى  فالصبر في مواجهة الأذى طريق يرجى بها تحقيق النصر، ورفع الأذى عن المؤمنين.

2- التوكل على الله

في مواجهة الأذى لابد من التوكل على الله فهو المعتمد، وهو المقصود سبحانه في كل الحوائج وبدون معيته فالضياع محتوم والقدرة على المواجهة معدومة، ولهذا صرح به الرسل وهم يتحدون أقوامهم، وذكر الله ذلك على لسانهم .

قال الله تعالى:

﴿ وَمَا لَنَا أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَىٰ مَا آذَيْتُمُونَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ ﴾

إبراهيم:١٢

3- الاحتساب

من العوامل المعينة على مواجهة الأذى؛ شعور الإنسان أن ما يتعرض له من أذى يقابله الأجر الكبير من الله، فهو يحتسب ما يصيبه من أذى عند الله؛ مما يهون عليه شدة العذاب .

قال الله تعالى:

﴿ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ ﴾

التوبة:١٢٩

4- الإعراض عن المؤذي

وهذا منهج آخر ووسيلة مختلفة في مواجهة الأذى تتلخص في إعراض عن المؤذي

قال الله تعالى:

﴿ وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ وَدَعْ أَذَاهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَىٰ بِاللَّهِ وَكِيلًا ﴾

الأحزاب:٤٨

أي: لا تكترث بما يصدر منهم من أذًى إليك؛ فإنك أجل من الاهتمام بذلك

6 – مجالات الأذًى

      في

القرآن الكريم

تنقسم مجالات الأذًى في القرآن الكريم إلي الأقسام التالية

أولا – الذين يؤذون الله

قال الله تعالى:

﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا ﴾

الأحزاب 57

معنى يؤذون الله أي يخالفون أمر الله، ويعصونه، ويقولون في وصفه ما هو منزه عنه، والله تعالى لا يلحقه أذى، ولكن لما كانت المخالفة فيما بيننا، والخروج عن أمر الله، يسمى إيذاء له؛ خاطبنا الله بما نعرفه في تخاطبنا .

والذين يؤذون الله هم اليهود والنصارى والمشركون

1- قالت اليهود

أ – يد الله مغلولة

قال الله تعالى:

﴿ وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ ﴾

المائدة: 64

من مآثم اليهود أنهم قالوا: يد الله محبوسة عن فعل الخيرات، بَخِلَ علينا بالرزق والتوسعة، وذلك حين لحقهم جَدْب وقحط. غُلَّتْ أيديهم، أي: حبست أيديهم هم عن فِعْلِ الخيرات، وطردهم الله من رحمته بسبب قولهم. وليس الأمر كما يفترونه على ربهم، بل يداه مبسوطتان لا حَجْرَ عليه، ولا مانع يمنعه من الإنفاق، فإنه الجواد الكريم، ينفق على مقتضى الحكمة وما فيه مصلحة العباد.

ب – وإن الله فقير ونحن أغنياء

قال الله تعالى:

﴿ لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا ﴾

آل عمران: 181

لقد سمع الله قول اليهود الذين قالوا: إن الله فقير إلينا يطلب منا أن نقرضه أموالا ونحن أغنياء. سنكتب هذا القول الذي قالوه .

2- قالت النصارى

أ – إن المسيح ابن الله

قال الله تعالى:

﴿ وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا . لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا . تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا . أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا . وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا ﴾

مريم: 88 – 92

وقال هؤلاء الكفار: اتخذ الرحمن ولدًا. لقد جئتم – أيها القائلون – بهذه المقالة شيئا عظيمًا منكرًا. تكاد السموات يتشقَّقْنَ مِن فظاعة ذلكم القول، وتتصدع الأرض، وتسقط الجبال سقوطًا شديدًا غضبًا لله لِنِسْبَتِهم له الولد. تعالى الله عن ذلك علوًا كبيرًا. وما يصلح للرحمن، ولا يليق بعظمته، أن يتخذ ولدًا؛ لأن اتخاذ الولد يدل على النقص والحاجة، والله هو الغني الحميد المبرأ عن كل النقائص.

ب – إن الله ثالث ثلاثة

قال الله تعالى:

﴿ لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَٰهٍ إِلَّا إِلَٰهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾

المائدة: 73

لقد كفر من النصارى من قال: إنَّ الله مجموع ثلاثة أشياء: هي الأب، والابن، وروح القدس. أما عَلِمَ هؤلاء النصارى أنه ليس للناس سوى معبود واحد، لم يلد ولم يولد، وإن لم ينته أصحاب هذه المقالة عن افترائهم وكذبهم ليُصِيبَنَّهم عذاب مؤلم موجع بسبب كفرهم بالله.

3- قال المشركون

أ – الملائكة بنات الله

قال الله تعالى:

﴿ وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَنَاتِ سُبْحَانَهُ وَلَهُمْ مَا يَشْتَهُونَ ﴾

النحل 57

ويجعل الكفار لله البنات، فيقولون: الملائكة بنات الله، تنزَّه الله عن قولهم، ويجعلون لأنفسهم ما يحبون من البنين.

ب – الأصنام شركاؤه

قال الله تعالى:

﴿ وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْرَاهِيمَ . إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا تَعْبُدُونَ . قَالُوا نَعْبُدُ أَصْنَامًا فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ ﴾

الشعراء 69- 71

واقصص على الكافرين – أيها الرسول – خبر إبراهيم حين قال لأبيه وقومه: أي شيء تعبدونه؟ قالوا: نعبد أصنامًا، فنَعْكُف على عبادتها.

ج – إنهم يجعلون له ندًا

قال الله تعالى:

﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ ﴾

البقرة 165

﴿ وَجَعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعُوا فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّارِ﴾

إبراهيم 30

وجعل هؤلاء الكفار لله شركاء عبدوهم معه؛ ليُبْعدوا الناس عن دينه. قل لهم -أيها الرسول-: استمتعوا في الحياة الدنيا؛ فإنها سريعة الزوال، وإن مردَّكم ومرجعكم إلى عذاب جهنم.

د – الكذب على الله

قال الله تعالى:

﴿ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ ﴾

الزمر 60

ويوم القيامة ترى هؤلاء المكذبين الذين وصفوا ربهم بما لا يليق به، ونسبوا إليه الشريك والولد وجوههم مسودة. أليس في جهنم مأوى ومسكن لمن تكبر على الله، فامتنع من توحيده وطاعته؟ بلى.

ثانيا – إيذاء رسل الله

قال الله تعالى:

﴿ وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ ﴾

الصف: 5

وقد تعرض رسل الله خلال رحلتهم المباركة إلى كثير من الأذى؛ عبر أساليب متعددة، منها

1- السخرية بهم

قال الله تعالى:

﴿ وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُو آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ ﴾

الصافات  36

ويقولون: أنترك عبادة آلهتنا لقول رجل شاعر مجنون؟ يعنون رسول الله صلى الله عليه وسلم.

قال الله تعالى:

﴿ بَلْ قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ بَلِ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ شَاعِرٌ ﴾

الأنبياء 5

بل جحد الكفار القرآن فمِن قائل: إنه أخلاط أحلام لا حقيقة لها، ومن قائل: إنه اختلاق وكذب وليس وحيًا، ومن قائل: إن محمدًا شاعر، وهذا الذي جاء به شعر .

قال الله تعالى:

﴿ كَذَٰلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ ﴾

الذاريات 52

كما كذبت قريش نبيَّها محمدًا صلى الله عليه وسلم، وقالوا: هو شاعر أو ساحر أو مجنون، فعلت الأمم المكذبة رسلها من قبل قريش، فأحلَّ الله بهم نقمته.

2- تكذيب رسالتهم

قال الله تعالى:

﴿ قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَاذِبِينَ ﴾

الأعراف: 66

قال الكبراء الذين كفروا من قوم هود: إنا لنعلم أنك بدعوتك إيانا إلى ترك عبادة آلهتنا وعبادة الله وحده ناقص العقل، وإنا لنعتقد أنك من الكاذبين على الله فيما تقول.

قال الله تعالى:

﴿ إِنْ كُلٌّ إِلَّا كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ عِقَابِ ﴾

ص: 14

إن كل من الأمم إلا كذب الرسل لأنهم إذا كذبوا واحدا منهم فقد كذبوا جميعهم لأن دعوتهم واحدة، وهي دعوة التوحيد فوجب عليهم العقاب.

قال الله تعالى:

﴿ كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ ﴾

ق: 14

كل هؤلاء الأقوام كذَّبوا رسلهم، فحق عليهم الوعيد الذي توعدهم الله به على كفرهم.

قال الله تعالى:

﴿ قَالُوا مَا أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا وَمَا أَنْزَلَ الرَّحْمَٰنُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَكْذِبُونَ ﴾

يس: 15

قال أهل القرية للمرسلين: ما أنتم إلا أناس مثلنا، وما أنزل الرحمن شيئًا من الوحي، وما أنتم -أيها الرسل- إلا تكذبون.

– الأذى الجسدي له، ولمن تبعهم

قال الله تعالى:

﴿ فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِمْ بِآيَاتِ اللَّهِ وَقَتْلِهِمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ﴾

النساء: 155

فلعنَّاهم بسبب نقضهم للعهود، وكفرهم بآيات الله الدالة على صدق رسله، وقتلهم للأنبياء ظلمًا واعتداءً .

قال الله تعالى:

﴿ وَأَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ رُسُلًا كُلَّمَا جَاءَهُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَىٰ أَنْفُسُهُمْ فَرِيقًا كَذَّبُوا وَفَرِيقًا يَقْتُلُونَ ﴾

المائدة 70

وأرسلنا إليهم رسلنا،  وكانوا كلما جاءهم رسول من أولئك الرسل بما لا تشتهيه أنفسهم عادَوْه: فكذبوا فريقًا من الرسل، وقتلوا فريقًا آخر.

قال الله تعالى:

﴿ قَالُوا يَا شُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مِمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفًا وَلَوْلَا رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ وَمَا أَنْتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ ﴾

هود 91

قالوا: يا شعيب ما نفقه كثيرًا مما تقول، وإننا لَنراك فينا ضعيفًا لست من الكبراء ولا من الرؤساء، ولولا مراعاة عشيرتك لقتلناك رَجْما بالحجارة -وكان رهطه من أهل ملتهم-، وليس لك قَدْر واحترام في نفوسنا.

قال الله تعالى:

﴿ وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَىٰ مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّىٰ أَتَاهُمْ نَصْرُنَا ﴾

الأنعام: ٣٤

ولقد كذَّب الكفارُ رسلا من قبلك أرسلهم الله تعالى إلى أممهم وأوذوا في سبيله، فصبروا على ذلك ومضوا في دعوتهم وجهادهم حتى أتاهم نصر الله.

قال الله تعالى:

﴿ قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ . النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ . إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ . وَهُمْ عَلَىٰ مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ ﴾

البروج  4- 7

لُعن الذين شَقُّوا في الأرض شقًا عظيمًا؛ لتعذيب المؤمنين، وأوقدوا النار الشديدة ذات الوَقود، إذ هم قعود على الأخدود ملازمون له، وهم على ما يفعلون بالمؤمنين من تنكيل وتعذيب حضورٌ.

وأخيرا

قال الله تعالى:

﴿ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾

التوبة: 61

والذين يؤذون رسول الله محمدًا صلى الله عليه وسلم وهو من رسل الله تعالى ، بأي نوع من أنواع الإيذاء، لهم عذاب مؤلم موجع.

ثالثا – أذى الناس بعضهم

إن إيذاء الآخرين بغير حق جرم موجب للعنة والإثم، ومحبط لبعض الأعمال ومقتضي للغرم، وزيغ القلوب والندم . ومن أنواع إيذاء الآخرين ، ما يلي

أ – الشتم والسب

قال الله تعالى:

﴿ وَاللَّذَانَ يَأْتِيَانِهَا مِنكُمْ فَآذُوهُمَا ﴾

النساء: 16

واللذان يقعان في فاحشة الزنا أو اللواط ، فآذُوهما بالضرب والهجر والتوبيخ، فإن تابا عمَّا وقع منهما وأصلحا بما يقدِّمان من الأعمال الصالحة فاصفحوا عن أذاهما.

قال الله تعالى:

﴿ لَن يَضُرُّوكُمْ إِلاَّ أَذًى ﴾

آل عمران: 111

لن يضركم هؤلاء الفاسقون من أهل الكتاب إلا ما يؤذي أسماعكم من ألفاظ الشرك والكفر وغير ذلك .

قال الله تعالى:

﴿ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا ﴾

آل عمران: 186

ولتَسمعُنَّ من اليهود والنصارى والمشركين ما يؤذي أسماعكم من ألفاظ الشرك والطعن في دينكم. وإن تصبروا -أيها المؤمنون- على ذلك كله، وتتقوا الله بلزوم طاعته واجتناب معصيته، فإن ذلك من الأمور التي يُعزم عليها، وينافس فيها.

ب – الزور والبهتان على البريء

قال الله تعالى:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِندَ اللَّهِ وَجِيهًا ﴾

الأحزاب: 69

يا أيها الذين آمنوا لا تؤذوا رسول الله بقول أو فعل، ولا تكونوا أمثال الذين آذوا نبيَّ الله موسى، فبرَّأه الله مما قالوا فيه من الكذب والزور، وكان عند الله عظيم القدر والجاه.

قال الله تعالى:

﴿ إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ ﴾

النور: 15

حين تتلقفون الإفك وتتناقلونه بأفواهكم، وهو قول باطل، وليس عندكم به علم، وهما محظوران: التكلم بالباطل، والقول بلا علم، وتظنون ذلك شيئًا هيِّنًا، وهو عند الله عظيم. وفي هذا زجر بليغ عن التهاون في إشاعة الباطل.

جـ – المَنُّ عند العطية

قال الله تعالى:

﴿ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لاَ يُتْبِعُونَ مَا أَنفَقُواُ مَنًّا وَلاَ أَذًى لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾

البقرة: 262

الذين يخرجون أموالهم في الجهاد وأنواع الخير، ثم لا يتبعون ما أنفقوا من الخيرات مَنّاً على مَن أعطَوه ولا أذى بقول أو فِعْلٍ يشعره بالتفضل عليه، لهم ثوابهم العظيم عند ربهم، ولا خوف عليهم فيما يستقبلونه من أمر الآخرة، ولا هم يحزنون على شيء فاتهم في هذه الدنيا.

قال الله تعالى:

( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَىٰ كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِر فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا لَا يَقْدِرُونَ عَلَىٰ شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا ﴾

البقرة: 264

يأيها الذين آمنوا لا تُذْهِبُوا ثواب ما تتصدقون به بالمنِّ والأذى، فهذا شبيه بالذي يخرج ماله ليراه الناس، فيُثنوا عليه، وهو لا يؤمن بالله ولا يوقن باليوم الآخر، فمثل ذلك مثل حجر أملس عليه تراب هطل عليه مطر غزير فأزاح عنه التراب، فتركه أملس لا شيء عليه، فكذلك هؤلاء المراؤون تضمحلُّ أعمالهم عند الله، ولا يجدون شيئًا من الثواب على ما أنفقوه. والله لا يوفق الكافرين لإصابة الحق في نفقاتهم وغيرها.

د – غيبة المؤمنين

قال الله تعالى:

﴿ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا ﴾

الأحزاب: 58

والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بقول أو فعل من غير ذنب عملوه، فقد ارتكبوا أفحش الكذب والزور، وأتوا ذنبًا ظاهر القبح يستحقون به العذاب في الآخرة

قال الله تعالى :

﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا * وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا ﴾

الأحزاب: 57 – 58

 

Share This