1- معنى الاصطفاء

          في

   القرآن الكريم

الاصطفاء مفهوم قرآني تكرر في العديد من الآيات القرآنية ، وردت هذه اللفظة في القرآن الكريم (15) مرة على اختلاف مشتقاتها .

والاصطفاء هو اختيار وتفضيل الشيء لخلوصه من الفساد  والسبق في إحراز الفضائل .

قال اللَّهَ تعالى:

 ( إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ )

البقرة : 132

إن الله اختار لكم هذا الدين- وهو دين الإسلام ، لأنّ هذا الدين صافٍ من كل شائِبة ومن كل ريْبٍ وشكٍ وتطرّفٍ وغُلُوّ ومن كل بعدٍ عن الحقيقة.

عن السيدة مريم عليها السلام

قال الله تعالى :

 ﴿ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ ﴾

آل عمران 42

أن اصطفاك الأولى بمعنى نزهك وصفاك من كل شائِبة  . أما اصطفاك الثانية تعني فضّلك وقدّمك واختارك على نساء العالمين.

فاصطفاء الله يعني أن اللَّهَ تعالى عزّ وجل يقدم ويفضل هؤلاء الأشخاص وهذه العناصر، ويصفيهم ويجعلهم خالصين من كل شائِبة  .

2- مهمة مَنْ اصطفاهم

  الله تعالى

المصطفون لهم دوران أساسيان ..

1- تبليغ شرع الله ورسالته

الله يختار الصالح لتبليغ دينه ورسالته..

عن نبي الله موسى

قال الله تعالى :

﴿  إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالاَتِي وَبِكَلاَمِي  ﴾

الأعراف 144

2- ليكونوا قدوات للناس وللبشر

فالناس في هذه الحياة يحتاجون إلى قدوات حتى يقتدوا بهم، لذلك اختار الله تعالى عينات من البشر صفاهم واجتباهم لكي يكونوا قدوات للبشر وأسوة حسنة لهم،

قال الله تعالى :

( وجعلناهم ائمة يهدون بأمرنا  )

الأنبياء : 73

وجعلناهم قدوة للناس يدعونهم إلى عبادته وطاعته بإذنه تعالى

قال الله تعالى :

﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ ﴾

الأحزاب 21

﴿ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ ﴾

الأنعام 90

عندما يختار الله إنساناً ليكون قدوة للناس وتكون حياة الناس وسلوكهم على هدي هذا الإنسان يجب أن يكون هذا الإنسان منزه ، وأن تكون نفسيته وسلوكه وحياته خالصة من الشوائب و الانحرافات.

3- أسباب الأصطَفاء

          في

   القرآن الكريم

هي تختلف باختلاف الجهات التي تكون سببا للاصطفاء ، فقد يكون السبب من حيث ..

– الاصطفاء للرسالة

في شأن موسى عليه السّلام

قال اللّهِ تعالى:

 ( إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسالاتِي وَ بِكَلامِي‏ )

الأعراف: 144

– الاصطفاء للملك و السلطة

في شأن طالوت

قال اللّهِ تعالى:

( إِنَّ اللَّهَ اصْطَفاهُ عَلَيْكُمْ‏ )

البقرة: 247

– الاصطفاء باعتبار الانتساب إلى التوحيد

قال اللّهِ تعالى:

( ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا )

‏ فاطر: 32

– الاصطفاء باعتبار صنف على آخر

قال اللّهِ تعالى:

( أَصْطَفَى الْبَناتِ عَلَى الْبَنِينَ‏ )

الصافات: 153

– الاصطفاء باعتبار كونه جامعا للكمالات

كما في‏ شأن دين الإسلام

قال اللّهِ تعالى:

( إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَىٰ لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ‏ )

البقرة : 132

و كما في‏ شأن إبراهيم عليه السّلام

قال اللّهِ تعالى:

( وَ لَقَدِ اصْطَفَيْناهُ فِي الدُّنْيا وَ إِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ‏ )

البقرة  : 130

فإن اختياره كان بسبب النبوّة و الملك و التقدّم في الإيمان و الدعوة إليه و الإخلاص للّه تعالى.

4- صفات المصطفون

         في

  القرآن الكريم

إن الاصطفاء لا يأتى صدفة، فلا يوجد صدفة عند الله،فارتقاء درجات التفضيل يكون وفق ميزان الإيمان والعمل الصالح..

قال اللّهِ تعالى:

﴿ وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاء وَيَخْتَارُ ﴾

القصص 68

هو الذي خلق الناس فهو أعلم حيث يجعل رسالته،

– عنِ آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران

قال الله تعالى :

﴿ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ  ﴾

آل عمران 33

اي اختارهم من بين البشر لقيادة الناس بالصفاء والاخاء والعدل

– عنِ إسماعيل

قال اللّهِ تعالى:

( وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ )

مريم 54

إنه كان صادقًا في وعده فلم يَعِد شيئًا إلا وفَّى به

– عنِ سليمان

قال اللّهِ تعالى:

( وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ  )

ص 30

إنه كان كثير الرجوع إلى الله والإنابة إليه.

– عنِ دَاوُودَ

قال اللّهِ تعالى:

( وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ  )

ص 17

ذا الأيد أي صاحب القوة على أعداء الله والصبر على طاعته  و  إِنَّهُ أَوَّابٌ أي إنه توَّاب كثير الرجوع إلى ما يرضي الله.

– عنِ أيوب

قال اللّهِ تعالى:

( إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ )

ص 44

إِنَّهُ صابرًا على البلاء، نِعم العبد هو، إنه كثير الرجوع إلى ما يرضي الله.

– عنِ إسماعيل وإدريس وذا الكفل

قال اللّهِ تعالى:

( وَإِسْمَاعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِنَ الصَّابِرِينَ . وَأَدْخَلْنَاهُمْ فِي رَحْمَتِنَا  إِنَّهُمْ مِنَ الصَّالِحِينَ ﴾

الأنبياء 85- 86

كل هؤلاء من الصابرين على طاعة الله تعالى، وعن معاصيه، وعلى أقداره، وإنهم ممن صلح باطنه وظاهره، فأطاع الله وعمل بما أمره به.

قال اللّهِ تعالى:

( وَاذْكُرْ إِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَذَا الْكِفْلِ وَكُلٌّ مِنَ الْأَخْيَارِ ﴾

ص 48

إن كلا منهم من الأخيار الذين اختارهم الله من الخلق، واختار لهم أكمل الأحوال والصفات.

– عنِ إبراهيم وإسحاق ويعقوب

قال اللّهِ تعالى:

﴿ وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ . إِنَّا أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ. وَإِنَّهُمْ عِنْدَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيَارِ ﴾

ص 45- 47

إنهم أصحاب قوة في طاعة الله، وبصيرة في دينه. إنا خصصناهم بخاصة عظيمة، حيث جعلنا ذكرى الدار الآخرة في قلوبهم، فعملوا لها بطاعتنا، ودعوا الناس إليها، وذكَّروهم بها. وإنهم عندنا لمن الذين اخترناهم لطاعتنا، واصطفيناهم لرسالتنا .

– عنِ إبراهيم

قال اللّهِ تعالى:

﴿ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ ﴾

هود 75

إن إبراهيم كثير الحلم لا يحب المعاجلة بالعقاب، كثير التضرع إلى الله والدعاء له، تائب يرجع إلى الله في أموره كلها.

قال اللّهِ تعالى:

﴿ وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّىٰ ﴾

النجم 37

تمم ما أمر به وبلَّغه

– عنِ زكريا ويحيى وعيسى وإلياس

قال اللّهِ تعالى:

﴿ وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَىٰ وَعِيسَىٰ وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ ﴾

الأنعام  85

وكذلك هدينا زكريا ويحيى وعيسى وإلياس، وكل هؤلاء الأنبياء عليهم السلام من الصالحين.

– عنِ داوود وسليمان وأيوب ويوسف وموسى وهارون

قال اللّهِ تعالى:

﴿ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَىٰ وَهَارُونَ  وَكَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ﴾

الأنعام 84

وكما جزينا هؤلاء الأنبياء لإحسانهم نجزي كل محسن.

– عنِ الرسول محمد

قال اللّهِ تعالى:

﴿ وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾

القلم 4

وإنك -أيها الرسول- لعلى خلق عظيم، وهو ما اشتمل عليه القرآن من مكارم الأخلاق؛ فقد كان امتثال القرآن سجية له يأتمر بأمره، وينتهي عما ينهى عنه.

كما بينت الأيات إن كل من إصطفاهم اللّهِ تعالى هم من

الأخيار..

قال اللّهِ تعالى:

﴿ وَإِنَّهُمْ عِنْدَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيَارِ ﴾

ص 47

وصف الله المصطفين وهم المختارين بالأخيار فلا يوجد مصطفى أى مختار من الله سيىء وإنما كلهم أخيار ليس منهم أشرار و لهذا

قال اللّهِ تعالى:

﴿ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَىٰ عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَىٰ ﴾

النمل 59

قل – أيها الرسول- الثناء والشكر لله، وسلام منه، وأَمَنَةٌ على عباده الذين تخيرهم لرسالته .

5- إن الاصطفاء الإلهي

 لا يتعلق بالأنبياء فقط

إن الله تعالى يختار الأشخاص لمسؤوليات أخرى غير النبوة ، ونجد مثال ذلك في آيتين  ..

أ – مريم ابنة عمران

عند الحديث عن مريم ابنة عمران حينما يقول عنها

قال الله تعالى :

( وَإِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَىٰ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ )

آل عمران  ٤٢

والمشهور أن المرأة لا تكون نبية .

ب – طالوت

عند الحديث عن طالوت

قال الله تعالى :

 ( وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا قَالُوا أَنَّىٰ يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ  )

البقرة ٢٤٧

فاختيار الله تعالى لطالوت لم يكن للنبوة بل لمجرد قيادة الجيش وإدارة أمورهم .

إذاً ، فمحاولة تخصيص الاصطفاء الإلهي بالنبوات فقط أمر خاطئ

 

 

Share This