1- ورود لفظ القرية

     في

  القرآن الكريم

لفظ القرية ورد في القرآن الكريم في ستة وخمسين موضعاً، جاء في جميعها بصيغة الاسم، ولم يأتِ بصيغة الفعل.وجاء هذا الاسم في أكثر مواضعه بصيغة المفرد

قال الله تعالى:

 ( رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَٰذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا )

النساء :75

وجاء في مواضع أقل بصيغة الجمع

قال الله تعالى:

( وَلِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَىٰ وَمَنْ حَوْلَهَا )

الأنعام :92

2- معنى لفظ القرية

           في

   القرآن الكريم

لفظ القرية ورد في القرآن الكريم على عدة معان، نسوقها على النحو التالي:

أ – (القرية) ويراد بها مجتمع الناس في أي موضع

قال الله تعالى:

( وَإِنْ مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا نَحْنُ مُهْلِكُوهَا قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ )

الإسراء :58

كل قرية في الأرض سيصيبها بعض هذا. ومن هذا القبيل

قال الله تعالى:

 ( وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ )

الحج :48

ب – (القرية) ويراد بها (مكة المكرمة)

قال الله تعالى:

( وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً )

النحل :112

( وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِنْ قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ )

محمد:13

( الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَٰذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا )

النساء:75

فالمراد بـ ( القرية) في هذه الآيات ونحوها مكة المكرمة.

ت – (القرية) ويراد بها (مكة والطائف)

قال الله تعالى:

( وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَٰذَا الْقُرْآنُ عَلَىٰ رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ  )

الزخرف :31

فقد قال المشركون بالله من قريش لما جاءهم القرآن من عند الله: هذا سحر، فإن كان حقاً، فهلا نزل على رجل عظيم من إحدى هاتين القريتين مكة أو الطائف. وليس في القرآن لفظ (القرية) على هذا المعنى غير هذه الآية.

ث – (القرية) ويراد بها (أنطاكية)

قال الله تعالى:

( وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءَهَا الْمُرْسَلُونَ )

يس :13

واضرب -أيها الرسول- لمشركي قومك الرادِّين لدعوتك مثلا يعتبرون به، وهو قصة أهل القرية، حين ذهب إليهم المرسلون، إذ أرسلنا إليهم رسولين لدعوتهم إلى الإيمان بالله وترك عبادة غيره، فكذَّب أهل القرية الرسولين، فعزَّزناهما وقويناهما برسول ثالث، فقال الثلاثة لأهل القرية: إنا إليكم -أيها القوم- مرسلون

ج – (القرية) ويراد بها (بيت المقدس)

قال الله تعالى:

( وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هَٰذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَدًا  )

البقرة:58

 ( وَإِذْ قِيلَ لَهُمُ اسْكُنُوا هَٰذِهِ الْقَرْيَةَ وَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ )

الأعراف :161

هي قرية بيت المقدس.

د – (القرية) ويراد بها (سدوم)، مدينة من مدائن قوم لوط،

قال الله تعالى:

 ( إِنَّا مُنْزِلُونَ عَلَىٰ أَهْلِ هَٰذِهِ الْقَرْيَةِ رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ )

العنكبوت:34

أن المراد بـ (القرية) هنا قرية (سدوم)، وهي من قرى فلسطين اليوم.

ر- (القرية) ويراد بها (نينوى)

قال الله تعالى:

( فَلَوْلَا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ  )

يونس :98

قوم يونس كانوا بـ (نينوى) أرض الموصل.

ز- (القرية) ويراد بها (الأيلة)

قال الله تعالى:

( فَانْطَلَقَا حَتَّىٰ إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا )

الكهف :77

( وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ )

الأعراف :163

هي قرية يقال لها: أيلة تقع في أقصى جنوب فلسطين ، بين مدين والطور.

س – (القرية) ويراد بها (مصر)

قال الله تعالى:

( وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا وَإِنَّا لَصَادِقُونَ )

يوسف :82

هي مصر.

وعلى ضوء ما تقدم، يمكن القول: إن لفظ القرية أكثر ما ورد في القرآن الكريم على المكان الذي يجتمع فيه الناس، وهذا ما يدل عليه المعنى اللغوي أساساً، أما المعاني الأخرى التي حُمل عليها معنى القرية في القرآن، فقد أرشدت إليها آثار عن السلف، عينت المراد منها.

 3- الفرق بين القرية

 والمدينة في القرآن

يوجد فرقين بين القرية والمدينة في القرآن ،هما ..

أ- من حيث عدد الورود

في القرآن الكريم

وردت كلمة (القرية) ونحوها مثل كلمة (القرى)، (القريتين) وغيرها (57) مرة في القرآن الكريم، بينما وردت كلمة (المدينة) بصيغة المفرد والجمع (17) مرة، أي أن كلمة (القرية) وردت في القرآن الكريم، بأكثر من ثلاثة أضعاف كلمة (المدينة)، ويكاد يخلوا الحديث عن المدينة في القرآن الكريم، إلا من خلال إشارات عابرة عن القرية .

ب – من حيث مدلولهما

في القرآن الكريم

ان كلمة القرية في القرأن الكريم اينما وردت فهي تدل على مجتمع متجانس متفق على شئ واحد (مهنة او فكر) مثل الكفر والايمان او البخل والكرم وهكذا والمدينة تدل على مجتمع خليط من الخير والشر او الكفر والايمان حسبما ورد في القرأن الكريم .

4-  سنن الله تعالى

       في

القرى والمدن

في كل مرة ذكر القران الكريم العذاب والانتقام الالهي في القران الكريم او الظلم الاجتماعي او اي مقياس اخلاقي وتشريعي آخر فانه كان  متعلقاً بالقرية او القرى بشكل يعم كل القرية،

قال الله تعالى:

( وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَٰذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا )

النساء : ٧٥

( وَكَم مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا فَجَاءَهَا بَأْسُنَا بَيَاتًا أَوْ هُمْ قَائِلُونَ  )

الأعراف  ٤

 ( فَلَوْلَا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَىٰ حِينٍ )

يونس  ٩٨

ولم يك الحديث عن أي مقياس اخلاقي متعلقا بكل من في المدينة ابداً ، ولذلك فإنه يشير الى بعض من في المدينة لا كل المدينة، كما نلاحظ

قال الله تعالى:

 ( وَمِمَّنْ حَوْلَكُم مِّنَ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لَا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُم مَّرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَىٰ عَذَابٍ عَظِيمٍ )

التوبة : 101

( وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ )

النمل: ٤٨

و تفسير هذا التباين أن القرية او القرى يمكن أن يسودها موقف واحد بالعادة فيستلزم العذاب او رفعه، بناء على موقفها من امر تشريعي معين، ولذلك تجد العذاب حينما يعمم على كل قرى قوم لوط عليه السلام، فلأنهم اشتركوا جميعاً في موقف واحد، ومن لم يشترك كان راضياً بفعل ما كان قوم لوط يفعلونه، وبنفس القدر رأينا ان البلاء حينما رفع عن قوم يونس عليه السلام، فلأن جميع القرية اتفقت على موقف واحد إزاء مسألة الإنابة الى الله تعالى، ومن هنا نفهم المغزى من اطلاق القرآن الكريم وصف الظلم او البركة على القرى،

قال الله تعالى:

( وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آمِنِينَ )

سبأ : ١٨

وهو امر لم نجده قد استخدم مع المدينة .

و لكن بعض الايات الكريمة التي وردت فيها كلمة القرية نجد سكانها خليط من الخير والشر او الكفر والايمان

قال الله تعالى:

( وَلُوطًا آَتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ تَعْمَلُ الْخَبَائِثَ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَاسِقِينَ )

الانبياء 74

ان القرية المذكورة  يوجد الكفار وكذلك فيها نبي الله لوط واهل بيته.

قال الله تعالى:

( وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ وَقَالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ )

سبأ 35

في هذه القرية يوجد مترفون و هم الكفار وكذلك يوجد النذير وهو النبي .

قال الله تعالى:

( وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءَهَا الْمُرْسَلُونَ إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ )

يس 14

وهنا وجود الانبياء في القرية . وهذا الخليط ليس إلا لوجود منَذِيرين  من أَهلها لتعريفهم ماينتظّرهم من عذاب .

قال الله تعالى:

( وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِدًا )

الكهف 59

ولأن الله تعالى لا يعذّب من لا جريرة له بموقف من ارتكب الجريرة التي استلزمت العذاب، نجد ان الموقف في المدينة اختلف عما رأيناه في القرية، ففي المدينة لا يوجد تبنياً لموقف واحد، وانما يمكن القول بانها تغلب عليها المواقف المتعددة، ولذلك وجدنا القرآن يتحدث عن بعض افراد المدينة لا جميعهم إن أراد أن يثير أمراً تشريعياً أو أخلاقيا ما، سواء في السلب والايجاب، لان المدينة التي تؤمها في العادة أقوام متعددة الاتجاهات والانتماءات يعسر ان تتفق على موقف واحد، فلقد تحدث القرآن عن مكة وسماها بأم القرى لان جميعهم كانوا متوافقين على الشرك، بينما تحدث عن يثرب الحاضرة التي يتعايش فيها المسلمون مع اهل الكتاب من يهود وغيرهم ناهيك عن المنافقين وسماها بالمدينة،

يبقى ان نشير الى ان القرآن الكريم استخدم كلمة المدينة أثناء حديثه عن قوم لوط عليه السلام، كما نلاحظ ذلك

قال الله تعالى:

( وَجَاءَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ يَسْتَبْشِرُونَ )

الحجر ٦٧

وما كان هذا الحديث ليكون لولا ان الوصف يعود الى ان لوطاً واصحابه وضيفيه من الملائكة كانوا لا زالوا معهم، ولذلك وصفها بالمدينة اثناء وجودهم، ولكن حين خرجوا منها عاد واستخدم لها اسم القرية.

وربما يلاحظ ان القرآن استخدم كلمة المدينة للحواضر التي فيها نظم ادارية محددة، ففي حديثه عن مجتمع يوسف عليه السلام، لم يبدر منه استخدام كلمة القرية وانما استخدم كلمة المدينة،

قال الله تعالى:

 ( وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَن نَّفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا )

يوسف: ٣٠

وكان في حديثه عن مصر الفرعونية ان استخدم كلمة المدينة ايضا

قال الله تعالى:

 ( وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَىٰ حِينِ غَفْلَةٍ مِّنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ هَٰذَا مِن شِيعَتِهِ وَهَٰذَا مِنْ عَدُوِّهِ  )

القصص :١٥

 ( فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خَائِفًا يَتَرَقَّبُ فَإِذَا الَّذِي اسْتَنصَرَهُ بِالْأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ قَالَ لَهُ مُوسَىٰ إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُّبِينٌ )

القصص: ١٨

 

 

 

Share This