مفهوم الأخوة  في القرآن الكريم

1- مفهوم الأخوة

الأخوة هي مشاركة شخص لآخر في الولادة من الطرفين أو من أحدهما أو من الرضاع، ويستعار لكل مشارك لغيره في القبيلة أو في الدين أو في صنعة أو في معاملة أو في مودة أو في غير ذلك من المناسبات.

2- كلمة الأخوة

     في

القرآن الكريم

وردت كلمة (أخو) في القرآن الكريم ٩٦ مرة. والصيغ التي وردت هي:

– المفرد

ورد ٦٠ مرة

قال الله تعالى:

﴿ قَالُوا إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ ﴾

يوسف:٧٧

– المثنى

ورد  مرتين

قال الله تعالى:

﴿ وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ ﴾

النساء:٢٣

– الجمع

ورد ٣٤ مرة

قال الله تعالى:

﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ ﴾

الحجرات:١٠

وجاءت الأخوة في القرآن الكريم على ستة أوجه:

1- الأخ من الأب والأم أو من أحدهما

قال الله تعالى:

﴿ فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ ﴾

النساء:١١

يعني: الأخ من النسب.

– أخوة القبيلة

قال الله تعالى:

﴿ وَإِلَىٰ عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَٰهٍ غَيْرُهُ ﴾

الأعراف:٦٥

يعني:منهم.

3- الأخوة في الدين

قال الله تعالى:

﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ ﴾

الحجرات:١٠

يعني: في الدين.

4- الأخوة في المودة والمحبة

قال الله تعالى:

﴿ وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَىٰ سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ ﴾

الحجر:٤٧

يعني: جمعتهم المودة والمحبة.

5- الصاحب

قال الله تعالى:

﴿ إِنَّ هَٰذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ ﴾

ص:٢٣

يعني: صاحبي.

6- الشبه

قال الله تعالى:

﴿ قَالَ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ فِي النَّارِ كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا ﴾

الأعراف:٣٨

يعني: شبهها.

3- الكلمات ذات الصلة

   بكلمة الأخوة

– الخلة

أخوة خاصة لأخ معين من بين سائر الإخوان لشدة الموافقة بينه وبين أخيه. وهي أعلا مراتب المحبة.

قال الله تعالى:

﴿ وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا ﴾

النساء:١٢٥

– الصداقة

الصداقة هي اتفاق القلوب على المودة

قال الله تعالى:

﴿ فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ . وَلَا صَدِيقٍ حَمِيمٍ ﴾

الشعراء: ١٠0- 101

4- أنواع الأخوة

     في

القرآن الكريم

الأخوة رابطة قوية تتصف بالدّوام، وتنشأ لأسباب عديدة منها النّسب والدين أو العرق أو الوطن إلى غير ذلك من أسباب، والأخوّة في الإسلام خمسة أنواع ، وهي :

أولًا- أخوة الدين والعقيدة

الأخوة في العقيدة هي أعظم الأخوات ، ويمكن أن نجعلها في قسمين رئيسين:

1- الأخوة بين أهل العقيدة الإسلامية الصحيحة

والعقيدة التي نريدها هي الإيمان الجازم بالله تعالى، وبما يجب له من التوحيد، والإيمان بملائكته وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والقدر خيره وشره، وبما يتفرع عن هذه الأصول ويلحق بها مما هو من أصول الدين.

وقد وردت في ذلك آيات تحمل في مضمونها الأمر المباشر أو الحث أو مدح هذه الأخوة.

قال الله تعالى:

﴿ وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً ﴾

النساء : 23

بمعنى أنّه تعالى ألّف بينهم بأخوّة الإيمان والإسلام التي هي إحدى نعمه جلّ وعلا.

قال الله تعالى:

( إِنّمَا المُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ )

آل عمران : 103

إذ في الآية إشارة إلى اجتماع المؤمنين على الحقّ وتشاركهم في الصفة المقتضية له.

قال الله تعالى:

( فَإِن تَابُوا وَأَقَامُوا الصّلاَةَ وَآتَوُا الزّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدّينِ )

الحجرات : 10

وهذا المقطع من الآية الكريمة صريح في تحقيق معنى أخوة الدين عند تححق ما يقتضي ذلك.

2- أخوة المنافقين وأهل العقائد الفاسدة

أن فريق الكافرين يزيدهم الشيطان غيًا إلى غيهم إذا ركبوا معصية من معاصي الله، ولا يحجزهم تقوى الله، ولا خوف المعاد إليه عن التمادي فيها والزيادة منها، فهم أبدًا في زيادة من ركوب الإثم، والشيطان يزيدهم أبدًا، لا يقصر الإنسي عن شيء من ركوب الفواحش، ولا الشيطان من مدهم منه.

وقد جاءت الآيات التي تحدثت عن أخوتهم السيئة؛ للتحذير منها والتنفير عنها.

أ- ذكر أخوتهم على سبيل الذم

قال الله تعالى :

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ أَوْ كَانُوا غُزًّى لَوْ كَانُوا عِنْدَنَا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا لِيَجْعَلَ اللَّهُ ذَٰلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ  وَاللَّهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ﴾

آل عمران:١٥٦

فينهى تعالى عباده المؤمنين عن مشابهة الكفار في اعتقادهم الفاسد، الدال عليه قولهم عن إخوانهم الذين ماتوا في الأسفار والحروب، لو كانوا تركوا ذلك لما أصابهم ما أصابهم.

ب – بيان زيف أخوتهم، وأنه اجتماع وقت للإضرار بالمؤمنين

قال الله تعالى :

﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلَا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَدًا أَبَدًا وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ ﴾

الحشر:١١

فقولهم هذا: لإخوانهم الذين بينهم وبينهم أخوة الكفر، ولأنهم كانوا يوالونهم ويواخونهم، وكانوا معهم على المؤمنين في السر.

فهذه الأخوة قامت على الكفر بالله، ومعصية رسوله صلى الله عليه وسلم، والإضرار بعباد الله المؤمنين، فلسيت بأخوة على الحقيقة بل لها اشتراك لفظي كما يقال، ولقد ذكرت بصورتها البشعة؛ ليجتنبها عباد الله المؤمنين في أخوتهم، فأخوتهم قائم على أمر الله ورسوله.

ثانيًا- الأخوة في النسب

أصل الأخوة النسب ، وأخوة النسب إما لأشقاء أو غير أشقاء، ومن الآيات التي وردت في ذلك:

– وتطلق على الأخوين أو الإخوة الذين ولدوا من أب واحد وأم واحدة

قال الله تعالى :

﴿ فَطَوّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ ﴾

المائدة: 30

–   أو من أب  واحد دون الأم، وكذا العكس أي من أم واحدة دون الأب، والأول من قبيل الأية التالية .

قال الله تعالى :

 ﴿ وَجَاءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ فَدَخَلُوا عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ . وَلَمّا جَهّزَهُم بِجَهَازِهِمْ قَالَ ائْتُونِي بِأَخٍ لّكُم مِنْ أَبِيكُمْ

يوسف : 58ـ59

– حكم يعم الإخوة جميعًا وهو بيان للمحرمات عليهم من النساء

قال الله تعالى :

﴿ حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالَاتُكُمْ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ ﴾

النساء:٢٣

فكل هؤلاء اللواتي سماهن الله تعالى وبين تحريمهن في هذه الآية، محرمات، فتحرم الأخوات، وبنات الأخ وبنات الأخت أبدًا.

– تجريم الضرر بالأخ من النسب أو غيره

كان ذلك قتل أحد ابني آدم لأخيه

قال الله تعالى :

﴿ فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾

المائدة:٣0

يقول تعالى مبينًا وخيم عاقبة البغي والحسد والظلم في خبر ابني آدم ، كيف عدا أحدهما على الآخر فقتله، بغيًا عليه وحسدًا له ، والأصل أنه لا يجوز الإتيان بشيء يضر بحقوق الأخ القريب أو البعيد.

ثالثًا- الأخوة من الرضاعة

كما أن الأخوة من النسب، فهي كذلك من الرضاع

قال الله تعالى :

( وَأَخَوَاتُكُم مِنَ الرّضَاعَةِ)

النساء :23

– الأخوة من الرضاعة لها الحكم ذاته للمحرمات عليهم من النساء

قال الله تعالى :

﴿ حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالَاتُكُمْ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ ﴾

النساء:٢٣

فيحرم من الرضاع ما يحرم من النسب ، فكل أقارب الأم المرضع أقارب للرضيع، فالمرضعة تصبح أمًا للرضيع، وبنتها أخته، وزوجها أبوه، وأولادها إخوته.

رابعًا- الأخوة في الأوطان والعشيرة

جاء ذكر الأخوة في القرآن الكريم بمعنى أخوة الأوطان والديار، وهي من حقوق الجوار كذلك التي نبه عليها الإسلام، وجعلها حقًا من حقوق الأخوة.

ويمكن تقسيمها كالتالي:

1- أخوة الأوطان

وفي القرآن الكريم وردت بهذا المعنى آيات قليلة وإن كانت في حق الأنبياء.

– عن لوط عليه السلام

قال الله تعالى :

﴿ كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ الْمُرْسَلِينَ . إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ أَلَا تَتَّقُونَ ﴾

الشعراء:١٦0- 161

وجعل لوط أخًا لقومه ولم يكن من نسبهم وإنما كان نزيلًا فيهم، إذ كان قوم لوط من أهل فلسطين من الكنعانيين، وكان لوط عبرانيًا وهو ابن أخي إبراهيم ولكنه لما استوطن بلادهم وعاش فيهم وحالفهم وظاهرهم جعل أخًا لهم.

– عن هود عليه السلام

قال الله تعالى :

﴿ وَإِلَىٰ عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَٰهٍ غَيْرُهُ أَفَلَا تَتَّقُونَ ﴾

الأعراف :٦٥

أخاهم بمعنى: واحدًا منهم أي  أخاهم في القبيلة ، وسماه أخًا تنبيهًا على إشفاقه عليهم شفقة الأخ على أخيه .

قال الله تعالى :

﴿ وَإِلَىٰ عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَٰهٍ غَيْرُهُ أَفَلَا تَتَّقُونَ ﴾

الأعراف:٦٥

﴿ وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ ﴾

الأعراف: ٨0

فأخوة الأوطان تحمل الأخ على العيش مع إخوانه في ديارهم، وتقديم الخير لهم، ورفع الضر عنهم، والتعاون معهم، ودفع الصائل عنهم، فله ما لهم وعليه ما عليهم، وهذا ما نبه عليه الإسلام في اهتمامه الأعظم بحقوق الجار خاصة إن كانوا مسلمين أقرباء.

2- أخوة العشيرة

وأخوة العشيرة هي أخوة نسب لكنها ليست الأخوة المعتادة، فتكون بين الأشقاء أو غير الأشقاء أو بين الرضعاء، أو أبناءهم مجتمعين في عشيرة واحدة.

قال الله تعالى :

﴿ لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ ﴾

المجادلة: 22

وقد أمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم أن ينذر عشيرته الأقربين،

قال الله تعالى :

﴿ وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ ﴾

الشعراء: 214

خامسا – الأخوة في الأصل والإنسانية

قال الله تعالى :

 ﴿ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا ﴾

الإسراء:70

﴿ يا أيها النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ﴾

الحجرات : 3

وهذه الأخوة يشترك بها جميع بني آدم على اختلاف أديانهم وألوانهم وأعراقهم، وهي ما يُعبّر عنه ببني آدم.

5- أحكام الأخوة

     في

القرآن الكريم

أكد القرآن الكريم على مبدأ الأخوة الإسلامية بمعناها الشامل حيث ذكر مقتضيات الإخوة من أحكام وما يلزم فيها ومعها:

أولًا – الميراث

من أعظم ما جاء به الإسلام قضية الميراث

قال الله تعالى :

﴿ وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَٰلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَىٰ بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ  ﴾

النساء:١٢

وإن مات رجل أو امراة وليس له أو لها ولد ولا والد، وله أو لها أخ أو أخت من أم فلكل واحد منهما السدس. فإن كان الإخوة أو الأخوات لأم أكثر من ذلك فهم شركاء في الثلث يقسم بينهم بالسوية لا فرق بين الذكر والأنثى، وهذا الذي فرضه الله للإخوة والأخوات لأم يأخذونه ميراثًا لهم من بعد قضاء ديون الميت، وإنفاذ وصيته إن كان قد أوصى بشيء لا ضرر فيه على الورثة. بهذا أوصاكم ربكم وصية نافعة لكم.

ثانيًا – حرمة النكاح

حرم القرآن الكريم نكاحًا وأحل آخر – ولا يحل إلا طيبًا- لترتيب التعايش بين المؤمنين، وأهم ما حرم نكاحه بين الأخوة ما ذكره الله عز وجل .

قال الله تعالى :

﴿ حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالَاتُكُمْ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا ﴾

النساء:٢٣

أ – فكانت المحرمات – بالأخوة- على الأخ ما يأتي:

– الأخوات: من أم أو أب أو منهما.

– أخوات الأب والأم وهما العمة والخالة: فإن العمة والخالة بمنزلة الأم.

– بنات الأخ وفروعها: شقيقًا كان أو غير شقيق

– بنات الأخت وفروعها: شقيقة أو غير شقيقة.

ولفظ البنات: شامل لبنات البنات وبنات بناتهن وهذا لا نزاع فيه بين المسلمين، وهو نص قرآني صحيح في استواء بنات بنيهن وبنات بناتهن.

– الأخت من الرضاعة و ما تفرع عنها: وهي التي أرضعتها أمك بلبان أبيك، سواء أرضعتها معك أو مع من قبلك أو بعدك من الإخوة والأخوات ، قلت: وكذلك من رضعت من أمها وإن سفلت.

– الجمع بين أختين: في الوطء بنكاح أو ملك يمين من نسب أو رضاع، لما فيه من قطيعة الرحم إلا ما قد سلف في الجاهلية فإنه معفو عنه.

ب – المحرمون – بالأخوة- على الأخت ما يلي:

– الأخ وأبناؤه: شقيقًا أوغير شقيق وكذلك من الرضاعة.

– إخوة أبيها: من النسب أو الرضاع.

– إخوة أمها: من النسب أو الرضاع.

– كل أصل وفرع من طريق الأخ يحرم بالنسب أو الرضاع.

ثالثًا- الإصلاح بين الإخوان

وأول الإصلاح ما هيأه الله سبحانه من إصلاح حال عباده المؤمنين بفضله وبرحمته

قال الله تعالى :

﴿ وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا ﴾

آل عمران:١٠٣

يعني: فأصبحتم بتأليف الله عز وجل بينكم بالإسلام وكلمة الحق، والتعاون على نصرة أهل الإيمان، والتآزر على من خالفكم من أهل الكفر، إخوانًا متصادقين، لا ضغائن بينكم ولا تحاسد.

ومتى ما حصل لهذه الأخوة خلل أو خدش يخشى تفاقمه أوجب الله على جميع المؤمنين السعي بالصلح بين المؤمنين جماعات وفرادى.

قال الله تعالى :

﴿ وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَىٰ فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّىٰ تَفِيءَ إِلَىٰ أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ. إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾

الحجرات:٩-١٠

وإن طائفتان من أهل الإيمان اقتتلوا فأصلحوا -أيها المؤمنون- بينهما بدعوتهما إلى الاحتكام إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، والرضا بحكمهما، فإن اعتدت إحدى الطائفتين وأبت الإجابة إلى ذلك، فقاتلوها حتى ترجع إلى حكم الله ورسوله، فإن رجعت فأصلحوا بينهما بالإنصاف، واعدلوا في حكمكم بأن لا تتجاوزوا في أحكامكم حكم الله وحكم رسوله، إن الله يحب العادلين في أحكامهم القاضين بين خلقه بالقسط. إنما المؤمنون إخوة في الدين، فأصلحوا بين أخويكم إذا اقتتلا وخافوا الله في جميع أموركم؛ رجاء أن تُرحموا.

خامسًا- الولاء والنصرة

مما لا شك فيه أن الأخوة أصل الولاء، وقد بيَن الله الولاء الحقيقي ولمن يكون

قال الله تعالى :

﴿ لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ ﴾

المجادلة:٢٢

فهذا أصل في الولاء والنصرة وأنها كائنة بين العشيرة ومنهم الإخوان، شريطة الإيمان بالله واليوم الآخر

قال الله تعالى :

﴿ وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَٰئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾

التوبة 71

فالنصرة والولاء للأخوة في الدين، أما ما عداهم فلا أخوة لهم ولا نصرة ولا ولاء، والباب متسع للجميع؛ لأن المؤمنين والمؤمنات بعضهم أولياء بعض.

6- قصص الإخوة

     في

 القرآن الكريم

لقد ذكر لنا القرآن الكريم خبرين عن الإخوة والأخوات: خبرًا عن إخوة ظلم بعضهم بعضًا، وخبرًا عن إخوة أحسن بعضهم إلى بعض إحسانًا عظيمًا.

أولا – خبرًا عن إخوة ظلم بعضهم بعضًا

ذكر الله تعالى قصتين في القرآن

أ – قصة ابني آدم

قال الله تعالى :

﴿ وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ . لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ . إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ. فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ . فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءَةَ أَخِيهِ قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ ﴾

المائدة: 27 – 31

أرأيتم ما في هذا المشهد من مأساة؟ كيف تحول الأخ القاتل إلى وحش كاسر لا يريد إلا تلبية رغباته العدوانية الجامحة، فقد حمله حسده وحقده على معصية ربه وإغضابه، وإبكاء والديه وغمهما، وقطع رحمه بالاعتداء على شقيقه بالقتل ظلمًا وعدوانًا.

ب – قصة يوسف و إخوته

فقد كان ليوسف منزلة عظيمة في قلب أبيه النبي يعقوب عليه السلام؛ لما امتاز به من الخلال الحميدة على سائر إخوته، ثم إنه رأى رؤيا تحكي ما ينتظره من علو المنزلة في الدنيا والآخرة، قصها على أبيه، فحذره أن يخبر إخوته برؤياه؛ لعلمه بشدة حسدهم له، فلو بلغهم خبر النعمة هذا، لازدادوا له حسدًا.

قال الله تعالى :

﴿ إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ . قَالَ يَا بُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ ﴾

يوسف: 4- 5

لكن غليان الحسد ازداد بمرور الأيام في قلوب إخوة يوسف، فدبروا مؤامرة للتخلص منه؛ ليصفو لهم قلب أبيهم بالحب، وليبرد وهج أفئدتهم المتقدة بحسد يوسف.

فطلبوا من أبيهم أن يأذن ليوسف بالخروج ليلعب ويستريح معهم، فأذن لهم يعقوب بأخذه على تردد وخوف، وأوصاهم بحفظه.

قال الله تعالى :

﴿ قَالُوا يَا أَبَانَا مَا لَكَ لَا تَأْمَنَّا عَلَىٰ يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَنَاصِحُونَ . أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًا يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ . قَالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ وَأَخَافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنْتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ ﴾

يوسف: 11- 13

وقد كانت مؤامرتهم تقضي بقتله، ثم عدلوا عن ذلك واتفقوا على إبعاده عن أبيهم بإلقائه في الجب.

قال الله تعالى :

﴿ اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ. قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ لَا تَقْتُلُوا يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَتِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ ﴾

يوسف: 9- 10

ثم رجعوا إلى أبيهم بعد خروجه معهم وكذبوا عليه بأن الذئب قد أكله، فعرف يعقوب عليه السلام أنهم كاذبون، فصبر صبرًا جميلًا.

قال الله تعالى :

﴿ وَجَاءُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ ﴾

يوسف: 18

ثم إن يوسف عليه السلام باعه إخوته لجماعة من المسافرين، أو وجده أولئك الركب في البئر فباعوه لعزيز مصر، فبقي في بيت العزيز سنوات، حتى راودته امرأة العزيز، فلما تمنع منها اتهمته بمراودتها؛ فأُدخل السجن فبقي فيه بضع سنين.

فلما ظهرت براءته من التهمة وعُرف علمه بتعبير الرؤى، اصطفاه ملك مصر ليجعله من خلصائه، فطلب منه يوسف أن يجعله على خزائن مصر؛ لينفع الناس بوظيفته، فأعطاه الملك ما طلب.

ثم مرت الأيام واشتدت حاجة إخوة يوسف فجاؤوا إلى مصر أيام ولاية يوسف فتصدق عليهم وأحسن إليهم قبل أن يعرفوه، ثم عرفهم بنفسه، فاعترفوا له بالفضل، وندموا على ما فعلوا معه، فعفا عنهم، ثم أمرهم أن يأخذوا قميصه إلى أبيه، فرجعوا به إليه فعاد إليه بصره بعدما عمي،

قال الله تعالى :

﴿ اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هَذَا فَأَلْقُوهُ عَلَى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيرًا وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ ﴾

يوسف: 93

ثم طلب منهم يوسف أن ينتقلوا إلى مصر، فأكرمهم ورفع شأنهم، فخروا له ساجدين: أبواه وإخوته الأحد عشر، فحصل تأويل رؤياه التي رآها بعدما صار إلى شرف النبوة والولاية.

قال الله تعالى :

﴿ وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا وَقَالَ يَا أَبَتِ هَٰذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ ﴾

يوسف: 100

ثانيًا  – الإخوة الصالحين والأخوات الصالحات

ذكر الله تعالى قصتين في القرآن

أ – قصة أخت موسى مع موسى عليه السلام

قال الله تعالى :

﴿ وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلَا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ . وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ. وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِنْ قَبْلُ فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ . فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ﴾

القصص: 10 – 13

فتأملوا فيما قدمته أخت موسى لموسى عليه السلام، لقد وصل موسى بالتابوت إلى قصر فرعون، وكانت أم موسى على يقين من حياة ابنها، فأرسلت أخته للبحث عن مستقره ومعرفة خبره، فتتبعت أثره حتى وجدته في بيت فرعون، فرأته عن بُعْدٍ وهم لا يشعرون أنها أخته، ووجدتهم يبحثون عن مرضع له، فتلطفت لهم في الخطاب الحذر، ودلتهم على مرضع له وبيت يكفله، فوافقوا فرجعت به إلى بيت أمها.

أرأيتم كيف نفعت الأخت أخاها وأُسْرَتها كلها؟ لقد كانت سببًا لإدخال السعادة عليهم بعد أن خيم الحزن عليهم بفقد وليدهم.

ب – قصة موسى مع أخيه هارون عليهما السلام.

فقد أرسل الله تعالى موسى نبيًّا، فأحب موسى لأخيه هارون الخير، فسأل الله أن يرسله معه نبيًّا كذلك، يستعين به في دعوة فرعون

قال الله تعالى :

﴿ وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي . هَارُونَ أَخِي . اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي. وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي . كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا . وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا . إِنَّكَ كُنْتَ بِنَا بَصِيرًا . قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَى ﴾

طه: 29 – 36

إنه مهما قدم الأخ لأخيه من نفع في هذه الحياة، فلن يستطيع أن ينفعه كما نفع موسى أخاه هارون، فأي نعمة في هذه الحياة فوق نعمة النبوة؟

فيا عباد الله، تمسكوا بإخوانكم وأخواتكم، أدوا إليهم حقوقهم، وانصروهم في الحق، وأحبوهم، وتعاونوا معهم، وصلوهم وادعوا لهم، وقفوا معهم في مشكلاتهم، واحترموهم وبجِّلوهم، وكونوا دائمي التفقد لأحوالهم، وأفضلوا عليهم مما أعطاكم الله، ولا تتركوهم في عناء وعندكم قدرة على إزالة عنائهم، وإذا رأيتموهم على خطأ واعوجاج فلا تغفلوا عن نصحهم بالكلمة الطيبة، ولا تغفلوا عن تربية الصغير منهم، ولا عن توقير الكبير؛ فإن للأخ الكبير حقًّا من التوقير .

Share This