اسلوب المشاكلة في القرآن الكريم

1- مقدمة

ذات الله جل وعلا وصفاته فوق إدراكنا ، ولا تستطيع عقولنا مجرد تخيلها ، ولا يستطيع لسان بشرى التعبير عنها . ولكن من المهم أن يتحدث الله تعالى عن ذاته وصفاته وتعامله معنا بطريقة نستطيع فهمها ، ولذا يأتى أسلوب المشاكلة .

2- معنى اسلوب المشاكلة

هي ذكر معنى بلفظ غيره لوقوعه في صحبة ذلك الغير ، مثال

قال الله تعالى:

  ﴿ نَسُوا اللهَ فنَسِيَهُمْ ﴾

التوبة : 67

﴿ وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللهُ ﴾

آل عمران : 54

3- المشاكلة

     و

صفات الله

يأتى في القرآن الكريم صفات منسوبة إلى الله تعالى وهو متنزه عنها، و تلك الصفات أتتْ وصفًا لله تعالى من قبيل المشاكلة، وليست منسوبة إليه حقيقة .

أ – المكر

قال الله تعالى:

  ﴿ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ ﴾

الأنفال: 30

المكر عمل ينطوي على خداع واستعمال للحيلة والدهاء والتآمر، والله سبحانه وتعالى عن كل ذلك منزه وإنما جاءت الصفتان مسندتان إلى الله من قبيل المشاكلة، فالمقصود بمكر الله وكيده أنه سيجازي الماكرين من العالمين عقابًا من جنس عملهم وما يستحقونه من العذاب .

ب – السخرية

قال الله تعالى:

﴿  فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ ﴾ 

التوبة: 79

فالله سبحانه وتعالى يستحيل أن تصدر منه صفة السخرية، وجزاء الساخرين منه عز وجل بما يناسب عملهم الشنيع يعتبر عدلا وردعا لهم، وإنما وصف هذا الجزاء بالسخرية لوقوعه في صحبة سخر الساخرين.

ت  -الخداع

قال الله تعالى:

﴿  يخادعون الله وهو خادعهم ﴾

البقرة : 142

وهو خادعهم أي يجازيهم على خِداعهم

ث  -الكيد

قال الله تعالى:

﴿ إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا. وَأَكِيدُ كَيْدًا ﴾

الطارق : 15- 17

إن المكذبين للقرآن، يكيدون ويدبرون؛ ليدفعوا بكيدهم الحق ويؤيدوا الباطل، وأكيد كيدًا لإظهار الحق .

 ج – النسيان

قال الله تعالى:

﴿ نسوا الله فنسيهم ﴾

التوبة : 67

فنسيهم معناه تركهم في العذاب .

قال الله تعالى:

( وَقِيلَ اليَوْمَ نَنسَاكُمْ كَمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن نَّاصِرِينَ )

الجاثية: 34

إن إسناد صفة النسيان إلى الله في الآية من قبيل المشاكلة لأن الله سبحانه وتعالى منزه عن هذه الصفة

قال الله تعالى :

﴿  وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا ﴾  

مريم :64

ح-  الاستهزاء

قال الله تعالى :

﴿  قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ ﴾ 

البقرة : 15

فالله سبحانه وتعالى متنزه عن صفة الاستهزاء، وإنما يقصد بذلك أن الله سبحانه وتعالى سيجازي المستهزئين ويتولى عقابهم على قدر صنيعهم السيئ ويُلحق بهم الذل والصغار والتحقير.

خ- عمل السيئة

قال الله تعالى:

 ﴿ وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا ﴾

الشورى : 40

فإن الله وصف جزاء السيئة بالسيئة وهو في الحقيقة عكس ذلك وإنما هي قصاص وعدل وتقويم لازم وردع مناسب للمخالفين لأوامر الله، فوصف مجازاة المسيئين بالسيئة من قبيل المشاكلة لوقوعها في صحبة السيئة الأولى الحقيقية.

د – النفس

قال الله تعالى:

﴿ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ  ﴾

المائدة : 116

فالله سبحانه وتعالى ليس كمثله شيء ويتعالى سبحانه أن تكون له نفس كنفوسنا ولكن ذكرت النفس الأخيرة منسوبة إلى الله مشاكله للنفس الأولى؛ فالمراد يعلم الله ما في نفسي ولا أعلم ما عند الله عز وجل.

ذ-  الصبغة

قال الله تعالى:

﴿ صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ ﴾

البقرة : 138

صبغة الله أي تطهير الله؛ لأن الإيمان يطهر النفوس، فَعُبّر عن الإيمان بصبغة الله للمشاكلة بهذه القرينة  .

فليس المقصود من هذه الآيات، وصفه سبحانه بالخداع والمكر و الكيد و النسيان ، فالله سبحانه منـزه عن مثل هذه الصفات وما شابهها، وإنما الآيات جاءت على أسلوب المشاكلة والمقابلة والمجاراة، وهو أسلوب معهود في كلام العرب، بحيث يذكرون الشيء بلفظ غيره لوقوعه في صحبته .

أن اللفظ يشبة اللفظ وأنه جاء من قبيل الجزاء من جنس العمل. فهو في جهة الله تسمية العقوبة باسم الذنب

4 – اسلوب المشاكلة

         فى

    علم الله

العلم الالهى المحيط بكل شىء لا يغيب عنه شىء

قال الله تعالى :

﴿ إِنَّ رَبِّي بِمَا تَعْمَلُونَ مُحِيطٌ  ﴾

هود : 92

﴿ وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ  ﴾

النمل : 74

﴿ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً ﴾

الطلاق : 12

ولكن نجد الأية التالية

قال الله تعالى:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمْ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنْ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ لِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ ﴾

المائدة : 94

فهل يعنى هذا أن الله جل وعلا يختبر ويبتلى الناس كى يعلم شيئا لا يعلمه ؟

هذا هو اسلوب المشاكلة . فحسب الظاهر يخبرنا الله تعالى بأنه يفعل هذا ليعلم الفائز والخاسر. والقصد أن يعلموا هم من الفائز ومن الخاسر.

قال الله تعالى :

﴿ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ ﴾

الحديد : 25

﴿ وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ ﴾

آل عمران : 140

﴿ أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمْ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ ﴾

آل عمران : 142

 ﴿ وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنتَ عَلَيْهَا إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ ﴾  

البقرة : 143

﴿   وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلاَّ فَرِيقاً مِنْ الْمُؤْمِنِينَ . وَمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَنْ يُؤْمِنُ بِالآخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْهَا فِي شَكٍّ ﴾

سبأ : 20- 21

وحسب فهمهم يخبرهم الله تعالى بأنه يفعل هذا ليعلم الفائز والخاسر. والقصد أن يعلموا هم من الفائز ومن الخاسر. هنا يعلم الناس من يقوم مناصرا للحق أو مناصرا للظلم .

هو خطاب للمؤمنين كى يعلم كل منهم موقفه . وفى هذا إبتلاء وتمحيص لقلوبهم .

 

 

Share This